أبيى فى العيون ولكن.. ردا للرفيق عمر عبد الرحمن البشارى فى الكلام المسكوت عنه أمين زكريا إسماعيل/ امريكا [email protected] ربما يتساءل الكثيرون و خاصة الذين يدركون كنه العلاقة الاخوية والاسرية والزمالة التى تربطنى بالرفيق عمر (بابنوسة او عبد ربو) رغم اننا نمتلك كل سبل التواصل سواء كان بالهاتف او الاميل او غيره، فالسؤال لماذا وجه عمر رسالته هذه لى عبر سودانيز اون لاين ولم يلجأ لوسائل الاتصالات الاخرى؟ و بكل بساطة ان الموضوع الذى اشار اليه الرفيق عمر هو ان أبيي أصبحت قضية سياسية عامة تهم كل سودانى، و قد تكون سببا فى ان تعصف بالسودان باكمله وربما تكون كشميرا سودانيا يتضرر بالدرجة الاولى قاطنيها وجيرانهم من كل المجموعات الاثنية، و السبب الآخر هو ان رفيقى عمر يدرك ما لدى من علاقات سياسية بقيادات عليا بالحركة الشعبية لتحرير السودان و بالتالى من ناحية طبيعية اعتقاده المامى بالقضايا السياسية ما ظهر و ما بطن منها، هذا بالاضافة الى مخاوفه الطبيعية كشخص واعى و مثقف من ابناء المسيرية يهمه استقرار و أمن و نماء منطقته المهمشة كغيره من مهمشى السودان، بجانب هم المحافظة على العلاقات والمصالح المتبادلة و الهامة للمسيرية والنوبة و الدينكا، و كشخص يدرك ان المركز فى ظل استراتيجية فرق لتضعف و من ثم تسد لا يرتاح له ضمير إلا حين يستغل ابناء الهامش انفسهم لمقاتلة بعضهم البعض وذلك لضمان استمراريته. كنا و الرفيق عمر نتحاور بعمق ولساعات طوال يوميا منذ السنة الاولى الجامعية فى منتصف ثمانيينيات القرن الماضى اى قبل مجئ الانقاذ بسنين و كنا نحلل نظريات الصراع لاميتاى اتزيونى و الفن قولندر و رالف دهرندروف و كارل ماركس والوظيفيين امثال اميل دوركايم ونظرية دورة الصفوة لفلفريدو باريتو ومعذبو الارض لفرانتز فانون ووقفنا على تجربة المهاتما غاندى ونهرو وانتاى ديوب ومارتن لوثر كنج وماكوم اكس ونكروما و البان افركانست و نظريات الحداثة و التجارب السياسية السودانية بما فيها الحركة الشعبية لتحرير السودان وغيرها، وكنا نسعى لتاسيس اطار نظرى حول اهمية اعادة هيكلة الدولة السودانية و بناءها باسس جديدة، و ضرورة اتحاد قوى الهامش لممارسة ضغوطات على المركز لكى ينال حقوقه بعدالة، و من ثم يبقى السودان موحدا، و بالتعمق لاحقا فى منفستو الحركة الشعبية و خاصة فى يتعلق بقضايا التنوع و التى هى من صميم مجالات العلوم الاجتماعية التى كانت تجمعنا رغم اختلافنا فى التخصص الدقيق، و لذلك انحصرت ابحاثنا فى علم الاجتماع السياسى و التنظيمى و الجغرافية السياسية فى تناول قضية الحرب فى السودان و تحليلها من ابعادها المختلفة. و للحقيقة و الامانة فإن الرفيق عمر يمتلك من الرصيد المعرفى و القدرات التحليلة و موضوعية الطرح ما يجعلك تحترمه حتى لو كنت تختلف معه فى بعض الاراء، و لدرايته المتعمقة لاهمية التعايش السلمى و معرفته المتعمقة بتقاطع العلاقات و المصالح، قد اوصيت فى خطاب مكتوب لقيادة الحركة الشعبية احتفظ بنسخة فى26 يناير 2005م بكينيا بضرورة الاستفادة من قدراته ليس من أجل الاستوظاف الذى ادرك عصامية رفيقى فى هذا الامر، و لكن لتحقيق قدر من تصحيح الاخطاء التاريخية المتكررة التى يمارسها المركز لاعادة انتاج الصفوات الهامشية و من ثم تحريكهم لتأجيج الصراع فى الاطراف و بالتالى خسارتهم جميعا كمهمشين سياسيا و