[email protected] نستطيع أن نقول بلا مواربة أن الحملة السياسية الدولية المركزة من قبل الولاياتالمتحدة وفرنسا وبريطانيا على السودان و التى توجت بإدانة الرئيس البشير فى نهاية الأمر إنما ترقى إلى مصاف العدوان الثلاثى على مصر فى العام 1956 وذلك سياسات الرئيس جمال عبد الناصر الإصلاحية واغتيال توجهاته الوحدوية فى مهدها لإفساح المجال للتمدد الإسرائيلي .ولعبت سياسة التوازنات دورها آنذاك بوجود العملاق الكبير الآخر فى ساحة الصراع وهو الإتحاد السوفيتى مما أدى إلى أن تنسحب القوات الغازية. وها هوذا التاريخ يعيد نفسه ولكن بشكل آخر اكثر درامية .فالإتحاد السوفييتى لم يعد ذلك المارد المفزع الذى يستجار به ، و دولة الصين صديقة السودان لها مصالح استرتيجية مع الدول الكبرى ينبغى أن تحسب حسابها قبل أن تتورط فى مستنقع دارفور بلا تدبر وإلا لكانت استخدمت حق النقض لإجهاض إحالة المشكلة إلى محكمة الجنايات الدولية منذ البداية. إذن ما هى القوى الجديدة التى برزت على الساحة وقلبت الموازين لمصلحة السودان على الأقل فى هذه المرحلة من الصراع؟؟ ومن يمسك الآن بخيوط التحول الدرامى فى المفاهيم السياسية الدولية بصورة تشكل علامات فارقة فى المآلات المستقبلية لإدارة الصراع والأزمات ذات الأبعاد العالمية المعقدة .ويمكن إجمال هذه النقلة فى شكلها الآنى على الأقل في العناصر التالية: 1. الشعب السودانى والإرادة السودانية التى ضمت فى تناغم جيد مجهودات كافة الفعاليات السياسية والقانونية والدبلوماسية ومنظمات المجتمع المدنى والطلاب والشباب بمن فيهم أهلنا فى دارفور. 2. الحكومة السودانية التى تحملت أقصى درجات الضغط والتحمل ...وهى سياسة شعرة معاوية بن أبى سفيان التى تشد العصب بألم شديد للوصول إلى غاياتها. 3. الحكومات والشعوب العربية ممثلين فى جامعة الدول العربيةإضافةإلى دور الحكومة القطرية المميز . 4. الإتحاد الأفريقى والشعوب الإفريقية. 5. كافة دول العالم الثالث الممثلة فى الجمعية العامة للأمم المتحدة. 6. كافة شعوب العالم الحر التى تؤمن بالعدل والمساواة و ترفض سياسة إزدواج المعايير. إذن عندما سافر الرئيس البشير إلى إرتريا ومصر وليبيا ثم قطر ، لم يكن السودان يمتلك من التكنولوجيا ما يمكنه من الإفلات من الأجواء التى تعج بتقنية الإتصالات الحديثة والطيران التابعة للدول الكبرى... بل يكاد المرء أن يجزم أن هذه الدول تعلم تماماً متى غادر الرئيس البشير السودان وخط سير طائرته ووجهتها النهائية ولكنهم رغم عدتهم وعتادهم وقضهم وقضيضهم لم تكن لديهم الجرأة لاعتراض طائرة الرئيس لأن هذه الطائرة يحرسها العالم كله..بل أن نتيجة حساباتهم النهائية لابد أنها أوضحت لهم درجة الفوضى والمخاطر وردود الأفعال التى يمكن أن تحدث حيال ذلك. وفى هذا المقام نستطيع أن نقول أن هناك واقعاً جديداً استحدثه صمود السودانيين وإخوانهم وأشقائهم وأن الأمور لايمكن أن تسير أبداً كما كانت تسير فى الماضى قبل إصدار المذكرة. ونستطيع أن نجمل هذا الموقف فى التالى: 1. أصبحت المحكمة الجنائية الدولية مثار جدل عريض بين القانونيين والسياسيين مما سيهمش ويشكك في دورها فى المستقبل.وربما تصبح أداة استشارية لمجلس الأمن يؤخذ برأيها او لا يؤخذ به مع تقليص دورها بشكله الحالى. 2. ربما تقود مضاعفات المحكمة الجنائية الدولية إلى توليد ضغط على عدد كبير من الدول للإنسحاب منها بعد أن تبين لهم عنصريتها البغيضة وإزدواجية معاييرها وعنجهيتها . 3. سيقود هذا الموضوع أيضاً الى النظر فى تشكيل مجلس الأمن الحالى وضرورة توزيع الفرص العادلة فيه. 4. أصبح أعضاء الأممالمتحدة من دول العالم الثالث يمثلون قوة ضاربة تستطيع أن تلعب أدواراً مؤثرة فى توجيه دفة السياسة الدولية . 5. إضمحلال الدور العسكرى للدول الكبرى في التدخل المباشر فى شئون الآخرين فى ظل الوعى الشعبى والتضامن الأممى خاصة بعد التجربة الأمريكية المرة في العراق وأفغانستان.وربماتعتمد هذه الدول علي الإستخبارات بشكل متزايدفي التأثير على أنظمة الحكم. 6. ظهور كيانات وتجمعات إقتصادية وسياسية جديدة مع التحلل التدريجى من رهن إرادة الشعوب لدى الدول الكبرى لقاء دريهمات وإغاثات لاتسمن ولا تغنى من جوع . وفى تقديرى المتواضع فقد ربحت الدولة الجولة الأولى واستخدمت الكارت الأحمر فى فرض سيادتها فهل تنجح فى الشوط الثانى وهو شوط المدربين...أى أن الخطأ فيه ممنوع... بمعنى أن تواصل الدولة وتطرق كل السبل لإيجاد حل مشرف لقضية دارفور وهى القضية المحورية..ومن ثم المحافظة على النسق والزخم التنظيمى والتعبئة السياسية داخلياً وخارجياً لتتمكن من المحافظة على أهداف الشوط الأول وإضافة المزيد من الأهداف مغلقة الباب أمام اى تعادل محتمل مع الخصم .ولا يتسني للحكومة النجاح في المحافظة علي هذا الدفع الا بمكافأة الشعب السوداني بجميع فئاته بالديموقراطية والعدالة والمساواة وسيادة القانون لتضمن النجاح والتفوق في الجولات القادمة التي لابد أن تكون أشرس وأعنف رغم اللغة المعتدلة التي استخدمها المبعوث الأمريكي سكوت غرايشن عند زيارته للبلاد مؤخراًً.