البيت الأبيض: يجب على الصين السماح ببيع تطبيق تيك توك    دبابيس ودالشريف    كواسي إبياه سيعيد لكرتنا السودانيةهيبتها المفقودة،،    في أول تقسيمة رئيسية للمريخ..الأصفر يكسب الأحمر برعاية وتألق لافت لنجوم الشباب    الديوان الملكي السعودي: خادم الحرمين الشريفين يغادر المستشفى بعد استكمال الفحوصات الروتينية    وزير الخارجية المكلف يتسلم اوراق اعتماد سفير اوكرانيا لدى السودان    فيديو.. مشاهد ملتقطة "بطائرة درون" توضح آثار الدمار والخراب بمنطقة أم درمان القديمة    خادم الحرمين الشريفين يدخل المستشفى    السودان.."الولايات المتحدة" تسبق"الهجوم الوشيك" بدعوة عاجلة    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني يترك عمله في عمان ويعود للسودان ليقاتل مع الجيش في معركة الكرامة.. وثق رحلته من مسقط حتى عطبرة ليصل أم درمان ويحمل السلاح ويطمئن المواطنين    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني يترك عمله في عمان ويعود للسودان ليقاتل مع الجيش في معركة الكرامة.. وثق رحلته من مسقط حتى عطبرة ليصل أم درمان ويحمل السلاح ويطمئن المواطنين    شاهد بالصورة والفيديو.. "دعامي" يظهر في أحضان حسناء عربية ويطالبها بالدعاء بأن ينصر الله "الجاهزية" على "الجيش" وساخرون: (دي بتكمل قروشك يا مسكين)    شاهد بالصورة والفيديو.. إعلامية مصرية حسناء تشارك في حفل سوداني بالقاهرة وتردد مع الفنانة إيلاف عبد العزيز أغنيتها الترند "مقادير" بصوت عذب وجميل    د. مزمل أبو القاسم يكتب: جنجويد جبناء.. خالي كلاش وكدمول!    محمد وداعة يكتب: الامارات .. الشينة منكورة    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    إثر انقلاب مركب مهاجرين قبالة جيبوتي .. 21 قتيلاً و23 مفقوداً    الخارجية الروسية: تدريبات الناتو في فنلندا عمل استفزازي    السوداني في واشنطن.. خطوة للتنمية ومواجهة المخاطر!    العين إلى نهائي دوري أبطال آسيا على حساب الهلال السعودي    مدير شرطة شمال دارفور يتفقد مصابي وجرحى العمليات    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    عن ظاهرة الترامبية    سفير السودان بليبيا يقدم شرح حول تطورات الأوضاع بعد الحرب    تواصل تدريب صقور الجديان باشراف ابياه    مدير شرطة محلية مروي يتفقد العمل بادارات المحلية    إيقاف حارس مرمى إيراني بسبب واقعة "الحضن"    «الفضول» يُسقط «متعاطين» في فخ المخدرات عبر «رسائل مجهولة»    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الإثنين    نصيب (البنات).!    ميسي يقود إنتر ميامي للفوز على ناشفيل    لجنة المنتخبات الوطنية تختار البرتغالي جواو موتا لتولي الإدارة الفنية للقطاعات السنية – صورة    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رؤية حول التغيير .. بقلم: وائل عبدالخالق مالك
نشر في سودانيل يوم 14 - 02 - 2011


بسم الله الرحمن الرحيم
الله .. الوطن .. الديمقراطية
كثر الحديث فى الآونة الأخيرة عن جدوى التغيير الوطنى بالسودان ، وتراوحت الآراء ما بين مواقف عدة بعضها مختلف فى ظاهره ولكنه يضمر الموقف نفسه مع اختلاف التكتيكات ، والبعض الآخر مختلف شكلاً ومضموناً . وهذه الرؤية ليست معنية باتخاذ الاحكام واطلاقها على اى من المواقف وانما هى محاولة لعمل مقاربة تحليلية لمختلف المواقف ومن ثم محاولة التأثير والاسهام فى خلق موقف وطنى لحل المشكل الوطنى وتغيير بوصلة الأحداث وتوجيهها تجاه احداث اختراق حقيقى على صعيد الموقف والفعل الوطنى نظرياً وعملياً .