اجتماعيا و اقتصاديا. و ما يمتلكة رفيقى من قدرات ان لم يكن حظه ان خلقه الله مسيرى اغبش لكان عالما استفاد منه السودان و العالم و أمثاله كثر بيننا. ما ذهبت به فى هذه المقدمة هو مجرد انصاف غير متعمق لشخص اقتنع بفكرة السودان الجديد و رؤى قائدها الدكتور جون قرنق كما اشار الى ذلك فى رسالته، الا ان وفاة د. قرنق و التقلبات و السياسية و عدم التطبيق الامثل للاتفاقية و جداولها الزمنية، قاد الى الوضع المأزوم الذى نشاهده الان و ربما يكون مسرح عملياته هى اراضى المهمشين سواء كانوا مسيرية ام دينكا او نوبه، و لقد فهمت من رسالة صديقى كيف نعمل سويا لتفادى و قوع هذا الامر، رغم من أنه وضع بعض المقترحات فى رسالته لمعالجات ان اتفقنا حولها ام لم نتفق، و لكن المهم هناك ازمة تحتاج لحكمة و هذه الحكمة تحتاج لارضية و أذن صاغية من الشعب و من ثم الحكومة سواء كانت فى الخرطوم او جوبا، و هو ما يتطلب حوارات عميقة و مؤتمرات عاجلة ليس بغرض الاستقطاب الاثنى او الدينى او السياسى الحزبى او التنموى او الاقتصادى لان كل هذه الاشياء تكون عديمة الجدوى اذا قتل او مات الناس سواء بالرصاص او الامراض او الجوع او الجهل و الامية. اذا القضية يا رفيقى هى ضاربة فى التعقيد ولكن لكل مشكلة او مسألة حل، و لكن كيفية إختيار المداخل الصحيحة هى التى ستقودنا الى وضعيات أفضل. و حتى اتمكن من الرد الى تساؤلاتك و التى آمل ان اوفق و لو بنسبة معقولة فلا بد لى من الاشارة الى الاتى: 1- نجح المسيرية و النوبة و الدينكا الواعين باهمية النضال الثورى فى تدمير قاعدة فرق تسد التى ينتهجها المركز ضد الهامش من خلال العمل المشترك فى الحركة و الجيش الشعبى لتحرير السودان سواء كان بالعمل الثورى الميدانى او الفكرى او الدعم اللوجستى و خاصة الذى قدمه شعب المسيرية و لدينا من اشرطة الفديو الموثقة لذلك. 2- حارب الدكتور جون قرنق الانفصاليين داخل الحركة و قد احتضنتهم الخرطوم و مركزها بمسميات داعية لانفصال الجنوب و استغلتهم لمحاربة الحركة الشعبية لتحرير السودان لاضعافهم جميعا، و من ثم الانقضاض عليهم الواحد تلو الاخر و هو ما حدث لأروك طون و كاربينو كوانيين و غيرهم، اذا فى ادبيات الحركة الشعبية و المنفستو الحقيقى هنالك سودان جديد مبنى على اسس لا تظلم حتى الظالمين. 3- الوضعية المعاشة حاليا و التى سيتضرر منها شعب جنوب كردفان بصورة عامة اذا قامت حرب تسبب فيها المؤتمر الوطنى، بفلسفة لم تتحقق توقاعاتها كما كان مرسوما لها منذ البداية و تدور فى الاتى: أ- بتوقيع برتكول مشاكوس فى 2002م و الذى منح جنوب السودان حق تقرير المصير دون المناطق الاخرى ( جنوب كردفان و النيل الازرق و ابيي)، اراد المؤتمر الوطنى اثارة تلك المناطق و توقع انشقاقها و بالتالى اضعاف الحركة و الانقضاض عليها كليا. د. جون كان يعلم ذاك المخطط و قد ناقشنا هذا الامر معه فى كاودا فى ديسمبر 2002م، و للامانة د. جون كان و اثقا ان يظل السودان موحدا بل سيبنى على اسس جديدة، لذلك فوت فرصة التفكيك الذاتى و من ثم الاستقطاب الذى كان يرمى اليه المؤتمر الوطنى لشق الحركة الشعبية، عبر برتكولات مختلفة جوهريا فى تنظيم واحد، ففكرة المؤتمر الوطنى كانت تهدف الى تجزئة الحركة عبر تلك البرتكولات و نجحت فى ذلك و لكن لم يتحقق هدفها فى حينه. لذلك حتى البرتكولات الاخرى لن تقود الى دول طالما