تعقيب على مقال د عبدالوهاب الافندى مسلمو الجنوب وقضية الوحدة: حوار مع جنوبي مسلم بقلم امبروس مجاك ابيم المحامى الدكتور عبدالوهاب الافندى من الشخصيات القليلة التى استمتع بكتاباته رغم اختلافى معه تقريباً فى كل شئ يتعلق بالتوجهات السياسية وكيفية الحكم وادارة شئون الدولة فى السودان، فهو احد الكوادر الاسلامية المعروفة انتمائهم للاتجاه الاسلام السياسى رغم بعض الاختلافات المنهجية بينه وجناح السلطة المسيطرة على مقاليد الامور فى السودان الان. ولكن يبقى الدكتور الافندئ جذاً من فريق الاسلامين الذين انقلبوا ليلاً على الديموقراطية صبيحة 30يونيو1989 وادخلوا الوطن كله فى هذا الورطة، وان اختلف دكتور الافندى مع حزبه واصدقائه الاسلامين اليوم هذا لا يعنينى كثيراً، وانما الذى يهمنى فى هذه العجالة هو ما جاء فى مقاله عن مسلمى جنوب السودان والذى اعتقد اننى الاكثر تاهيلاً فى ان اتحدث عنهم ، ليس لاننى واحداً منهم ولكن لان المسلمين الجنوبين الذي يتحدث الدكتور الافندى عنهم لا اعيش بينهم فحسب بل تربطنى بهم صلات الرحم و القبيلة والانتماء العشائرى المعروفة بقوته التى تفوق حتى رابطة الدين او العقيدة ، فهولاء بينهم من هم اعمامى واخوانى و اخوالى وكثير منهم اصدقائ و زملائى. لا اريد من خلال هذا المقال من التشكيك فى رواية الدكتور الافندى حول الحوار الذى دار بينه والجنوبى المسلم ابن الخليفة اوشلا، هذا لايهم فا لقصص من هذا النوع كثيرة وغالباً ما تبداء بذات البداية الدراماتيكية التقليدية كرواية الدكتور الافندى وتكون النهاية ايضاً متوقعة ومتشابهة ثم تعقبها الحديث عن معاناة المسلمين من ابناء الجنوب وكثيراً من الحكايات الخرافية غير الواقعية عن حياتهم القاسية وسط اهاليهم فى الجنوب، ثم لتكتمل المسرحية تاتى دور النصح والارشاد والتعاطف وهلمجرة. لقد خبر اهل الجنوب كل المحاولات التى قامت به الغير مراراً وتكراراً لدق اصفيناً بينهم باسم الدين وذلك بتقريب المسلمين عن دونهم من سكان الجنوب الاَخرين لمؤسسات السلطة والقرار املاً فى خلق صفوة جنوبية اسلامية توؤل اليها زمام الامور فى الجنوب وتحكم بديلاً ووكيلاً عن سلطة الخرطوم. . ما اريد توصيله هنا للدكتور الافندى وللقارئ الكريم حقيقة بسيطة ويمكن ان يتحقق منها اى باحث صادق، وهى ان المجتمع الجنوبى ولحد كبير لاتعتبر الدين عاملاً اساسياً فى اى شكل من اشكال تعاملاتها اللاجتماعية وحتى السياسية لانها بكل بساطة مجتمع الى حد ما تعتبر العشيرة والقبيلة اهم عاملاً وسيطاً وقاسماً مشتركاً لكل العلاقات الاجتماعية والثقافية. وبالتالى فكل ما يثار عن اختلافات دينية بين المسلمين وغيرهم يعتبر فرية اريد بها باطل. ولا اذيع سراً أن قلت إن مثل هذه الافكار مزروع فى دواخل ادمغة و مخيلة الشمالين فقط. فالجنوبين مسلمين او مسيحيين بطبيعتهم معتدلين فى معتقداتهم وحتى الاسلام فى الجنوب فتجده اسلاماً من نوع اخر،لاتؤمن فى العنف ويمكن ان يوصف باسلام ناعم ، شخصى، صوفى لا تنفر من احد يتعامل ويتفاعل مع البيئة المحيطة به بكل تواضع واحترام دونما اشعار الاخر بالدونية او حتى اظهار التباين العقائدى، لذلك لم تكن انتشارها فى اغلب الحالاتة مسحوبة بمشاكل تذكر . أن مشكلة النخب الشمالية دائما هى الرؤية الضيقة ومحاولتها المملة والمتكررة اختصار مشكلة الجنوب جهلاً منهم او قصداً فى الاسلام- والتلميح صراحة بان لو كان الجنوب تدين فى اغلبها بلاسلام ربما لم يحدث مشاكل وتمرد