تمطى صديقي حد اليقين , وهتف بصوت خفيض : (أشهد أن الشيخ علي عثمان من أهل الله ) ... ثُم تمتم بما يشبه التبجيل : (هو كذلك) و إتكأتُ على صمتي ناظراً إلى ما وراء كلمات صديقي وأنا أبحث عن عصبية إثنية بسبب إنتمائه لدار الشايقية فلفحتني فقاقيع صدقه حتى لم أجد بداً من النظر إلى الأرض محاولاً قراءة الواقع السياسي بشكل مغاير ...ثُم أُنقِّب عن دفاتري السياسية الصغيرة فلا أجد إلا إحتراماً هنا وهناك من هم معه ومن هم ضده يحبه البعض ويحترمه البعض الآخر يختلفون معه في مساحات واسعة من الإحترام ...فأنظر إلى صديقي ببساطته الذكية وأشعر بجذور (الشيخ) تنبت بأجيال قادمة لتصير (أُمّة) ... منطقة قيادية ممنوع الإقتراب أو (التفكير) : تظل شخصية الشيخ علي عثمان تتحرك مابين السهل الممتنع والغموض الشفاف وتبوء كل محاولاتك بمعرفة ما وراء كلماته بفشلها المتكرر فلا تجد إلا محاولات يائسة (لتحسس) ما وراء الكلمات شعوراً بها وليس فهماً لها وإدراكا... فتطمئن إلى أنك لست مُلزماً (بالتفكير) ولكنك مُهيأً للشعور بمعاني كلمات الشيخ وليس مبانيها ... وكلمات (الشيخ) لا يحسها إلا (حُوار) يشعر بها في مكان عصيّْ وبلغة حميمة تتخلله يحسها ولا يفهمها بالشكل المفترض ... فذهنية الشيخ منطقة قيادية ممنوع الإقتراب أو (التفكير) فيها ومسموح لك فقط بالشعور بها بشكلٍ صادق ... لو إكتفى (الشيخ) بنيفاشا لكفته ... ونيفاشا هي صراع الإسلاميين صقوراً وحمائم يتدرجون بين قابل ... وقابل على مضض ... وكاره ... وكاره بعنف ...!!! والمعارضة تتدثر بالأيام للهروب من حتمية إنفصال الإقليم الجنوبي بظن أنه الجريمة السياسية الأكبر يحتمي بهم بعض الإسلاميين لإلقاء اللوم على طاقم الإتفاق ... ولو إكتفت الحركة الإسلامية بحق تقرير المصير لأهل الجنوب لفاخرت به القوى السياسية ولضمنت به جنة الأرض إيفاءاً بالعهد ... والوفاء بالعهد هو هم الجنوب الأكبر , وخوف الخارج ... والوفاء بالعهد إبتداءاً وإنتهاءاً هو قربى لله ... فإن العهد كان مسئولا ,,, فنيفاشا هي بطولة الإنقاذ و(الشيخ) (بطل) الإتفاقية متناصفاً مع الراحل (جون قرنق دي مبيور) وهو (ضحية) التناحر الفكري والرؤيوي السياسي الإسلاموي لتبقى نيفاشا كخضراء الدمن السودانية التي فُجعت بمنبت سياسي سيئ يأتي (الوطن) في نهايات إهتماماته السياسية فأسنة الرماح تعلوا على سارية العلم السوداني والنيل يمتلئ بدماء الأشقاء والأشجار تشتعل بنيران الحقد فالقضاء على (الوطني) همٌ (وطني) ولو جاء عبر بوابة الحريق الوطني ...!!!! الشبخ علي عثمان : ضحية بصولجان البطل لم تجد إتفاقية سودانية حظاً من النقاش المتعارض كما وجدته إتفاقية نيفاشا والظاهر فيها أنها حقنت دماء أبناء الوطن الواحد وحافظت على أمن البلاد والعباد والمُلزم فيها بالفخر وليس التنصُّل منه هو (منح) الجنوب حقه في تقرير مصيره فهو الوعي الديمقراطي المتقدم ولكنها النفس السياسية البشرية تحاول (إيهام) الوطن بأن حق تقرير المصير جريمة وهو الترويج الذي وقع عدد من قادة وقواعد الحزب الحاكم ببراثنه بمحاولة الإلتفاف حوله لدرجة التبروء منه بحين تتناسى تلك القيادات أن حزبها هو الحزب الذي إمتلك شجاعة منح الجنوب حق تقرير مصيره وحدةً أو إنفصالاً ذلكم الحق الذي تهرّبت منه الحقب السياسية المتعاقبة وعلى الحركة الشعبية بنهايات أجل الإتفاقية (شُكر) شريكها بالحكم فإن تناحرا مراراً وتكراراً فإن ذلك لا يمنعن الحزب الحاكم حظه من (الشُكر) لمنحه بالاشتراك معها الجنوب حق تقرير مصيره وهي الجائزة الكُبرى وهو الإلتزام الحميد وهو وعد قيادات الحركة الشعبية لجماهيرها الذي حققته بنضالها وبإتفاقها مع الحزب الحاكم فالشيخ علي عثمان قدّم إتفاقية من بين فرث ودم وأهداها لشعب السودان (كُله) حاملاً صولجان بطولة الوصول للإتفاق وحراسته والوفاء بمخرجاته ولكنه زرعها كما جاء بعاليه بأرض غير مُهيأة لمساعدتها لإخراج ثمارها الوحدوية المرجوة فوقع (الشيخ) ضحية التناحر السياسي بداخل الحزب وبين الحزب وشريكه والحزب وبقية القُوى السياسية لتتدحرج الإتفاقية إلى مهاويها السحيقة دون أن يتنبه لها أحدهم ...!!! بين دموع (إنجلينا) , (صفية) ... و(د. نافع) : (إنجلينا) صبية جنوبية المحيى شمالية المنشأ سودانية القالب نشأت بدار الحاجة (صفية) ونالت حظاً معقولاً من التعليم داهمتها العودة الطوعية وألزمتها بالرجوع إلى المنبت ... لملمت أغراضها المتنوعة بين ثقافتيها الجنوبية والشمالية ونظرت إلى سريرها بإشتياق جارف ثُم ودعت (أمها) الحاجة صفية وهي تضغط على الكلمات متمنية فيها لو كانت طرفاً ثانياً في الإتفاقية ثُم غادرت وهي تخفى دمعات أبت إلا أن تقفز من بين مقلتيها إلى الأرض التي منحتها المواطنة , تتذكر الحاجة (صفية) وداع (بنتها) إنجلينا وإخفائها للدمعات التي لم تستجيب للعودة الطوعية فقبعت (خضراء) بأرض المنزل في حرمٍ أسموه لاحقاً (دموع أنجلينا) ... كانت حاجة صفية تحكي تلك اللحظات وهي تنشج بالبكاء المُر وبين دموعهن ودموع دكتور نافع علي نافع التي تناولتها الوسائط الإعلامية مشترك الفجيعة ليبقى الأنفصال هو الحق المأساوي الذي يظلل على البلاد مهدداً بالوقوع ويشحذ دموع النساء والرجال هنا وهناك وتبقى دموع الوطن هي الأكثر سخونة ويبقى جريان النيل شاهداً على وطن واحد إسمه السودان ... وتأتي الأيام القادمات كجناحي ذبابة تحمل بإحداها أمل الوحدة وبالأخرى خطر الإنفصال وتبحث عمن يغمسهما معاً لتجنيب البلاد الشرور المحضة ....والله المستعان ...