ان قوة و فكر و كاريزما د. جون كانت ستكون مقنعة للشعب السودانى لبناء السودان باسس جديدة ، و كان الاستقبال المليونى مؤشر لذلك،و لكن الخطأ الذى وقعت فيه الحركة الشعبية هو عدم توقعها لمقتل او وفاة د. قرنق بمعنى انها وضعت البيض فى سلة واحدة. ب- بعد مقتل د. قرنق تعامل المؤتمر الوطنى بعقلية التماطل و التجاهل و المعاكسة فى تطبيق الاتفاق بل تفسير نصوصه و بنوده بصور مغايرة، و سعى لاستقطاب ضعاف النفوس داخل الحركة الشعبية بطريقة مباشرة و غير مباشرة عبر ممارسة كل الاساليب الفاسدة، فى محاولة للنخر الداخلى للحركة و لقد نجح لحد ما مستخدما كل آليات الدولة الاعلامية بجانب الموارد، و لقد قاد ذلك الى مقاطعة الحركة لمجلس الوزراء و البرلمان. ج- لجأ المؤتمر الوطنى الى خطة اخرى انطلت على المتسرعين داخل الحركة الشعبية عبر بوابة المساوامة على التناسى المقصود لملفات جنوب كردفان و النيل الازرق و قطاع الشمال بما فيها انتخابات الرئاسة مقابل تمرير اجندة خاصة بالجنوب، و الهدف هو الاضعاف الذى فشل فيه المؤتمر الوطنى عبر بوابة مشاكوس التى ذكرناها سابقا. د- بعد ان تأكد المؤتمر الوطنى و عبر اعلامة المضلل انه اوقف تمدد الحركة شمالا، و قتل الروح المعنوية لمنتسبى الحركة الشعبية فى كثير من مناطق شمال السودان، جاء الان ليستخدم آلية التفكيك الجنوبى عبر بوابة ابيي. فالمعروف ان عمالقة الصقور داخل الحركة الشعبية كثيرين منهم من ابيي فخذ على سبيل المثال لا الحصر دينق ألور و د. لوكا بيونق و ادوارد لينو فاذا لم تتبع ابيي للجنوب حسب رؤية المؤتمر الوطنى فهؤلاء سيكونون شماليين اذا لا يجب ان يكون لهم وجود فى حكومة او دولة الجنوب فاين سيذهب هؤلاء و معهم عدد ضخم من الجيش، و بالتالى فى توقعات المؤتمر الوطنى ان قوة الدينكا سوف تتضاءل خاصة اذا طالبت مجموعات اثنية اخرى بتوازنات فى الجنوب اذا لم تكن ابيي جزء منه، لذلك عمل المؤتمر الوطنى لتجاهل انشاء مفوضية ابيي كمحاولة للضغط على الجنوب لكى يقول جرادة فى الكف و لا ألف طائرة و يقبل بالاستفتاء بدون ابيي، و ذلك حتما سيقود الى صراع داخلى ايا كان نوعه على المستوى الاثنى و الجغرافى. ه- مماطلة المؤتمر فى عدم اجازة ميزانية الاستفتاء ودعاوى التاجيل يؤكد عدم اقتناعه بانفصال جنوب السودان، وحتى اذا ذهب الجنوبيين للاستفتاء بدون ابيي و بغضب اهلها و خاصة الدينكا و بدون ترسيم الحدود فان المؤتمر الوطنى سيضيف او يحزف (حسب مصلحته) اصوات الناخبين فى المناطق الحدودية و سيعلن بطرييقة او باخرى ان النتيجة هى التصويت لصالح الوحدة، و حينها حسب توقعاته هو القبول بها او العودة للحرب و الانشقاقات الداخلية و الاستقطابات و موت المهمشين بالمهمشين و طالما الحرب بعيدة عن الخرطوم ( يا دار ما دخلك شر، و جلد ما جلدك جر فيهو الشوك). و- موضوع المسيرية عند المؤتمر الوطنى ليس موضوع حقوق و لا مواطنة و لا مرعى و لا ماء اوغيره (كلمة حق اريد بها باطل) انما موضوع تاجيج نيران من خلال التوقعات التى ذكرناها، فالمؤتمر الوطنى يريد بترول ابيي و تعطيل برتكولها و استفتاءها كمدخل لتدمير الاتفاق، و الدليل على سناريو المؤتمر الوطنى هو انه فى الاتفاقية منح المسيرية 2% من البترول المنتج فى ولاية جنوب كردفان ومنح الدينكا كقبيلة ايضا 2% و منح كل جنوب كردفان بمن فيهم النوبة و البقارة و الدينكا ...