راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الإثنين    بعد أزمة كلوب.. صلاح يصدم الأندية السعودية    الإمارات وأوكرانيا تنجزان مفاوضات اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة    ياسر عبدالرحمن العطا: يجب مواجهة طموحات دول الشر والمرتزقة العرب في الشتات – شاهد الفيديو    وزارة الخارجية القطرية: نعرب عن قلقنا البالغ من زيادة التصعيد في محيط مدينة الفاشر    المؤسس.. وقرار اكتشاف واستخراج الثروة المعدنية    حقائق كاشفة عن السلوك الإيراني!    البيان الختامي لملتقى البركل لتحالف حماية دارفور    الداخلية السودانية: سيذهب فريق مكون من المرور للنيجر لاستعادة هذه المسروقات    مدير شرطة ولاية النيل الأبيض يتفقد شرطة محلية كوستي والقسم الأوسط    تدرب على فترتين..المريخ يرفع من نسق تحضيراته بمعسكر الإسماعيلية    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    سان جرمان بطلا للدوري الفرنسي.. وعينه على الثلاثية    الزمالك يسحق دريمز في عقر داره ويصعد لنهائي الكونفيدرالية    شاهد بالفيديو.. سائق "حافلة" مواصلات سوداني في مصر يطرب مواطنيه الركاب بأحد شوارع القاهرة على أنغام أغنيات (الزنق والهجيج) السودانية ومتابعون: (كدة أوفر شديد والله)    إيران تحظر بث مسلسل "الحشاشين" المصري    شاهد بالصورة والفيديو.. طلاب كلية الطب بجامعة مأمون حميدة في تنزانيا يتخرجون على أنغام الإنشاد الترند (براؤون يا رسول الله)    السودان..توجيه للبرهان بشأن دول الجوار    شاهد بالفيديو.. الفنانة ندى القلعة تواصل دعمها للجيش وتحمس الجنود بأغنية جديدة (أمن يا جن) وجمهورها يشيد ويتغزل: (سيدة الغناء ومطربة الوطن الأولى بدون منازع)    شاهد بالصور.. بالفستان الأحمر.. الحسناء السودانية تسابيح دياب تخطف الأضواء على مواقع التواصل بإطلالة مثيرة ومتابعون: (هندية في شكل سودانية وصبجة السرور)    يس علي يس يكتب: روابط الهلال.. بيضو وإنتو ساكتين..!!    جبريل إبراهيم يقود وفد السودان إلى السعودية    تجارة المعاداة للسامية    سرقة أمتعة عضو في «الكونجرس»    رئيس حزب الأمة السوداني يعلق على خطوة موسى هلال    بايدن منتقداً ترامب في خطاب عشاء مراسلي البيت الأبيض: «غير ناضج»    تدمير دبابة "ميركافا" الإسرائيلية بتدريب لجيش مصر.. رسالة أم تهديد؟    دبابيس ودالشريف    حسين خوجلي يكتب: البرهان والعودة إلى الخرطوم    بمشاركة طبنحة و التوزة...المريخ يستأنف تحضيراته    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    قوة المرور السريع بقطاع دورديب بالتعاون مع أهالي المنطقة ترقع الحفرة بالطريق الرئيسي والتي تعتبر مهدداً للسلامة المرورية    السينما السودانية تسعى إلى لفت الأنظار للحرب المنسية    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    سوق العبيد الرقمية!    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محادثات سلام دارفور: مأزق الإقليم الواحد وخيار الإستفتاء ... بقلم: موسى محمد الدود
نشر في سودانيل يوم 18 - 12 - 2010

من يتتبع التطور التاريخي لتوزيع مراكز السلطة في دارفور سيدرك حقيقة جوهرية، وهي أن منطقة دارفور قبل العام1916م لم تكن في حقيقة الأمر إقليماً واحداً يخضع لسطة مركزية واحدة.بل كانت دارفور رقعة جغرافية تحكم بعض أجزائها سلطنات مستقلة عن بعضها البعض من أشهرها سلطنة قبيلة المساليت التي كانت تسيطر على أجزاء من ولاية غرب دارفور الحالية.وسلطنة قبيلة الفور التي كانت تحكم أجزاء واسعة من ولايتي شمال وجنوب دارفور.وسلطنة قبيلة الداجو التي كانت تحكم جزء كبير من الأراضي الواقعة إلى الشرق من مدينة نيالا بولاية جنوب دارفور. وأما باقي مساحة دارفور الحالية،فقد كانت مناطق تقع خارج نطاق حدود سلطة هذه السلطنات وكانت تخضع لسيطرة زعماء القبائل الذين يتحكمون في أراضي ديار قبائلهم بإستقلال تام عن بعضهم البعض(مثلا:دار الميدوب، دار الزغاوة،دار الرزيقات...الخ).