لعل أهم أهداف التغيير التى ينشدها العقل الجمعى للقوى الحية والحديثة على مختلف انتماءاتها المدنية بالبلاد هى تلك التى تتمثل فى التغيير السياسى لنظام الحكم وما يتبعه من تغيير اجتماعى واقتصادى وما يترتب على ذلك من ابعاد ثقافية وانسانية فى مختلف مجالات الفاعلية الانسانية ، وقد يستغرب البعض وينحو الى اطلاق الكثير من الاحكام على هذه الأهداف وذلك ليس لعدم جدوى هذه الأهداف وانما لأن هذه الأهداف بطبيعتها وبما تحمله داخلها من بذور لتغيير حقيقى فانها تستقطب العداء لنفسها وذلك لأنها لا تهدد مواقع النظام السياسى الحاكم فحسب بل تتجاوزه لتهدد مصالح اجتماعية واقتصادية لدوائر أخرى خارج كنف النظام القائم بل وعلى خلاف بائن معه. ان قراءة تحليلية عميقة وموضوعية بعيداً عن عواطف المسميات الحزبية او الانتماءات القبلية والطائفية لا محالة ستقودنا الى معرفة طبيعة الارتباط الوثيق بين الاوضاع القائمة وبين هذه الدوائر . وليس المقصود من هذا الحديث هو ان هنالك مصالح او هبات او تدجين للمواقف السياسية لتصب فى مصلحة النظام مقابل تحقيق مصالح اقتصادية واستوزارية محددة وانما المقصود هو ان هناك ارتباط غير منظور ولم تتناوله مختلف الرؤى الفكرية والسياسية الرامية للتغيير الجذرى للواقع الوطنى .
ان من شأن الاستقراء التاريخى لتشكيل الواقع السودانى أن يقودنا الى نقطة مهمة مفادها ان السودان بحدوده الجغرافية والسياسية الحالية والتى ورثتها الدولة الوطنية عقب الاستقلال قد تشكل على يد الحكم الثنائى الانجلو مصرى وهو بهذا المعنى قد وضع وفقاً لما قررته سياسة الاستعمار وبما يخدم مصالحها آنذاك ، وقد تم تشكيل وبناء المجموعات الاجتماعية والمقدرات الاقتصادية ومحورتها منذ ذلك الحين وتركيزها فى ايدى فئات اجتماعية محددة بعينها ظلت وما زالت تلعب دوراً مهماً فى مجمل الحياة السودانية ، وحتى النخب المتعلمة التى ناضلت وكافحت من أجل تحقيق الاستقلال فانها وكما يبدو كانت تلعب دوراً محدداً دون وعى منها بمتطلبات التغيير الحقيقية عقب الاستقلال وليس ذلك لقصور لدي هذه النخب وانما السبب كان ان هذا ما هو متاح لها فى تلك المرحلة التاريخية . ومما يبدو جلياً وحتى لا نضع على عاتق التاريخ هذا الموروث الهائل من الفشل الوطنى فان الاستعمار قد ساهم بشكل كبير كما اسلفنا فى تشكيل الواقع المزرى الذى تعيشه البلاد اليوم ولكنه وكما وضح لم يكن يخطط لتأسيس مثل هذا الواقع فالتاريخ قد أثبت أن الاستعمار نفسه لم يكن يملك وعياً أو رؤى استراتيجية لاستمرار نفوذه ى البلاد والمنطقة باكملها وما ان خرج من البلدان التى يستعمرها حتى بدأ نفوذه بالتساقط مثل احجار الدومينو بما فيها السودان ، اذن فان كل المحاولات المثيرة للرثاء من اجل ان يتحمل الاستعمار اوزار الفشل الوطنى الذى نعيشه تبقى هى محاولات سطحية وتدل على انغلاق عقلانى ومحاولة للتشبث بأوهام هاهى التجارب تثبت أننا نعيش تبعاتها الآن . ان معرفة الداء هو منتصف الطريق لمعرفة العلاج الصحيح ، ومما يبدو أننا ما زلنا نعانى حالة من الانكفاء الذاتى وتحجيم دور العقل والمصالحة مع النفس الشىء الذى جعلنا غير قادرين حتى الآن على الخروج من الدائرة المفرغة التى تعيش فيها البلاد وتكابدها الاجيال جيلاً بعد جيل .
