شاهد بالفيديو.. الفنانة توتة عذاب تشعل حفل غنائي بوصلة رقص مثيرة والجمهور: (بتحاولي تقلدي هدى عربي بس ما قادرة)    شاهد بالفيديو.. فنانة سودانية تدخل في وصلة رقص فاضحة بمؤخرتها على طريقة "الترترة" وسط عدد من الشباب والجمهور يعبر عن غضبه: (قلة أدب وعدم احترام)    شاهد بالصورة والفيديو.. فتاة سودانية تثير ضجة غير مسبوقة بتصريحات جريئة: (مفهومي للرجل الصقر هو الراجل البعمل لي مساج وبسعدني في السرير)    شاهد بالفيديو.. الفنانة توتة عذاب تشعل حفل غنائي بوصلة رقص مثيرة والجمهور: (بتحاولي تقلدي هدى عربي بس ما قادرة)    شاهد بالفيديو.. فنانة سودانية تدخل في وصلة رقص فاضحة بمؤخرتها على طريقة "الترترة" وسط عدد من الشباب والجمهور يعبر عن غضبه: (قلة أدب وعدم احترام)    شاهد بالصورة والفيديو.. فتاة سودانية تثير ضجة غير مسبوقة بتصريحات جريئة: (مفهومي للرجل الصقر هو الراجل البعمل لي مساج وبسعدني في السرير)    انشقاق بشارة إنكا عن حركة العدل والمساواة (جناح صندل ) وانضمامه لحركة جيش تحرير السودان    على الهلال المحاولة العام القادم..!!    شاهد بالفيديو.. نجم السوشيال ميديا ود القضارف يسخر من الشاب السوداني الذي زعم أنه المهدي المنتظر: (اسمك يدل على أنك بتاع مرور والمهدي ما نازح في مصر وما عامل "آي لاينر" زيك)    مناوي يلتقي العمامرة مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة للسودان    الجزيرة: ضبط أدوية مهربة وغير مسجلة بالمناقل    ماذا لو اندفع الغزيون نحو سيناء؟.. مصر تكشف سيناريوهات التعامل    أول تعليق من ترامب على اجتياح غزة.. وتحذير ثان لحماس    فبريكة التعليم وإنتاج الجهالة..!    تأملات جيل سوداني أكمل الستين    السودان يدعو المجتمع الدولي لدعم إعادة الإعمار    مقتل كبار قادة حركة العدل والمساواة بالفاشر    ريال مدريد يواجه مرسيليا في بداية مشواره بدوري أبطال أوروبا    بيراميدز يسحق أوكلاند ويضرب موعدا مع الأهلي السعودي    أونانا يحقق بداية رائعة في تركيا    ما ترتيب محمد صلاح في قائمة هدافي دوري أبطال أوروبا عبر التاريخ؟    "خطوط حمراء" رسمها السيسي لإسرائيل أمام قمة الدوحة    دراسة تكشف تأثير "تيك توك" وتطبيقات الفيديو على سلوك الأطفال    ماذا تريد حكومة الأمل من السعودية؟    لقد غيّر الهجوم على قطر قواعد اللعبة الدبلوماسية    الشرطة تضع حداً لعصابة النشل والخطف بصينية جسر الحلفايا    شاهد بالصور.. زواج فتاة "سودانية" من شاب "بنغالي" يشعل مواقع التواصل وإحدى المتابعات تكشف تفاصيل هامة عن العريس: (اخصائي مهن طبية ويملك جنسية إحدى الدول الأوروبية والعروس سليلة أعرق الأسر)    شاب سوداني يستشير: (والدي يريد الزواج من والدة زوجتي صاحبة ال 40 عام وأنا ما عاوز لخبطة في النسب يعني إبنه يكون أخوي وأخ زوجتي ماذا أفعل؟)    هالاند مهاجم سيتي يتخطى دروغبا وروني بعد التهام مانشستر يونايتد    الهلال السوداني يتطلّع لتحقيق كأس سيكافا أمام سينغيدا    إنت ليه بتشرب سجاير؟! والله يا عمو بدخن مجاملة لأصحابي ديل!    