السفير السعودي لدى السودان يعلن خطة المملكة لإعادة إعمار ستة مستشفيات في السودان    مليشيا الدعم السريع تكرر هجومها صباح اليوم على مدينة النهود    منتخب الشباب يختتم تحضيراته وبعثته تغادر فجرا الى عسلاية    اشراقة بطلاً لكاس السوبر بالقضارف    المريخ يواصل تحضيراته للقاء انتر نواكشوط    شاهد بالفيديو.. رئيس مجلس السيادة: (بعض الوزراء الواحد فيهم بفتكر الوزارة حقته جاب خاله وإبن أخته وحبوبته ومنحهم وظائف)    الحسم يتأجل.. 6 أهداف ترسم قمة مجنونة بين برشلونة وإنتر    شاهد بالفيديو.. رئيس مجلس السيادة: (بعض الوزراء الواحد فيهم بفتكر الوزارة حقته جاب خاله وإبن أخته وحبوبته ومنحهم وظائف)    شاهد بالصور والفيديو.. على أنغام الفنانة توتة عذاب.. عروس الوسط الفني المطربة آسيا بنة تخطف الأضواء في "جرتق" زواجها    المجد لثورة ديسمبر الخالدة وللساتك    بالصورة.. ممثلة سودانية حسناء تدعم "البرهان" وثير غضب "القحاتة": (المجد للبندقية تاني لا لساتك لا تتريس لا كلام فاضي)    المجد للثورة لا للبندقية: حين يفضح البرهان نفسه ويتعرّى المشروع الدموي    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    الناطق الرسمي للقوات المسلحة : الإمارات تحاول الآن ذر الرماد في العيون وتختلق التُّهم الباطلة    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    قرار بتعيين وزراء في السودان    د.ابراهيم الصديق على يكتب: *القبض على قوش بالامارات: حيلة قصيرة…    هل أصبح أنشيلوتي قريباً من الهلال السعودي؟    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    ترامب: بوتين تخلى عن حلمه ويريد السلام    باريس سان جيرمان يُسقط آرسنال بهدف في لندن    إيقاف مدافع ريال مدريد روديغر 6 مباريات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    صلاح.. أعظم هداف أجنبي في تاريخ الدوري الإنجليزي    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    المريخ يخلد ذكري الراحل الاسطورة حامد بربمة    ألا تبا، لوجهي الغريب؟!    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    ارتفاع التضخم في السودان    بلاش معجون ولا ثلج.. تعملي إيه لو جلدك اتعرض لحروق الزيت فى المطبخ    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    بيان مجمع الفقه الإسلامي حول القدر الواجب إخراجه في زكاة الفطر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تعقيب على مقال: (الحلقة الأولى في قضية الخروج على الحكام) .. بقلم: د. عارف عوض الركابي
نشر في سودانيل يوم 23 - 03 - 2011

تعقيب على مقال بعنوان: (فوائد فكرية دينية في الثورات المعاصرة) 1/2
الحلقة الأولى : تعقيب بشأن مسألة "الخروج على الحكام"

د. عارف عوض الركابي
اطلعت على المقال الذي نشر يوم أمس الاثنين الموافق 16 ربيع الثاني 1432ه الموافق 21 مارس 2011م بهذه الصحيفة (الانتباهة) لكاتبه الأخ الأستاذ / كمال أحمد يوسف وفقه الله ، بعنوان : (فوائد فكرية دينية في الثورات المعاصرة) وقد رأيت أن أعقب على (مسألتين) مما أورده الكاتب في مقاله وهما (الخروج على الحكام وأهل الحل والعقد)وفي هذه الحلقة أعقب على المسألة الأولى وستكون المسألة الثانية في الحلقة الثانية إن شاء الله:
المسألة الأولى : تحدث الأخ الأستاذ كمال وهو يبين ما رآه من (فوائد فكرية ودينية في الثورات المعاصرة) تحدث عن مسألة (الخروج على الحكام) فقال :
(أما الحجة الداحضة الثانية عند بعض المجموعات التي ما زالت تتمسك بالقديم هي أنه لا يجوز الخروج على الحاكم بحجة أن ذلك يقود للفوضى وسفك الدماء مما يجعل عدم الخروج أخف ضرراً من الخروج مهما كان ظلم الحاكم وهذه أيضاً حجة لا تصمد أمام الأدلة العملية التي تبرهن على أن سفك الدماء والمظالم في ظل الأنظمة المستبدة أكبر منها في ظل الثورات ضد الحكام ، فضحايا النظام المصري منذ أيام جمال عبد الناصر أضعاف أضعاف شهداء الثورة المصرية ، وكذلك ضحايا بورقيبة وبن علي أضعاف أضعاف شهداء الثورة التونسية وقس على ذلك في ليبيا ، فالذين أُبيدوا على يد القذافي منذ تسلمه للحكم أضعاف شهداء الثورة الليبية ، فالسكوت إذن على ظلم الحكام لا يعني حفظ الدماء واستتباب الأمن ، بل إن بطش الحكام مدعاة لفساد البلاد والعباد ...) إلى أن قال الكاتب : ( الثورات المعاصرة في العالم الإسلامي عملياً زعزعت قناعات المجموعات التي كانت تحرم الخروج على الحاكم وهذا أكبر مكسب فكري مثل نقلة كبيرة في الفكر السياسي الإسلامي لأنه كما قلنا من قبل إن التطور السياسي لا يقوم فقط على التنظير وإنما على حركة الجماهير وتضحياتها في نزع حقوقها السياسية ، وقضت على التحالف الذي استمر طويلاً بين الحكام الباطشين وعلماء السلطان فقد رأينا كيف خرج شيوخ الأزهر الشريف إلى ميدان التحرير مع الثوار بعد أن ظلت هذه المؤسسة الشامخة مدجنة لصالح الحكام تدور في فلكهم وتسبح بحمدهم)أ.ه
وأقف مع الأخ الكاتب في قوله أعلاه الوقفات التالية :
1/ قال الكاتب (المجموعات التي ما زالت تتمسك بالقديم هي أنه لا يجوز الخروج على الحاكم ..).
أقول :ما الذي قصده الأخ الكاتب بقوله (تتمسك بالقديم) ؟! ما هو القديم ؟! وما وصْفُه ؟! وما مصدره؟! فإن كان الكاتب يشير بذلك إلى أحاديث خير البرية وأزكى البشرية المصطفى المبعوث رحمة للعالمين عليه الصلاة والسلام الواردة في هذه القضية فإن الطامة تكون كبرى !! والخطب جللٌ !! خاصة والمقال قد نشر بهذه الصحيفة التي تشكر كثيراً على دفاعها المستمر عن قضية الشريعة الإسلامية والحرص على تطبيقها والوصية المستمرة بذلك .. فإن من المعلوم أن قول النبي الكريم عليه الصلاة والسلام هو من الشريعة الواجب العمل بها والحرص على تطبيق توجيهاتها ! أم يا ترى أن الشريعة في فهم الأخ الكاتب هي فقط (الحدود)؟! حيث هو فهم منتشر للأسف بين كثيرين ، حيث يزين كثيرون هذا الفهم الخاطئ !! وقد يكون البعض يزينونه هذا الفهم عن قصد منهم ، وآخرون يروجون له دون قصد منهم ، حيث إن هذا هو مبلغ علمهم !!.
هل خفي على الأستاذ الكاتب التوجيهات النبوية (الكثيرة) التي رويت في الصحيحين وغيرهما ، بشأن مسألة الخروج على الحكام ؟! هل يا ترى لم يعلم بها حتى يصف من يتمسك بها بأنه يتمسك ب (القديم) ؟!! بل تمسكهم بذلك هو من (الحجة الداحضة) في تقديره (الشخصي) حسب تعبيره !!
أم أن تلك النصوص الكثيرة وما دلت عليه منسوخة ؟! وانتهت فترة العمل بها ؟! ولا أدري إن كان قول الأخ الكاتب كان بسبب فهمه هذا الفهم (وهو النسخ) لا أدري ماذا يقول في أن إجماع علماء المسلمين قد انعقد على أنه لا نسخ بعد وفاة النبي الكريم عليه الصلاة والسلام ، حيث توقف الوحي.