مدخل أول:
قد يحاجج البعض بأن مفردات التاريخ المروي تشير إلى أن دارفور خضعت لسلطة الحكم التركي المركزية بالخرطوم بعدما دكت سنابك خيول الزبير باشا حصون الرزيقات وقتلت السلطان إبراهيم قرض في معركة منواشي.ولربما قد يكلف البعض نفسه بإعطاء دروس عصر عنوانها الرئيسي أن دارفور دانت لسلطة الدولة المهدية المركزية بأم درمان بمجهوات عثمان جانو لإخماد جذوة ثورات الثوار الدارفوريين .بيد أن القول الصريح الذي لابد من التذكير به هو أن سلطة المركز (الخرطوم ) على دارفور في فترتي التركية والمهدية كانت وقتئذٍ إسمية.لأن السلطات الفعلية لحكم الناس في دارفور ظلت في أيدي الزعماء القبليين(السلاطين والشراتي والنظار) وإلى يوم الناس المشهود.صحيح قد ينافح البعض بالقول أن سلطة المركز أياً كانت هي السلطة الأعلى على السلطات المحلية في دارفور ومع ذلك لابد من التفريق بين سلطة ترضى بقبولهاغالبية الدارفوريين كما هو الحال بعد العام1956م وحتى الآن وسلطة مركزية أخرى يعوزها السند الجماهيري.
وما لا ينكره إلا مكابر هو أن الإنتماء القومي قد ترسخ وسط الدارفوريين بعد ضم دارفور بشكل نهائي لخريطة السودان الجيوسياسية في العام1916م.بيد أ ن الإنتماء القومي قد ثبطه عدم السعي الجاد من المركز لتحقيق التوازن التنموي والتقسيم العادل للسلطة والثروة.علماً أن أخطر ما أوهن عرى التمازج القومي وسط الدارفوريين هو الإضعاف الممنهج لسلطة الزعماء القبليين حيناً وتسيسهم في أحايين كثيرة ترجيحاً لكفة السلطات المركزية من دون السعي الجاد لإجتثاث التخلف التنمويي من دارفور عند السعي لإدغامها في ا لإطار الجيوسياسي لدولة السودان القومية.بيد أن ذلك الإدغام ،الناقص في مجمله، لم يدق إسفين القطيعة بين الدارفوريين والإنتماء للمركز السوداني ،تأكيداً ونفساً، وإن لم يفلح في محوِ الإنتماء القبلي والجهوي من مخيلة التفكير الجمعي للدارفوريين على الرغم من مرور الكثير من المياه السياسية تحت الجسر.
وقد تبدى الإنتماء الجهوي للدارفوريين في العقود الأخيرة بوضوح عندما تفتقت ذهنية الحكم المايوي في ثمانينات القرن العشرين عن فكرة دمج إقليمي كردفان ودارفور في كيان واحد تجتمع سلطاته في يد حاكم واحد يأتمر بأمر المركز ألا وهو الطيب المرضي.حيث تسبب ذلك في حدوث مظاهرات عمت أرجاء دارفور تراجع على إثرها النظام المايوي عن فكرته المركزية لتعود دارفور إقليماً موحداً في ظاهره ولكن في حقيقته ظل مقسماً إدارياً إلى مديرتي شمال وجنوب دارفور وإن بدأ يهتري نسيجه الإجتماعي قبلياً بفعل تصرفات خاطئة إفترعها الحاكمون من بنيه.