مصر تسجل مستوى دخل قياسيا في الدولار    وزير الداخلية يترأس إجتماع لجنة ضبط الأمن وفرض هيبة الدولة ولاية الخرطوم    عودة السياحة النيلية بالخرطوم    في أزمنة الحرب.. "زولو" فنان يلتزم بالغناء للسلام والمحبة    إيد على إيد تجدع من النيل    وزارة الزراعة والثروة الحيوانية والري بالخرطوم تبحث إعادة إعمار وتطوير قطاع الألبان    شاهد بالصورة والفيديو.. عروس سودانية ترفض "رش" عريسها بالحليب رغم إقدامه على الخطوة وتعاتبه والجمهور يعلق: (يرشونا بالنووي نحنا)    حسين خوجلي يكتب: الأمة العربية بين وزن الفارس ووزن الفأر..!    ضياء الدين بلال يكتب: (معليش.. اكتشاف متأخر)!    في الجزيرة نزرع أسفنا    من هم قادة حماس الذين استهدفتهم إسرائيل في الدوحة؟    مباحث شرطة القضارف تسترد مصوغات ذهبية مسروقة تقدر قيمتها ب (69) مليون جنيه    في عملية نوعية.. مقتل قائد الأمن العسكري و 6 ضباط آخرين وعشرات الجنود    الخرطوم: سعر جنوني لجالون الوقود    السجن المؤبّد لمتهم تعاون مع الميليشيا في تجاريًا    وصية النبي عند خسوف القمر.. اتبع سنة سيدنا المصطفى    عثمان ميرغني يكتب: "اللعب مع الكبار"..    جنازة الخوف    حكاية من جامع الحارة    حسين خوجلي يكتب: حكاية من جامع الحارة    تخصيص مستشفى الأطفال أمدرمان كمركز عزل لعلاج حمى الضنك    مشكلة التساهل مع عمليات النهب المسلح في الخرطوم "نهب وليس 9 طويلة"    وسط حراسة مشددة.. التحقيق مع الإعلامية سارة خليفة بتهمة غسيل الأموال    نفسية وعصبية.. تعرف على أبرز أسباب صرير الأسنان عند النوم    حادث مأسوي بالإسكندرية.. غرق 6 فتيات وانقاذ 24 أخريات في شاطئ أبو تلات    بعد خطوة مثيرة لمركز طبي.."زلفو" يصدر بيانًا تحذيريًا لمرضى الكلى    الصحة: وفاة 3 أطفال بمستشفى البان جديد بعد تلقيهم جرعة تطعيم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشَاعِرُ القاضي الطيب العباسي في ذكراة الثانية .. بقلم: اسعد الطيب العباسي
نشر في سودانيل يوم 16 - 09 - 2010


الشَاعِرُ القاضي الطيب العباسي في ذكراة الثانية
1926-2008م
صادف اليوم التاسع والعشرين من شهر رمضان المعظم الذكري الثانية لرحيل فارس الكلمة وامير العدالة الشاعر القاضي الطيب محمد سعيد العباسي عليه الرحمة وهي مناسبة احدثكم فيها عن هذا الشاعر العملاق، فالقاضي شاعرٌ مشبوب العاطفة، مرهف الاحاسيس ، مترف المشاعر ، وقد نشأ في بيت دينٍ وعلمٍ وادبٍ سمت امجاده حتى تراءت تكادُ تطوف بالسبعِ الشِدادِ ، وقد ورث أحاسيسه ومشاعره من بيئته الضاربة الجذور في الارضية الصوفية الادبية ، فهو فرع لدوحة صوفية امتدت ظلالها الوريفة على أرياف مصر وربوع السودان ، والده هو الشاعر الجهير شاعر الصولة والجولة وباعث نهضة الشعر العربي في السودان ، الشيخ محمد سعيد العباسي إبن الاستاذ محمد شريف (أستاذ الإمام محمد أحمد المهدي محرر السودان) بن الشيخ نور الدائم بن سيدي أحمد الطيب مؤسس الطريقة السمانية في مصر والسودان ، وقد نشأ شاعرنا في كنف والده العباسي عميد شعراء العربية في السودان بلا منازع، وقد تنزل إليه الشعر من جده الرابع فهو شاعرٌ بن شاعرٍ بن شاعر بن شاعر بن شاعر ، وسليل أشياخ كرام ذوي مكانة راسخة في دنيا الأوراد المسجوعة والاناشيد المنظومة.