بعد رحلة شاقة "بورتسودان.. الدوحة ثم الرباط ونهاية بالخميسات"..بعثة منتخب الشباب تحط رحالها في منتجع ضاية الرومي بالخميسات    على هامش مشاركته في عمومية الفيفا ببانكوك..وفد الاتحاد السوداني ينخرط في اجتماعات متواصلة مع مكاتب الفيفا    شاهد بالصورة والفيديو.. الفنان أحمد محمد عوض يتغزل في الحسناء المصرية العاشقة للفن السوداني (زولتنا وحبيبتنا وبنحبها جداً) وساخرون: (انبراش قدام النور والجمهور)    شاهد بالصورة.. (سالي عثمان) قصة إعلامية ومذيعة سودانية حسناء أهلها من (مروي الباسا) وولدت في الجزيرة ودرست بمصر    بعد حضور والده من المملكة.. جثمان التيك توكر السوداني جوان الخطيب يوارى الثرى بمقابر أكتوبر بالقاهرة ونجوم السوشيال ميديا يناشدون الجميع بحضور مراسم الدفن لمساندة والده    شاهد بالفيديو.. الفنانة رؤى محمد نعيم تعلن فسخ خطوبتها من شيخ الطريقة (ما عندي خطيب ولا مرتبطة بي أي زول)    آفاق الهجوم الروسي الجديد    كيف يتم تهريب محاصيل الجزيرة من تمبول إلي أسواق محلية حلفا الجديدة ؟!    شبكة إجرامية متخصصة في تزوير المستندات والمكاتبات الرسمية الخاصة بوزارة التجارة الخارجية    مناوي: وصلتنا اخبار أكيدة ان قيادة مليشات الدعم السريع قامت بإطلاق استنفار جديد لاجتياح الفاشر ونهبها    مطار دنقلا.. مناشدة عاجلة إلى رئيس مجلس السيادة    يوفنتوس يتوج بكأس إيطاليا للمرة ال15 في تاريخه على حساب أتالانتا    مانشستر يونايتد يهزم نيوكاسل ليعزز آماله في التأهل لبطولة أوروبية    تنويه هام من السفارة السودانية في القاهرة اليوم للمقيمين بمصر    عثمان ميرغني يكتب: السودان… العودة المنتظرة    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    بعد حريق.. هبوط اضطراري لطائرة ركاب متجهة إلى السعودية    نهضة بركان من صنع نجومية لفلوران!!؟؟    د. الشفيع خضر سعيد يكتب: لابد من تفعيل آليات وقف القتال في السودان    واشنطن تعلن فرض عقوبات على قائدين بالدعم السريع.. من هما؟    الكشف عن شرط مورينيو للتدريب في السعودية    رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة يلتقي اللجنة العليا للإستنفار والمقاومة الشعبية بولاية الخرطوم    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني في الموازي ليوم الأربعاء    سعر الدولار في السودان اليوم الأربعاء 14 مايو 2024 .. السوق الموازي    رسميا.. كأس العرب في قطر    وسط توترات بشأن رفح.. مسؤول أميركي يعتزم إجراء محادثات بالسعودية وإسرائيل    "تسونامي" الذكاء الاصطناعي يضرب الوظائف حول العالم.. ما وضع المنطقة العربية؟    عالم آثار: التاريخ والعلم لم يثبتا أن الله كلم موسى في سيناء    "بسبب تزايد خطف النساء".. دعوى قضائية لإلغاء ترخيص شركتي "أوبر" و"كريم" في مصر    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    هل يرد رونالدو صفعة الديربي لميتروفيتش؟    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    انتخابات تشاد.. صاحب المركز الثاني يطعن على النتائج    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    أصحاب هواتف آيفون يواجهون مشاكل مع حساب آبل    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    أسترازينيكا تبدأ سحب لقاح كوفيد-19 عالمياً    القبض على الخادمة السودانية التي تعدت على الصغيرة أثناء صراخها بالتجمع    الصحة العالمية: نصف مستشفيات السودان خارج الخدمة    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل نحن قوم كافرون!؟ .. بقلم: فتحي الضَّو