مدخل ثان:
صارت القبلية في دارفور متجذرةً لأبعد الحدود على مستوى السلطة المحلية و بمباركة السلطات المركزية في فترة الديمقراطية الثالثة:1986-1989م.حيث تم حينئذٍ تقنين وترسيخ ديمقراطي لمبدأ الإستوزار القبلي بدارفور. فما أن يدخل الفرد وقتئذِ في ردهات وزارة من الوزارات الدارفورية إلا وتذكم أنفكه رائحة القبلية النتنة و التي تتبدى بجلاء في سحنة أفراد قبيلة الوزير المسيطرين على شئون الوزارة بدءاً من خفير تلك الوزارة وحتى سكرتارية مكتب الوزير.وقد تصاعدت على أثر ذلك النعوت من شاكلة:هذه وزارة قبيلة العلانية وتلك وزارة القبيلة الفلانية في تطفيف بين لمبدأ التمييز الإيجابي ودوره في خلق التوازنات السياسية.والشيء المؤسف حقاً هو أن على رأس كل وزارة من هذه الوزارات الدارفورية وزير مفروض على شعب دارفور مركزياً ضمن سيرته عبارات تفيد بتخرجه في الجامعة العلانية ومع ذلك لا يربأ بنفسه عن الغرق حتى أخمس قدميه في القبلية و التسربل بملفحة الجهوية وإن على مستوي المكونات المكانية لدارفور؟؟!. حيث لا غرو في دهر هكذا شيمة حاكميه أن تزداد في جنباته حدة الصراعات القبلية في دارفور.
مدخل ثالث:
عند مجيء حكومة الإنقاذ في العام1989م وجدت دارفور إقليماً إدارياً يتم حكمه من مدينة الفاشر بالرغم من أنه عملياً مقسماً إلى كيانين إداريين هما:مديرية جنوب دارفور وعاصمتها نيالا ومديرية شمال دارفور وعاصمتها الفاشر.حيث بشر بيان الإنقاذ الأول بمعالجة الصراعات القبلية بدارفور.وفي باديء الأمر بذلت الإنقاذ مجهودات تكللت بعقد مصالحات قبلية ناجحة وإن لم تتمكن من القضاء على المنازعات القبلية.
والصحيح كذلك هو أن تطبيق نظام الحكم الفدرالي في دارفور قد سحب البساط من هيمنة الحاكمين لإقليم دارفور من مدينة الفاشر.ونسبةً لتقسيم إقليم دارفور إلى ولايتين،جنوب وشمال دارفور،فقد صارت قبائل النخب التي ظلت تحكم دارفور لفترة طويلة موزعة بين الولايتين المذكورتين سلفاً، مما حرم هذه النخب من إمتيازات الوظيفة والإستوزاروكم أضعف ذلك من وزنها السياسي في نظر المركز(الخرطوم).
ولكن التغيير الجوهري هو أن تطبيق النظام الفدرالي جعل العلاقة مباشرة بين الحكومة المركزية وولايتي شمال و جنوب دارفور .حيث لم تعد لمدينة الفاشر السيطرة على باقي الأجزاء الغنية بالموارد في جنوب دارفور.بل تم تقصير الظل الإداري في ولايتي شمال وجنوب دارفور معاً بمزيد من التقسيم الإداري ،بحيث صار سكان المحليات البعيدة عن مراكز السيطرة في مدينتي الفاشر ونيالا على إتصال مباشر مع المركز(الخرطوم)، مما زاد معه الوعي السياسي بالحقوق.وقد ولد النظام الفدرالي وما خلفه من حراك إرتفاع نداءات وسط الدارفوريين ولا سيما سكان الريف تطالب بإنشاء المزيد من المحليات والولايات لتعمير القرى والأرياف التي لم تنل حظها التنموي عندما كانت دارفور إقليماً واحداً.