هناك أسئلة تفرض نفسها وبقوة :
ماهى حقيقة المشكل الوطنى ؟!!!.....
لماذا التغيير ؟!!!.....
ماهو التغيير الذى نريده ؟!!!.....
ان لهذه التساؤلات ما يبررها خاصة مع الفشل الذى ظل ملازماً للنخب السياسية طيلة التاريخ الحديث للبلاد ، من الواضح ان النخب السياسية السودانية كانت وما زالت لا تعرف ما هى حقيقة المشكل الوطنى وبالتالى فقد وضعت كافة تصوراتها على اساس من التكهنات التى وان صدقت فى بعضها الا انها غير كافية للتعبير عن كلية المشكل الوطنى وبالتالى فانها تصورات جزئية ليس الا ، لذلك كانت وما زالت أغلب المحاولات لحلول الاشكالات الوطنية تأتى مجزأة مما يزيد من الاضرار الوطنية الناجمة عن الحلول الجزئية . ان لدينا القناعة التامة بان هنالك ارتباط وثيق ما بين مختلف تجليات المشكل الوطنى سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً ... الخ من مظاهر الازمات التى تعانى منها البلاد .
ان التخلقات التكوينية للواقع الوطنى وما ترتب عليه من تشكيل للشخصية السودانية على أصعدة اساليب الحياة المختلقة من طرق التعبير والممارسة الحياتية ومن ثم مجمل السلوك الانسانى قد قاد وبلا شك الى الاسهام سلباً أو ايجاباً فى نشوء وترسيخ الواقع الماثل الآن . لذلك فان دراسة الشخصية السودانية من منظور انها تعبير دلالى عن الشخصية الانسانية لانسان السودان لا تكفى لتحديد منظور دقيق للواقع السودانى ، اذن علينا النظر للشخصية السودانية على اعتبار انها دراسة وقراءة متكاملة لكافة الجوانب فى الواقع السودانى، بمعنى ان تتبلور الرؤية حولها كسند فلسفى واستقرائى للواقع السودانى فى مختلف مناحى الفاعلية الانسانية وما يترتب عليها على الاصعدة السايكولوجية للمجتمع ومن ثم السلوك الانسانى ومدى اسهام ذلك فى تشكيل الواقع السياسى والاجتماعى والاقتصادى والثقافى للبلاد. ان المقصود بهذا النهج هو متابعة ودراسة تطور هذا الواقع على مختلف الاصعدة ومن ثم الوصول الى حقيقة مفادها مدى تأثير هذه التطورات والتخلقات على تشكيل العقل الجمعى حتى نستطيع بعد ذلك أن ندلف الى الوصول لاستنتاجات حول طبيعة وحقيقة المشكل الوطنى ومن ثم نكون قد قطعنا نصف الطريق من أجل ايجاد الحلول الناجعة لهذه الاشكالات التى تحيط بالسودان .
