من المعروف ان ثراث منطقة شمال كردفان يزخر بالعديد من الوان الفنون التي تصاحب الحياة الإجتماعية لقبائل المنطقة ، واذا تناولنا أحد ضروب هذا التراث المتمثل في الغناء الشعبي ، نجد أن مفردات هذا الفن من ناحية الإيقاع والألحان والكلمات تكاد تكون متقاربة ومتباينة جدا" وكل ضرب من هذه الفنون يضفي علي القبيلة نكهتها الخاصة بها ، وبالرغم من أن ريفنا الحبيب مازال يمارس تلك الفنون دون أن تتأثر كثيرا" بالتغيير الذي بدأ يدب في أوصال الثقافة السودانية بفعل الثقافات الدخيلة التي بدأت تغزونا بواسطة وسائل الإعلام والإتصال التي دخلت كل بيت ، فنحن أمة لها عاداتها وتقاليدها وأعرافها ومثلها التي تشكل ثراثا" غزيرا" ، وقديما" قيل أن الأدب الشعبي يعكس حياة الأمة ، وأذا أردت أن تدرس حال أمة ، أدرس أدبها الشعبي ومن هنا أهيب بالمختصين الألتفات الي هذا الجانب وأن يتناول المتخصصون تراثنا الشعبي بالبحث والتصنيف وإظهار ما هو راق منه بغرض تنميته وتطويره وحفظه قبل أن تغرقه هذه الثقافات الدخلية . ومن أمثلة الأدب الشعبي عند قبيلة الكبابيش في شمال كردفان وهي قبيلة رعوية أشتهرت بالتجوال والرحيل وراء الكلا والماء ومقر أمارة القبيلة هو مركز سودري أو محلية سودري وتمتد منطقتهم الي حدود الميدوب غربا" ودنقلا شمالا" ومحلية جبرة الشيخ شرقا" ( تنسب جبرة الشيخ الي السيد/الشيخ علي التوم أمير عموم دار الكبابيش ) وينحدر نسب هذه القبيلة ذات الفروع المتعددة الي قبيلة جهينة من الجزيرة العربية وتعتبر قبيلة الكبابيش من أكبر القبائل التي هاجرت الي السودان مؤخرا" حيث أستقر بها المقام في ولايات السودان الشمالية وهي أحدي القبائل التي تشكل السودان الحديث بقومياته المتعددة وفنونه الشعبية الغزيرة . ولطبيعة الكبابيش الرعوية وارتباطهم بالترحال في النشوق بحثا" وراء المراعي الخضراء والإستقرار في أيام الدمر ، وايضا" ذهاب الشباب منهم بالأبل الي منطقة (الجزو) في الشمال ، فرحيل النشوق يتم علي دفعات بسبب الأعداد الضخمة من الأبل فهذه الأسباب جعلت العديد من اغنياتهم تنحو منحي الإطراء بالمباهاة والظعن والإبل التي يمتطونها وتعلو هاماتها هوادجهم كما أنهم يستخفون بل يستهجنون في اشعارهم بحياة المدينة الرتيبة وروتين حياة المدينة وقشورها الزائفة وينجلي ذلك في قول احدي البدويات في المقطع الآتي:- بدور الوقفن زومة ** كيف ديم الحكومة ** ود التاجر البومة ** ما يغشك بهدومه فهذا تبرم وتضجر من البدويه وندمها علي زيجة ابن التاجر التي كانت بمثابه عقبه لها فهي تري ان حياة الدعة ونعيم المدينة سبب حرمانها من الظعن والترحال فزاد الحنين بها الي البادية والي إبل أبوها التي تقف متراصة عند منهل الماء كأنها دور المؤسسات الحكومية ، تم تخاطب نفسها حذاري يا نفس أن تغريك الملابس الشفافة الناعمة الملمس فتنسيك حياة البادية والنوق والظعن والهودج . وتقول أحداهن مخاطبة رصيفاتها اللائي تزوجن وسكن بالمدن : دسوكي في الحيشان وقفلوا البيبان **** وادي البشم مطران شوقك عليه زمان والبشم نوع من الأشجار طيبة الرائحة ، ومن خلال هذا المقطع تؤكد البدوية أنها مازالت تعيش حرة طليقة بربوع البادية وتؤكد لنظيراتها حبيسات الحيطان اللائي يشتقن الي وادي البشم . ولقبيلة الكبابيش شعراء وأدباء وأناس تخصصوا في ذلك الضرب من فنون الشعر ومقاطع الجراري وتوية وخاصة في فترات الظعن والترحال فلديهم شعر الهجاء والوصف والنسيب والمدح وشعر الغزل ومن المدح مثال قول احداهن : نحن السنين السود ما لينا فيهن عود وجهي وقفاي مردود من رد سيب القود وتعني بان أهلها لديهم المال والنعم الكثيرة فهم لا يتأثرون بنوبات الدهر وسنين القحط. كذلك قالت احداهن تصف النوق : جقلة أم لبنا دوي أم ضيفا" ماببيت قوي يعني أن ناقتها الحلوب لها لبن مجواد تكفي ضيوف الهجعة . ولهم أشعار في الظعن ووصف المحبوبة منها:- أم طوق ماسورة الضراب ** فراقها حار علي يا صحاب شقيت دار حامد والنوراب ** شقيت أم راضي والناصباب خلوني يا أخواني في العذاب ** أم طوق ما لقيت ليها قولاب وهذا يصف محوبته التي لا يوجد لها مثيل حسب كلماته . وهنالك هودج العروس الذي يكون شكله مختلفا" عن بقية الهوادج فهو مزركش من الداخل بالوان زاهية وعليه مفارع مرصعة بالودع الأبيض الذي هو تحفة للناظرين ، والبعير الذي يحمل الهودج يمشي الهويني والهودج يتمايل علي ظهره ذات اليمين وذات الشمال والأجراس المدلاة منه ترسل لحنا" شجيا" ، وآلاف النوق والجمال تمرح علي عشب كأنه بساط سندسي أخضر يمتد بعرض الأفق اللانهائي fodul abjad [[email protected]]