الصناعة.. قَدَر الخليج ومستقبله    شاهد بالفيديو.. ناشط سوداني يهاجم الفنانة عشة الجبل ويثبت غيرتها من زميلتها الفنانة مروة الدولية: (عرس الدولية حارقك وقاطع قلبك والغيرة دي ما حلوة)    قرارات جديدة ل"سلفاكير"    السودان..تحذير خطير للأمم المتحدة    شاهد بالفيديو.. ناشط سوداني يهاجم الفنانة عشة الجبل ويثبت غيرتها من زميلتها الفنانة مروة الدولية: (عرس الدولية حارقك وقاطع قلبك والغيرة دي ما حلوة)    شاهد بالفيديو.. حكم كرة قدم سعودي يدندن مع إبنته بأغنية للفنان السوداني جمال فرفور    شاهد بالصور.. رصد عربة حكومية سودانية قامت بنهبها قوات الدعم السريع معروضة للبيع في دولة النيجر والجمهور يسخر: (على الأقل كان تفكوا اللوحات)    هل فشل مشروع السوباط..!؟    بلومبيرغ: قطر تستضيف اجتماعا لبحث إنهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا    سوق العبيد الرقمية!    مخاوف من قتال دموي.. الفاشر في قلب الحرب السودانية    صلاح في مرمى الانتقادات بعد تراجع حظوظ ليفربول بالتتويج    أمس حبيت راسك!    راشد عبد الرحيم: وسقطت ورقة التوت    وزير سابق: 3 أهداف وراء الحرب في السودان    الصين تفرض حياة تقشف على الموظفين العموميين    (المريخاب تقتلهم الشللية والتنافر والتتطاحن!!؟؟    معتصم اقرع: لو لم يوجد كيزان لاخترعوهم    وكالة الفضاء الأوروبية تنشر صورا مذهلة ل "عناكب المريخ" – شاهد    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    "منطقة حرة ورخصة ذهبية" في رأس الحكمة.. في صالح الإمارات أم مصر؟    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    برشلونة: تشافي سيواصل تدريب الفريق بعد تراجعه عن قرار الرحيل    إيفرتون يصعق ليفربول بثنائية    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    إقصاء الزعيم!    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    حدثت في فيلم كوميدي عام 2004، بايدن كتبوا له "وقفة" ليصمت فقرأها ضمن خطابه – فيديو    كواسي إبياه سيعيد لكرتنا السودانيةهيبتها المفقودة،،    خادم الحرمين الشريفين يدخل المستشفى    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    إثر انقلاب مركب مهاجرين قبالة جيبوتي .. 21 قتيلاً و23 مفقوداً    العين إلى نهائي دوري أبطال آسيا على حساب الهلال السعودي    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شهادتي في ما يسمى بالمؤامرة التخريبية وعبد الرحمن فرح .. بقلم: البروفسور حماد عمر بقادي
نشر في سودانيل يوم 07 - 04 - 2011


بسم الله الرحمن الرحيم
الحقيقة بين الصمت والنسيان
البروفسور حماد عمر بقادي*
قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾
شهد عام 1994 المسرحية الرخيصة التي سميت زوراً وبهتاناً «المؤامرة التخريبية» ولقد قررت منذ ذلك التاريخ أن لا أخوض في الكتابة عنها في وسائل الإعلام، لأنني أعتبرها مهزلة قصد منها الفتنة ويعتبر عبد الرحمن فرح أحد أبطالها ومنفذيها وهو يعرف حق المعرفة أن كل ما قمنا به هو اتصالات ولم تكن هنالك تفجيرات أو اغتيالات.
ظل عبد الرحمن فرح يكتب في الصحف ويصرح لوسائل الإعلام منذ عام 1995، مبرئاً نفسه من هذه المسرحية وبدون خجل يوجه الاتهامات والكذب الضار للآخرين ظناً منه أن الأطراف الأخرى في ما يسمى بالمؤامرة التخريبية، قد جبنوا ولن يتحدثوا.
