إن كل الأسباب التى يتذرع بها كل من الجنوبيين الإنفصاليين والشماليين الوحدويين ليدعم كل منهم وجهته لم تكن مقنعة وكلها قائمة على رمال متحركة وممسكة بحبال الوهم وسراب الآمال فالجنوبيون مبررهم للانفصال انهم مهمشون ومواطنون درجة ثانية بالشمال وانهم يريدون التحرر من الثقافة العربية الاسلامية ويتهمون الشمال انه المتسبب فى كل ما عانوا ويعانون منه دون ان يكونوا صادقين مع انفسهم ويرجعوا الاسباب الى مصدرها الرئيسى واكتفوا بان وجهوا التهمة للذى وجدوه فى مسرح الجريمة فالكل يعلم ان تهميش الجنوب وتخلفه وزرع هذه الفتنة التى بدأ إستيقاظها سببه الاستعمار الانجليزى الذى قفل تلك المناطق بالقانون لتبقى متخلفة كما وجدها ووجد اهلها حفاة عراة وخرج وتركهم كما وجدهم حفاة عراة ليحمل الشماليين الوزر كالتى رمت بدائها وانسلت فالجنوبيون لم يسألوا انفسهم ولو مرة لماذا لم ينشئ الانجليز جامعة فى جوبا كما فى الخرطوم ولماذا لم يؤسسوا المدارس والمشاريع كمشروع الجزيرة ولماذا لم يربطوا الجنوب مع بعضه ومع الشمال بالسكة الحديد والطرق كما فعلوا بالشمال حتى الكنائس كانوا شحيحين فى انشائها فكل الذى تم من انشاءات مع قلتها وموجودة حتى اليوم كان فى فترة عبود ونميرى وآخيراً الإنقاذ. فالاخوة الجنوبيون عليهم ان لا يصادموا الحقائق التاريخية وهى ان كل ما حدث فى الجنوب وإطلاق إسم المناطق المقفولة ، هذا الاسم يكفيك عن الشرح والتفسير فكل ما حدث فيها من بؤس وشقاء وتخلف المسئول الاول عنه هو الاستعمار وكان عملا ممنهجاً ومدروساً ليزرعوا الكراهية والحقد اليسوا هم الذين جعلوا الجنوبيين والنوبة وجنوب النيل الأزرق يستخدموا فى اعمال مهينة مذلة كأعمال الصحة وغيرها وذلك بحرمانهم من التعليم عنوة واغلاقهم فى حظيرة التخلف والوثنية مانعين كل ما من شأنه تبصيرهم وتحررهم من رق التخلف والجهل. ولو فرضنا جدلاً ان الشماليين فعلوا ذلك بهم فكان الأجدر بالانجليز وقد اتوا يحملون الحضارة الغربية ان يساعدوهم فى التخلص من كل ما هو مهين ومذل لكن الذى حدث هو العكس فقد خرجوا من السودان وتركوهم على هذه الحال والحكومة السودانية هى التى الغت تلك المهنة المذلة ونميرى هو الذى فرض إرتداء الملابس . اما مسألة الرق عندما كانت بريطانيا الامبراطورية التى لا تغيب عنها الشمس كانت هى اكبر دولة لتجارة الرقيق فى العالم وبالقانون الذى الغى قبل 200 عام فقط واما ان كنتم تظنون ان المسيحية تربطكم بهم فاعلموا وهذا الحديث كررناه فى الصحف اكثر من مرة لا ننا مصرون عليه حتى يأتينا ما يصحح ذلك وهو ان المسيحية رسالة خاصة لبنى اسرائيل وبقية الشعوب ليست معنية بها باى حال من الاحوال وانما هم الذين جعلوها لكل الناس اى الغربيين لغزو البلاد واسترقاق العباد مستتريين من وراء المبشرين وإن كان لكم ما يثبت ان المسيحية اتت لكل الناس فأبرزوا لنا ما يثبت ذلك من الكتاب المقدس . فالواقع يكذب ان المسيحية اتت