نظم لنا مجموعة من طلاب مدينة ( بونا) الهندية يوماً ترفيهيا وكان برنامجهم في ذلك اليوم زيارة لحديقة الحيوانات في عطلة نهاية الأسبوع . وكان لدهشتنا أن رأينا معظم سكان المدينة قد توجهوا إلى قضاء يومهم في الحديقة ..... مجموعات أسرية كاملة من الرجال و النساء والاطفال واحتشت اعداد كبيرة منهم في انتظار الحصول على تذكرة الدخول ، وكان دخولهم في نظام رائع و لم نر اذدحاماً أو تسابقاً أو تجاوزاً. أقيمت حديقة ( راجيف غاندي ) في شكل غابة طبيعية و في مساحة كبيرة جداً ، وتكاد تتوسط المدينة وتحيط بها الأشجار الضخمة من كل جانب. ونسبة لكبر الحديقة فإنها تحتاج ليوم كامل حتى يمكنك مشاهدة كل الحيوانات الموجودة فيها حيث تم تجميع كل أنواع الحيوانات والطيور والزواحف في تشكيلات تدخل البهجة في أعين الزوار وكان يوماً رائعاً. ولم تكن تلك هي الحديقة الوحيدة في المدينة وللمفاجأة عرفت أن هناك حديقتين أخريين في أطراف المدينة أقيمتا لشعب يعشق الطبيعة والجمال. وبينما أنا منبهر بروعة الحديقة عدت بشريط الذكريات إلى الوطن لأبحث عن حديقتنا التي اختفت!! كنا في الماضي نذهب يوم الجمعة إلى حديقة الحيوانات بالمقرن التي تتوسط العاصمة ، يأتي لها كل الناس رجالاً ونساء وأطفالاً. طلاب المدارس لهم برنامج منتظم في زيارتها ... يتعرفون فيها على الحيوانات الموجودة في السودان وأقاليمها ومناطقها وترسخ في أذهانهم المعرفة وتتوطد في نفوسهم جمال وطبيعة الوطن الواحد المترامي الأطراف المتنوع بقبائله وحيواناته..... كانت حديقة الحيوانات بالخرطوم مدرسة تنويرية للجميع كباراً وصغاراً. ولكن جاء من لا يفهمون إلا لغة المال والجاه والسلطان والثراء عبركل شىء .... فباعوا كل شىء ، بدأوا بالمؤسسات الناجحة ، وعندما انتهوا منها اتجهوا نحوالأراض السكنية حتى خيل لنا أن أرض المليون ميل مربع ( مساحة الوطن قبل الاستفتاء ) لم يبقى منها مكان لقطعة سكنية ، وصارت الأرض في الخرطوم أغلى من ( كالفورنيا ) و( طوكيو)!! ثم التفتوا إلى الساحات داخل الأحياء ولم يتركوا ميداناً يتنفس فيه الأهالي أوملعباً للكبار والضغار. وفي كل يوم يفاجأ السكان أن الميدان الذي يتوسط الحي قد قامت فيه عمارات كالنبت الشيطاني تظهر على تلك الساحات . ولم تبقى ساحة على سطح الأرض إلا وحولت إلى قطعة استثمارية وهو امر أبعد ما يكون عن الإستثمار !! وفجأة تطل علينا جريمة بيع ( حديقة الحيوانات ) في الخرطوم وهي الوحيدة في دولة قارة كالسودان ... بدأت بتحويل بعض حيواناتها إلى حديقة القرشي ثم تشريد ما تبقي منها و احيلت إلى الصالح العام فليس البشر الذين احيلوا إلى الصالح العام جماعات وجماعات في ظل تلك الهوجة الضاربة من سنوت الانقاذ الاولى أفضل منها. لقد كان سكان العاصمة ، وزوار الخرطوم من الاقاليم والسياح من خارج البلاد يجد متنفساً في تلك الحديقة ، فبدلاً من توسعيها وزيادة الحيوانات فيها فكر هؤلاء في الربح العاجل والكسب دون مراعاة لذاكرة أمة في معالمها التاريخية. في مدينة بونا الهندية الصغيرة وهي مدينة لا تقاس بعاصمة السودان الخرطوم توجد 3 حدائق للحيوانات ترفيها ومتنفساً لسكانها يخرجون في عطلة نهاية الاسبوع لقضاء وقت جميل في تلك الحدائق ويتنزه اطفالهم ويستمتعون بجمالها وبالحيوانات الموجودة فيها بينما أهلنا في الخرطوم وأطفالهم حرموا من حديقتهم الوحيدة!! من هو العبقري الذي فكر في هذه الجريمة؟ هل يمكن أن يحاسب علي ذلك ؟ هل رجع هؤلاء لوزارة السياحة مثلاً أو جامعة الخرطوم أو تمت استشارة عالمنا الكبيرفي مجال علم الحيوانات محمد عبد الله الريح ( حساس محمد حساس ) عن أهمية هذه الحديقة ؟ وهل يمكن معالجة الخطأ بخطأ أكبر منه وتشريد الحيوانات ؟ ألم يكن ممكناً أن يستفاد من الأموال التي جاءت عن طريق بيع أرض الحديقة لإنشاء حديقة أخرى ولو في جزر الواق الواق !! فماذا يعني برج الفاتح للشعب السوداني ؟ وليسقط هذا البرج ولتعود حديقة الحيوانات إلى الوجود!! علي عثمان المبارك - صحفي [email protected]