في مقال لي سابق نشر بهذه الصحيفة يوم الأربعاء الموافق 9 فبراير 2011م بعنوان (مقاصد شرعية خفيت على كثيرين) أوردت مجموعة من النصوص الشرعية التي جاءت بالتوجيه في شأن الخروج على حكام المسلمين (كنماذج وأمثلة) ونقلت بعض إجماعات العلماء في هذه القضية العظيمة مع بيان مقاصد الشريعة الإسلامية في هذا الجانب ومما ذكرته في ذلك المقال بعد أن ذكرت مجموعة من الأحاديث الواردة في قضية الخروج على الحكام والصبر عليهم ما يلي :
(إن النصوص الشرعية الواردة في هذا القضية كثيرة جداً ، وعلى ضوء هذه النصوص انعقد إجماع علماء الأمة الإسلامية ، والشريعة الإسلامية لما أوجبت الصبر على جور وخطأ الحاكم ذلك لأن الخروج عليه قد تترتب عليه مفاسد أعظم ، ومن تأمل التاريخ في القديم والحديث يجد أن كثيراً من مصائب المسلمين إنما هي من جراء التفريط فيما قرره الشرع في هذا الباب الخطير ، ولذلك فقد ضبط الشرع هذا الباب بضوابط وشروط معلومة عند (أهل العلم) وهم الذين يقررونها ، وينظرون فيها ، وليس ذلك لأفراد الناس وعامتهم !! ومن العبارات التي وردت عن أهل العلم بما يبين هذا الأمر ما يلي :
قال ابن أبي العز الحنفي في شرح الطحاوية : (وأما لزوم طاعتهم وإن جاروا ، لأنه يترتب على الخروج من طاعتهم من المفاسد أضعاف ما يحصل من جورهم ...)
ومما ذكرته في ذلك المقال أيضاً : (ونقل الحافظ ابن حجر العسقلاني الشافعي الإجماع على عدم جواز الخروج على السلطان الظالم نقل ذلك عن ابن بطال الذي شرح صحيح البخاري أيضاً : (وفى الحديث حجة على ترك الخروج على السلطان ولو جار وقد أجمع الفقهاء على وجوب طاعة السلطان المتغلب والجهاد معه وأن طاعته خير من الخروج عليه لما فى ذلك من حقن الدماء وتسكين الدهماء) .ونقل الإمام النووي في شرح صحيح مسلم الإجماع على ذلك أيضاً فقال : (وأما الخروج عليهم وقتالهم فحرام بإجماع المسلمين وإن كانوا فسقة ظالمين).
هذا بعض ما أوردته في ذلك المقال بعد ذكر مجموعة من أحاديث النبي الكريم عليه الصلاة والسلام في هذه القضية .ومما أضيفه في هذا المقال إلى تلك الأحاديث هذين الحديثين العظيمين :
عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : « خِيَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ وَيُحِبُّونَكُمْ وَيُصَلُّونَ عَلَيْكُمْ وَتُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ وَشِرَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُبْغِضُونَهُمْ وَيُبْغِضُونَكُمْ وَتَلْعَنُونَهُمْ وَيَلْعَنُونَكُمْ ». قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلاَ نُنَابِذُهُمْ بِالسَّيْفِ فَقَالَ « لاَ مَا أَقَامُوا فِيكُمُ الصَّلاَةَ وَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْ وُلاَتِكُمْ شَيْئًا تَكْرَهُونَهُ فَاكْرَهُوا عَمَلَهُ وَلاَ تَنْزِعُوا يَدًا مِنْ طَاعَةٍ » رواه مسلم.
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : « عَلَيْكَ السَّمْعَ وَالطَّاعَةَ فِى عُسْرِكَ وَيُسْرِكَ وَمَنْشَطِكَ وَمَكْرَهِكَ وَأَثَرَةٍ عَلَيْكَ » رواه مسلم.
إن هذه القضية وردت بشأنها نصوص شرعية وانعقد عليها إجماع من علماء المسلمين نقله ابن بطال وابن حجر والنووي ، فهل يا ترى يحق للكاتب نسفها بعبارته هذه (أما الحجة الداحضة الثانية عند بعض المجموعات التي ما زالت تتمسك بالقديم هي أنه لا يجوز الخروج على الحاكم)؟!