لكل الناس فللبيض كنائسهم وللسود كنائسهم وكذلك حديثهم عن سيادة السامية والجنس الأبيض والآرى ، فشتان ما بين هذاوبين من يقول (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) هذه الكلمات التى لم ينص عليها كتاب مقدس من قبل ولا ميثاق ولا دستور ولا قانون ولم يقلها فيلسوف فقد قالها القرآن، اما الحديث عن العرب اذا اعتبرنا الشماليين عرب فان العرب لم يأتوا ليسترقوا الناس ويرجعوا الى ديارهم بل اتو اصحاب رسالة ودين وظلوا موجودين وقد تصاهروا مع القبائل الافريقية وكونوا السودان الذى نراه فاين هم الانجليز من السودان وجنوب افريقيا وغيرها من البلاد هل فعلوا نفس الشئ الذى فعله العرب فى السودان من تماذج وانصهار ام اوقفوا ذلك ان لا يتم بالقانون . فالاستعمار فعل كل ذلك بكامل وعيه وقواه العقلية حتى يأتى اليوم الذى يتحدث الناس فيه عن مواطن درجة اولى ودرجة ثانية محملين الشماليين المسؤولية مع انه كان بامكانهم ان يجعلوا كل السودانيين درجة اولى فى اطول فترة حكم استمر اكثر من خمسين عاماً تساوى مجمل الفترة التى حكمها السودانيون منذ الاستقلال فكان حكمهم اكثر استقراراً وهيمنة على كل السودان مقارنة مع الحكم الوطنى الذى عاش فترات من التجاذب ما بين الحكم العسكرى والمدنى مع وجود مشكلة الجنوب ولنذكر ان حرب الجنوب بدأت قبل خروج الإنجليز مما يدل أنهم مهمشون قبل الإستقلال فبأى منطق نحمل الشمال الوزر وهو لم يستقل بعد. وعلى الاخوة فى الجنوب ان يعترفوا بهذه الحقائق ان لم يكن صراحة فعليهم ان يستصحبوها معهم فى تعاملهم مع الشماليين حتى تتوفر الثقة فى الوصول لاتفاق فى المسائل العالقة ، فعليهم ان لا يغالطوا انفسهم فانهم ليسوا جاهزين ولا على استعداد لاقامة دولة ذات سيادة بعد الأشهر المتبقية وليتذكروا ان السودان الذى استقل منذ اكثر من خمسين عاماً لم يسعد بحكومة مثالية نالت اجماع كل السودانيين حتى اليوم فالتعقل مطلوب والتعجل غير مرغوب ما دام حق تقرير المصير اصبح حقاً قانونياً لا احد يستطيع نزعه او انكاره .اما الشماليون انصار الوحدة فأنهم لم يعملوا اى عمل يذكر يصب فى صالح الوحدة وعلى مر الحكومات المتعاقبة كان التفكير ان تفرض الوحدة بالسلاح والحرب وقد ثبت انه لا الحرب قادرة على ترسيخ الوحدة ولا الاتفاقات التى تعقبها ، انما هى مسكنات وهدنة حرب . والسؤال لماذا حدث ذلك ؟ الجواب لان الحكومات لم تأخذ بأسباب الوحدة والتى قد علمها الانجليز عندما قفلوا تلك المناطق حتى لا تتم الوحدة ومنعوا اى تواصل بين الشمال والجنوب ، فالحكومات لم تدرك الهدف من وراء قانون المناطق المقفولة والذى كان بمثابة (شجرة زقوم) زرعت لتثمر التناحر والكراهية وآخر الثمر يكون الانفصال والانجليز لم يقصدوا بذلك القانون الابقاء على ثروات الجنوب الظاهرة والباطنة مخزوناً استراتيجيا لهم ولاجيالهم لكنهم قصدوا ان يظل انسان تلك المناطق غارقاً فى جهله وتخلفه ، وذلك لا يتم