ولد شاعرنا الطيب في العام 1926 وتلقى تعليمه الأول بحفظ أجزاء من القرآن الكريم في خلوة عمه الشيخ محي الدين ود ابو قرين بقرية الجيلي موطن جده لأمه البطل القومي الزبيرباشا رحمة منصور العباسي وبعد فترة دراسية أخرى شَدَّ رحاله صوب أرض الكنانة حيث درس المرحلة الثانوية في مدرسه حلوان التي إنتقل منها إلى جامعة القاهرة الأم التي تخرج فيها بكلية الحقوق العام 1953 . كانت لمدينة حلوان ومكتبتها العامرة بأمهات الكتب الأثر العميق في تشكيل الثقافة الأدبية لشاعرنا الطيب العباسي وصقل موهبته الشعرية حيث نهل من معين مكتبتها الثرة الكبيرة الكثير من علوم الأدب والشعر والعروض، وقد برزت هذه المدينة في اشعاره بروزاً رائعاً يقول في قصيدته حلوان :-
أنا مَنْ جَهِلِتُم يا صحا بي داءه ** والجهلُ أحرى في تَقَري دَائيه
حُلوان تعلمُ سِرَّ ما أُخْفي ** فإمَّا شئتمو فسلو رُبا حُلوانيه
يممتُ وجهي شطرها وبأضلعي ** سهمٌ به هذا الزمانُ
رمانيه فاستقبلتني مثلما يستقبِلُ** الأعرابُ في البيداءِ صوبَ الغاديه
ووجدتها نشوى يزين ربوعها** حُسنُ الحضارةِ وابتهاجُ الباديه
ويقول عن حلوانه في خاتمة هذه القصيدة :-
تاللهِ ياحلوانُ لو أني أُدواى **كنتِ أنتِ طبيبتي ودوائيه
شَيَّدتِ في قلبي مَفاتِنَ غضةً ** ثَمِلتْ بها روحي فغنتْ شاديهوسكبتِ هذا السحر ملء جوانحي ** فانساب رقراقاً إلى أشعاريه
أنا لا أُردِدُ غير وحيٍ في دمي **مغناكِ منبعه وليس خياليه وفي القاهرة أخذ شاعرنا يؤم الندوات الأدبيه مصطحباً معه أحياناً صديقه الشاعر العظيم إدريس جماع ويلتقي بكبارلأادباء والشعراء ويحفظ من أقوالهم الكثير وقد بلغ به الإعجاب بالشاعر محمود طه المهندس حداً جعله يحفظ كل حرفٍ قاله، واتخذ شاعرنا مكانه بندوة العقاد وصالونه الأدبي حيث توثقت هناك علاقاته بأساطين الأدب والشعر العربي، ويقول شاعرنا أنه أ عجب جداً بابيات من الشعر للعقاد قالها في تلك الايام تقولُ:-
إذا شيعوني يوم تُقضى منيتي **وقالوا أراحَ الله ذاك المُعذبا
فلا تحملوني صامتينَ إلى الثرى ** فإني أخاف اللحدَ أن يتهيبا
وغنوا فإن الموتَ كأسٌ شهيةٌ ** وما يزال يحلو أن يُغنى
ويُشرَبا
ولا تتبعُوني بالبُكاءِ وإنما أعيدوا ** إلى سمعي القصيدَ
لأطربا وهكذا أضحت القاهرة جبلاً أدبياً آخر تسلقه شاعرنا بإقتدار وهو يدرس فيها الحقوق التي ولج إلى كليتها برغبالدكتور العلامة السنهوري إذ كان شاعرنا يرغب في دراسة الآداب ‘وهكذا صار الشاعر الطيب العباسي هديةُ الأدب للقانون وفي هذه المرحلة بلغت شاعريته أوجها إذ تخلقت فيها قصيدته ذائعة الصيت ( ذات الفراء ) التي وُسِمَتْ فيما بعد ب ( يا فتاتي ) والتي انشأها في العام 1950 قبل تخرجه باعوام ثلاثة، وبدأت من بعد تتمازج في ذهنيته عقلية الأديب بعقلية القانوني وصارتا بحكم الدراسه والاطلاع والخبرة هجيناً لم ينفصل وأخذ ينمو نموًا مضطرداً ومذهلاً وهذا ما يفسر لنا تلك الاحكام التي أصدرها كقاضٍ مرموق ترقى أعلى درجات سلم القضاء