لقد ظلت الصحف السودانية والأجنبية وكذلك الأهل والأصدقاء وكوادر حزب الأمة في الداخل والخارج تلاحقني خلال السنوات الماضية، وتلح عليّ أن أوضح موقفي من هذه المؤامرة الرخيصة وتداعياتها. كان ردي لهم أنني قررت أن أتأنى في الرد لأسباب أهمها:
1) أن ألزم الصمت في هذه المرحلة لأن الصمت ستر للعيوب والصمت هيبة بلا سلطان وهو يغنيك عن الاعتذار ويفوت الفرصة للذين سعوا للفتنة.
2) سيكون ردي على هذه الفتنة الرخيصة في كتابي الثاني (تحت الطبع) ويحتوي على مواضيع شتى، منها فصل كامل عن ما يسمى بالمؤامرة التخريبية.
3) أجلت الخوض في هذه المسرحية الرخيصة لأسباب أهمها أسرية وسياسية واحتراماً للأنصار وحزب الأمة.
ولكن بعد تأنٍ ودراسة وجدت أنه من الضروري أن أكتب عن هذه المؤامرة، قبل صدور كتابي، لأن عبد الرحمن فرح ما زال، وبعد مضي 17 عاماً، يكتب عن هذه الأكذوبة الكبيرة ويتحرى الكذب في سردها، بادعاء أنه أحد أبطالها.
وأنا أكتب لأول مرة عن هذه المسرحية، مشفقاً على عبد الرحمن فرح الذي تجاوز عمره الثمانين عاماً، وقد عُرف بين الناس بأنه شخصية مستهترة وعُرف بأنه جاهل «والشيء من معدنه لا يستغرب» وأضاف الى شخصيته بجانب الاستهتار الكذب ونرجو له الهداية وقد انطبق عليه المثل:
«ضربني وبكى وسبقني واشتكى»
وبشيء من الايجاز أحسب أنه من الضروري أن يعرف القارئ الكريم بعض مفاتيح شخصية عبد الرحمن فرح وكيف تعرفت عليه؟ وأوردها في النقاط التالية:
عميد (بحري) بالمعاش وبشهادة زملائه كان في مؤخرة دفعته.
لم يكن من رجال الصف الأول في حزب الأمة.
في أواخر حكم نميري عام 1984 كان هنالك لجنة عليا سرية تدير العمل وكنت أنا مقرراً للجنة. وجدنا صعوبة في ايجاد مكان آمن للاجتماعات لجأنا بواسطة أحد أعضاء اللجنة لشركة عبد الرحمن فرح (الظفرة) للاجتماعات ولم نستوعب عبد الرحمن فرح في اللجنة إلا عندما اتصلنا بالسيد الامام الصادق المهدي في السجن ووافق على دخوله.
بعد انتفاضة أبريل 1985 كان هنالك عمل مشترك بيني وبينه في أنشطة مختلفة للحزب ولقد ساهمت أنا شخصياً في تمهيد الطريق له ليكون مستشاراً للأمن فيما بعد (وهو يعلم التفاصيل).
أخلص إلى أنه لم تكن لنا علاقات ثابتة إلا في بعض الأحيان، حيث كنت أنا سكرتيراً للجنة الوزارية للسلام وهو مستشار لجهاز الأمن والعمل يتطلب أن نلتقي من وقت لآخر لمناقشة تفاصيل مسار قضية السلام.
عند قيام حكومة الانقاذ تفرقت بنا السبل ولم تكن هنالك اتصالات بيننا لفترة طويلة. أضف الى ذلك بأن عبد الرحمن فرح أصبح مشبوهاً وسط كوادر حزب الأمة، حيث كانت كل الشائعات تدل على أنه كان متعاوناً مع الانقاذ وهو الذي دل رجال الأمن على مكان الإمام الصادق المهدي وتم اعتقاله.
