بسم الله الرحمن الرحيم الجبهة الوطنية العريضة الأمل القادم والوعد المنشود رؤية لانطلاقة معافاة من أمراض السياسة السودانية Wail Malik [[email protected]] كتب الكثيرون وتباروا في وصف مآثر الجبهة الوطنية العريضة ، وكتب آخرون وتنافسوا في وأد هذا المجهود الانسانى اختلفنا أو اتفقنا معه ، ولكن يبقى التساؤل المشروع حول كيفية تحقيق أهداف هذه الجبهة في إسقاط النظام الحاكم ومن ثم إحلال بديل ديمقراطي ثوري . إن لهذا التساؤل ما يبرره خاصةً إذا قرأنا الأوضاع السياسية الماثلة وما نتج عنها من ضعف بائن في كافة مكونات المجتمع المدني السوداني ، لقد بدا جلياً لكل صاحب موقف وطني وعقل فاحص إن أدوات المجتمع المدني المتعارف عليها والتي يعول عليها في إسقاط اى نظام عسكري كنظام الإنقاذ أصبحت غير متوفرة للقوى الوطنية ، فأدوات الإضراب السياسي والعصيان المدنى وما يصاحبها من انتفاضات للشعوب تم تدجينها بالكامل أو لنقل في معظمها إذا كنا متفائلين لمصلحة مرتزقة الطغمة الحاكمة ، والقلة القليلة الباقية تم تغييبها وتقطيع أوصالها عبر تجزئتها نقابياً وسيطرتهم على بعض مفاصلها . هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فان سياسات النظام وما قادت إليه من تهتك للنسيج الاجتماعي وانشغال الغالبية من الجماهير السودانية بتوفير لقمة العيش ( هذه الحجة التي لا تسمن ولا تغنى من جوع ولكنها ماثلة كواقع في الوعي الشعبي ) قادت إلى إنتاج أجيال لا تملك أدنى مراتب الوعي بالقضايا الوطنية ومن ثم ليس لديها موقف من هذا الواقع الوطني المتردي إلا ما يؤثر به عليها إعلام العصبة الإنقاذية وهذا يفقد مشروع إسقاط النظام أحد أهم الوسائل في ممارسة الضغط على النظام تمهيدا لإسقاطه عبر وسائل العمل الجماهيري وصولاً لانتفاضة شعبية . من المؤكد أن السند والدعم النخبوي والصفوى متوفر وبكثرة للجبهة الوطنية العريضة من خلال المثقفين والمثقفات من القوى الحية والحديثة المتواجدين داخل الوطن أو خارجه وهذا من شأنه إكساب العمل الجبهوى المنشود ما يحتاجه من زخم حركي وخبرات نضالية متنوعة من المؤكد أنها ستؤتى أكلها إيجاباً في الطريق تجاه تحقيق الأهداف المنشودة . العمل الجبهوى بصورة عامة هو عمل تحالفي بين قوى سياسية طليعية مؤمنه بقضايا وأهداف مشتركة متحالفة مع قوى جماهيرية غير سياسية سواء بتمثيلهم الشخصي كأفراد أو بتمثيلهم كمجموعات اجتماعية فاعلة ، وينشأ هذا العمل الجبهوى بمقتضى ما تشترطه الوقائع والمهام الفعلية في اللحظة التاريخية المحددة . ولعل من أهم ايجابيات هذه الجبهة الوطنية العريضة إنها جاءت في اللحظة التاريخية الفعلية التي يحتاج فيها الوطن إلى مخارج تمثل الحلول المثلى لكلية المشكل السوداني . لعل هذه الرؤية تهتم بالكيفية التي سيتم بها معالجة مشكلة القصور بالوعى الوطني لدى غالبية جماهير الشعب السوداني وخصوصاً لدى الأجيال الحديثة على اعتبار أنها نواة التغيير الحقيقى ، مما سيمثل تحدياً لا محالة سيقود إلى الاقعاد بالجبهة العريضة عن القيام بدورها أو بالضرورة إذا أدركنا كنه التعامل مع هذه المعضلة فإنها ستمثل قوة دفع مهولة ترتقي بعمل الجبهة العريضة إلى