أصبحت القارة الأفريقية تشكل مكانة هامة فى الإستراتيجية الأمريكيةالجديدة وذلك بعد بروز أهمية القارة الإفريقية بالنسبة للمصالح القومية الأمريكية وخاصة الأمن القومى الأمريكى,فالقارة الإفريقة تمتلك إحتياطى نفطى هائل يؤمن الإحتياجات الأمريكية المتصاعدة على الطاقة, كما إنها تمتلك مخزون هائل من المعادن الهامة التى تدخل فى الصناعات الإستراتيجية,هذا بالإضافة لإستشراف القارة الإفريقية على المعابر والموانى الإستراتيجية المهمة فى المحيط الهندى والأطلسى والبحر الأحمر,كما تشكل القارة الإفريقية سوقا لا يستهان به للمنتجات الأمريكية, بالإضافة لتنامى دور الصين فى أفريقيا بإعتبارها قوى إقتصادية منافسة للولايات المتحدةالأمريكية , إن مرتكزات السياسة الأمريكية إتجاه القارة الإفريقية منذ نهاية الحرب الباردة ظلت أهدافها الاستراتيجية ثابتة ولم تعتريها سوى بعض التغيرات الطفيفية التى حتما لا تؤثر فى تنفيذ مجمل السياسات المرسومة لإفريقيا من قبل صانعى القرار فى الإدارات الأمريكية المتعاقبة, فالسياسة الأمريكية ظلت ولا زالت تسعى إلى حماية خطوط التجارة البحرية الدولية و الوصول إلى مناطق النفط والتعدين والمواد الخام و فتح الأسواق للمنتجات والاستثمارات الأمريكية و دعم ونشر قيم الليبرالية الخاصة بالديمقراطية وحقوق الإنسان كأدآة من أدوات الهيمنة وبسط النفوذ،والعولمة التى أطلقتها الولاياتالمتحدةالأمريكية عقب إنتهاء الحرب الباردة أدت إلى تنشيط وتفعيل سياساتها نحو أفريقيا عبر تنشيط التبادل التجارى وضخ الإستثمارات كوسيلة للتغلغل فى القارة الإفريقية، بالإضافة إلى دعم بعض القادة الأفارقة المواليين لها لخلق تكتلات إقليمية تخدم مصالحها الحيوية فى القارة الإفريقية , وقد بدأت ملامح هذه السياسة الأمريكية نحو القارة الإفريقية تتشكل فى عهد الرئيس الأمريكى بيل كلينتون عام 1998 حيث قامت إدارته بمحاولات لتأسيس شراكة أمريكية أفريقية جديدة تخدم المصالح الإمريكية فى القارة الإفريقية ،ومحاولة لإدماج القارة الإفريقية في الاقتصاد العالمي وإنهاء تهميش القارة الأفريقية,وبناء على المعطيات أعلاه يتضح أن سياسة الولاياتالمتحدة نحو القارة الإفريقية تعمل على تحقيق أهدافها بالإعتماد على الإستراتيجيات التالية: أولا:الإهتمام بقضايا الإرهاب والتطرف وحقوق الإنسان والأقليات والمخدرات والجريمة الدولية وحقوق المرأة ووضعها على قائمة أولويات سياسة الولاياتالمتحدة نحو القارة الإفريقية. ثانيا:تطويق الأنظمة الغير موالية لها فى القارة الإفريقيةوالتي تصنفها الولاياتالمتحدة بالدول الداعمة للإرهاب على حسب وجهة نظرها. ثالثا:خلق كيانات إقليمية تساعدها فى تحقيق مصالحها فى القارة الإفريقية وإختيار دول معينة لكى تمارس دور قيادى فى هذه الكيانات الإقليمة. رابعا:تحقيق الأمن والاستقرار لتأمين مصالحها البترولية والتجارية عن طريق إنشاء قوة أفريقية لمواجهة الأزمات عبر تقديم التمويل والتدريب للدول الحليفة وإنشاء القواعد العسكرية لتأمين مناطق مصالحها الحيوية. خامسا:تفعيل الاستثمارات والتجارة في القارة الإفريقية بدلاً من إرسال المساعدات التى تكلف الخزينة الأمريكية أموالا طائلة. إن الولاياتالمتحدة قد أهملت لعقود طويلة أثناء وبعد إنتهاء الحرب الباردة القارة الإفريقية، لذا نجدها تحاول جادة فى خلال السنوات السابقة وإلى الآن فى إيجاد صيغة جديدة للشراكة مع أفريقيا لكي تخرج من الموقف المعقد الذى فرضه غيابها من القارة الإفريقية أثناء الحرب الباردة والذى أدى إلى تغلغل النفوذ الصينى فى