[email protected] إنّ تجارب الأمم وعلي رأسها أمتنا الإسلامية تدل بوضوح علي أن النهضة لا تتحقق ولن تتحقق، إلا من خلال تقدم العلوم والإبداع ، ولهذه الأهمية نزلت أول آية من القرآن تأمر بالقراءة والعلم، فأولت الأمة عنايتها ورعايتها للعلم والعلماء وبطرق شتى..أحد أهم هذه الطرق (الوقف الخيريّ). فالوقف كان ومازال من أهم وسائل التقدم العلميّ والفكريّ والثقافيّ للبلاد الإسلامية؛ حيث أسهم في بناء صروح العلم ونشره عن طريق المساجد والكتاتيب والمدارس والمعاهد، وتخرج من هذه المؤسسات العلمية الموقوفة عدد من العلماء في شتى فروع المعرفة البشرية مثل: الخوارزمي، وجابر بن حيان، وابن سينا، والرازي، وابن الهيثم، ولم يصل هؤلاء إلى ما وصلوا إليه لولا الدعم المادي الذي وفر لهم من قبل الأوقاف. إنّ الوقفيات العلمية لها تاريخ قديم ابتداء من عهد الرسول عليه الصلاة والسلام مروراً بالعصر الأمويّ والعباسيّ وعصر المماليك والعهد العثمانيّ ومن نماذج ومفاخر الوقف الإسلاميّ في مجال التعليم (المدرسة الظاهرية) التي أنشأها الظاهر بيبرس في القاهرة سنة 626 ه وأوقف عليها مالاً كثيراً وخصص لها مكتبة كبيرة، و(مدرسة المنصورية) في مصر أنشأها (بن قلاوون) سنة 683 ه وتخصصت في تدريس الطب وأوقف عليها العديد من المزارع والدكاكين التجارية وفي مكةالمكرمة كانت (مدرسة السلطان قايتباي) والتي افتتحت سنة 884ه احتوت على 72 فصلا دراسيا وأوقف عليها الكثير من المباني وتولى إدارتها (قطب الدين الحنفي) وغيرها من المدارس والمكتبات العلمية حتى عصرنا الحديث. والوقف الخيري لصالح البحث العلمي في عصرنا هذا هو الخطوة الأولى لإلحاق أمتنا بركب التقدم العلمي والتكنولوجي حيث أن الإنفاق على البحث العلمي وتدعيمه يمكن أن ينقل المجتمع نقلة نوعية متقدمة نحو التقدم والمعرفة. فبالإضافة إلى أن الوقف العلمي يؤدي إلى تطوير مخرجات البحث العلمي ، فانه ينعكس علي المجتمع حيث يخلق الوقف العلمي شراكة بين الجامعات ومراكز البحوث والمجتمع مما يؤدي بدوره على تطوير وترقية المجتمع.لذلك دعا الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي، رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين إلي الاهتمام بالوقف العلمي والتكنولوجي، لخدمة أغراض التنمية المجتمعية والاقتصادية في المجتمعات العربية، خاصة الفقيرة منها.وقال : حتى يعود العرب والمسلمون كما كانوا، أيام ازدهار حضارتهم معلمين للأمم وأئمة في علوم الدين والدنيا معاً. فإن الذي ينقص أمتنا اليوم، لتتبوأ مكانتها بين الأمم، هو امتلاك العلوم والتكنولوجيا، بحيث تكتفي اكتفاء ذاتياً، فتأكل مما تزرع، وتلبس مما تصنع، وتتسلح بما تنتج، ولا تكون عالة علي غيرها، وهي تحمل للعالم أعظم رسالة هي رسالة الإسلام. وعلى ذات المنوال قامت المؤسسة العربية للعلوم بإطلاق "الوقف العلمي والتكنولوجي" الهدف منه توجيه التنمية الاقتصادية والاجتماعية لخدمة المواطنين في المجتمعات العربية ويسعى هذا المشروع الرائع إلى توفير وقف مالي يستخدم لأغراض تحقيق التنمية والتقدم العلمي والتكنولوجي ودعم المشاريع والصناعية والتكنولوجية، التي تؤدي إلى التنمية العلمية والاقتصادية والاجتماعية في المجتمعات العربية، وتعمل على تطوير السلع والخدمات، التي يستهلكها المواطن العربي، خاصة في المجتمعات الفقيرة، عبر توظيف العلوم والتكنولوجيا، للارتقاء بمستوى جودة المنتج، وتقليل تكلفة إنتاجه، ومن ثم سعره النهائي في السوق، بما يمثل دعما للقوة الشرائية المحدودة للمواطن العربي عامة، وفي المجتمعات الفقيرة خاصة.مع التوظيف الفعال للطاقات العلمية والتكنولوجية، وتوجيهها نحو امتلاك المعرفة وخدمة القضايا التنموية؛ وتنمية الابتكارات الوطنية لدعم المشاريع والصناعات الصغيرة والمتوسطة و الحد من هجرة العقول العلمية والاستفادة من العقول المهاجرة في تنمية المجتمع و نشر المعرفة العلمية والتكنولوجية وبناء مجتمعات واقتصاديات المعرفة في الدول العربية و تثبيت أركان الاقتصاد، وإقامته على دعائم علمية وتكنولوجية راسخة مع الوصول لحلول تقنية لمكافحة الفقر وتوفير فرص عمل وجذب استثمارات للمشاريع الصناعية والتكنولوجية الصغيرة والمتوسطة.وإدارة وتمويل البحوث، التي تنتهي بإنتاج منتجات ريادية، وتأتي بتقنيات متطورة. ويا ليت كل مدينة وكل جامعة في كل بلادنا العربية والإسلامية تهتم بالوقف العلمي التكنولوجي كنموذج حضاري وبنا صندوق وقف خيري للبحث العلمي في كل مدينة لأن هذا هو الأسلوب السليم لعودة التكنولوجيا وإيجاد تنمية مجتمعية شاملة ومتطورة ومستدامة.أعتقد أن هذه الأهداف عظيمة، ونبيلة مباركة وتستحق عناية الجميع ، بالبذل والعطاء بكل ما هو متاح. فأتمنى أن ينشأ مشروع للوقف العلمي والتكنولوجي في السودان واراهن بشعب السودان على نجاحه إن قام.