نشر في سودانيل يوم 27 - 12 - 2010

إذا كنت يا عزيزي القاريء ممن يرتادون المساجد وشهد الناس لهم بالإيمان، أو من المسلمين الذين اكملوا أركان دينهم الخمسة أو حتى بعضاً منها. وحدث أثناء تلك المسيرة القاصدة أن ساقك حظك العاثر أو أقدمت بمحض ارادتك لمشاهدة الشريط الكارثة أو ما سُمي ب (فتاة الفيديو) ثم تحركت غرائزك الإنسانية تلقائياً، وابديت أي نوع من التعاطف مع تلك الفتاة المقهورة، سواء بالتلميح أو التصريح أو حتى بالصمت وإن كان أضعف الإيمان. فاعلم - يا هداك الله - إنك خرجت من المِلة المحمدية ودخلت مِلة الكفر، ويتوجب عليك تبعاً لذلك الاغتسال والتطهر وصلاة ركعتين، ومن ثمّ دخول الإسلام مجدداً إن رغبت في ذلك. هذا بحسب الفتوى التي طيّرها في الهواء الطلق المشير عمر حسن البشير رئيس الجمهورية في مدينة القضارف يوم الجمعة الماضية الموافق 17/12/2010 وذلك في معرض تعليقه على الحدث الذي شغل الناس كافة والسودانيين على وجه الخصوص، وما يزال ينداح دوائر.. ظلت تتسع كلما أشرقت شمس يوم جديد!
واقع الأمر لم يكن ذلك هو التعليق الأول فقد سبقه اثنان من العصبة ذوي البأس، كان أولهما الدكتور نافع علي نافع مساعد رئيس الجمهورية ومسؤول التنظيم في الحزب الحاكم، وذلك في حوار مع قناة الجزيرة يوم 9/12/2010 حين سألته إحدى المتداخلات عن ملابسات القضية؟ فأجابها وفق منهجه الحضاري المعروف في التعامل مع الأشياء وقال: (أخشى لو علمت بجُرمها أن تتمنى لو أنها قُتلت) ثم استطرد بخلاصة مفجعة (إن المرأة المحترمة لا يمكن أن يتم جلدها، وطالما تمّ جلد هذه المرأة فهذا لأنها امرأة غير محترمة) وبالطبع هذا حديث كفيل بتحويل السياط من جسم الفتاة إلى أجسام سامعيه من القراء الكرام! ثمّ أعقبه الدكتور عبد الرحمن الخضر والي ولاية الخرطوم العاصمة، فأكمل تحويل دائرة الشك إلى يقين. جاء ذلك في حوار آخر أجرته معه قناة النيل الأزرق الفضائية يوم 14/12/2010 وكان أكثر جاهزية من سابقه. إذ جاء مدججاً بمعلومات وافية بحسب زعمه، قال إنه طلبها خصيصاً لينوِّر بها السادة المشاهدين، ثم بدأ يتلو حيثيات الجريمة والعقاب كنبيّ بُعث في قوم فاسقين، وقال في فاتحة كتابه: (الشريط الذي تمّ بثه هو في الواقع إقامة لعقوبة حدية صادرة عن قاضٍ مختص) ثمّ زاد بشرحٍ فصلٍ (العقوبة الحدّية أُقيمت لتُطهر من يرتكب الجريمة، وقد رُوعي فيها أن يشهدها طائفة من المؤمنين ويسدل الستار عليها) ثمّ بدا غير عابيء لا بالقذف ولا القذائف، مؤكداً أن الفتاة بائعة هوى محترفة، وأن جميع المواد التي وُجهت لها (متعلقة بأعمال أخلاقية وفاضحة وإدارة الدعارة) وكأني بصوت ينبعث من وراء حجاب يقول لنا: فبأي براهين واليكم تكذبان؟!