القارة الإفريقية والذى يعتبر مهدد قوى لمصالحها الحيوية وبالتالى أمنها القومى, كمااحتلت أفريقيا مكانة مهمة في الاستراتيجية الأمريكية الخاصة بمحاربة ما يسمى بالإرهاب وذلك إلى عدة أسباب أهمها تنامي المشاعر المعادية للولايات المتحدة في كثير من المناطق الأفريقية وبالتحديد منطقة القرن الأفريقي حيث تؤكد بعض المعلومات الاستخبارية الغربية إن الصومال بعد انهيار نظام الدولة فيه عقب الإطاحة بالرئيس السابق سياد بري أصبح أرضا خصبة لنمو الجماعات والتنظيمات التي تضعها الولاياتالمتحدة على لائحة ما يسمى بالإرهاب ، وعليه تتضح أهمية الصومال ومنطقة القرن الأفريقي في إطار الحملة الأمريكية على ما يسمى بالإرهاب, كما أن هنالك أهمية لبعض الدول كالسودان في إطار بناء تحالف دولى يخدم المصالح الحيوية للولايات المتحدة من أجل محاربة ما يسمى بالإرهاب حيث أن هناك ارتباطات ثقافية بالتجمعات الإسلامية في دول الجوار الجغرافي للسودان , كما أن تردي الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في القارة الأفريقية أدى لجعلها بيئة خصبة لنمو المشاعر المعادية للغرب والولاياتالمتحدةالأمريكية ، حيث تعد القارة الإفريقية الحلقة الأضعف في سلسلة ما يسمى بالإرهاب الدولي كما يدعى الأمريكان والغربيين فالحدود يسهل اختراقها ومؤسسات فرض النظام والقانون ضعيفة، والموارد الطبيعية وفيرة،ومناطق الصراع متعددة، والدول الإفريقية ضعيفة حيث يؤدى كل ذلك من بعض الدول الأفريقية أن تكون موطنا لنمو الجماعات والتنظيمات المناهضة لنفوذ الولاياتالمتحدة والدول الغربية بالإضافة للتجارة غير المشروعة في الألماس في منطقة البحيرات العظمى, وعليه فقد اهتمت الإدارة الأمريكية بدعم العلاقات الأمنية والعسكرية مع الدول الأفريقية في إطار ما يسمى (الحرب على الإرهاب),و قامت الولاياتالمتحدةالأمريكية فى إطار سعيها للتواجد فى القارة الإفريقية بطرح عدة مبادرات منها مبادرة وزارة الدفاع الأمريكية البنتاغون (BENTAGON) فى عام 2002 التى أطلق عليها إسم مبادرة الساحل (Pan Sahel Initiative) حيث تم من خلال هذه المبادرة تقديم مساعدات عسكرية وتدريب للقوات فى كل من مالى وموريتانيا وتشاد والنيجر, وفي يونيو عام 2003م أعلن الرئيس بوش عن مبادرة أمريكية قيمتها (100) مليون دولار لزيادة قدرة دول شرق أفريقيا على محاربة ما يسمى بالإرهاب, وفي السنوات الأخيرة أصبحت الولاياتالمتحدة أكثر إهتماما بالبترول الأفريقي كبديل لبترول الشرق الأوسط,وعليه فإن الإدارة الأمريكية تنظر الآن إلى النفط في أفريقيا باعتباره مصلحة قومية استراتيجية، وعليه أصبحت بعض الدول الإفريقية مثل نيجيريا، وأنجولا، والغابون من أهم الدول المصدرة للنفط للولايات التمحدة الأمريكية, وحاليا توفر أفريقيا جنوب الصحراء(حسب التقسيم الأمريكى الجغرافى للقارة الإفريقية) خمس واردات الولاياتالمتحدةالأمريكية من النفط الخام ، وتتوقع بعض المصادر أن تزيد واردات أمريكا من نفط غرب أفريقا بنسبة 25% بحلول عام 2015م,وهذا يعنى أن واردات أمريكا من البترول الأفريقي سوف تفوق وارداتها النفطية من الخليج العربي ، وعليه فإن الولاياتالمتحدة ستبذل أقصى ما في وسعها لتأمين مصادر البترول في أفريقيا, ويبدو أن التوجهات الجديدة للولايات المتحدةالأمريكية نحو قارة أفريقيا في مرحلة ما بعد الحرب الباردة قد أبرزت تنافساً حقيقياً بين الصين والولاياتالمتحدةالأمريكية من جانب وبين فرنساوالولاياتالمتحدةالأمريكية من جانب آخر,حيث يمكن ملاحظة ذلك فى الكثير من الصراعات الأهلية