2/ لقد بيّن العلماء أنه لا يجوز الخروج على الحاكم إلا إذا توفرت شروط محددة، وهذه الشروط أفادها العلماء من التوجيهات النبوية الكريمة والتي جاءت لتكفل وتحقق مقاصد شرعية معلومة وبالعمل بها تحقن الدماء المعصومة ، وتحفظ الأعراض والمقدسات ، ويتجنب كثير من الدمار وذهاب الأنفس المتوقع في الخروج ، وهذه من أجل مقاصد هذه الشريعة الإسلامية العظيمة ، بل هي من مقاصد جميع الشرائع التي شرعها الله لخلقه.
وهذه الشروط هي : أن يُرَى الكفرُ، البواح ، الذي فيه من الشرع برهان واضح وحجة ، القدرة على تغييره وألا يكون مفسدة تغييره أعظم من مفسدة بقائه ، كما ذكر بعضهم في الشروط أن البديل الذي هو أفضل .
وهذه الشروط أفاده أهل العلم من (التوجيهات الشرعية) ونشروها في كتبهم ومؤلفاتهم ، والذي لا يغفل في هذا الباب (الخطير) أن الذي يقرر تحقق هذه الشروط أو عدم تحققها هم العلماء الربانيون العالمون بشرع الله وليست هي موكولة ل (عامة الشعب) !! أو (شباب الاعتصامات والمسيرات) كما أن لأهل الحل والعقد مقامهم في ذلك وفي مقدمة أهل الحل والعقد علماء الشريعة الربانيين العالمين العاملين بعلمهم ، (وقد نسف الأستاذ الكاتب كمال يوسف أيضاً في مقاله أمر أهل الحل والعقد كما سيأتي في التعقيب عليه في ذلك في الحلقة الثانية إن شاء الله).
وإن ذكر أهل العلم لهذه الشروط يبين بوضوح وجلاء أن ما قاله الأخ كمال في (تعميمه) لمن أشار إليهم بمن (يتمسكون بالقديم) أنهم لا يرون الخروج على الحكام (بإطلاق) كما يفهم من سياقه لقولهم ، إن ذكر أهل العلم لهذه الشروط مما يبين عدم صحة ما ادعاه في (تعميمه) ، إذ قضية المفسدة الأعظم أو الأقل في الخروج على الحاكم فيها تفصيل واضح في كتب أهل العلم وليس قولهم فيها بإطلاق بتحريم الخروج كما تضمنه كلام الأخ الكاتب وفقه الله.
3/ استشهاد الأخ الكاتب بما حدث في تونس ومصر وما نتج عنهما ، هو استدلال ب(التجربة) .. ومن البديهي أن (التجارب) هي التي تخضع في الحكم عليها للتوجيهات الشرعية ، فالشريعة هي التي تبين موقف المسلم في هذه القضايا وفي غيرها ، وليست التوجيهات الشرعية التي تضمنتها النصوص المحكمة والثابتة والواضحة بل (والمجمع عليها وعلى ما دلت عليه) ليست هي التي تخضع للتجارب !! .. هذه قضية بدهية .. وقد كان الأحرى بالأخ الكاتب وهو يتحدث عن هذه القضية ويتناولها بهذا الطرح أن يلقي الضوء على الأحاديث الكثيرة الواردة في هذا الأمر ويبين لماذا لا يُعْمَل بمضمونها ؟! ولماذا من يتمسك بها تكون حجته داحضة ؟! ولماذا عادت هي من (القديم) الذي ينبغي بل يجب تجاوزه ؟!
أما المنحى الذي اعتمده الأخ الكاتب وهو (الاستشهاد بالتجارب) فأظن أن أخانا الكاتب سيواجه بسببه بإلزامات لا يستطيع دفعها !! ومن ذلك أن يقال له : وما رأيك في أحداث التاريخ التي كانت فيها مفسدة الخروج أعظم من مفسدة بقاء الحاكم ، بل لا مقارنة بينهما؟! فإن في التاريخ أحداث (كثيرة) وهي معروفة ومشهودة في ذلك .
قال ابن تيمية : (وقل من خرج على إمام ذي سلطان إلا كان ما تولد على فعله من الشر أعظم مما تولد من الخير) وسرد جملة من الأحداث وعدّدها مما يوضح ما قال.
