يعتقد الكثير من الناس بأن العقارب تنتمي الي الحشرات ، لكن الحقيقة هي أنها تنتمي إلى المفصليات العناكب ،ويوجد منها أكثر من 800 نوع موزعه علي مختلف القارات عدا القطبيين الشمالي والجنوبي . ومن العقارب نجد ذات اللون الأصفر leiurusquinquestratus وهي من أخطر العقارب سُمية حيث يعادل سمها سم الكوبرا . العقرب الأسود androctonus crassicauda وهو أسم مشتق من اللغة اليونانية وتعني قاتل الرجال ، ويقتل سم هذه العقرب خلال دقائق . رغم ما ذكرنا من خطورة العقارب علي كثير من المخلوقات نجد هناك مفترسات تقتات علي العقارب نفسها ونجد منها النمل المفترس ، ام أربع وأربعين ، أفاعي ، طيور ، وبعض أنواع القرود وهي تلتهم العقارب بعد نزع زيلها حيث تتواجد الغدة السامة فيه . والعقرب لها ثمانية إقدام وتعيش في المناطق الحارة والجافة والرطبة موزعه علي أنحاء العالم. ورغم ما تسببه سموم العقرب الي الملسوع يعتقد بعض الناس بانها تعالج بعض الامراض مثل الرطوبة وغيرها .وشمال السودان يتميز بعقارب صفراء اللون سامة وتكثر في فصل الصيف فتجدها منتشرة ليلاَ ، كما يمكنها تسلق الجدران والدخول الي خزانة الملابس ورغم لسعاتها الكثيرة نجدها نادراً ما تُؤدي الي الوفاة نسبة للاحتياطيات التي يتبعها الاهالي في محاصرة سم العقرب بفصد مكان اللسعه ومحاولة خراج السم من جسد المصاب . وقد دّرج الناس علي نعت من تلسعه عقرب بان يقال لك بان فلان عرس ليلة أمس ولا أدري وجه الشبه بين الزواج ولسعه القرب ، هل هو إهتمام الجميع بالمصاب والتحلق حوله في الحالتين إم عنصر المفاجأة ودرجة الاذي في الحدثين ، فعريس العقرب نلحظ سرعة الشفاء والتحسن للحالة حيث تبدأ درجة الحرارة في العودة الي معدلها الطبيعي ويقل الألم المصاحب لها بعد مرور أربعة ساعات من اللسعه. أما في حالة لسعة الزواج فقد تستمر حالة الحمي وقد تصاحبها حالة من الهيجان والهزيان التي تلازم الضحية أسف العريس ومن المحتمل أن تدوم هذه الأعراض لسنوات ، ونجد الطب عاجز في معالجتها وتكون النهاية هي فقدان ألاصدقاء وجماعة الانس الجميل وحالات نادرة تؤدي الي فقدان الذاكرة . كما سبق ذكره بان الفائده من اللسعه في الحالتين العقرب والزواج لم يتم التحقق منها علمياً . وهي فقط إعتقاد لدي العامه من الناس .
البعض ينعت بعض الناس بان فلان عقرب وفلانه عقربة تشبيهاً بالعقرب لحبهم أذي الناس وكما يقول الشاعر (يأبي فؤادي أن يميل الي الأذي **حب الأذية من طباع العقرب ) وهنا تحضرني واقعة حيث كنت في زيارة الي دنقلا العجوز برفقة عماً لي ، ذهبنا هناك بعد أن مكثنا أيام لزيارة عماً آخر يسكن مسافة تبعد قليلا عن القرية ، حيث أنه المنزل الوحيد في تلك الجهه ، وقد وصلناه قبل المغرب بقليل لم نجد الرجل فقط وجدنا زوجته وأطفاله وهم عيال المرأة الثالثة لعمنا هذا رغم تقدمه في العمر ، وكان أكبرهم لا يتجاوز العاشرة من العمر . وقد تم الاحتفاء بنا بشكل مبالغ فيه من قبل الزوجة وعيالها كدأب أهل الشمال والسودان عامه . وظلت الزوجة تعتذر لنا بأن الرجل لا يزال في العمل بالجزيرة التي هي قبلة المزارعين صباحاً ليعودوا مساءاً وهي المهنة الاساسية (الزراعة) لأهلنا في الشمال كما هي مهنة غالب أهل السودان ، وتكرر بأن زوجها لو كان يعلم بقدومنا اليوم في زيارتهم لما غادر المنزل للعمل ولظل في إنتظارنا ، تصور معي درجة محبة الناس لبعضهم لدرجة تعطيل العمل مهما كانت إهميته لمجاملة الزائر ، حيث يعتبر عيب كبير الاعتزاز للزائر والتحجج بالعمل . وهذا السلوك لا أعرف هل هو محمده إم مذمة ، تعطيل الإنتاج والتحلق حول الضيف والتفرغ الكامل لخدمته ، وقد يمتد طاقم الخدمة ليشمل الجيران ليصبح الكل في حالة استنفار لتجتمع الموائد عند صاحب الضيف . نعود لنكمل القصة حيث قالت زوجة عمنا المضيف بأنه في العادة يعود ليصلي المغرب في المنزل ، وقد أرسلت أبنها الأكبر ليستعجله ، فذهب في لقائه علي ضفة النهر . وقد وصل والده من الجزيرة الي الضفة ومعه علف حيواناته علي ظهر قاربه الصغير ، ومجرد وصوله الضفة الشرقية قبل أن يخرج من القارب أبلغه الابن بأن هناك ضيوف من الخرطوم في انتظاره بالمنزل ، لتتسارع خطي الرجل السبعيني في القفز خارج القارب وجره حتي يتمكن من ربطه بصورة متينة ٍخارج مياه النهر حتي لا تجرفه المياه ، فنجد الرجل في الخطوات التي أصبحت له روتينيه ليبدأ في إخراج العلف من داخل القارب ( الفلوكه) وهو يستمع الي حديث أبنه الذي يوصف له في الضيوف حيث أن الابن نسي أسماءنا راجل كبير ومعاه ولده ، في هذه ألاثناء مع عمل الرجل النشط في رص القش فإذا بعقرب مندس داخله تلسعه ، يواصل الرجل عمله رغم إحساسه باللسعة . يأخذ علفة يحزمه ويضعه علي ظهر حماره الذي يكون في انتظاره بشكل يومي علي ضفة النيل الشرقية ، ليركب الابن علي القش فوق الحمار ليتبعه والده راجلاً خلفه ، ليصل الي المنزل ليجدنا قد تم تقديم شاي المغرب لنا وزوجته تصبه في كبايات بحجم كبير مضلعه الشكل . يسلم علينا الرجل بحفاوة بالغه ويبدأ في السؤال عن الأحوال وأخبار الناس شرقاً غرباً ( هنا نقصد شرق النيل وغربه في محاذاة القرية )، وظل ثلاثتنا نتجاذب أطراف الحديث عن الزراعة الحقلية والنخيل وصحة الناس في القرية ومن تزوج ومن توفي الي رحمة مولاه وعن تزايد الهجرة من القرية الي المدن ، وكيف أن الجيل الجديد أصبحت الزراعة عمل غير جاذب ومجدي بالنسبة له ، حيث همه أصبح الاغتراب والهجرة . ونحن في مجلسنا ظل الرجل يتحامل علي نفسه وسم العقرب التي لسعته علي ضفة النهر يسرى في جسده . وطال بنا المجلس الي أن أذن العشاء وصلينا في منزله وأصر علينا بتناول وجبة العشاء معه ، وقام بنفسه وأحضر القراصة بالسمن الذي فاحت رائحته قبل وصوله مما شجعنا علي تلبية الدعوة حيث الرائحة لا تقاوم من زكاءها وطيبها و تبلغك بأنك مقبل علي وجبة دسمة وتسمي محلياً (فطر السعيد )، بعد الاستمتاع بالوجبة اعتذرنا عن المبيت علي أن نزوره مرة أخري بأذن الله رغم إلحاحه الشديد ، ليسير حافي القدمين معنا حتي نبتعد عن المنزل ،ليقع عند عودته عند مدخل البيت في وقت قد غادرنا نحن المكان ، وتجتهد الزوجة وأطفالها في إسعافه ونقله الي الشفخانه بالقرية لتلقي المساعدة الطبية حيث دخل في غيبوبة لتمكن السم من جسده النحيل ، نسمع صباح اليوم التالي بالخبر ونذهب في زيارته ، ونلومه علي عدم ألإفصاح عن اللسعه حتي تصل حالتك الصحية الي هذه الدرجة فكان مبرره بأنه لا يريد أن يزعجنا ونحن ضيوفه وهي زيارة بعد سنين من الفرقة والغياب . تصور مثل هذا النمو زج من الناس في قوة التحمل والصبر علي الألم والحنية والمحبة ، مع عدم الرحمة والترصد من قبل العقارب ، والنبي نوح علي أهلنا أين ما كانوا .