فى إفريقيا,فنجد أن الدور الأمريكي في إعادة رسم خريطة التوازن الإقليمي بمنطقة البحيرات العظمى لا يتفق مع المصالح الفرنسية ، ومع ذلك فإن هنالك بعض التعاون والتنسيق بينهم إتجاه قضايا إفريقية محددة,كما نجد تباينا فى المواقف بين الصين والولاياتالمتحدةالأمريكية إتجاه بعض القضايا الإفريقية الأخرى,والجدير بالذكر أن السياسة الأمريكية في القارة الأفريقية أصبحت الآن تقف عائقا أمام تطوير العلاقات العربية الأفريقية لأكثر من سبب,أولها السلوك الأنجولوأمريكى أصبح يدعم الأقليات الحاكمة في كل من رواندا، وبوروندي، وأوغندا، ويعمل على خلق مناطق نفوذ في منطقة القرن الأفريقي الكبير مما عرض المصالح العربية للخطر،و قضية مياه النيل واستخدامها كورقة ضغط في مواجهة كل من مصر والسودان خير مثال لذلك,وثانيهما أن الوجود الأمريكي يرتبط دوما بالوجود الإسرائيلي حيث تسعى إسرائيل من خلال إستراتيجيتها المتعلقة بالبحيرات العظمى ومنابع النيل إلى فتح ثغرة في خطوط الأمن القومي العربى، وكذلك جعل أبواب المنطقة مفتوحة أمام المصالح الأمريكية, وثالثهما أن السياسة الأمريكية فى القارة الإفريقية أصبحت تثير قضايا الفرقة والنزاع بين العرب والأفارقة، ويظهر ذلك بصورة أوضح في الموقف الأمريكي والأوروبي من قضية الإسلام السياسي التي يتم وصفها بالإرهاب,ومن اهداف الادارة الامريكية فى القارة الإفريقية العمل على تحجيم النفوذ البريطاني والفرنسي ،واقامة (مشروع القرن الافريقي الكبير) وبناء على معلومات صادرة عن الادارة الامريكية،فإن مشروع القرن الأفريقي الكبير الذى تود الإدارة الأمريكية تحقيقه يضم الى جانب دول القرن الأفريقي الأصيلة(الصومال،اريتريا، اثيوبيا) كل من اوغندا،رواندا، بورندي،الكونغو الديمقراطية وجنوب السودان الذى يتم الإعداد لفصله عن الشمال السودانى،ومن أهداف مشروع القرن الإفريقى الكبير القيام بإنشاء بنية تحتية لمصلحة شركات التعدين والنفط والصناعات العسكرية الامريكية، والهدف من ضم هذه الدول الجديدة الى منظمومة دول القرن الأفريقي الأصيلة هو أن كل هذه الدول تضم غالبية من قبائل (التوتسي) المسيحية ،وبالتالى تحجيم دور قبائل (الهوتو) التي تراجع نفوذها امام التوتسي ,ولقد ظهر جليا الآن أن أسباب الصراع الجاري في الصومال وارتيريا واثيوبيا من جهة،وفى جنوب السودان واوغندا والكونغو الديمقراطية ورواندا وبورندي وكينيا وتنزانيا من جهة أخرى تلعب الولاياتالمتحدةالأمريكية ومن خلفها إسرائيل دورا محوريا من أجل تحقيق مصالحهما فى القارة الإفريقية، فالصراع فى منطقة القرن الأفريقي بهدف الى تدويل البحر الاحمر وخليج عدن، والصراع في دول منطقة البحيرات العظمى يهدف الى تدويل مياه حوض نهر النيل، وبناء القواعد فى منطقة القرن الأفريقي ودول منطقة البحيرات العظمى وخليج غنيا كلها دلالات تؤشر لولوج المشروع الامريكي فى القارة الإفريقية ,و لكن السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو هل الولاياتالمتحدةالأمريكية قادرة على تحقيق سياساتها فى القارة الإفريقية فى ظل التنافس القائم الآن على موارد القارة الإفريقية بينها وبين القوى الصاعدة الأخرى وبالتحديد الصين التى أوفت بجميع إلتزاماتها من أجل تنمية القارة الإفريقية والتى إنتشر نفوذها فى جميع أرجاء القارة الإفريقية؟أم أن تحقيق سياساتها سوف يواجه تحديات إقليمية ودولية تكبح تنفيذ أهدافها المرسومة للقارة الإفريقية؟ عاصم فتح الرحمن أحمد الحاج باحث وخبير إستراتيجى فى شؤون االقارة الإفريقية ومتخصص فى شؤون القرن الإفريقى