كم هي صعوبة هذه اللحظة التي يجد المرء نفسه وهو ينعي او يكتب عن رحيل الاخ د. محمود ابراهيم عثمان الاستاذ بجامعة كسلا بحسبان رحيله المفاجئ عن دنيا الفناء هذه ، ولكن تاتي ارادة الله سبحانه وتعالي وقضائه وكما قال الشاعر فى السابقين الاولين من القرون لنا بصائر لما رايت موارداً للموت ليس لها مصادر ورايت قومي نحوها يمضى الاكابر والاصاغر ايقنت اني لا محاله حيث سار القوم سائر عرف الكثيرون الاخ/ محمود بذلك المعلم الذي تفاني في رسالته ووهب جل وقته لتلاميذه ، كما عرفه اهل مدينته كسلا بذلك الشاب الاسلامي النشط ، فكم من مرات وهو بين قوافل المجاهدين في شرق السودان او عند تخوم الجنوب قابضاً علي الكشلاشنكوف وصادحاً باناشيد الجهاد مدافعاً عن مبدئه الاسلامي وتوجه الانقاذ ، واثناء تلك الفترة وقبلها فهو ذلك المربي والمعلم للعديد من الاجيال ، فتحكي المدارس عن معلم فريد في تدريس العربية والتاريخ فعندما كن نحن طلابه وتلاميذه بمدرسة كسلا الاهلية للبنين يدرسنا عن محمد احمد المهدي وتاريخ سيرة دولة المهدية وكيفية تكوين الدولة وخوضها للمعارك تشعر بانك بين رحي تلك الدولة وتحت قيادة الخليفة عبدالله ود تورشين ، وعندما يحلق بك في سماوات لغة الضاد بين شعر المتنبئ والبحتري تقف امام احد فصحاء اللغة بل تسحرك براعته في قواعد النحو والبلاغة . وفي جانب اخر وبعد مفاصلة الاسلاميين ذهب د.محمود طائعاً الي شيخه الترابي وكانت رحلته مع المؤتمر الشعبي وكان صادقاً فيها ، منحازاً لها وبقوة، فعمل فترة من الزمن مع اخوانه الاسلاميين المنشقين بالمؤتمر الشعبي حتي اتت لحظة شعر فيها فقيدنا العزيز بحتمية الذهاب الي حيث تحقيق التنمية العادلة لاهل شرق السودان وقد كانت رحلته مع مؤتمر البجا فذهب بقلبه اليهم عند اقاصي شرق السودان بحثا عن سبل تحقيق مبادئ مؤتمر البجا وقد بداءت رحلة جديدة من بين الداخل والخارج وبها صعوبات جمة وتحديات كبيرة خاصة اسرته المكلومة ، يضاف اليها ابتلاء المرض وبداء حسده الممتلي عزيمة وقوة يقاوم في ثبات لعنات مرض السكري . شهدت تلك المرحلة حراكاً سياسياً مكثفاً له وعمل سياسي دؤوب بالدفاع عن قضية اهل الشرق وعن حق التنمية والخدمات وعن ازالة الامية والجهل ، كيف لا وراحنا هو من خبر دروب العلم وعرف مكمن الداء ، انطلق بكل ما يحمل للدفاع عن هذا الامر التنموي ، وكان كثيراً ما يحدثني عن انه يحمل راية الاسلاميين في قلبه ولكن هذا توقيت لايمكن ان ينشغل فيه الا بقضية تحقيق طمحوحات سكان شرق السودان في العيش الكريم بشتئ جوانبه التنموية والاجتماعية ، واذا تحقق ذلك فانه عائد الي محرابه الاول عند ابواب الحركة الاسلامية كما بدا . لقد كان د.محمود ابراهيم عثمان كما عرفه اصدقاءه او حتي المختلفين معه فكرياً قوي صنديد مدافعاً عن ما يؤمن به بقوة وثبات عجيب الشئ الذي اذهل الجميع فهو لايخشي في الحق لومة لائم كما يوصف، فهو شخص يجبرك علي احترامه وان كنت مختلف معه ،وهذه الخاصية تتجلئ بين جميع من عرفوه فهو واضح وضوح شمس النهار ، لاتختلط عليه الاشياء ، يختار ما يقنعه ولا بخشي العواقب . د. محمود ابراهيم عثمان رحلت في صمت والرحلة لازلت ترواح خطواتها الاولي ،،، ولكن اذكر في اخر لقاء معه وهو يكرم احد اصحاب الفضل عليه الاخ/ موسي محمد احمد مساعد رئيس الجمهورية ذكر لي انه في هذا اليوم نزل عنه حمل ثقيل حشي كثيرا ان لا ياتي هذا اليوم ولكن حمدلله فقد اتي يوم تكريم موسي ، وهو الان مرتاح البال ، ايضاً ذكر لي ان هذا اليوم جمع ايضاً اشخاص لهم ايادي بيضاء واصحاب فضل عليه هم البروفسير / مصطفي ابشر مدير جامعة كسلا السابق والبروفسير / محمد خير مدير الجامعة الحالي فهم طالما قدموا له الدعم المادي والمعنوي اثناء مرضه وعلاجه بالداخل والخارج فهو ايضا سعيد غاية السعادة بهم ويحتفي يهم وسط اهله وعشيرته ليبين لهم مقام هؤلاء الاخيار الذين وقفوا بجانبه في اشد المواقف ، ايضا كان طالما يذكر لنا مواقف زملائه بكلية التربية بجامعة كسلا اساتذة لهم دعم كبير ومواقف انسانية مضئية مثل ما يحملون من علم مضئ ، دائما ماكنت اجد معه طلابه واصدقاءه من مختلف الوان الطيف السياسي فه يحترمونه اشد الاحترام رغم التباين في المواقف السياسية ، وهو كذلك يبادلهم ذلك الحب ويقدر صدقهم في التبادل الانساني معه . فبقده يفقد اهل الشرق احد منارات الوعي واحد سواعد الجد وقوة العزيمة ، وتفقد كسلا علماً من اعلامها في شتي المجالات السياسية والرياضية ، وبالمناسبة ربما لا يدري الكثيرون ان الراحل هو من اميز اللاعبين المهرة في لعبة الشطرنج بكسلا ، وشهدت بذلك الكثير من الدورات الرياضية ، وبفقده ايضا تنطوي احدي صفحات المصابرة من اجل العلم فراحلنا رجلاً زينه العلم ورفعه ، ورجلاً هذبته الثقافة وصقلته التجارب وجمله التدين . كما يقول المثل فان كل وراء كل رجل عظيم امراة فهي في هذه الحالة الاخت/ الاستاذة بجامعة كسلا اماني زوجة الراحل المقيم فينا ابداً محمود ابراهيم عثمان ، لكي التعازي القلبية الصادقة واقول لها هي الدينا هكذا تاخذ الازهار منا ، وهو الموت كالنقاد يختار الجواهر ومحمود احد جواهرنا العزيرة .