طالعتنا الصحف فى الأيام الماضية بخبر عجيب وغريب أن حزب الميرغنى ، ( المرجعيات ) قد تقدم بطلب لمجلس شئون الأحزاب لتسجيل حزبه تحت إسم ( الحزب الإتحادى الديمقراطى الأصل ) .. ولغوياً يفهم طالما وردت كلمة (أصل) إذن هناك (تقليد) وطالما ذكرت كلمة ( أصل ) فإن ذلك يعطى إيحاءات بأن هناك حزب غيره يحمل صفة التقليد والتزييف .. لذلك دعونا نفتح هذا الملف لنتعرف عن الأصل والتقليد داخل الحركة الإتحادية . نظرياً إسم الحزب الإتحادى الديمقراطى ناتج من إندماج الحزب الوطنى الإتحادى وحزب الشعب الديمقراطى فى نوفمبر 1967م وفق سياق تاريخى وظروف محددة قد يتفق أو يختلف حولها الناس فى التقييم ومدى فاعليته وجدواه على الساحة السياسية .. ولكن فعلياً وعملياً الإتحادى الديمقراطى هو إمتداد لتاريخ ونضالات قادة الحركة الوطنية بدءاً من مؤتمر الخريجين مروراً بوحدة كتلة الأحزاب الإتحادية الخمسة وفى طليعتها حزب الأشقاء ثم تكوين الحزب الوطنى الإتحادى عام 1953م بزعامة الرئيس الخالد / إسماعيل الأزهرى ، الذى خاض معركة الإستقلال ضد الإستعمار بشرف وقوة حنى نالت البلاد إستقلالها برفع العلم الوطنى فى 1/1/1956م...وقد أنشأ السيد على الميرغنى حزب الشعب الديمقراطى ليكون الواجهة السياسية لطائفة الختمية بدلاً عن الحزب الوطنى الإتحادى .. إذاً لأدركنا منذ الوهلة الأولى هل الحزب الوطنى الإتحادى والزعيم الخالد إسماعيل الأزهرى (أصل) أم ( تقليد ) ؟ ..هل من رفع علم الإستقلال عالياً خفاقاً ( أصل ) أم ( تقليد ) ؟ .. وبنهاية يونيو 1956م نجح حزبا الشعب الديمقراطى وحزب الأمة فى دفع الأزهرى للإستقالة بعد أن نصبت الطائفية له فخ الحكومة القومية ثم إنسحاب الختمية منها وإكتملت فصول الحكاية بسقوط حكومة الأزهرى بسحب الثقة منها وفى 5 يوليو 1956م تم تشكيل حكومة إئتلاف من الحزبين ( حكومة السيدين ) بقيادة عبد الله خليل وطوال العامين اللذين بقيا من الفترة البرلمانية ظل الحزب الوطنى الإتحادى بعيداً عن السلطة .. قامت حكومة السيدين وفى أحشائها عداوات عشرات السنين فقد قامت لا لشئ إلا لإسقاط الأزهرى وحكومته .. وفى 17/ نوفمير /1958م سلمت الحكومة السلطة لقيادة الجيش الفريق إبراهيم عبود .. وهنا يقفز سؤال من هو الذى دفع فاتورة النضال ضد النظام العسكرى الذى أوقف المسيرة الديمقراطية ؟ ..ومن هو الذى عطل دوران العجلة الديمقراطية لندخل فى الدورة الخبيثة من ديمقراطية إلى إنقلاب عسكرى إلى الأن ؟.. من هنا ندرك من هو (الأصل) ومن هو (التقليد ) .. وفى 9 ديسمبر 1960م تقدمت طائفة الختمية بمذكرة كرام المواطنين وقد أعلنوا فيها وقوفهم خلف نظام عبود فى الوقت الذى كان فيه زعماء الإستقلال فى سجن نواكشوط بجنوب البلاد .. جاء الإندماج فى نوفمير 1967م ولاشك إن ماحدث فى تلك الأيام كان كارثة بكل ماتعنيه الكلمة من معنى ومهما ساق البعض التبريرات والأعذار .. وحدث إنقلاب مايو 1969م وكان موقف فصيل حزب الشعب ممثلاً فى راعيه أول من أيّد الإنقلاب فى مايو 1969م ببيان ممهور من السيد محمد عثمان الميرغنى ( جريدة الأحرار بتاريخ 1/6/1969م ) ولذا فإن مايو 1969م وماتلى من ردة الفعل تجاهها كانت مفترق طرق أساسى بين من آمنوا بالديمقراطية حقاً وصدقاً ودافعوا عنها وماتوا وإستشهدوا تحت البنادق ومن جلسوا فى الدعة والظل والراحة بل أطلقوا على معارضة الشهيد الشريف حسين الهندى ب (الأكذوبة الكبرى ) ..إذن من هو ( الأصل ) و( التقليد) ؟ .. ولم ينتظر أساطين حزب الشعب طويلاً ليدخلوا إلى مايو فأرسلوا لها البرقيات المتتالية منها برقية( أضربوا بيد من حديد أعداء الثورة ) وكان ذلك فى مارس 1970م .. حين بدأ الآخرون المسار الصعب والتاريخ النضالى والذى جعلنا بعد ذلك نتمسك ب ( الإتحادى الديمقراطى ) ، هكذا كان الختمية بينما الحزب كله ونتيجة للإستراتيجية التى إتبعتها القيادة ممثلة فى قيادة الجبهة الوطنية الإمام الشهيد الهادى المهدى عن الأنصار والشهيد الشريف حسين الهندى عن الإتحاديين والشهيد محمد صالح عمر عن الأخوان المسلمين ورفاقهم بالمواجهة والصدام المسلح وتنظيم الإضرابات والإعتصامات والإحتجاجات التى نجحت فى أن تقض مضاجع أركان النظام المايوى وتزعزه وتجعله لا يهدأ ولاينام .... وكانت أبرز المواجهات فى ( دار الهاتف ) حيث لقى ثلة من أنبل شباب السودان الشهادة فى سبيل ما آمنوا به .. ثم كانت عروس الثورات فى يوليو 11976م ، وقد تتابعت مواسم السقوط والتخلى عن المبادئ ونسف الحزب وتاريخه ففى ما أسموه مؤتمر القضايا المصيرية فى أسمرا وقّع السيد محمد عثمان الميرغنى على حق تقرير المصير لجنوب السودان مع الحركة الشعبية كآخر فصيل من المعارضة التجمعية وأول فرد من الحزب الإتحادى يعترف بتقرير المصير !! ونكرر هنا أن السيد محمد عثمان الميرغنى كمرشد لطائفة الختمية لم يتم ترشيحه أو إنتخابه ليصبح رئيس للحزب ولم ينتخب من خلال مؤتمر عام . إننا لن نسمح بوضع اليد لتولى المناصب والقيادة ولا بعودة الحزب ليصبح بؤرة طاردة للمثقفين والمستنيرين وكل الطبقة الوسطى التى يمثلها فضاء الحزب الرحيب .. كنا ولانزال نعانى من ضغوط بعض ممن هم حولنا لقصور الفهم عن الإدراك بوجوب خروج علاقة القواعد بالزعامة وتحرير الفرد نفسه من أن يكون عبداً للمال أو الزعيم أو القيادة .. أو لمن يحل له ضائقته الآنية .. إذاً بعد هذا السرد التاريخى الطويل ندرك تماماً من هو صاحب إسم ( الإتحادى الديمقراطى ) .. والذين يدعون إنتماءهم لهذا الإسم عليهم أن يدركوا إن راية الحزب الإتحادى الديمقراطى ظلت عالية وصامدة بتضحيات غالية إرتبطت بمن قضى نحبهم وبمن ينتظر من الشرفاء الأحرار .. لذلك لم يكن الإنتماء للإسم إنتماء عاطفى فقط بل هو إنتماء موضوعى وتاريخى ونضالى ومصيرى . إن معركة المحافظة على إسم حزبنا العتيد العريق هى معركتنا وحدنا والتحدى الذى سنقابله بكل جدية وحزم وليس فيه أنصاف الحلول ولا التنازلات لأنها قضية مصيرية ، ولن نستجدى فيها أحداً ولن نطالب أى مساعدة أو نصح من أى جهة ، إن خياراتنا مفتوحة بدءاً من المحكمة الدستورية إنتهاءً بالإنسحاب من الهيئة التشريعية القومية إحتجاجاً على التفسير الخاطئ للقانون ولائحته ..إن إضافة كلمة ( الأصل ) فيها نسف لكل تاريخ الحركة الوطنية الإتحادية ورعيله الأول السيد / إسماعيل الأزهرى ، مبارك زروق ، يحى الفضلى ، الشريف حسين الهندى ، وأخيراً الشريف زين العابدين الهندى . إن إضافة كلمة ( الأصل ) تمنح الحزب السياسى : لأن يكون مطابقاً لإسم حزب آخر أعتمده المجلس من قبل. يمنح الحزب السياسى ميزة على الأحزاب الأخرى . يوحى بالإستخفاف بالممارسة السياسية . يصيب إستفزازاً لمشاعر الآخرين . يؤدى إلى تضليل الرأى العام أو إرباك الناخبين أو إحداث خلط بينه وبين حزب سياسى آخر . مجلس شئون الأحزاب تقع على عاتقه مهمة الحفاظ على الممارسة الديمقراطية من خلال أحزاب مؤمنة بالديمقراطية قولاً وفعلاً من خلال نظام ديمقراطى راشد منضبط الإيقاع ، ولكن كيف لحزب طوال تاريخه ضد النظام الديمقراطى بدءاً من إسقاط الأزهرى و الإنقلاب والإشتراك فى نظام عبود العسكرى ثم دعم النظام المايوى . كيف له أن يكون ( الأصل ) وغيره (التقليد) هذا لا يستقيم عقلاً ولا منطقاً ، إن إدعاء ( الأصل ) إدعاء زائف وتشويه لتاريخ الحركة الوطنية الإتحادية .