مدخل رابع:
يمكن القول، إجمالاً ، أن تطبيق النظام الفدرالي في دارفور إمتد أثره ليضرب البنية الوحدوية للهياكل الإدارية والكيانات الإجتماعية للدارفوريين. حيث تم تقسيم دارفور إلى ثلاث ولايات(شمال وغرب وجنوب).ونجم عن ذلك حدوث إنقسامات وسط الروابط الطلابية والجمعيات والروابط القبلية للدارفوريين.إذ تقسمت بفعلها إلى عدة روابط وكيانات أتخذت مسميات سارت حسب التقسيمات الإدارية للولايات والمحليات الجديدة وذلك ليس على مستوى ولاية الخرطوم فحسب، بل شمل كل أنحاء السودان.وقد ولدت هكذا تقسيمات المزيد من الحراك السياسي والإنكفاءات القبلية ولا سيما عندما صارت حدود المحليات الدارفورية تتطابق تماما مع حدود دار القبيلة الواحدة، مما ولد المزيد من الصراعات السياسية والقبلية.
واللافت للنظر أن الهياكل الإدارية والسياسية الناجمة عن نشوء ولايات دارفور الثلاث قد شكلت من جانب بوتقةً لتفريخ العديدة من الكوادر السياسية .ومن ناحية زادت من الوعي الشعبي بأهمية المطالبة بالحقوق والإنتماءات الواجبات الوطنية وإن يؤخذ عليها تنامي النزعة المحلية نحو تعامل الدارفوريين بالندية ليس مع المركز فحسب، بل على مستوى المجالس المحلية داخل ولايات دارفور الثلاث.
مدخل خامس:
تأسست حركة تحرير السودان في باديء الأمر بإسم حركة تحرير دارفور وبرزت على السطح في العام2003م بقيادة عبدالواحد محمد النور أحد طلائع الخريجين الذين أثمرتهم ثورة التعليم العالي.وكان بروزها قد تم في ظل واقع دارفوري معقد يمثل الإنتماء القبلي أهم مكوناته.حيث أفلح عبدالواحد في تكوين الجناح المسلح وحركته في باديء الأمر بالإستثمار في الغضب الذي تراكم وسط أفراد قبيلته الفور بفعل تداعيات الصراعات التي ظلت تدور بين المزارعين من قبيلة الفور والرعاة من القبائل العربية منذ أن أجدب الجفاف مراعي دارفور في ثمانينات القرن العشرين.وقد إزدادت هذه الحركة قوةً وزاد نعتها بالتوجهات القبلية في توجهاتها بعد إنضمام مجموعة من أفراد قبيلة الزغاوة بقيادة منى أركو مناوي إليها وذلك بعد أن خاض بعضهم مواجهات مسلحة مع بعض أفراد بوادي القبائل العربية في غرب دارفور.
وقد تزامن بروز معسكرات حركة تحرير دار فور في منطقة جبل مرة مع مواجهات قبلية بين أفراد من قبيلة المساليت وبعض أفخاذ القبائل العربية بولاية غرب دارفور.وصحب ذلك تطاير إشاعات ،هنا وهناك، في دارفور تشير إلى أن حركة تحرير دارفور إختارت لنفسها شعاراً يتكون من كلمة"مفز" كرمز لقبائل المساليت والفور والزغاوة بغية تحرير دارفور كلها أولاً من العنصر العربي الذي يشكل مخلب قط وجاسوسية لصالح سلطات الحكومة، ومن ثم تتم المواجهة العسكرية مع السلطة المركزية في العاصمة الخرطوم.و لسوء الحظ لم يصدر أي بيان من حركة عبدالواحد لنفي أو تأكيد هذه الإشاعات العنصرية في ظل تنامي المد القبلي غير العربي نحو الإنضمام لمعسكرات الحركة في وحول منطقة جبل مرة.