الأمام تجاه انجاز أهدافها المأمولة . من الضروري بمكان أن يتنزل عمل هذه الجبهة إلى ارض الواقع عبر ارتباط وثيق بالعمل القاعدي وسط الجماهير ، فما فشل العمل الجبهوى السابق في التجمع الوطني الديمقراطي إلا لأنه كان عمل فوقى سياسي بين مكوناته فقط وبالتالي ظل عبارة عن مبادرة فوقية لا علاقة مباشرة لها بالقواعد مما أبعدها عن نبض الجماهير وجعله هدفاً سهلاً للقنص الذي يجيده قناصة مرتزقة النظام الحاكم . إن تواجد الجبهة الوطنية العريضة وارتباطها بقضايا الجماهير سيقود لا محالة إلى ترسيخها كوعي وموقف وطني من ناحية وسيساعدها كثيراً في استنهاض قدرة التغيير أوساط الجماهير من ناحية أخرى . إن العمل على استنهاض قدرة التغيير الاجتماعي لا محالة سيشكل كما أسلفت حجر الزاوية والأساس الذي يجب أن ينبني عليه عمل هذه الجبهة . وإذا جاز لنا أن نتفق على أن هناك ثمة تغييرات هائلة ومتسارعة حدثت خلال العقدين الأخيرين في السودان نشأت من خلالها قوى منتجة جديدة فانه لا بد حينها في إعادة النظر في علاقات الإنتاج القديمة والتي كانت سائدة حتى نشوء هذه القوى الجديدة ، فان من واجبنا وبما إننا نمتلك قدرة التفكير الايجابي – وجب علينا – اتخاذ منحى أكثر معرفية وعلمية ، وهذا هو بالضبط ما افتقده العمل السياسي عامةً والجبهوى بصفة خاصة لذلك كان وما يزال عملاً غير منتج بل أصبحت القوى الحية والحديثة في كثير من الأحيان عبارة عن ميغانيزم لإعادة إنتاج نفس أزمة القصور المعرفي والعلمي في أوساط السياسة السودانية . إذاً لا بد لنا ومنذ الآن التفكير ملياً وإيجاد البرامج واليات العمل الكفيلة باستيعاب هذه القوى واستنهاضها لتشكل إضافة حقيقية لهذا العمل الوطني عبر إقرار خطاب يتماشى مع ويستوعب أحلام هذه القوى وتطلعاتها مع ضرورة الانتباه لارتباط هذا الخطاب بالواقع ومن ثم تفجير الثورة الوطنية بالكيفية التي تسمح بإسقاط النظام كبداية ومن ثم إقرار دولة مدنية ديمقراطية تمثل دولة الحقوق والواجبات التي نأمل بها جميعاً . كذلك لا بد من الاهتمام والبحث حول معوقات العمل التحالفى والجبهوى في واقعنا المحلى والاقليمى والعالمي الآن حتى لا نصبح كمن يحرث في البحر وهذه المعوقات هي : أولاً: العوامل الدولية والإقليمية.... في ظل الظروف الجديدة نجد أن استراتيجيات القوى التي تتواكب مصالحها والعولمة وفي مقدمتها الولاياتالمتحدة إنما تستهدف تحقيق مجموعة من الأهداف يأتي على رأسها اثنان متكاملان هما تعميق العولمة الاقتصادية أي سيادة السوق عالميا وتدمير قدرة الدول والقوميات والشعوب على المقاومة السياسية ، الأمر الذي يتطلب بدوره تفكيك القوى السياسية إلى أقصى حد ممكن حتى يكاد يكون مرادفا لتدمير سلطة الدولة تدميرا كاملا عبر تفجير الدولة الوطنية لصالح جماعات أخرى تحت أو فوق وطنية ، ومن خلال تشجيع الإحساس بالتضامن الاثني أو الديني حقيقياً كان هذا التضامن أو وهمياًُ. فالأمثل بالنسبة الى المجتمع الدولى ومصالحه هو وضع يتسم بتلاشي سلطات جميع الدول حتى ينفردون بالتحكم عالميا. علما بأن التفتيت المحقق يفرغ الديمقراطية من مضمونها ويجعلها عاجزة أمام آليات السوق وهو المقصود . على الجبهة الوطنية العريضة إيجاد خطاب يواكب ويتوافق مع متطلبات الأوضاع الإقليمية والدولية دونما المساس بتحقيق الصالح الوطني . ثانياً: سمات العقلية السياسية الحزبية....