ان دواعى التغيير والثورة لاى أمة بشرية لا بد لها ان ترتبط بكيفية او بأخرى بالواقع المعاش وما يحيط بالامة على صعيدها الحياتى ، ان انتشار المظالم وعدم توافر فرص العدالة فى كافة مناحى الحياة وما يترتب على ذلك من صعود ونشوء للفوارق الطبقية واتساع دائرة الفقر وتفشى مظاهر الفساد الادارى والمالى ومن ثم الفساد الاخلاقى كنتيجة حتمية لانعكاسات هذه المظالم على المجتمع وغيرها الكثير من تجليات ومظاهر الازمة – كلها – لا محالة ستقودنا الى المطالبة بالتغيير والعمل من أجل ذلك . ان تدنى الخدمات الصحية والتعليمية وعدم تمكن الدولة السودانية من توفير أدنى مقومات الرخاء الانسانى وتفشى البطالة وما يلازمها من مظاهر سالبة على حياة وطبيعة تفكير الشباب من الجنسين مما يقود فى اغلب الاحيان الى ممارسات خاطئة تضر وتفسخ النسيج الاجتماعى ايضاً من الاسباب التى تدعو كل مجتمع وامة لها ضمير حى بأن تعمل وتسعى الى التغيير . ان الفشل الذى ظل سمة ملازمة لكل انظمة الحكم السياسية التى تعاقبت على حكم البلاد منذ الاستقلال وحتى الان ديمقراطية كانت ام سياسية وما ترتب على ذلك من اشكالات وطنية قادت فى مجملها الى انفصال جنوب البلاد اضافة الى الحرب الدائرة فى غرب البلاد والدعوة التى ما باتت سراً للالتفات لمشاكل شرق البلاد كلها اسباب تدعو الضمير الوطنى الى العمل والسعى من أجل التغيير . ان كبت الحريات عبر القوانين المقيدة للحريات وما يترتب على ذلك من قهر للعقل الانسانى وبالتالى محدودية امكانية الابداع الانسانى والتعبير واتخاذ المواقف وما يتبعه من تجاوزات لحقوق الانسان وقتل وضرب وتشريد للمواطنين لا لذنب ارتكبوه سوى التعبير عن موقفهم الوطنى كلها اسباب تدعو للتغيير . ان حملات الاطاحة بالمواطنين الغير منتمين للحزب الحاكم وفصلهم تعسفياً من الخدمة المدنية تحت مسمى الصالح العام وتشريد العسكريين الوطنيين من الشرطة والقوات المسلحة حتى أضحت المؤسسات القومية تخضع لمؤهلات الولاء السياسى وليس الكفاءة والخبرات مما أعجز الخدمة المدنية عن القيام بدورها الادارى والاجتماعى المطلوب لهو ايضاً من الاسباب الداعية للتغيير . ان الفساد المالى والسرقة المنظمة التى تخضع لها كافة مؤسسات الدولة حتى اضحت رائحة الفساد تزكم الانوف للدرجة التى جعلت المراجع العام وهو من أهل النظام للمطالبة بارجاع المال العام ودعت نائب رئيس النظام يحاول القيام بخدعة سياسية لتجميل وجه نظامهم بدعوى محاربة الفساد ، وكذلك أموال البترول التى لم تدخل الميزانية العامة للدولة منذ استخراجه وحتى اليوم لهى من اهم الاسباب التى تدعو للتغيير . ان قتل واغتصاب وسرقة ونهب المواطنين من ابناء السودان فى جنوب السودان سابقاً وفى غرب السودان حالياً يعد من اهم الاسباب الداعية لضرورة التغيير . ان المجاعات المتفشية بشرق البلاد والامراض السرطانية المنتشرة بمناطق الشمالية نتيجة دفن النفايات النووية وامراض الكلازار والايدز والحمى الصفراء التى تحصد الألوف من ارواح شعبنا هى اسباب كافية للتغيير . وغيرها الكثير من الاسباب قد لا يتسع المجال هنا لذكرها ولكنها تبقى ماثلة للعيان يعرفها القاصى قبل الدانى .