تلك نتيجة استسهلها الوالي جزاه الله عنا خير الجزاء.. بالرغم من أن الشريعة الإسلامية نفسها استصعبتها حتى كادت أن تكون كالغول والعنقاء والخل الوفي. ومع ذلك نطق صوت من وراء الحدود مؤازراً ومعضداً ومصدقاً سيدنا الخضر من قبل أن يرتد إليه زعمه. إذ استعار الدكتور خالد المبارك عيني زرقاء اليمامة، وقال لهيئة الاذاعة البريطانية يوم 14/12/2010 إن (الفتاة أدينت مرات عديدة بتهمة ممارسة الدعارة) وحتى ينزل قوله برداً وسلاماً على متلقيه، ادّعى المبارك أن عقوبة الجلد نفسها موجودة في المدارس البريطانية. وبغض النظر عن الافتراء هب أنها موجودة يا سيدي، هل يعني ذلك أنها مقبولة؟ لكن للذين لا يحسنون فك طلاسم البشر، نقول إن المبارك ليس الملحق الإعلامي لنظام العصبة في بريطانيا فحسب، بل عاش فيها مواطناً صالحاً نهل من فيض جامعاتها، ثمّ عاش فيها معارضاً لذات النظام الذي يجتهد الآن في تحسين صورته. وبالتالي فهو يعلم علم اليقين أن دستور وقوانين الإمبراطورية البريطانية وضعت ذاك الفعل الحيواني في مصاف الجرائم ضد الإنسانية. ومع ذلك نحن نعلم أنه لا هذا ولا ذاك يمكن أن يقنع من ارتضى لنفسه لعب دور محامي الشيطان كلما استطاع لذلك سبيلا، فبمثلما أذهل المبارك الإسلامويين بتلك الطاعة العمياء، فقد أذهل العلمانيين أيضاً بسرعة التطبع. ولا غروّ إن أصبح مثلاً للذين اضاعوا عمراً في الكرى ورجعوا القهقرى كما ولدتهم أمهاتهم! ولا عجب إن كان المبارك قد أراق حبراً كثيراً في نقد تلك القوانين سيئة الصيت في زمن مضى، فقد أراق ما هو أعز من الحبر بتبرئة صانيعها في زمن أتى!
بناءً على فتوى التكفير التي طارت عصافيرها في الفضاء الواسع، نستطيع أن نقول إنه من غير صاحب الفتوى والثلاثة المذكورين الذين ساندوه، أن أكثر من عشرين مليوناً من البشر (بحسب التقديرات) وهم الذين شاهدوا شريط الفتاة في الفضائيات والمواقع الإسفيرية، أصبح المسلمون منهم بكل مللهم ونحلهم خارج إطار الديانة الإسلامية، أما غير المسلمين من يهود ونصارى وبوذيين وهندوسيين وكونفوشسيين ولادينين، سواء عليهم تعاطفوا مع الفتاة أو لم يتعاطفوا، فإن هذه الفتوى لن تزيدهم إلا خبالاً. لكن الذي حيرني وبعثرني وأطار النوم من عيني، حال بعض إخوتنا في الإنسانية من الإسلامويين الذين كانوا يدافعون عن مشروع العصبة، وإذا بالفتوى تضعهم ضربة لازب في فسطاط الكفر، وذلك بعد أن أسفروا عن مشاعر التعاطف مع الفتاة واستهجنوا فعل القرون الوسطى. من هؤلاء الكاتب النحرير الدكتور محمد وقيع الله أقال الله عثراته. فبعد أن أخذته العزة بالإثم قبل فترة، وعدّ للملأ أكثر من خمسين سبباً قال إنها كفيلة بأن تطأ العصبة فوق رؤوسنا وتجلس القرفصاء على صدورنا. فإذا بالفتاة المغلوب على أمرها تفتح بصيرته وينكص على عقبيه فيتبرأ مما فعلت عصبته، بل لم يستبشع الفعل كما فعل الكثيرون، ولكنه مضى إلى أبعد من ذلك وأنزل على عصبته سوط عذاب وطالب في مقاله المنشور بموقع سودانايل 14/12/2010 (بضرورة أن تتكاتف الأمة السودانية، وأن تهب وتقف وقفة رجل واحد، لإجبار دولة الإنقاذ على احترام حقوق الإنسان، وإرهابها عن أن تعود إلى اقتراف هذه الممارسات الشائنات، وإرغامها على إنزال اشد العقاب بمن ساموا هذه الفتاة أشد العذاب) وهل في ذلك قسم لذي حجر يا مولاي؟!