مداخل سادس:
تسببت الإشاعات التي صاحبت نشوء حركة تحرير دارفور في بلبلة قادت إلى تململ القبائل العربية في دارفور ولا سيما في ولايتي شمال وغرب دارفور.وفي هذه الأثناء حاول بعض أعيان القبائل العربية بشمال دارفور وفي مقدمتهم ناظر المحاميد موسى هلال تنبيه والي ولاية شمال دارفور(الفريق إبراهيم سليمان) بخطورة تنامي الحركات المسلحة.ولكن الوالي ضرب عرض الحائط بتلك التنبيهات مما قاد لسوء فهم بينهم وبين هؤلاء الأعيان تواترت على أثرها تقارير من الفاشر للسلطة المركزية بالخرطوم تفيد بتهديد هؤلاء الأعيان للسلام الإجتماعي بدارفور.وقد نجم عن ذلك قيام السلطات بإعتقال الأعيان وترحيلهم من دارفور للحبس في سجن مدينة بورتسودان.
وفي هذه الأثناء تواصلت هجمات حركة تحرير دارفور على نقاط ومراكز الشرطة في دارفور إلى أن دخلت مدينة الفاشر.وعليه،فقد جاء رد فعل الحكومة المركزية على ذلك الهجوم قوياً.فمن ناحية تم إعطي الحل العسكري الأولوية لحسم التمرد ومن ناحية أخرى تم التحري من جديد مع الأعيان المسجونين في بورتسودان وتم إطلاق سراح هؤلاء من الأعيان بعدما تبين للحكومة صدق حدسهم تجاة تصرفات حركة التمرد الجديدة.
وقد رجع الأعيان لبواديهم وعبأوا أفرادها للدفاع عن أنفسهم ، بل أنخرط بعضهم في مواجهات مسلحة مع حركة تحرير دارفور.وقد تم تضييق الخناق بفعل ذلك على هذه الحركة في معاقلها في منطقة جبل مرة وولايتي شمال وغرب دارفور.وكاد مؤسسها عبدالواحد أن يلقي حتفه حينها لولا تدخل الحركة الشعبية لتحرير السودان لإنقاذه.ومن الإفرازات التي صاحبت توسيع نطاق المواجهات العسكرية في دارفور ظهور اللاجئين الدارفوريين في خارج السودان ومعسكرات النازحين حول مدن دارفور الكبرى ،مما نجم عنه تدخل أوسع من المجتمع الدولي لإغاثتهم.
مدخل سابع:
جاء رد فعل حركة تحرير دارفور على تعامل الحكومة العسكري معها عقب هجومها على مدينة الفاشر مرتكزاً على العديد من الإتجاهات.فمن جانب قامت الحركة بتسويق الصراع في دارفور إعلامياً بحسبانه حرب بين الجنجويد(الدارفوريين العرب) الذين تساندهم الحكومة والدارفوريين الأفارقة(الزرقة) الذين لا حول لهم ولا قوة.ومن ناحية أخرى تم تحوير إسم حركة تحرير دارفور لتصبح حركة تحرير السودان لتنفي عنها صفة العنصرية. ولكن على الصعيد الإجتماعي إذدادت هوة عدم الثقة بين الدارفوريين العرب والدارفوريين غير العرب مما زاد من التشرزم والشروخ في جدار البنية الإجتماعية لللمجتمع الدارفوري.
وقد زادت وتيرة العنف في دارفور عقب الإنشقاق الذي حدث في صفوف الإسلاميين في العام2004م.حيث أنضم معظم الدارفوريين في باديء الأمر إلى المؤتمر الشعبي.ومن ثم أتجه جلهم إلى دارفور وخارج السودان للإعلان عن نشوء حركة العدل والمساواة كفصيل مسلح لمحاربة الحكومة المركزية.ولكن من المفارقات أن الإسلاميين في قيادة حركة العدل والمساواة قد إرتكبوا نفس الخطأ الذي وقعت فيه حركة تحرير السودان بتصويرهم للصراع في دارفور إعلامياً بحسبانه حرباً عنصرية وإبادة جماعية يرتكبها الدارفوريين العرب (الجنجويد) الذين يهاجمون الدارفوريين الأفارقة لقتلهم بالوكالة عن الحكومة السودانية.وقد كانت المحصلة النهائية لذلك تدخل المجتمع الد ولي بذات الفهم الخاطيء في أغلبه من جهة ومن جهة أخرى تسبب الطرق الإعلامي الإثني في حدوث فرز إثني حقيقي وسط المجتمع الدارفوري المنهك أصلا ً بالصراعات القبلية.
