بسم الله الرحمن الرحيم بقلم المهندس / مصطفى مكى العوض [email protected]
الدكتور غازى صلاح الدين العتبانى واحد من الساسة المفكرين او المفكرين الساسة ويصعب على من اراد ان يضع الرجل القامة فى مقام السياسين ان يغض الطرف عن عطاءه الفكرى وادبه الجم الذى يكاد ان يكون نسيج وحده فيه فى الساحة السياسية السودانية فعلى الرغم من الانتماء الاسلامى للرجل الا انه يحظى بتقدير واحترام من كافة مكونات المجتمع السودانى وقد يختلف معه الكثيرون فى رأيه الا انه لا احد يمكن ان يصف نفسه بانه خصما للدكتور غازى صلاح الدين وهو بهذه المواصفات يصلح لاثراء الساحة الفكرية السودانية التى تعانى من جدب وجفاف ففى حين انخفض صوت الفكر والرأى وغابت الروىء العميقة والاستراتيجية و علا صراخ اصحاب العقول الجوفاء من محترفى السياسة وارزقيتها الذين فى الغالب لا يرون ابعد من ارنبة انوفهم والمقعد الوثير الذى يستمتعون بهتزازه . والدكتور غازى بما لديه من امكانات فكرية كان يمكن ان يسهم فكرا واستنارة لولا ركاكة الساحة السياسية السودانية وارتباكها ولكن قدر الرجل انه جاء فى زمن افل فيه الفكر واندحرت الايدولوجيا وعلى الرغم من عدم معرفتى الشخصية بالرجل الا ان من يعرفونه يحكون عنه ادب جم وعمق فكر وثقابة رأى . ما دفعنى للكتابة عن هذا الرجل مقال له نشر فى جريدة الشرق الاوسط اللندنية بتاريخ 17 اكتوبر 2010 العدد 11636 فى صفحة الراى بعنوان ( السياسة الامريكية تجاه السودان – جزر وعصى واجراس ) ود. غازى بكتابته فى الصحف والوسائط الاعلامية المختلفة على الرغم من تقلده منصبا دستوريا رفيعا انما يتبع نهجا امريكيا فالكثير من الساسة الامركان عادة ما يعبرون عن رؤيتهم فى الصحف بعيدا عن قيود الاعلام الرسمى اولا ولمخاطبة الراى العام باسلوب لا توفره الاجهزة الرسمية ففى هذا المقال اعتقد ان الدكتور غازى اراد ان يخاطب عدة جهات داخلية واقليمة ودولية . ففى هذا المقال الذى تناول فيه الدكتور غازى الوعود الامريكية للوفد السودانى الكبير الذى زار نيويورك للمشاركة فى فعاليات اعمال الجمعية العامة للامم المتحدة التى قدمت فيها امريكا جزرا ولوحت بالكثير من العصى للحكومة السودانية ففى حال جعلها الاستفتاء لجنوب السودان سلسا وبالتالى الانفصال امنا فسوف تقدم امريكا جزرا وربما (خسا) ايضا اما فى حالة تعثر الاستفتاء او تعطيله فالعصى موجودة وقد خلص الكاتب الا ان هذا الجزر ليس حقيقا فربما تكتفى امريكا بايهام الضحية بانها قدمت لها الجزر فيسيل اللعاب على سراب الوعد ليس الا وقد استشهد الكاتب بمقولة احد المتطرفين اليمينيين فى ادارة يوش الابن بان مجرد حجب العصى يعتبر جزرا بحد ذاته . ولعل ذكاء كاتب المقال خلص الا ان ما تفعله امريكا هو استخداما لنظرية (التكيف الترابطى ) التى اسهمت فى تطوير علم النفس السلوكى مع الدول و لكن نفس هذه النظرية التى اورد لها الكاتب شرحا مختصرا وهو ان عالما روسيا كان يقرع الاجراس وهو يقدم الطعام للكلاب فاصبح لعاب هذه الكلاب يسيل بعد فترة لمجرد قرع الاجراس حتى لو لم يكن هناك طعما ، تقول لابد من وجود طعما تستخدمه امريكا فى بداية الامر حتى تتعود الدول والحكومات على قرع الاجراس وتتكيف انزيماتها مع صوت الجرس الامريكى ترى ما هو الطعم الذى استخدم فى حالة السودان ؟ بعدها شرع الكاتب الكبير فى تشريح علل السياسة الامريكية تجاه السودان التى شبهها بالسياسة الامريكية تجاه القضية الفلسطينية وهذه واحدة من الاشكالات الكبيرة فى الفكر الاسلامى السودانى حيث تعقد دوما مقارنة بين ما يجرى فى السودان وما يجرى فى فلسطين ويطالب امريكا والمجتمع الدولى بان يعامل الطرفين بالمثل كأنما اراد اصحاب هذا الراى ان يقولوا للامركان انتم تسمحون للاسرائليين بالبطش بالفلسطينيين وتتشطرون علينا فى السودان عندما نأدب المتمردين داخل السودان وهذا لعمرى منطق معوج فالوضع مختلف وحيثيات الصراع فى السودان تختلف عن تلك التى فى فلسطين . ولا ادرى لماذا يطالب الاسلاميون فى السودان امريكا ان تكون محايدة ؟ وعلى الرغم من سعة الافق التى يتمتع بها الدكتور غازى صلاح الدين الا اننى استغرب اندهاشه حينما اعترف له ( دانفورث) بعدم الحياد تجاه قضايا السودان . المحور الثانى فى ماخذ الدكتور غازى على السياسة الامريكية تجاه السودان هو اشارة الكاتب الا ان الادارة الامريكية تعطى جزرتها من قبيل الصدقة والحقيقة ان من يتلقى الجزرة هو من يضع يده لتكون هى السفلى واستشهد فى السودان بما حدث فى العقد الثامن من القرن الماضى عندما ضرب الجفاف اجزاء واسعة من غرب السودان فقدمت امريكا اكبر مساعدة من بين من ساعد حتى ان من تاثروا بالجفاف كانوا يغنون للرئيس الامريكى حينها ريجان . و فى كارثة دارفور الان تعتبر امريكا اكبر المانحين للمساعدات هى ومنظماتها لان الاخرين عادة ما يتركون فراغا فتشغله بما لديها من سطوة ونفوذ اما الماخذ الثالث الذى اخذه الدكتور على السياسة الامريكية هو العمل بمدأ الاستثناء او التعالى الامريكى او ما يمكن تسميته بالتمييز الايجابى للمصالح الامريكية العليا ومصالح شعبها بغض النظر على اثر هذا التمييز على الشعوب الاخرى وهذا هو منطق التاريخ وسنن الامم فعادة ما تفرض الامم القوية شروطها على الاخرين وامريكيا هذا اوانها وهذه دورتها فى التاريخ فليس هناك ما يدعو للاستغراب اذا ما تعالت على الامم الاخرى . ختاما قرع الدكتور غازى بهذا المقال المهم جرسين وارسل رسالتين الاولى لامريكا باننا نفهم طريقتكم فى التفكير ويجب عليكم احترامنا واحترام عقولنا والرسالة الثانية لمن يسيل لعابهم للاجراس الامريكية ان تريثوا فليس وراء هذه الاجراس جزر . ما نتمناه من الدكتور غازى ان يقدم لنا رؤى للخروج مما نحن فيه فقد الم بما يدور فى الساحة الدولية والمحلية ولديه المخزون المعرفى الكافى الذى يمكنه من ذلك