ما بين افتتان صفوة الحركة الشعبية بوعود الغرب التي لن تتجاوز الحلقوم, و بين ارتخاء همة المؤتمر الوطني بدعوته على لسان الرئيس البشير إلى احتمال تداعيات انفصال الجنوب المحتمل, تقف قاعدة الشعب السوداني بكل طوائفه على جمر الافتراق و هو الذي أسمعت هتافاته يوماً من به صممُ: no separation for one nation هتافات بلون توليفة السودان الإثنية, و ها هو الآن يقف على جمر خطيئة شريكي الحكم و لا يعرف من منهما سيستبيح إرادته كما سبق في اقتسام كعكة الانتخابات المنصرفةِ إلى دول العالم المختلف مثلنا, حيث يفوز الحزب الحاكم و يخسر الوطن. لكن أن يخسر الوطن جزءاً من أرضه فهذه جديدة!! و لم يسبقنا عليها أحد. كل المؤشرات تقول أن نتائج الاستفتاء في يناير القادم لن تكون أكثر نزاهة من الانتخابات التي اقتسم الحزبان الشريكان كعكتها بالتراضي, المؤتمر الوطني في الشمال و الحركة الشعبية في الجنوب بينما غامت شمس باقي المرشحين. و الواضح الآن أن عوامل الاتفاق قد غابت هذه المرة و صار الأمر في مفترقٍ لا يحتمل سوى اختيار طريق واحد سيشكل تاريخاً جديداً لسودانٍ قديم. يقف شعب السودان بشقيه (جنوب و شمال) متأبطاً حلماً لا يندمل بانفراج نوافذ الخلاص و الاتكاء على إرادةٍ تزيد الوعي عند البسطاء المنقادين خلف صفوةٍ لن توردهم إلا موارد الهلاك. إرادة تروض شغف السلطة و التسلط الرامية إلى تشظي الوطن و اقتراف خطيئةٍ لن يغفرها التاريخ. فقد غاب عن كبار ساستنا أن الأعواد إن تفرقت أُكِلَت و إن تجمعت صَمدت أمام العاديات و مكر المتربصين بموارد الأرض التي استعصت أبوابها عليهم فطرقوا النوافذ الخلفية. و من فتح لهم كان البنون طمعاً في الأثرة ببعض المتاع دون الآخرين. لقد ضنَّ (كلاهما) بالجهد الصادق لاستدخال الآخر في نسيج الوطن الواحد و الترفع عن صغائر تمهد الطريق لردةٍ لا شفاء منها. من الواضح أن الجمر الواقفين عليه يزداد تصليةً كلما قرُب التاسع من يناير, و أن أحلام رتق الفتق المتسع يوماً بعد يوم أضحت مثل سراب قَلِقٍ لا يستقر و لا يهدأ. فقد عُبِّدَت طرق الافتراق و تعقدت سُبل التعافي و الخروج إلى رحاب تصفية النفوس من أجل الوطن. لكننا لم نيأس من رحمات الله على السودان. فلنرفع أكف الضراعة ليخيب كيد الكائدين.