لأن ذلك من غرائب سلوك العصبة ذوي البأس، أقول ساورني شك عظيم في صدقية موقف الوقيع الله. إذ حدثني قلبي إن وراء الأكمة ما وراءها. فهل يا ترى قضى صاحبنا وطره من عصبته ولم يعد في حاجة لها؟ أم أنها أوصدت الأبواب في وجهه دون أن ينال منها ما طمح له وتطلع إليه طويلاً؟ لكن دعونا نحسن الظن ونقول إنه داهمه ندم الكسعي بعدما تبين له الرشد من الغي، وإن كان ذلك كذلك فسنحمد الله الذي هداه سواء السبيل، وسندعو الله مخلصين أن تستمر توبته ولا يرتد عنها مرة أخرى. ولكن يظل السؤال قائماً ماذا سيفعل الرجل بعد أن أخرجه مقاله من المِلة المُحمدية بنص الفتوى العُمرية وحشره مع الكفار والزنادقة؟ هل يا ترى سيغتسل ويتطهر ويعود إلى حظيرة العصبة مرتداً؟ أم أنه سيغتسل ويتطهر ويلوذ بكهف الفئة الكافرة تائباً؟ يمثل وقيع الله بمقاله المشار إليه حالة نادرة، فثمة قوم آخرون سدروا في موالاة العصبة ذوي البأس جراء منفعة يصيبونها في دنياهم، ولكن فجأة تكشفت لهم الحُجب وانقشعت أمامهم غيوم الإفك والضلال، فرأوْا الباطل باطلاً فاجتنبوه ورأوا الحق حقاً فاتبعوه!
نحن كما الشريعة علينا بالظاهر، لكن يبدو والله أعلم بالسرائر أن عودة الوعي هذه ستصيب واحداً من غير العصبة ذوي البأس وإن سخّر نفسه لخدمتها باخلاص جبّ تقاعسه في فعل الخير. صاحبنا الآخر اتّخذ موقفاً مماثلاً لموقف وقيع الله، إذ كتب الدكتور محمد إبراهيم الشوش (الرأي العام 21/12/2010) مقالاً تضمن صبغة اعتذارية بعد مقدمة طويلة قال فيها إنه شعر بالإحباط جراء ما شاهده من منظر مؤلم عبّر فيه عن خيبة أمله في من توسم فيهم العكس! ثمّ استبطن السخرية من الفاعل أو كفيله – بمصطلحات لغة العمل عند أهل الخليج الذي يعمل فيه – وقال: (لكن آخرين أحبوا هذا الفعل سرعان ما خيبوا أملي. فقد توالت الاتهامات على الذين انتقدوا هذا الفعل المسيء للإسلام ولسمعة هذا البلد الطيب، واتهموهم بالرغبة في إشاعة الفاحشة وعداء التوجه الإسلامي ولو كان أثر هذا الفعل الوحيد فتح ثغرة لأعداء الإسلام لكان كافياً لدمغه وادانته) بدا الشوش مشوشاً كمن ضربت الحيرة أقطار نفسه، فتساءل وأجاب معاً: (وما الحل؟ لا أدري! ولكني أعرف شيئاً واحداً أن علينا إما معالجة هذه القوانين التي يمكن أن يساءُ فهمها وتطبيقها، أو إذا تعذر ذلك إلغاء كل المؤسسات الإعلامية وتوفير أموال طائلة يذهب جلها هباءً على أية حال. ذلك لإن ممارسة كهذه تفقد السودان كل اصدقائه. وتملك من القوة الإعلامية ما ينسف أي عمل إعلامي إيجابي يمكن أن يتفتق عنه عقل بشر) يبدو لي – والله أعلم – أن الشوش كتب مقاله هذا قبل (فتوى القضارف) وتبعاً لذلك لا داعي للخوض فيما سبق السيف العزل فيه. ومهما يكن من أمر، فوجهة نظره تبدو على نقيض ما توصل له زميله في الضراء الدكتور خالد المبارك أو جوبلز الإنقاذي، بالرغم من أن الاثنين يعملان عند كفيل واحد، وإن كانا معاً يتحريان الكذب حتى كُتبوا عند وسائل الإعلام كذابين!