وحشدها بفنون الأدب والشعر كقضيه القاتله الحسناء التي اتينا على تفاصيلها في حلقات ماضيه في هذا الموضع ومن رحمها وُلدتْ قصيدته الفريدة (قضية لقيطة) ويقول شاعرنا وقاضينا الأديب الطيب العباسي: إن
الأدب والقانون وجهان لعملة واحده، فالقانوني الناجح هو الذي يعبر عن ارءه القانونيه باللغه الفصيحه والبليغه وبالأدب القانوني السامي، ولعله كما يقول إن التصاقه في القاهرة مع الرعيل الأول الذي سبقه من القانونيين السودانيين أفاده كثيرًا، كتلك الصلة التي جمعته بالدكاترة أمثال أحمد السيد حمد وعقيل أحمد عقيل وأمين الشبلي كما افاد كثيرا من عمله كمحام قبل التحاقه بالقضاء بمكتب المحامي المعروف الاستاذ الراحل الرشيد نايل، واكتسب خبرةً مبكرةً من عمله كمدير لمكتب معالي وزير العدل آنذاك السيد علي عبد الرحمن ،,عرف شاعرنا الطيب العباسي بأدائه الشعري الآسِر المتوغل في السهولة والامتناع بالةٍ عروضيةٍ جبارةٍ ومعرفةٍ بأصول اللغة وقواعدها معرفة تامه مستفيداً في ذلك من موهبته الشعرية الضخمة وملكته الصحيحة وثقافته الأدبية العالية التي سلكت في دروب الأدب العربي بعمق، وادركت مآلات الأدب الغربي إدراكاً مماثلاً ، ولعل أكثر مايميزه كشاعرٍ أنه شاعِرٌ غَزِلٌ من الطراز الأول، وعاشقٌ تراه يتمسك بعشقه وإن تجاوز الثمانين التي قال عنها زهير بن أبي سلمى في معلقته : -
سَئمتُ تكاليفَ الحياةِ ومن يَعِشْ **ثمانينَ حولاً لا أبالكَ يَسْأمِ
رغم ذلك تحتوش نصوصه المتأخرة بكائية العمر والعشق، وهذا ما يمكن أن نطالعه في ديباجته الجزلة التي إبتدر بها قصيدته الفخيمة (خواطر مغترب في عيد الاستقلال ):-
لدى الغيدِ الحسانِ خبا زنادي**وفي ساحِ الغرامِ كَبَا جوادي
أطلَّ الشيبُ من راسي اذا بي ** أُحِسُ به سهاماً ًفي فؤادي
وكل خريدةٍ حسناء أضحت ** تناديني أبي لمَّا تُنادي
فأُبتُ وقد سَلتْ حُبي سُليمى ** وبِتُ على جفاءٍٍ من سعادِ
على عهدِ الشبابِ سكبتُ دمعي ** وما عهدُ الشبابِ بِمُستعادِ
بنيتُ الحُّبَ قصراً من شعورٍ **فأضحى اليومَ
كوماً من رمادِ
وهذا إن سألتَ حصادُ عمري** أ لا يا ما
امرَّكَ من حصادِ
وأخذت تستمر معه هذه البكائية مُتخذةً شكلاً واضِحاً ومؤثراً في عصمائه
الأخيرة التي أعطاها إسمين هما (بهجة الروح ) و ( اللحن الأخير) نجتزئ منها قوله :
أراكِ تمشينَ بين الخلقِ في حذرٍ ** وتتقينَ عيونَ الناسِ في
خَفرِ
تحاذرينَ لِحاظاً شَدَّ ما ظَمئتْ ** لترتوي منكِ في وردٍ وفي
صدرِ
أنتِ الملاكُ الذي إن غابَ عن نظري ** يا ويلتا من طويلِ الهمِّ
والسهرِ
وفي الغرامِ كما في الحبِ معركةٌ ** أبليت فيها بلاء
العاشق الخطرِ
وكنتُ ذا صولةٍ في كل معركةٍ ** سيفي شبابي سلي يُنبيكِ عن خبري
ينبيكِ أنَّ الشبابَ الغضَ يأخذ من ** غيدِ الحسانِ هواها أخذ
مقتدرِ
ينبيكِ أني متى ما خضتُ ساحتها ** حصنتُ نفسي بآدابِ الهوى العذري
ذاك الشبابُ مضى والقلبُ يتبعه ** أنى مضى لإيابٍ غير
منتظرِ
أما الثمانونَ لا أهلاً بها أبدًا ** أحالني مُرُّها قوساً بلا
وترِ
وإن أردت فقُلْ أصبحت في كِبَري ** كدوحةٍ عَقُمتْ أضحتْ
