[email protected] وجاء اليوم ( الفصل).. الكلمات السابقات كانت هي (مينشيت) هذه الصحيفة يوم الأحد الماضي، اليوم الأول لعملية استفتاء شعب جنوب السودان حول تقرير مصير جنوبهم وجنوبنا الحبيب.. والاستفتاء تعرفه كتب الجغرافيا السياسية والقانون بأنه إدلاء الناس بآرائهم ( أصواتهم) حول مسألة ما، أو رصد لاتجاهات الرأي العام وله أنواع عدة.. ووردت الكلمة في القرآن الكريم بصيغة مختلفة لفظاً ومتحدة معنى مع التعريف السابق.. يقول تعالى: ( يسفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة......) وهي كلمة مشتقة من الفتوى والفتيا أي السؤال، إذاً الكلمة تعني (يسألونك) في معرض بحثهم عن إجابة أو فتوى.. المينشيت جاء تحت مسمى " وجاء اليوم ( الفصل)" والفصل بون ما بين الشيئين. والفَصل من الجسد: موضع المفصل، وكانت العرب تقول: وصلاً وفصلاً وتجميعاً ومفترقاً، فَتْقاً ورَتْقاً.. و الفصل هو الحاجز بين الشيئين، وفصلت الشيء أي قطعته فانقطع.. والفصل القضاء بين الحق والباطل، واسم ذلك القضاء الذي يَفْصِل بينهما فيصل، ونقول في صحفنا الرياضية ( المباراة هي الفيصل) عندما تكون حاسمة ولاتقبل إلا فائزاً أو كاسباً واحداً.. وذكر بعضهم ومنهم الزجاجي أن الفاصل صفة من صفات الله عز وجل، لأنه يفصل بالقضاء بين الخلق.. ويوم الفصل: هو يوم القيامة، قال الله عز وجل: (وما أَدراك ما يومُ الفَصْل).. وقوله عز وجل: (هذا يوم الفصل) أَي هذا يوم يُفصل فيه بين المحسن والمسيء، ويجازي كل بعمله وبما يتفضل الله به على عبده المسلم.. وقول فصل: أي بمعنى حق وليس بباطل.. وفي التنزيل العزيز: (إنّه لقول فَصْل)... وفصل الخطاب؛ قيل: هو البيّنة على المدَّعى واليمين على المدَّعي عليه.. وقد أنعم الله سبحانه وتعالى على نبيه داود بأن آتاه الحكمة وفصل الخطاب، فنبي الله داود هو أول من قال كلمة (أمّا بعد)، وهي فصل الخطاب وأنّها تدل على أنّه يفصل بين الحمد لله وغيره مما يبتدئ به وبين ما يجيء بعده من القول.. وقيل أيضاً أنّ فصل الخطاب يعني العلم بالقضاء. ولما قدم وفد القيس على رسول الله رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا له: ( يارسول الله إنا نأتيك من شقة بعيده وإن بيننا وبينك هذا الحي من كفار مضر وإنا لا نستطيع أن نأتيك إلا في الشهر الحرام فمرنا (بأمر فصل) نخبر به من وراءنا وندخل به الجنة) ونقول في عاميتنا السودانية ( فاصلت فلان) أي انقطع ما بيننا بسبب خلاف.. والفصال هو الفِطام؛ قال الله تعالى: (وحَملُه وفِصالُه ثلاثون شهراً) والمعنى أن مدى حمل المرأة إلى منتهى الوقت الذي يفصل فيه الولد عن رَضاعها ثلاثون شهراً. ف (المينشيت) كان أكبر دلالة وتعبير بليغ عن هذا اليوم الفاصل في تاريخ السودان، لدرجة توشح فيها منزل الزعيم الأزهري بالسواد ولون الحداد على فصل جزء عزيز من وطننا.. فصل قلل الناعقون والغوغاء والمستبدون من قيمته بألفاظ على شاكلة (انفصال الجنوب ليس يوم القيامة) و( انفصال الجنوب لا يعني قيام الساعة).. هي أقوال في مجملها تشير إلى الذات المريضة للناعقين والتي تفدعهم إلى التشبث (والكنكشة) في كراسي السلطة حتى لو قُطّعت البلاد أصبعاً أصبعاً.. وأبسط الأشياء وأكثرها بداهة أننا بفقد الجنوب سنفقد أرضاً واسعة غنية بالموارد الطبيعية والبشرية والتنوع المناخي والنباتي الذي يعني تنمية واقتصاد (أكلوا واشربوا) كما أنّ المساحة الواسعة لها ميزات دفاعية واستراتيجية وهي مصدر فخر واعتزاز بالنسبة لسكانها.. ثم من قال لكم أيّها المُنتفعون أنّ الانفصال لا يعني القيامة بل يعني لنا القيامة، والقارعة، والغاشية بل الجحيم، و جهنم، والهاوية. يقول القرطبي معللا لسبب كثرة أسماء يوم القيامة: ( وكل ما عظم شأنه تعددت صفاته وكثرت أسماؤه، وهذا مهيع كلام العرب، ألا ترى أنّ السيف لما عظم عندهم موضعه وتأكد نفعه لديهم وموقعه جمعوا له خمسمائة اسم وله نظائر، فالقيامة لما عظم أمرها وكثرة أهوالها سماها الله تعالى في كتابه بأسماء عديدة ووصفها بأوصاف كثيرة).. وهذا ما نراه في انفصال الجنوب إذا جاز للبعض أن يعتبر أن السودان هو أرض إسلام.