وربما كانت هناك تناغم وتوافق بين شطرى البلاد . وهذا ما يلخص ازمة النخب الشمالية وفشلها المتكرر فى فهم المتغيرات السياسية الداخلية والاقليمية واستمرارها فى تقديس التاريخ والحديث عن امجاد العروبة والاسلام ودولة الخلافةبينما واقع البلاد تنحدر الى اسفل و بسرعة الصاروخ.. لذلك لاغرابة فى ان نرى اغلب النخب الشمالية وفى الكثير من كتاباتهم يصرون على ان مشكلة الجنوب سببها الاول والاخير هى المستعمر وانتشار المسيحية وسياسات المناطق المقفولة وغيرها. ولكن هل هذا كل الحقيقة؟ بالطبع دكتور الافندى يعرف تماماً اين مربط الفرس. فبدلاً من الايحاء وتاليف القصص والروايات التى تشير الى ذلك الاتجاه ،علينا ان كنا نبغى مصلحة البلاد الكف عنها وابتداء طريقة جديدة مبتكرة من خلال حوار بنأء من غير عصبية دينية اوسمؤ عرقى. اعتقد، وانا كلى ثقة، بأن الحركة الشعبية وحكومة الجنوب اكثر حرصاً من اى شخص او اى مجموعة على التأكد بأن تتمتع كل مواطنيها ، بغض النظر عن انتمائهم الدينى بكل حرية فى ممارسة شعائرهم الدينية دون تدخل من احد لان اساس هذه الحركة قائمة على المساواة والعدالة وعدم الزج بالدين فى الامور العامة. لذلك ارى ان اثارة البعض وترويجهم لاشياء من قبيل شكاوى المسلمين فى الجنوب من التعبئة الدينية ضدهم وغيرها من الدعايات المغرضة، انما هى محاولة رخيصة لتصدير المشاكل التى عانت منها الشمال الى الجنوب، حتى يتثنى للبعض من ايجاد سبل للتدخل فى شئون الجنوب وبحجة واهية وهى حماية المسلمين. لابد ان يدرك هولاء ان مسلمو الجنوب لا و لن يقبلوا ان يكونوا حصان طروادة التى تحمل هولاء الى مطامعهم فى الجنوب. انا لا اتحدث او امثل الحركة الشعبية ولكنى جنوبى غيور ابغى ان يعيش كل اهل الجنوب فى سلام بعيداً عن عصبيات القبيلة والدين. والذى لايعرفه الكثيرين من اهل الشمال انه يصعب معرفة المسلم والمسيحى والوثنى فى الجنوب وحتى داخل الاسرة الواحدة ، ففى اطارها ا قد تجد ان افرادها منقسمون ، فقد تجد اخ شقيق مسلم او اخت شقيقة مسلمة واخر مسيحي او مسيحية عم اوخال مسلم واخر مسيحيى او من اصحاب المعتقدات الافريقية وهلمجر. فمشكلة عدم التسامح الدينى وصعوبة قبول الآخر مشكلة شمالية بامتياز، التعميم وزج الجنوب فيه لايحل مشاكل التعصب الدينى التى تعانى منها الشمال، هذا لايعنى ان الجنوب ليس لديها مشاكلها، نعترف بذلك ويعترف به حتى حكومة الجنوب نفسها، والاعتراف بالزم فضيلة، نواجهه بالطبع بصعوبات وتحديات عديدة ولكن اطلاقاً الدين ليس واحدة منها. نعترف بمشاكل القبلية الامية والتعليم والصحة والى حد ما الفساد. ولكن تكرار حديثكم عن مسلمى الجنوب يبدوا وكانكم تريدون صرف الانظار بعيداً عن المشاكل الجمة التى تواجهكم، وقد تنجحوا فى صرف الانظار عنها لبرهة من الوقت ولكن سرعان ما ستنفجر و ستواجهه الشمال حينها مرحلة عصيبة تتطاير فيه الرقاب وتفصل الاعناق على طريقة القاعدة ، وقد بداءات ارحاصاتها بالفعل فى الطريقة الوحشية التى مات به الرجل الطيب الاستاذ محمد طه محمد احمد صاحب صحيفة الوفاق. وطالما ظل كتاب محرضين مثل اسحق احمد فضل الله و الطيب مصطفى يكتبون بهذا الطريقة وانتم هنا مشغولون بامر مسلمو جنوب السودان ومحاولة استخدامهم ظلماً كزريعة لخلق توترات دينية هناك، سيصبح الخرطوم نفسها صغيرة و ضيقة بالنسبة لامثالكم وخاصة الذين يخالفونهم الرأى. . لكم ودى وتقديرى امبروس م الور المحامى Ambrose Alor [[email protected]]