بِلا ثمرِ
والحبُ تَكْمُنُ في قلبي لواعِجه ** كالنارِ كامنة في باطنِ
الحجرِ
تهزني النار في قلبي وقد وقدتْ ** هزّ البراكينِ للأطوادِ
والجُُدرِ
الإسم الثاني لهذه القصيدة ( اللحن الأخير) كان استئذاناً للاعتزال وتنباً
بالرحيل، وكانت نبؤة مفجعة وهذا ما صرحت به القصيدة في خواتيمها التي قال فيها:-
فإنْ قَرُبْتِ فإني لستُ اطمعُ في **شيئٍ سوى الهمس والبسمات والسمرِ
وإنْ بَعُدْتِ فَحَالي كلها كرمٌ **أرعى الهوى بين أضلاعي مدى عمري
ولن أُلَحِنِ شعراً بعد ذي أبداً ** فهذه آخرُ الألحان من شعري
الغزل هو أيقونة الشاعر التي أجاد العزف على اوتارها والنفخ على
مزمارها بأنغامٍ ما شداها قَبلُ شادي وله في ذلك من جيد الشعر وأرقه ما
له، فعندما قالت له حسناؤه آمال عبر الهاتف : زواجي بعد اسبوع فهل
تتكرم بتشريفنا ؟ إعتذر ..فقالت إذن هنئني بابيات من الشعر فقال لها كيف يهنئي حبيب محبوبه بزواجه من غيره ؟!! ورغم ذلك أرسل لها قصيدة يهنؤها فيها بالزواج يقول في مطلعها :-
أدارَ عليكِ السعدَ ربٌ يديرُهُ **وجَادَكِ من غيثِ الهناءِ غزيرُهُ
ويُسعدني أني أراكِ سعيدةً **وحَسْبُ فؤادي طيفٌ من هواكِ يزورُهُ
وكيف يزور الطيف قلبا سكنته**ألا أنه لغو الحديثِ وزورُهُ
توقفت الشاعرة والاديبة (طلاسم ) عند هذه الابيات السابقة وعلقت قائلة:
إن هذا الكلام يمثل منتهى الخُلق . ونأتي الآن الي الصورة التي رسمها
الشاعر ليوم زفاف آمال وأترك للقارئ أن يتملاها ويتمثلها ريثما أذهب الي ظبيةِ الثغر:
كأني بذاك الحي يومَ زفافها ** تكادُ تغني دورُهُ وقصوُرهُ
كأني بذاك الوجه قد فاض حسنه ** وعَمَّ البوادي والمدائن نورُهُ
كأن العذارى في ذرى البيتِ أنجُمٌ**وأنك من دون العذارى منيرُهُ
بعد ما بنى الشاعر قصيدتة المغناة (ظبيه الثغر ) وهو يقضي بمدينه
بورتسودان واسرته بعيدة عنه بالخرطوم تملكته الهواجس وأنتابه القلق
بسبب الوفاء والحب الذي ظل يكنه لاسرته المكونة آنذاك من زوجته سلمى وابنته اسماء أخذ يعاتب قلبه في قصيدة رائعه بعنوان (عتاب قلب ) يقول في بعض منها :-
أَمِنْ بعد سلمى يافؤادي وأسماءِ**تُعاقِرُ حُباً اوتهيمُ بحسناءِ؟
عَشقتَ عذارى البحرِ من بعد أن نأتْ **عذارى ضفافُ النيلِ من كلِ غيداءِ
فهذه فتاةُ الثغرِ اصماكَ لحظُها **فبتّ على نارٍ من الوجدِ رعناءِ
أراكَ برغمي قد تنكبتَ واضحاً **وبعت ببورتسودان دُراً
بحصباءِ
ثَكَلُْتكَ قلبي فالمنايا أحبُ لي **إذا رمت ما لا أرتضي
لأخلائي
سأمضي الى حي الأحباء تاركاً **ربيعاً بلا زهرٍ ونهراً بلا ماءِ
هناك ترى أن كان حبك كاذباً **فليست ظباء الحي كالمعزِ والشاءِ
لم يكن الغزل هو الباب الشعري الوحيد الذي طرقه شاعرنا الطيب العباسي وإن كان هو شاعرٌ قد إتخذ من الغزل عنواناً له ، فقد ضم ديوانه (العباسيات) باباً للاجتماعيات وباباً للمراثي وقصائد للوطن والعروبة ، وهو يؤمن بالقومية العربية التي لا تقدح في إفريقيته وقد قال في مطلع قصيدته (صنعاء) وهو يسعى إليها من الخرطوم :-
قَدِمْتُ من وطني أسعى إلى وطني ** كالطيرِ من فننٍ قد حلَّ في فننِ