ان التغيير الذى يجب ان ننادى به ونبشر به ونعمل جميعاً من أجله هو التغيير الكامل المرتبط بكافة مناحى الحياة الانسانية بالبلاد ، لا نريد تغييراً سطحياً يبدأ وينتهى بتغيير نظام الحكم . ننادى بتغيير يعمل على مراجعة كافة المناحى وتعديلها بما يتوافق من تحقيق مصالح البلاد والشعب . تغييراً على مستوى اجهزة الدولة وكيفية ادارتها بحيث تصبح الدولة هى دولة حارسة وليست وارثة ، دولة راعية وليست مشاركة ، دولة الكفاية لا الوصاية . نريده تغييراً تكون الحكومة فيه هى ادارة للحكم وليست سلطة مطلقة . نريد تغييراً يحافظ على المفيد والقيم من عادات وتقاليد واعراف الشعب بمختلف تعدداته الثقافية والاثنية والدينية ويسعى الى تعديل العادات والتقاليد والاعراف الضارة والغير مفيدة . التغيير الذى ننشده هو التغيير الذى يحافظ على تماسك وتعاضد المجتمع ونسعى فيه جميعاً للبناء والتواصل الايجابى مع دور الاسرة والتعليم والعمل والشارع العام . لا نبحث وفق هذه الرؤية عن المدينة الفاضلة ولكن نبحث عن بناء المجتمع السودانى الأمثل عبر استرداد واستعادة ما فقدناه بفعل مظالم النظام القائم الآن . التغيير الذى ننشده هو الذى يتيح لنا الوحدة الوطنية فى ظل تنوعنا وتعددنا واختلافنا الثقافى والاثنى . التغيير المطالب به لا بد ان يستوعب متطلبات تغيير الهيكلة الاقتصادية من اجل ارساء دعائم العدالة الاجتماعية فى توافق تام ما بين تحقيق مصلحة الفرد ومصلحة المجتمع فى آن واحد ودونما تعارض وفق خطط اقتصادية للدولة تبين النشاطات الاقتصادية والشروط الاجتماعية اللازم توافرها فيها والمنصوص عليه قانوناً والمراقب بموجب سلطات مختلف الادارات بالدولة كل حسب اختصاصه . التغيير الذى ننشده هو ذاك الذى يطلق للعقل وللابداع الانسانى العنان للتعبير عن نفسه دونما قيود أو وصاية ومن ثم الاسهام ايجاباً فى تشكيل وجدان وضمير وصوت المجتمع . التغيير الذى يحافظ على حيادية وقومية كافة مؤسسات الدولة ، ننادى بالتغيير الذى يقودنا الى وطن بلا تمييز وبلا تفرقة وبلا تعدى على حقوق الآخرين ، وطن يشيع الحريات كافة ويمارسها الشعب وفق ضوابط الالتزام بحقوق الآخرين وعدم التعدى عليها ، الحريات المنضبطة وفق عاداتنا وتقاليدنا واعرافنا ، تغيير يقودنا للقبول بالآخر كانسان دونما الالتفات للونه او دينه او عرقه او انتماءه الجغرافى ، التغيير الذى تكون فيه المواطنة اساساً للحقوق والواجبات وتكون فيه الديمقراطية التعددية – يكونان – عبارة عن قيم للتربية الاجتماعية قبل ان يكونا قوانيناً منصوص عليها بالدستور . التغيير الذى نريده هو أن العمل والعلاج المجانى والتعليم والأمن هم حقوق طبيعية واساسية لكل انسان سودانى .
