ان المتتبع للشأن السوداني هذة الأيام يدرك ان مستقبل السودان أصبح في خطر أي في كف عفريت كما يقول المثل. لقد بدأت طبول الحرب تدق من جديد من الشمال و الجنوب بعد التبشير بالسلام الموعود. ان إتفاقية نيفاشا هي أخطر وثيقة توقع في تاريخ السودان الحديث بل في إفريقيا. في نظري هي ليست إتفاقية لإنهاء الحرب بقدر ماهي استراحة محارب لأنها وقعت تحت الضغط من القوى العظمى في عالم اليوم و ليست نابعة من إرادة وطنية للإتفاق على القضايا المختلف عليها. وفوق هذا و ذاك فهي تأتي من وراء ظهر الشعب السوداني حيث وقعها شريكا الحكم الآن الذين لم تكن لهما آنذاك شرعية في الشمال أو الجنوب. و مما زاد الطين بلة لم يكن للقوى السياسية الوطنية الأخرى رأي واضح في هذا الشأن حيث أضحت الحركة الشعبية تتلاعب بهم كما تشاء فانفض سامر التجمع الديمقراطي الوطني من دون الإتفاق على شئ محدد و من دون رؤية واضحة و بات يتجرع الملقب بعد المقلب حتى آخر لحظة. ان اتفاقية نيفاشا بادرة خطيرة تهدد الكيان الإفريقي بأسره لقد سبق لإفريقيا ان رفضت انفصال أقاليم بعينها مثل بيافرا، الأوغادين، الصحراء الغربية و غيرها من بؤر التوتر في إفريقيا فمن الصعب عليها الآن ان تقبل المثال السودانى. لقد أصبح القادة السودانيون يضربون المثل الأسوأ في كل شئ من العجز عن حل مشاكلهم، و أشعال الحروب، و التخبط السياسي و التشبث بالسلطة و قصر النظر في القضايا المصيرية. ان أفعال شريكي الحكم الان وضعت مستقبل أمة بأسرها على المحك. ان الحرب لا محالة قادمة و الأسباب لذلك كثيرة أهمها ترسيم الحدود و مستقبل أبي ييي وتشابك الملفات ، فكيف يمكن لدولة و ليدة ان تنشأ من غير حدود واضحة؟ و ماذا يعني ذلك للقوى المتربصة بالسودان و خيراته. ان جزوة الحكم التي يتمترس حولها المؤتمر الوطني أقصت كل القوى السياسية الأخرى بل غالبية أهل السودان عن المشاركة في القضايا المصيرية التي تهم كل فرد في هذا الوطن الجريح و استبعدت أي خيار للإجماع الوطني. ان وجهة نظر بعض أقطاب المعارضة التي تدعو الي مؤتمر وطني جامع هي وجهة نظر صحيحة و لكنها جاءت متأخرة نوع ما وربما عامل الزمن لا يسمح بتحقيقها، و لكن لماذا لا تناقش وجهة النظر الأخرى الداعية الي الإتفاق على شكل الوحدة قبل الذهاب الى الجنوب للتبشير بها. و لماذا تصر الحكومة على فرض وجهة نظرها. ان الإتهامات التي وجهتها محكمة الجنايات الدولية الى رأس الدولة و هو ما زال على سدة الحكم الغرض منها النيل من السودان و إضعافه. الهدف ليس رأس الدولة الحالي فحسب بل هنالك 53 اسماً لم تفصح عنها محكمة الجنايات الدولية أو مجلس الأمن بل تركت هكذا لتستقل ضد كل من يتقلد أمور السودان و لم يسير على الخط الذي تريده القوى المستفيدة من هذا الوضع. ألم يكن هذا حافزاً لصقور المؤتمر الوطني لعمل كل ما يمكن عمله للحصول على إجماع وطني حول الوضع السوداني الراهن. و في المقابل الحركة الشعبية التي تطوق الى الإنفراد بحكم الجنوب و السيطرة على أهله و خيراته ترى ان الفرصة مواتيه لتحقيق ذلك الحلم للظرف الدولي الراهن و الذي أقل ما يوصف به انه معاد للسودان. تدرك الحركة الشعبية ان الرياح تهب في اتجاهها و ان الغضب الدولي الغربي مصوب نحو الشمال فتريد بكل انتهازية ان تسدد الضربة القاضية على شريك اليوم عدو الغد. لقد ظن شريكا الحكم أنهما قد أنجزا المستحيل و أصبحا قاب قوسين أو أدنى من جائزة نوبل للسلام و لكن قد تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، فسرعانما و جد الطرفان نفسيهما أمام مواجهة هي الأخطر من نوعها بعد ان انسحب الجيش السوداني من كل الجنوب و تمددت قوات الحركة شمالاً. ان التصريحات التي بات يطلقها بعض أقطاب المؤتمر الوطني و المتضاربة أحياناً بشأن الحرب و مكر الحركة الشعبية و الإتهامات المتبادلة، هي في الأساس تصريحات يجانبها الصواب حيث أنها لم تأتي بجديد بل ان هذا المقلب معروف للقاصي و الداني منذ ضربة البداية فأين كنتم يا أيها السادة؟ أليس من حق الشعب السوداني ان يطالب بمساءلة كل من تقلد منصب مستشار سواء كان سياسياً ام أمنياً أو وزير خارجية أو مفاوض طوال هذة الفترة؟ ان هنالك جهل شديد من قبل هؤلاء بالسياسة الغربية وكيف يفكر الغرب قي مثل هذة المسائل رغم رحلاتهم المتكررة لهذا البلد أو ذاك. و في ذات الإتجاه ان تصريحات رئيس الحركة الشعبية تنم عن يأس مستتر و حقد دفين، حيث لم يعرف عنه يوماً غير انه رجل انفصالي يتستر حول غطاء فرية الوحدة الجاذبة. اذا كانت الوحدة غير جاذبة في الشمال فهل أصبحت جازبة في الجنوب؟ ما هو مصير الذين يخالفون الحركة الشعبية الرأي؟ و ماذا عن الفساد المستشري في الجنوب الآن في غياب التنمية و الديمقراطية. ان انتهاكات حقوق الإنسان في الجنوب مثل الذي حدث في مدينة ياي خلال شهر أغسطس/سبتمبر 2010 لا يبشر بخير و لن يؤدي الى الوحدة الجازبة التي يتغنى بها قادة الحركة. فهل نشهد ميلاد دولة القبيلة في الجنوب و تكرار سيناريو رواندا أم ان الحركة ستقلب الموازين و تقبل بمشاركة الآخرين؟ و أخيراً لقد كثر الحديث عن نزاهة الإستفتاء المزمع قيامه في مطلع يناير 2010، فما هي الضمانات لذلك في ظل تباين المواقف بين الشمال و الجنوب في كيفية إجرائه مع زيادة وتيرة الإستقطاب المحلي و الدولي الساعي الي تجزئة الوطن؟ ان تدريب شرطة الحركة الشعبية ليست ضمانة محايدة لنزاهة الإستفتاء، كما ان وجود مراقبين دوليين قد أثبت فشله في الإنتخابت الرئاسية و البرلمانية التي جرت في السودان مؤخراً. حيث كثر الحديث عن تزوير الإنتخابات في الشمال و الجنوب معاً بشهادات دولية و محلية. فهلا تدخل العقلاء من الجانبين بروح وطنية عالية بخيار آخر لتفادي هذا الوضع الكارثي وذلك بكبح جماح الإنفصاليين ولجم المتشددين و طلاب السلطة و السلطان. 2010-10-05 التجاني علي حامد eltigani hamid [[email protected]]