لابد من التنويه بقرار الرئيس البشير بعودة جريدة الإنتباهة للصدور استجابة لالتماس اتحاد الصحافيين. وتبقى من بنود ذلك الالتماس إطلاق سراح صحفييّ "رأي الشعب" وعودتها هي نفسها للصدور. و"رمضان ياريس". ووددت لو لم يوكل الرئيس تنفيذ القرار إلى جهاز الأمن بل وددت لو نأى الجهاز بنفسه عن التكليف في سياق مساعي علاقاته العامة المعلنة أن يَرى ولا يٌرى في شأن حرية التعبير. أزعجنى في تفاؤلنا برد مظلمة الصحفيين عبارات بشأنها كشفت عن غلظة وجفاء للديمقراطية. وبعضها ترهات مثل الذي قال ليبقى أبو ذر ورفاقه في السجن (لمّا ذاع أن سراحهم قد يطلق) حتى تحرره الثورة الشعبية الوشيكة. أما ما أشفقني بالفعل فهو رأي الدكتور صلاح الدومة في عودة الإنتباهة في هذه الجريدة. قال صلاح إن عودة الإنتباهة سيزيد الطين بلة. وقد عادت لأن غيابها ما عاد مؤثراً في تغليب خيار الوحدة. وأتهم عقل المؤتمر في تغييب الجريدة واستعادتها بالصغر لأنه يتجنب بمثل هذه المناورات التفكير الإستراتيجي إلى سواه. وهذه سلبية تجاه حرية التعبير استكثرتها من عالم ضليع في السياسة يقصده الصحافيون ليفتي في شأنها. وبلغ الدومة من الرغبة في قمع الصوت الإنفصالي حداً بعيداً بنصح المؤتمر الوطني أن يكف عن طلب الحركة الامتناع عن الدعوة للانفصال "طالما أنه غير قادر على إسكات الأصوات الإنفصالية بالشمال". ولا أدري أين يقع كلام صلاح من حرية التعبير التي عليها جدل الوحدة والانفصال. وفي شأن الصحافة أيضاً: قرأت بتقدير وحزن معاً ما جاء على لسان عادل الباز عن لقاء قادة الشرطة الجنائية بالصحفيين قبل أيام. مصدر تقديري أن الشرطة سعت بالحجة والصورة والصوت لتطلع الصحفيين على تحقيقات تقوم بها تفسدها الصحافة (وأحسبها الاجتماعية) بالعجلة والمانشتات الرابحة. إن هذا نبل من الشرطة وضربة راشدة في العلاقات العامة. فقد شقينا في الصحافة بأؤلئك الذين يستبعدون الصحف من دائرة شغلهم لمجرد الظنة بغير بذل جهد مؤسسي لوضع الصحف (التي ما تزال مشروعاً تحت التأسيس) في الصورة. وحزنت أن تضطر الشرطة إلى هذه الجلسة مع الصحفيين أصلاً. فلو احتكم الصحفيون إلى قواعد المهنة نفسها لما وجدوا أنفسهم في مثل هذا الحرج. تبقى من أمر الصحافة شيء واحد: نصح الرئيس في لقاء اتحاد الصحفيين بتجميع الصحف الشتات ليتمكن من عونها. وهذه بادرة مقبولة لولا أنها تنم عن مركزية في الاستثمار لم تعد من طبع الدولة. فما يراه الرئيس استشراءاً للصحف هو في الواقع مشروعات لصحفيين ومستثمرين بذاتهم غامروا بمالهم طلباً منهم لخدمة الوطن باسمهم هم لا تحت "قطاع" أو "مظلة". ولي تجربة في الكف عن ضبط الكثرة رأفة بأهلها. فقد اجتمعنا على عهد الشباب بحي الداخلة بعطبرة واتفقنا على أن بالحي أندية قدرنا أنها أكثر مما يحتاجه الحي. فقمنا بمبادرة لتوحيدها في ناد جامع مانع. وما تغير شيء. وبمرور الزمن عرفت أن هذه الأندية الكثيرة مسكونة بعاطفة وولاءات وحمية لا تقبل بغير أن تكون كما كانت. ربما أعان الرئيس من جهة أخرى الصحف الشتات بالتوجيه بتمويل الصحف من البنوك. فقد شهدت طرفاً من محاولة للباز ولطيف الأخبار وآخرين الحصول على قرض لشراء مطبعة مشتركة ترفع عنهم مطالبة المطابع بثمن الطباعة اليوم باليوم. وتوفي البنكي الوحيد الذي تفهم المشروع خلال مراحل تدبيره الأولى. وبوسع الرئيس أيضاً أن يوجه مطابع القطاع العام أو أشباهها إلى التمهل الرصين مع الصحف في سداد ما لها عليهم. وأقصد بالرصين "الحساب ولد" وقد يتأخر لكن لا يختفي.