[email protected] وصل إلى محل عمله مسرعا ان ركن سيارته بعيدا عن المكتب لوصوله متأخرا بسبب زحمة في الطريق ، وما ان جلس على مقعده حتى لاحظ اتساخ بحذائه فظهر على وجهه امتعاض وسخرية وبينها نصف ابتسامة وقد تذكر زمان دراسته بالجامعة وليس له إلا (فد) حذاء واحد فقط لاغير وهو يتحايل عليه بالورنيش ليخفي معالم الصيانة المتعددة والخيوط التي تعلوه , ثم تذكر فجأة وجه سائق التاكسي القديم فعرف ان سبب امتعاضه ليس فقط لاتساخ الحذاء بل أيضاً لما بدر منه تجاه ذلك السائق ذو الطاقية التي ذهب لونها ، وكيف استغرب اعتراضه بالمسار اليسار من الشارع رغم بطء سيارة التاكسي الملحوظ بسبب تهالكها ، وتذكر نظرة اللوم التي حدج بها عمك سائق التاكسي الذي لم يبدو عليه التأثر ولكنها –تلك النظرة القاسية ارتدت على صاحبنا وكدرت مزاجه ثم تغلغلت إلى اعماقه وعادت إلى السطح فبدت في حركة يده وهو يغير محول السرعة بعربته بعصبية متشنجا ويتجاوز التاكسي عن يمينه وهو يتجاهل بدوره أبواق السيارات التي عطلها ويجير اللوم على عمك صاحب التاكسي. لما استعاد في نفسه ذات المشهد عرف أنه غلطان بتسرعه في الحكم على سيد التاكسي وكذلك لما انحرف عن مساره وعطل آخرين بخطأ منه مع سبق الإصرار ... ولكن كيف يدرك العلاج لخطئه وقد فاتت السيارات بأصحابها ومر التاكسي إلى حيث لا يعلم وكل منهم يحمل ما يحمل تجاه صاحبنا هذا وربما تضاعفت الأخطاء من بعضهم مثلما فعل .. وعليه تدور دوائر لا يحصيها هو. ولم يعد لإتساخ حذائه مكان ولا خانة في التفكير لأن دوائر عقله جميعا صارت مشغوله بكيفية العلاج بما تسبب به للأخرين ثانياً ولنفسه من تكدر أولاً ولا يعفيها إلا العفو منهم. فلاحت له مثل الإلهام فكرة أن يحاول إدارك من لم يصل إلى الشارع بعد وينبههم حتى لا يقعوا في نفس المطب الذي وقع فيه وذلك برسالة يوجهها عبر هاتفه لمن يهمه أمره ، فتناول الهاتف وشرع بسرعة في كتابة نص الرسالة ( عندما تكون سائق في الشارع تجنب توجيه الشتائم للآخرين لمن تظن أنهم على خطأ بالطريق أو ضيقوا عليك بسيارتهم لأن كل ذلك يرصد ويسجل عليك وأنت لا تحس به – فتسبهم فتكون من المفلسين (المفلس من امة الحبيب محمد -صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما- من يأتي يوم القيامة بحسنات كالجبال فيأتي وقد سب هذا وشتم وضرب فيقام العدل فتؤخذ من حسناته لهم حتى اذا فنيت أخذت من سيئاتهم فطرحت عليه فطرح في النار) تذكرة للسائقين : تجنب أن تسب من تظنه أخطأ عليك وأنت سائق- بل اصبر وسامح ولا تشتمهم فتكون يومئذ من المفلسين. ما أن أرسل رسالته تلك حتى توالت ردود الأفعال من المعارف والصحاب : - بالله شفتني كيف مع الزحمة لانو ما لاحظتك ، لكن الزول دا كان قرب يحرق اعصابنا عدييل. - وينك هسي ؟ أنا في امدرمان بعد الكبري القديم طوالي. - أنا في المشتل في الرياض، لكن شارع عبيد ختم دا إلا نختاهو بس عشان ناس الحافلات ديل. - الزول التقول لو استعمل اشارات التنبيه دي زي كأننا والله حندخل في خصوصياتو.. - ما شفتك والله ، كنت وراي ولا شنو؟ أنا في بحري جنب المؤسسة لكن بتاع الدفار دا قايل الشارع حق اهله بس. - ياخي الركشات دي مش عندها خطوط محددة ولا شنو؟ الزول دا جاي هنا في شارع الصناعات لي شنو؟ وكمان كأنو الشارع حقو براهو بس. - يا زووول ات تاني رجعت السعودية ولا شنو؟؟؟