لأن النوازل لا تأتي فرادى، لم تتوقف (واقعة القضارف) في فتاوى الدين، وإنما شملت فتاوى الدنيا أيضاً. كان البشير النذير قد بشّر مواطنيه بحسم القضية التي ظلوا فيها يصطرعون منذ اعتماد الحدود الإدارية الراهنة للسودان، فقد أناب نفسه عن الأربعين مليون سوداني وحدد لهم مصيرهم بحديث لا يقبل الشك ولا التأويل، إذا قال في خطاب الوعد والوعيد (إذا اختار الجنوب الانفصال سيعدل دستور السودان، وعندها لن يكون هناك مجال للحديث "المدغمس" زي السودان بلد متعدد الديانات والأعراق واللغات، وسيكون الإسلام المصدر الرئيسي للتشريع والعربية هي اللغة الرسمية) ولولا الأسئلة التي فتحت أبواب جهنم، لقلنا الحمد لله فقد قُضي الأمر الذي فيه تستفيان. فطالما الأمر كذلك فبماذا إذن حكمت العصبة هذا البلد المنكوب منذ أن تسورت حائط السلطة بليل قبل عقدين من الزمن؟ بل بموجب أي قانون جُلدت تلك الفتاة إذا كانت الشريعة لم تُطبق بعد؟ واقع الأمر لو أن العصبة ذوي البأس ادّعت أنها حكمت بشرع الله في العقدين المنصرمين، واعترفت الآن - وفق ما جاء في كلام حادي الركب - إنها لم تطبق الشريعة، فذلك يعني أنها مارست الكذب والخداع وتلك مصيبة، أما إذا قالت إنها كانت تحكم بقوانين الشريعة ماضياً وحاضراً (وفق ما ذكره الوالي عبد الرحمن الخضر في الحديث المشار إليه والذي قال فيه: نعمل بالقانون الجنائي لعام 1991 وما يزال سارياً والمستمد من الشريعة الإسلامية) تكون المصيبة أعظم. ذلك لأنها بموجب هذه القوانين قتلت أرواحاً وسحلت نفوساً وعذبت بشراً وسجنت أناساً وقطعت أرزاق أبرياء، فهل هذا هو الإسلام الذي كرّم الله به عباده؟
من جهة ثانية، لقد كشفت (نازلة القضارف) عن أن ثمة قوم توهموا عكس ما درجت عليه البشرية التي ترى في التعدد الإثني والعرقي والديني والتنوع الثقافي مصدر ثراء للشعوب، وأنه بقادر على إكسابهم قوة ومنعة ووحدة كما هو حال الولايات المتحدة الأمريكية وكندا واستراليا وغيرهم من الدول. لكن المفارقة وفقاً حديث (طويل العمر) أن يُصبح التنوع في الحالة السودانية عبئاً ينبغي التخلص منه. وتبعاً لذلك يكون انفصال الجنوب مناسبة للإحتفاء والفرح، عوضاً عن البكاء ولطم الخدود وشق الجيوب. وبالتالي وفق نظرية النقاء العرقي التي أقرها سعادة المشير للدولة القادمة بعد الانفصال، يكون الباب مفتوحاً لشعوب وقبائل أخرى لمغادرة البيت السوداني والتخلص من هيمنة الإثنية واللغة والديانة الواحدة! تبعاً لكل هذا فإن من خطل الحديث، أن يقال إن الذين تعاطفوا مع الفتاة المجلودة هم (الذين يصطفون خلف فتاة نُفذ في حقها شرع الله يزدادون كل يوم خبلاً على إبالة) أو ب (المعارضين من أجل الخلاعة والتفسخ) مثلما قال دكتور نافع علي نافع (آخر لحظة 19/12/2010) أو أنهم (المعارضة الإسفيرية التي تستخدم سلاح الإنترنت وأنها خائبة ولا رجاء فيها) بمثلما جاء في صحيفة الرائد لسان حال الحزب الحاكم 19/12/2010 بمثل هذه الدرر، لا نشك مطلقاً في أن سيادته شاء أن يضرنا فنفعنا من حيث لا يحتسب!