مدخل ثامن:
لقد تدخل الجيتمع الدولي في المسألة الدارفورية منذ العام2004م وحتى تاريخه لإيجاد حلول مرضية لأطراف الصراع الدارفوري دون جدوى على الأقل حتى زماننا هذا.ومن خلال هذا التدخل أصبح طريق التفاوض سالكاً بين أطراف النزاع.وقد كان القاسم المشترك الأعظم خلال جولات التفاوض بدءاً من محادثات أبوجا/2006 وحتى محادثات الدوحة/2010،من ضمن أشياء أخرى،هو الدعوة إلى نزع سلاح الجنجويد( قبائل دارفور العربية) وإلغاء ولايات دارفور الثلاث لتصبح دارفور إقليم واحد.ولكن من حيث العمل بمبدأي الواقعية والظرفية، من الصعوبة بمكان نزع السلاح من أيدي المواطنين في دارفور عموماً وخاصةً السلاح الذي يمتلكه أفراد قبائل دارفور العربية تحديداً في ظل وجود حركات دارفورية مسلحة لم تجنح للسلم وتصر على الإستمرار في رفع السلاح.وذلك لأن تسويق الحركات الدارفورية المسلحة للصراع الدائر في دارفور إعلامياً بحسبانه صراع يدور بينها من جهة والحكومة السودانية والجنجويد(عرب دارفور) من جانب آخر قد زاد من هوة عدم الثقة بين هذه الحركات و أفرد القبائل العربية في دارفور، مما يصعب معه جمع الأخيرين لسلاحهم دون تجريد الحركات الدارفورية من سلاحها في نفس الوقت. وشرط التزامن الموحد لجمع السلاح من دارفور لا يتحقق إلا بتوقيع كل حركات دارفور المسلحة على إتفاقية سلام شاملة تراعي مصالح جميع مكونات المجتمع الدارفوري.
مدخل تاسع:
بحسابات الواقعية السياسية، من الصعب للغاية إقناع الدارفوريين جميعهم وخاصةً الساكنين منهم في ولاية جنوب دارفور بإلغاء ولايات دارفور الثلاث والرجوع لنظام الإقليم الواحد الذي تنادي به حركات دارفور المسلحة.حيث يعز عليهم التخلي عن الفوائد التي جنوها جراء تطبيق الحكم الفدرالي الذي جعلهم يمارسون سلطات جوهرية حرموا منها عندما كانت دارفور إقليماً واحداً يحكم مركزياً من مدينة الفاشر. مع العلم أن هنالك قطاع عريض من المجتمع الدارفوري قد أصبح مزاجه السياسي متسايراً مع المزاج العام في السودان الرافض لهيمنة جهة إدارية مركزية واحدة. لأن التخلي عن حكم دارفور عبر نظام الإقليم الواحد والإنتقال لنظام الولايات قد أتاح لسكان الريف الدارفوري تحديداً المزيد من منافع الحكم الإتحادي التي تنزلت عليهم ومن أهمها نيل عضوية المجالس التشريعية ليس فقط على المستوى المحلي والولائي بل مكنهم ذلك من المشاركة على الصعيد القومي.حيث تخرج في هذه المجالس جيش جرار من القيادات والسياسيين الذين يصعب إقناعهم لركل نظام الولايات الثلاث المطبق في دارفور حالياً.
مدخل أخير:
ذروة سنام الخلافات الرئيسية بين حركات دارفور الحكومة المركزية تتجسد في مناداة الحركات بأن يكون إقليم دارفور واحداً ورفض الحكومة لذلك مبدئياً لتعارضه مع الرغبة الجماهيرية في ولايات دارفور الثلاث.حيث تدافع الحكومة عن موقفها بأن خيار الإقليم الواحد غير مجمع عليه من أغلب سكان دارفور إستئناساً بتجربة الحكم الولائي.وبينما ترى حركات دارفور أن مطالبتها بالإقليم الواحد تتماشى وفكرة الإقليم الواحد تتماشى مع إتفاقية نيفاشا التي تشكل جزء لا يتجزأ من الدستور ساري المفعول والمطبقة عملياً في جنوب السودان. ويساند الحركات المسلحة في هذا الزعم نفر غير قليل من الفاعلين السياسيين.