لقد بدأت العملية السياسية الحزبية منذ نشؤها مشتتة متصارعة وقامت منذ تشكل نواتها الأولى على الافتراق بين الفكر والممارسة. إن عدم ايلاء النظرية والبرامجية الأهمية التي تستحقها قد انعكس على العمل السياسي وعلى العلاقة بين السياسي والفكري وتفريعا على العلاقة بين الثقافي والسياسي. إن توصل القوى السياسية وبعض المكونات الاجتماعية ومجموع الأفراد إلى صيغ عمل جبهوية مشتركة لا يعني ذلك انتفاء التناقض بين القوى ويجب أن لا يؤدي إلى إخضاع الفكري إلى مستلزمات العمل السياسي اليومي أو مبرراته . وان لا يحجب نقاط الخلاف لكن ما يحصل غالبا أن السياسي عندما يريد إخضاع الفكري – الثقافي لخدمة العمل السياسي اليومي والى تبرير الصيغ القائمة والدفاع عنها ولذلك يفقد الفكري- الثقافي دوره وتميزه ويصبح تابعا وليس شريكاً أو ناقداً . ونظراً لانعدام الجو الديمقراطي فأن الرأي الآخر المختلف يتعرض للتشويه والقمع والتحريم ومن شأن هذا أن يحد من الحوار الداخلي أو أن يلغيه وبالتالي يسود الرأي الواحد وهو رأي صاحب القرار ويخضع والفكري –الثقافي إلى صاحب القرار السياسي ويصبح أداة بيده. وفي ظل هذا المناخ المسيطر على كافة المستويات في المجتمع وبين أطراف الجبهة فأن العوامل السلبية المشار إليها يمكن أن تلعب دورا فارضاً لشروط جديدة تلائم قناعاتها أو مصالحها وهذا ما يتيح للقوى المتحكمة في الجبهة أن تبقى وحدها صاحبة القرار دون أن تخشى النتائج ودون أن تطور هذه الصيغة كل ذلك يجعل الأمور تتشابك إلى درجة يصعب معها الوصول إلى الشئ المشترك . هذه هي صيغة التحالفات الجبهوية في بلادنا طوال الفترات الماضية . على الجبهة الوطنية العريضة إذاً الانتباه لهذا الخلل ووضع الحلول الناجعة له لتنشأ معافاة من اى تخلقات تكوينية يمكن أن تعوق نموها وتقدمها . ثالثاً: انقسام التشكيلة السياسية على أساس طائفي وجهوى في اغلبها المؤثر (باستثناء الأحزاب الديمقراطية).. إن انقسام التشكيلة السياسية على أساس طائفي وجهوى لايمكن أن يؤسس لإقامة تحالفات وجبهات سياسية وطنية تهدف لإقامة دولة وطنية ومجتمع مدني . فالطائفية والجهوية السياسية هي شكل من أشكال العصبية ، وبوصفهما شكلا من أشكال العصبية تسعى لتصبح شكلا من أشكال عصبية الدولة مما سيقودنا الى حتمية الحديث عن وضع توليفات سياسية يمكن من خلالها استيعاب واحتواء الخطابات الطائفية والجهوية الهدامة ومن ثم تكييفها وطنياً لتصب في خدمة أهداف النضال الوطني عبر الجبهة الوطنية العريضة . في الختام لعل ما تقدم ذكره هو مساهمة تأتى في رؤية الكاتب أهم نقاط انطلاقة عمل هذه الجبهة الوطنية العريضة التي نأمل أن نسهم وآخرون فيها لإزالة حالة الاحتقان الوطني السائدة عبر إسقاط النظام الانقاذى وإحلال بديل وطني يراعى المصالح الوطنية ويرد المظالم ويجرى مبدأ المحاسبة بكل شفافية على كل من أجرم في حق الشعب السوداني .. والله ولى التوفيق المملكة العربية السعودية – الرياض وائل عبدالخالق مالك