وقال ابن القيم : (نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قتال الأمراء والخروج على الأئمة- وإن ظلموا أو جاروا- ما أقاموا الصلاة، سدا لذريعة الفساد العظيم والشر الكثير بقتالهم كما هو الواقع، فإنه حصل بسبب قتالهم والخروج عليهم أضعاف ما هم عليه، والأمة في بقايا تلك الشرور إلى الآن)
وقال المعلمي : (وقد جرب المسلمون الخروج فلم يروا منه إلا الشر ) وسرد أيضاً جملة من الأحداث.
بل أن في الواقع (المعاصر) لدينا شواهد لذلك ، فماذا يا ترى يقول الأخ الكاتب في أحداث (حماة) في سوريا في فبراير عام 1982م التي قتل فيها أكثر من خمسة وعشرين ألفاً في أحداث خروج على الحاكم؟! هذا مثال وهناك أمثلة أخرى !! وبالإمكان أن تتكرر التجربة .. وبليبيا القتلى حتى الآن حوالي عشرة آلاف وما هو المتوقع حتى انتهاء هذه الأحداث ؟! ومن الذي يستطيع أن يتنبأ بما تؤول إليه أحداث كهذه ؟! وإذا لم تتدخل هذه الدول (الغربية) أو قالت الآن : نحن رفعنا أيدينا عن أي دعم أو مقاتلة للقذافي وانسحبت ، فما هي الاحتمالات للمآلات المتوقعة ؟! وهل كان الأخ الكاتب أو التونسيون أو المصريون أنفسهم يتوقعون أن يترك لهم هذان الرئيسان الأمر بهذه السهولة ؟! ومن الذي يتحمل مسؤولية ما يحصل إن كان تصرفهم مثل تصرف القذافي أو أشد ؟! ثم مع يقيننا بفساد وظلم وديكتاتورية هؤلاء ما أدرانا وأدرى الأخ الكاتب أن البديل سيكون أفضل وأن الأوضاع ستكون أكثر استقراراً ؟! ثم إن نجحت هذه التغييرات في هذه البلاد هل يصلح ذلك لأن يكون منهجاً تسير عليه الأمة ويقاس عليه (بقية الدول) ؟! وهو أمر يصادم بوضوح (التوجيهات الشرعية) التي لم تأت إلا لحفظ هذه الأنفس والحرص على استقرارها وأمنها؟!
ثم سؤال آخر في أمر مهم جداً وهو مما احترت له كثيراً وأنا أقرأ في كتابات (كثيرين) وأسمع لأقوالهم في هذه الأيام الماضية :هل من يقتنع بهذه (القناعات) التي تبناها الكاتب في هذا المقال يرى أنها تصلح لأن تطبق في الحكومات التي يكون هذا القائل أو الكاتب عضواً في حزبها الحاكم ؟! ومعلوم أن (التلون) هو مقياس وميزان لاتباع الباطل وعدم التجرد للحق ، فقد رأينا كثيرين يجيزون الأمر في (تلك البلاد) ويحرمونه في (هذه البلاد) أو (غيرها من البلاد) .. في تناقض كبير(يؤسف لهم به)إذا كانت القضية أخطاء حكام وظلم ووضع ليس هو الأفضل فهذا قاسم مشترك بين جميع الدول ، على تفاوت بينها في ذلك (كبير) ولا أعلم أن حاكماً واحداً يعفي نفسه من وجود أخطاء وحصول قصور لديه .. فمن هذا الحاكم الذي يجد إجماعاً من جميع المحكومين في زماننا هذا ؟! حتى وإن عدل واجتهد في توفير الراحة لشعبه واستقرارهم في دينهم ودنياهم فسيجد من بين رعيته ومحكوميه من لهم رغبات أخرى تتعارض مع توجهاته (ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض) ، بل نحن في زمان اختصام أصحاب الحزب الواحد فضلاً عن غيرهم!! فهل سيكون هذا الشأن الذي أعجب الأخ الكاتب هو الوضع (المستمر) في كل دولة تأتي وتخلف غيرها؟!
4/ قول الأخ الكاتب : (الثورات المعاصرة في العالم الإسلامي عملياً زعزعت قناعات المجموعات التي كانت تحرم الخروج على الحاكم وهذا أكبر مكسب فكري مثل نقلة كبيرة في الفكر السياسي الإسلامي).