ولكن فكرة الإقليم الواحد تشوبها العديد من الإستفهامات حول كيفية نظام الحكم .فإذا كانت المناداة بالإقليم الواحد ترجع دارفور لتحكم بالسيطرة من الفاشر كما الحال قبل تطبيق الحكم الإتحادي ،فهكذا مناداة لا محل لها من الإعراب ليس لكونها سباحة عكس المزاج العام في دارفور بل يضعفها التشرزم والإنتماء الجهوي لسكان دارفور ويفضحها التكوين القبلي لحركات دارفور.ولكن قد يحاجج البعض أن هكذا مسالب يمكن تجاوزها بالتأمين على بقاء الولايات الثلاث الحالية وتكوين الإقليم كجهة مهيمنة تقف في وجه المركز لنيل الحقوق.بيد أن هذا الطرح رغم وجاهته يصطدم مباشرة بتطلعات السواد الأعظم من جماهير في الولايات الدارفورية الثلاث الذين تسبب طرح الحركات الإثني لقضية دارفور في بزور ملامح عدم الثقة بينهم.
صحيح أن بعض الحركات الدارفورية المسلحة وفي مقدمتها حركة العدل والمساواة قد إتبهت للأثر السلبي المستقبلي لتكوينها العرقي والطرح الإثني لقضية دارفور ومازالت تعمل على الإلتفاف على ذلك بتطعيم مكاتبها السياسية بأفراد تنحدرون من قبائل دارفور العربية من جانب ومن جانب آخر تسعى جاهدة لنفي صفة العرقية عنها بتكوين إتحاد من الحركات المسلحة الرافضة لمحادثات الدوحة لسلام دارفور.ولكن الهوة المجتمعية التي خلفها النزاع المسلح والتسويق الإعلامي الإثني للصراع وسط المجتمع المحلي بدارفور يصعب ردمها.وصحيح كذلك أن طرح حركة العدل والمساواة أقرب للواقع الدارفوري بإبقائه للولايات الحالية ظاهرياً.بيد أن فكرة الإقليم الواحد ترجمتها العملية هي هيمنة الحركات الدارفورية على مقدرات الولايات وهذا ما يتعارض وتطلعات جل ناس دارفور.
ولربما قد يحاجج البعض بأن رد الأمر لأهل دارفور للتقرير بشأن الإقليم الواحد من عدمه من خلال إستفتاء عام يجرى في ولايات دارفور الثلاث هو عين الصواب.وقد قطعت الوساطة القطرية في ذلك شوطاً بعيداً.ولكن من المتوقع أن تعترض على ذلك حركات دارفور المسلحة لعلمها أن الإستفتاء سوف تكون نتيجته الإبقاء على نظام الولايات الحالية.والدليل على ذلك أن المزاج العام في ولايات دارفور الثلاث مع المزيد من التقسيم لإنشاء المزيد من المحليات والولايات لأن الكثير من الدارفوريين بأن الولايات الحالية وإن خلصتهم من هيمنة المركزية الإقليمية إلا أنها لم تشف غليلهم التنموي في النجوع والأرياف الدارفورية البعيدة عن مراكز إتخاذ القرار.
مما تقدم نخلص إلى أنه لا مناص من إستفتاء سكان دارفور بين الرجوع لنظام الإقليم الواحد أوإبقاء النظام الولائي.ومن الحيثيات سالفة السرد ومن خلال معايشتنا اليومية للدارفوريين وقراءتنا لأفكارهم يمكننا القول،بحسباننا من غمار أهل دارفور، أن الشعب سقول كلمته بالمناداة بالمزيد من الولايات والصلاحيات والسلطات حتى ينعم بالإستقرار والتنمية
والله المستعان.

([email protected])


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.