إن يَكُ دمُ ترهاقا سرى بدمي ** فاني إبن سيفَ إبن ذي يَزَنِ
وقال عندما قدم الى الخليج وعمل مستشاراً قانونياً للمجلس الاستشاري
الوطني لإمارة أبو ظبي :-
وجئتُ الى الخليجِ وكان زادي ** شعوري أنه إحدى بلادي
وفارقت الاحبة عن يقينٍ ** بأنهمو هنا رغم البُعادِ
فمن أهلي سوى قومٍ أراهم** يعادونَ العدوَّ كما أعادي ؟
ويعتنقون دينا وهو ديني ** وينطق كلهمُ ضاداً كضادي
ويجمعني بهم نسبٌ عريقٌ ** يوحد بيننا من قبلِ عادِ
نزلتُ بأرضِهم فحللت سهلا **وكم لهمو علي من الأيادي
ولست بِمُنكِرٍ لهمو جميلاً**كما قد أنكرتْ هندٌ سوادي
ولستُ بمادِحٍ ..كلا .. فإني **أعافُ البيعَ في سوقِ الكسادِ
أما مصر فلها شأن من الحب آخر في قلب ووجدان شاعرنا الطيب العباسي وهو حب لم يرثه من والده عاشق مصر المتيم الذي قال عنها:-
مِصرٌ وما مصر سوى الشمس التي بهرتْ**بثاقبِ نورها كل الورى
والناسُ فيك إثنانِ شخصاً رأى حُسْنًا**فهامَ به وآخرُ لايرى
إنما كان حبا تسلل الى قلبه وتمكن فليس من رأى كمن سمع وقد ساقه هذا الحب في وقت مبكر الى مناصرة شقيقه المصري الذي كان يقاوم المستعمر الإنجليزي على ضفاف قناه السويس على خلفية صراع عنيف شب عندما الغت مصر معاهدة 1936م وتوابعها فأنشأ قصيدته المزمجرة (أخي في شمال الوادي) يقول في بعضها :-
أخي يا ابن مصرَ فتاةِِ الكفاحِ**وأمِ الحضارةِ بين الأممْ
إذا ما طوتكَ غيومُ الزمانِ **طوتني دياجيرٌُها والظُلَمْ
وإن سقطَ الدمعُ من مقلتيكَ **بكيت بقلبي دموعاً ودمْ
وتأسى روافِدُ بحرِ الغزال** إذاما بِدمياطَ خطبٌ ألمْ
وإما زأرتَ بشطِ القنالِ **وثَبتُ إليكَ خفيف ألقدمْ
نذود معاً عن حياضِ الجدود **ورهْطِ الأبوة منذ القِدمْ
أخي إن تجنبتَ قصفُ الرعودِ ** وحاذرت بركانها والحممْ
فما أنت والله من يعْرُبٍ **ولست حفيد بُناةِ الهرمْ
كما يضج ديوان الشاعر بالإخوانيات والمرثيات التي تدل على وفائه
وإخلاصه وقد خلا رغم غزلياته المثيرة من الأدب الفاضح أو الجنوح
نحوها أو حتى نحو الأيروتيكية، وسلاسة شعر هذا الشاعر حصنته من
الرمز الغامض والهلامية والخطاب الشعري الإستعلائي رغم أنه شاعِرٌ
مطبوع وعالمٌ باللغة العربية اللتي سبر غورها وتمكن من مفاصلها و راوية مجيد لطرائف الأدب وملحه مما أهله دائماً أن يكون زهرة المجالس وريحانتها فالأدب والشعر عند الطيب العباسي ليس هواية وموهبة فحسب إنما إتخذ ذلك أسلوباً لحياته وأنغاماً دائمة تنتظم حياته في كافة مجالاتها ولكم تضاعف حزني عندما مات والدي وانا ابحث في عروة بذلته فلم أجد وساماً علقته الدولة تكريماً لهذا الأديب الضخم وكثيراً ما كنت أرى مثل هذه الأوسمة تمنح لمن هم دونه قامة وأخفض سقفاً على أنه تكفيه دعوات البسطاء من أهله ومحبيه ومعجبيه وأصدقائه بالرحمة.
وأخيراً أقول لوالدي الشاعر الطيب العباسي في عليائه ما قاله هو لوالده الشاعر محمد سعيد العباسي بذات إحساسه :
أبي إن أخلَّ الناسُ أوفى وإن دعوا ** أجاب وإما أبهموا القولَ أعْرَبَا
فلو لم تكُن أنتَ الذي قد ولدتني ** لما رضِيتْ نفسي بغيرِك لي أبَا


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.