لكل ما تقدم ذكره فان التغيير وبصورته الماثلة اعلاه لا يمكن له ان يحدث قبل ان ننجز وبنجاح الخطوة الاولى فى التغيير وهى التغيير السياسى لنظام الحكم الانقاذى الفاسد الحاكم الآن . ليس بخافٍ على أحد أن أهم وانجع الطرق لاسقاط الانظمة الديكتاتورية هى الانتفاضة الشعبية وم يلازمها من اضراب سياسى وعصيان مدنى تضيق الخناق على الانظمة ومن ثم تفرض على القوى النظامية المتمثلة فى القوات المسلحة التدخل والانحياز للشعب واستلام السلطة ومن ثم ردها للشعب عبر حكومة انتقالية . ان نظام الانقاذ ومنذ توليه للسلطة فى 30 يونيو 1989 المشئوم فانه قد قام بالعمل على تقويض الاسس والشروط الكفيلة باحداث اى انتفاضة شعبية ضده وذلك عبر حل كافة النقابات والعمل على حظر النشاط السياسى وتحجيم وضرب القوى الوطنية الديمقراطية افراداً وجماعات ومن ثم العمل على تكميم الافواه وتكبيل حرية الصحافة والنشر اضافة الى العمل على هدم وتقويض الوعى الوطنى للاجيال الحديثة عبر اعتماد سياسات تعليمية واعلامية تهدف الى ملء العقول بالقضايا الانصرافية اضافة الى اثقال كاهل المواطنين والاسر بالضوائق المعيشية حتى لا ينصرفوا لشىء سوى الكدح من اجل لقمة العيش . كل هذا اضافة الى آلته الاعلامية والامنية التى ضخمت من حجم النظام وجعلته يتصور فى عقول الغالبية من الجماهير بانه نظام لا يهزم مستخدمة فى ذلك سياسة اللعب على العقول والتمويه الاعلامى اضافة الى الاشاعات المدروسة والمققنة بردات فعل مصاحبة لها من أزرعهم بمختلف المجالات والفئات الاجتماعية . ان الاسس والشروط التقليدية اللازمة من اجل تفجير انتفاضة شعبية ناجحة تنتهى بتقويض النظام القائم غير متوفرة الآن ولا يمكن توفرها حتى على المدى البعيد فى ظل القبضة الامنية للنظام وما يساندها من سياسات اعلامية وموارد اقتصادية تبدو غير محدودة.
هناك ظاهرة فى تاريخ الفكر الانسانى عامةً وهى أن كافة الانظمة الديكتاتورية تبتدر حكمها ووجودها بنظام امنى قمعى تحكم من خلاله السيطرة على الشعوب وهذا ما حدث تماماً بالسودان لدى استلام الانقاذ لسدة الحكم ولكن ومع تطور هذه النظم وما يتزامن مع وجودها من ضغط شعبى وضغوطات اقليمية ودولية فانها تبدأ بالتراخى ليس لاصلاح فى داخلها او لسيادة صوت الحق والمنطق بداخلها وانما بداعى من ضرورات استمرارها وبنية فك الخناق الذى يبدأ فى الاستحكام من حولها ، ان ما نشاهده الان من بعض الانفراج او ما يسميه البعض بهامش الحريات فانه ليس موقفاً أصيلاً او مبدئياً للنظام الحاكم وانما هى قمة تجلياتهم البراغماتية فى مسايرة ومواكبة واختراق الواقع من أجل تحقيق مصالحهم المتمثلة فى الاستمرار فى سدة الحكم وهى فى أغلبها جاءت نتاجاً لضغوط دولية لدوائر ومنظمات للنظام معها مصالح مثل منظمة التجارة الدولية والبنك الدولى حيث من اهم متطلباتهما للتعامل مع الدول هو وجود سياسة منفتحة وتعددية داخلياً وخارجياً ، هذا من ناحية ومن ناحية اخرى فان تاريخ الفكر الانسانى يحدثنا على ان الانظمة الديكتاتورية وحين احساسها وادراكها بأن هناك حركة وعى اجتماعى ولو كانت طفيفة بدأت فى النشوء فى مرحلة تاريخية معينة فانها ومع عدم مقدرتها على العودة الى المربع الأول وهو مربع القمع والقبضة الامنية الباطشة فانها تلقائياً وبدافع من طبيعتها الانتهازية البراغماتية تبدأ فى انتهاج سياسات تمويهية تحاول بها اللعب على العقول وتعتمد من خلالها التصورات التبشيرية والمثالية والاخلاقية للدرجة التى قد تستعين بالجوانب الميتافيزيقية لتحقيق قدر من عدم الاستقرار على اجماع وطنى حول موقف اسقاطهم فيكثر التنادى تجاه خطابات الوحدة الوطنية ويبدأون فى ترديد ببغاوى للدعوة للآخرين بالتوافق حول برنامج وطنى واحد فى حكومة ذات قاعدة عريضة او قومية او غيرها من المواقف والمسميات التى لا يقصد بها سوى فك الحصار من حولهم كما اسلفنا ومن ثم اعطاءهم بعض من صكوك الغفران التى تتيح لهم التواجد مزيداً من الوقت فى الحكم وبعد برهة قليلة لن ينفكوا منقلبين على اعقابهم للاستئثار بالحكم والسلطة منفردين .