لا يُعتقد أن الذين تعاطفوا مع قضية فتاة الفيديو ابتداءً، فعلوا ذلك من زاوية إسلامية أو عدم إسلامية القوانين، بقدر ما فعلوا ذلك من منطلق حقوق الإنسان ومعاييرها الدولية، علماً أن فيهم من يرى أنها ليست بعيدة عن المعايير الإسلامية باسقاط شريعة ما عادت حدودها صالحة لهذا الزمان. ولأن التجربة دلت على أن العصبة ذوي البأس جعلت من هذه القوانين مطية لتحقيق مآرب خاصة لا علاقة لها لا بالدين ولا الدنيا، أصبح من العسير أن يتقبلها الناس على يد جلاوزتها حتى لو جاءت مبرأة من كل عيب. والواقع نحن لهذا السبب واسباب أخر نرفضها وإن جاءت في طبق من ذهب. نقولها بقناعة كاملة إن قوانين قال الشعب فيها كلمته يوم أن أسقط صانعها مرفوضة تماماً. ومعلوم تماماً أن ما تم تطبيقه منذ العام 1983 هي قوانين سبتمبر التي استنزلها الرئيس المخلوع جعفر نميري وصاغتها السيدة بدرية سليمان والنيل أبو قرون وعوض الجيد محمد أحمد، وقد افتقر ثلاثتهم للكفاءة والتأهيل والمعايير الأخلاقية التي تجعلهم ينجزون عملاً كهذا. وعليه فقد بات بما يدع مجالاً للشك أن القانون الجنائي للعام 1991 هو قوانين سبتمبر عينها في طبعتها الإنقاذية، وبالتالي نحن نرفضهما معاً ليس لأننا نرفض شرع الله، ولكن لأننا نخاف على شرع الله من ثعالب الدين والعقائد، ونرفضهما لانعدام دولة المثال في التاريخ الإسلامي، ونرفضهما لأنهما لا يتواءمان مع مكونات القطر السوداني، ونرفضهما لعدم توفر مجتمع الكفاية والعدل، ونرفضهما للانتقائية التي جعلت من الإسلام قوانين حدية وغيبت كامل المنهج، ونرفضهما لأن من طبقها سرق فيهم القوي فتركوه وسرق فيهم الضعيف فأقاموا عليه الحد، نرفضهما لأننا لم نر من هو في مثالية الرسول الكريم ولا في عدل عمر بن الخطاب ولا زهد أبي ذر الغفاري! ثمة سؤال يجيب على هذا التشابك، فليقل لنا المتنطعون ما الذي كسبه الإسلام من هذا الشريط؟ وبمقدورنا أن نؤلف كتاباً في الخسارة التي جناها الإسلام من هذا الشريط؟
آخر الكلام: لابد من الديمقراطية وإن طال السفر!!
حظر الاستاذ عادل الباز رئيس تحرير صحيفة (الأحداث) نشر هذا المقال اليوم الأحد 26/12/2010


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.