الخ 2% و تناسى ان برتكول جنوب كردفان او جبال النوبة كان بسبب نضال النوبة بصورة اكبر فلم يخصص لهم كمجوعة اثنية اى نسبة، و نظريا هى محاولة للفتنة فطن لها النوبة، و واقعيا لا الدينكا و المسيرية و لا الولاية لم تحظى بتلك النسب و لم يتم تشغيل ابنائهم فى حقول البترول حيث نلاحظ حتى الوظائف العمالية و السواقين يستوردون من الشمال، اذا المسائل كلها مكايدات مركزية للفتنة بما فيها تجاهل صندوق التنمية القومى و الولائى و انشاء صندوق تنمية غرب كرفان الذى لم ينمى جبراكة. 4- خطأ كبير وقع فيه المسيرية و الدينكا و خدم خط المؤتمر الوطنى هو انشغالهم فى برتكول ابيي و جبال النوبة بالقضايا الاثنية التى تخصهما و تجاهلوا قضية اقليمهم جنوب كردفان، و حتى بعض قبائل جبال لنوبة ترى انها كانت تسكن هذه المنطقة قبل الدينكا و المسيرية الا انهم آثاروا الصمت باعتبار انهم لاسباب يعلمونها و ربما تعلمها المجموعات الاثنية الاخرى هجروا من تلك المنطقة و ربما كان صمتهم لحكمة حتى لا تزداد القضية تعقيدا، و بالتالى بهذا الفهم الثنائى الاثنى وضع الدينكا و المسيرية المجموعات الاثنية الاخرى فى الولاية فى دور المتفرج و خاصة النوبة و الحوازمة و غيرهم من المجموعات الاخرى التى تسكن الاقليم، و هو ما سهل مهمة الاستقطاب السياسى فالدينكا اصلهم حركة شعبية الا ان كثير من قادة المسيرية تم استقطابهم من المؤتمر الوطنى حتى الذين كانت لديهم و لاءات اخرى. لذلك الفكرة حول قيام دولة غرب السودان هى فى طور الدراسة لان الجغرافيا لها اربع محاور رئيسية و وصف السودان بان شمال و جنوب فيه اجحاف لحقوق البشر و الجغرافيا و انت ادرى فى هذا المجال اكثر منى بحكم تخصصك فيها، و هو ما يتطلب مزيدا من العمل و الجهد و رفع مستوى وعى الغرابة لخروجهم من القبلية الضيقة الى افاق اوسع. رفيقى عمر الموضوع قمة فى التعقيد و التفريط و عدم القراءة الصحيحة و نقض عهود فى التنفيذ و ارتبط بتغيير نصوص واضحة و صريحة و اتفاقات وصلت الى لاهاى و تم مباركتها فى حينها و الشخص الذى نفذها و اعتمدها و ايد من بعض المسيرية و انتقد من البعض هو نفس الشخص الذى اعتبر نفسه حامى حمى المسيرية خلع ثوبه الدبلوماسى و لبس ثوبه الجهادى للمدافعة عن حقوق المسيرية و اذا حمى و طيسها ربما تجدونه و ابنائه فى فلته بماليزيا. 5- المسيرية و الدينكا و النوبة و كل المجموعات الاثنية فى جنوب كردفان تحتاج الى مؤتمر نوعى و كيفى عاجل لمناقشة قضايا المنطقة بعمق، و سد كل الثغرات التى تجعل من منطقتهم بؤر للصراعات و النزاعات و الاقتتال ، و قفل الطريق امام كل المؤمرات مهما كان مصدرها و مراعة مصالحهم بكل تفاصيلها بما فيها مناقشة بعض المقترحات التى تقدمت بها وبما فيها قيام دولة خاصة بهم، و هذا احد الطرق الشعبية المباشرة لفض النزاعات، فاذا ما تم ذلك فطرفى الاتفاق سيكونان ملزمان بتنفيذه، و من يرفض سيرسل رسالة بعدم جديته و سيكون للشعب خياره فى حينها. ختاما امل ان اكون قد وفقت الى حد ما بما املكه من معلومات و تحليل فى ايضاح التعيقدات التى تشوب ملف ابيي فى العقليات المتضاربة و نظرية المؤامرة، وربما لا أحد يستطيع ان يجزم بصورة قاطعة ما ستقود اليه الايام و الشهور المقبلة ليس حول الاتفاقية فحسب بل مصير السودان بصفة عامة هل سيكون صومالا او عراقا او قد لا يكون. 2/11/2010