ان الطريقة المثلى للتغيير السياسى ولتحقيق شروط ناجحة للانتفاضة الشعبية لاسقاط مثل هذا النظام لن تكتمل ولن تتحقق الا عبر اعتماد خطاب وعى وطنى تبتدع فيه الوسائل للوصول الى الجاهير فى بيوتهم وفى الاحياء من أجل استنهاض قدرتهم على التغيير فيما يسمى ب ( انتفاضة الأحياء ) ويأتى ذلك متزامناً مع تنشيط الحركة الطلابية بالجامعات السودانية من أجل أن تتضامن جماهير الشعب ايجاباً مع حركة الخروج فى انتفاضة شعبية متكاملة . ان الخروج المتفرق للجماهير باعداد محدودة وفى أزمنة مختلفة يسهل على الاجهزة الامنية دورهم فى قمع وضرب واسكات صوت الانتفاضة ، اذن لا بد من تنسيق عالى وتحديد للأدوار يعمل على نشر خطاب للوعى الوعى بالقضايا ويدعو الى انتفاضة شعبية متكاملة تخرج فى كافة انحاء السودان فى يوم واحد ووقت واحد من اجل تشتيت جهود الاجهزة القمعية تصاحبها تغطية اعلامية من قنوات اخبارية فضائية وعبر اعلام خاص بالانتفاضة يساهم فى رصد وتوثيق التجاوزات ونشرها من أجل تضييق الخناق على هذا النظام القمعى المتهالك واسقاطه كليةً وكنس آثاره بالكامل .
عقب تحقيق هدف اسقاط النظام فان الخطوة الاولى للتغيير الذى ننشده تكون قد انجزت ولكنها ليست كل المأمول انجازه ، عندها لا بد لنا من العمل والتوافق على رؤية علمية وعملية من أجل ترشيخ ديمقراطية تعددية حقيقية عبر دولة المؤسسات القومية التى تراعى كافة الحقوق والواجبات برقابة حقيقية من الشعب وممثليه المختارين بعناية تتعلق بكفاءاتهم ومقدراتهم الادارية والتنفيذية وتحت ظل قوانين ورقابة برلمانية صارمة وجهاز قضائى مستقل ومقتدر . حينها فقط يمكننا ان نرسى دعائم عدالة اجتماعية فى شقها السياسى والاجتماعى والاقتصادى وغيرها . وحينها فقط يمكننا ان ننجز التغييير الذى ننشده فى كافة مناحى الحياة الانسانية بالبلاد .
انها دعوة للتفاكر والتعاضد والتكاتف والتوحد من اجل ايجاد وابتداع الوسائل الكفيلة بايجاد وتحقيق رؤية وطنية متكاملة .
والله الموفق
وائل عبدالخالق مالك
المملكة العربية السعودية – الرياض
14/02/2011
Wail Malik [[email protected]]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.