لا أدري هل الأخ الكاتب يتحدث عن (أمنية) هو يتمناها ، أم أنه يتحدث عن واقع !! فإن كان يتحدث عن (واقع) فأرجو أن يورد لنا أدلة واضحة وصريحة واعترافات ممن كانوا يرون سابقا تحريم الخروج على الحاكم ثم أنهم غيروا أو تزعزعت هذه القناعات لديهم ، وفي المقابل إن أراد الأخ الكاتب أن يطلع على المقالات والندوات والمحاضرات والأبحاث التي خرجت (في هذه الفترة) بما يؤكد زيادة التمسك بهذا الأصل (الصبر على جور الأئمة والحكام) الذي هو من (أصول أهل السنة والجماعة) فهو أمر ميسور.. وهل يا ترى ما ذكره الأخ الكاتب من خروج مجموعة من علماء الأزهر في أحداث مصر يبرر له أن يبني عليه تغير وزعزعة قناعة القائلين بتحريم الخروج على الحكام ؟! بل يعتبر ذلك حسب قوله : (أكبر مكسب فكري مثل نقلة كبيرة في الفكر السياسي الإسلامي)؟!
5/ قول الأخ الكاتب : (لأنه كما قلنا من قبل إن التطور السياسي لا يقوم فقط على التنظير وإنما على حركة الجماهير وتضحياتها في نزع حقوقها السياسية ، وقضت على التحالف الذي استمر طويلاً بين الحكام الباطشين وعلماء السلطان).
أقول : ولخطورة المقام أؤكد: إن الجماهير قد ترى أن لها من الحقوق ما سلبه الحاكم منها .. وبلادنا هذه (السودان) خير من يستشهد به في ذلك !! وقد يكون للدولة عدم المقدرة على الوفاء بذلك.. كما قد يكون لها من العذر المقبول بسبب النزاعات والحروب وغيرها .. فهل يحق لهذه الجماهير(نزع حقوقها) سياسية كانت أم مادية أم اجتماعية ...الخ بهذه الوسائل؟! هل يؤيد الكاتب هذه الوسيلة ؟! وهل يؤيد (كمثال) الحركات المسلحة الدارفورية في (حركتها لنزع حقوقها التي تدعيها) تجاه الحكومة ؟ّ! وهل يؤيد الأخ الكاتب دعوات الأحزاب المعارضة التي يقودها شيوعيون وليبراليون وعلمانيون للخروج في مظاهرات في الخرطوم في 30 يناير الماضي ثم 14 فبراير ثم 4 مارس ثم 21 مارس وغيرها ، وكلها قد فشلت بفضل الله ، أليست لهم (حقوق) يدعونها ويطالبون بها !! وإن اختلفنا معهم فيها؟! كيف ستستقر الأمور إذاً على ضوء (هذه القناعات) في بلدنا هذا أو في غيره من البلاد ؟! وأين هي هيبة الحاكم الذي بسلطانه وقوته يوفق لحفظ الدماء والأنفس والأموال والأعراض؟!
ثم أقول : هل الذين يفتون بعدم الخروج على الحكام هم من المتحالفين مع الحاكم ؟! وهم علماء سلاطين ؟! كيف حكمت بهذا الحكم أخي الكاتب ؟! نعم قد يوجد من بين من يفتون بذلك من ذكرتهم ووصفتهم ، لكن هل خفي عليك أخي الكاتب أن موقف (الكثيرين) من العلماء الربانيين والدعاة وطلبة العلم وكثير من عامة المسلمين إنما ينبعث عن ديانة وعلم و(احتكام للشريعة) وتنفيذ لأوامرها وانقياد وتسليم لها ، بعدم الخروج ، وحرص على حفظ الدماء والأنفس المعصومة؟! ومعلوم أن كثيراً من هؤلاء ليس لهم أي صلة خاصة بالحاكم وحزبه .. بل هم (زاهدون) فيه (أكثر) من زهده هو فيهم !! إن ما ذكره الأخ الكاتب فيه ظلم كبير لمسلمين ومسلمات وعلماء وأهل علم ، بل فيه عدوان على النصوص الشرعية التي يفخر ويعتز من يتمسك بها ويعمل بمضمونها ومقتضاها .
ونواصل في الحلقة الثانية إن شاء الله.
نشر بصحيفة الانتباهة يوم الثلاثاء 17 ربيع الثاني 1432ه
عارف الركابي [[email protected]]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.