كتب عمر القراي كلمة طويلة في الهرج قصيرة في النظر رداً علي مآخذي على مقالات له ب"أجراس الحرية" عن استفتاء أبيي. ولولا حرج مسألة أبيي لما تداخلت مع القراي في مسألة أصلاً. فهو "شِبكة" لا يلتزم أصول لعبة الجدل. فسرعان ما ينفرط جأشه و"يفتح الفايل" كأفندي مواظب. فمن تمرده على الأصول أنه سيء النقل من الخصم. مثلاً: قال إنني ذكرت أني زرت المنطقة ويعني أبيي مرة ليزايد عليّ ويقول بأنه زارها أكثر مني. ولكن الموضع الذي ذكرت أني زرته كان بادية الكبابيش.. ثم هو نكَّار يقول الكلام ويجر واطي. فقد وصفني بالخبث والفتنة حين جئت بقوله عن جبن المسيرية لهجومهم على ضعاف الدينكا في غيبة الأشداء منهم في سوح القتال. وليس من الشجاعة بالطبع التنكيل بالضعفاء. وعاد فأنكر في رده عليّ وصفه المسيرية بالجبن لأنه لا يصح رمي جماعة بحالها بصفة ولا بأنها اقترفت الهجوم على الدينكا بكلياتها. ولكن القراى قال في مقاله الأول ما أنكره في رده عليّ. قال نصاًً: "ولقد تكونت على يد حكومة السيد الصادق المهدي مليشيات عرفت ب (المراحيل) كانت تهاجم عضاء قبيلة دينكا-نقوك من الكبار في السن والنساء والاطفال، وتحرق قراهم وتأخذ بعضهم كعبيد، حين يكون الشبان في صفوف الجيش الشعبي لتحرير السودان يقاتلون في واقع مختلفة في الجنوب". لربما لم يصم كل المسيرية بالجين. وليس بالطبع من جماعة تهاجم أخرى عن بكرة أبيها. ولكن من المؤكد أن القراي وصم قطاع الفرسان منهم بالجبن.. ومن المؤسف لزاعم للعلم مثل القراي أن يعيش خلواً من الكتب برئياً من أنسها. فهو لا يقرأ. فلم يقرأ حين قارن سبل كسب عيش المسيرية بالدنكا نقوك. فوصف الأوائل بالرحالة الهائمين خلافاً لدينكا نقوك المزارعين المستقرين. ولم يتفق له بعد الرجوع إلى كتاب يستوثق من قولنا له إن كلا الجماعتين رعويتان بعناية متفاوتة بالزراعة. وبدلاً من أن يرجع لكتاب منير في الشأن عاد ليقول بأنه تحاور مع نفر من المسيرية ولم يعترضوا على وصفهم بالسيارة ولا على وصف دينكا نقوك بالمستقرين. وإذا لم تكن هذه "سلطة البياض وعقل المشافهة" التي كرهها حيدر إبراهيم فما تكون!. ويؤسفني أن يضطرني القراي إلى ما لم يأخذ نفسه بالشدة لطلبه وهو الكتاب. فقد نظرت في كتاب صدر في 1997 عن معهد جامعة هارفارد العالمي للتنمية عنوانه "ما بين المستنقعات ومكان صلب" لمؤلفيه ديفيد كول وريتشارد هنتيقتون. والكتاب يلخص تجربة ذلك المعهد في تنمية ابيي (1979-1981). ووصف الكتاب مراحيل دينكا نقوك آناء موسمي الشتاء الجاف والصيف الممطر. فموارد المياه عندهم تنضب في الشتاء فيرحل الرعاة بالقطعان جنوباً عابرين بحر العرب-كير. وربما بلغوا النوير في السنين العجاف. ويقوم على القطعان شباب الدينكا في عمر الثلاثين ويشكلون 65% من المرحال تساعدهم شابات في سن العشرين يشكلن 25% والبقية أطفال وكبار السن. وهذا أيضاً وقت قدوم المسيرية من الشمال إلى أبيي في مرحال يبلغون به بحر العرب كذلكً. وفي هذه الفترة تخلو قرى الدينكا من سكانها لاستحالة الزراعة فيتفرقون. فمنهم من يتجه للشمال بحثاً عن عمل يزيد به دخله. ثم يحل موشم الخريف وهو وقت عودة قطعان النقوك شمالاً حتى أرض القوز شمالي أبيي بحثاُ عن أرض جافة نسبياً لمعسكرات البقر. نقاش من لا يقرأ مثل كي ملابس الكاكي الزمان: أشغال شاقة.