الا اذا منعوا منه التعليم والثقافة. وليكون ذلك تمهيدأ لمخططات لاحقة، ومنها إضعاف السودان الشمالى المسلم وآخرها الإنفصال . فكان الواجب ان يكون رد الفعل الطبيعى لتلك الحكومات المتعاقبة ان تفتح تلك المناطق كما قفلوها وتقيم المشاريع الاستثمارية وتشجع على التواصل والتصاهر وتماذج الثقافات وذلك بربط تلك المناطق بالمواصلات والطرق وفتح الطريق امام المد الاسلامي لكن الحكومات لم تفعل ذلك حتى حكومة الإنقاذ التى كانت شعاراتها اسلامية ، لم تعمل عملاً يذكر فى هذا المنحى ولم يكن هناك عمل واضح فى مجال الدعوة حتى أطلت نيفاشا ونفشت كل شيء ، وديوان الزكاة لم يكن له دور بين كذلك وقد اضاع الوقت فى استثمار اموال الزكاة وانشاء البنايات وترك الاستثمار الحقيقى وهو ذاك . الغريب فى الامر ان كل الذين يتحدثون عن الوحدة ويتخوفون من الانفصال ، لم يخفوا توجسهم انهم بفقدهم الجنوب سيفقدون البترول والثروات الطبيعية ولم يتذكر أحد او يذكر وأعنى الإنقاذيين بالذات أنهم بفقدهم الجنوب سيفقدون جسراً مهماً تعبر من خلاله الدعوة الى الله الى عمق افريقيا ، لو تذكروا ذلك او ذكروه لكان الحال غير ما هو عليه الان. ولكن فى نظرنا الذى يقرب وجهات النظر ويعيد الثقة ان يعترف الجانبان باخطائهم وتقصير كل منهم نحو الاخر وذلك ان يعترف الشماليون انهم لم يعملوا للوحدة الراسخة فى الوجدان بالثقافة والدين والمثبتة على الارض بالخدمات والتواصل . فاذا اعترف الوحدويون بذلك واعترف الإنفصاليون ان ليس كل ماحدث فى الجنوب سببه الشماليون وانهم اى الجنوبيين ليسوا على استعداد وجهاز على اقامة دولة تمشى على رجلين فى هذه العجالة اذا فعلوا ذلك لكان عاقبة امرهم النجاح . واذا لم يتم هذا الاعتراف وحدث الإنفصال يكون الشمال قد خسر الجنوب الجسر المهم والجنوبيون يكونوا قد استبدلوا الشماليين بمن هو أسوأ وأشد مكراً ودهاء وهو الغرب الذى لا يعرف إلا مصالحه التى تسقط تحت اقدامها الارواح والمبادئ والأخلاق فكم من عميل أغتيل وكم من حكومات أسقطوها بعد أن أستنفدوا أغراضهم وقضوا اوطارهم وليس ابعاد الجلبى العراقى والتنكر على شاه ايران فى آخر ايامه واخيراً مقتل جون قرنق ببعيد فعلى الاخوة الجنوبيين ان لا يكونوا كالمستجير من الرمضاء بالنار فليعطى الطرفان الجنوبى والشمالى لأنفسهم فرصة للتفكير وليعطوا الفكرة زمن للنضج ولا أظن ان هناك جهة على عجلة من أمرها لإجراء الإستفتاء فى موعده غير أمريكا والتى لا أظنها تريد فى ذلك خيراً لأحد والذى يريد لك الخير لا يشجعك على الإنفصال والانشطار والتقزم بل العكس ، الذى يريد لك الخير هو الذى يدفعك للتوحد والالتئام والقوة والتكاتف وامريكا اذا كان هناك من تريد له الوحدة والقوة فى هذا العالم هو اسرائيل وحدها . وقيل فى الأثر: ( أبغض صديقك هوناً ما عسى ان يكون عدوك يوماً ما وأحبب عدوك هونا ً ما عسى أن يكون صديقك يوما ً ما.) الخليفة أحمد التجاني البدوي