انقطعت علاقاتنا بعبد الرحمن فرح لسنوات طوال، ولكن جدّت ظروف بعدغيبة طويلة أن نلتقي لسببين:
1) كُلفنا كلجنة من حزب الأمة لمحاولة رأب الصدع في خلافات كوادر حزب الأمة بالسعودية.
2) اقترح عبد الرحمن فرح أن نقوم بعمل تجاري ثلاثي مشترك، وذلك بتأجير مكتب في العمارة نفسها جنوب الفيحاء.
للأسباب المذكورة أعلاه ظللت أتردد على مكتبه مرة أو مرتين في الاسبوع وهذا ما لفت انتباه جهاز الأمن وبعدها قرروا وضع خطة محكمة وهزيلة لمعرفة أسباب تلك الزيارات.
المسرحية (المؤامرة التخريبية)
اتصل بي عبد الرحمن فرح يوم 4/5/1994 الساعة الرابعة عصراً وبشهادة أسرتي، وطلب مني الحضور فوراً لمكتبه لأقابل شخصية مهمة، واستطرد ان الرجل عنده معلومات مهمة جداً للأخوة المصريين (كانت العلاقات متوترة بين الانقاذ والمصريين).
اعتذرت لعبد الرحمن فرح لأنني كنت مرتبطاً بموعد آخر ووعدت أن أزوره في اليوم الثاني.
حضرت لمكتب عبد الرحمن فرح في اليوم التالي وبعد ساعات العمل ووجدت معه شخصاً قدمني له وجلست بجانبه.
تفحصت في وجه ذلك الرجل إذ كان يلبس بنطلون أسود وقميص أسود ونظارة سوداء وشعره أسود ولم يبق إلا أسنانه البيضاء عندما يتحدث، وقد أطلقت عليه يومها اسم (أبو أندلك) وهو الطائر الأسود الذي يتشاءم منه العرب. قال عبد الرحمن فرح عندما قدم لي سيف سعيد انه يعرفه منذ فترة طويلة، وكان يعمل معه في لجنة المعلومات في حزب الأمة وهو جندي سابق.
واستطرد عبد الرحمن فرح في الحديث، موضحاً ان سيف سعيد سبق أن زاره في منزله ومعه خاله بعد أن غاب عنه سنوات طويلة، وكان سبب الزيارة هو أن عرض على عبد الرحمن فرح مادة الزئبق (يعتقد بعض السذج أمثال عبد الرحمن فرح أن مادة الزئبق تستعمل بواسطة المشعوذين للحصول على آلاف العملات الأجنبية) في تلك الزيارة، والرواية لعبد الرحمن فرح، اشترى عبد الرحمن كمية من الزئبق بمبلغ 100 ألف جنيه وكتب شيكاً بالمبلغ. احتفظ سيف وخاله بهذا الشيك كبينة ضده لاحقاً.
كان الهدف من استدعائي ومقابلة سيف سعيد هو ان أحاول أن أساعدهم في مهمة خطيرة وشاقة فحواهاً أن سيف سعيد وخاله الذي يعمل في المنطقة الصناعية الجديدة بالخرطوم، لاحظا ان هنالك مجموعة من الأجانب المتطرفين والملتحين يسكنون وسط المنطقة الصناعية في شقة فاخرة ومكيفة وملفتة للنظر. ولقد ظنا ان هؤلاء ربما جزء من المتطرفين الذي يتدربون في السودان ويذهبون الى مصر ويسببون مشاكل أمنية للحكومة المصرية. تجدر الاشارة إلى ان السودان كان آنذاك معقلاً للتنظيمات الاسلامية المتطرفة وكانت العلاقات متوترة بين حكومة الانقاذ ومصر.
سألني عبد الرحمن فرح في ذلك اللقاء إن كنت أعرف أي مسؤول في السفارة المصرية وأجبته بالنفي. بعدها تفرقنا، ولم نخض في الموضوع واتفقنا على أن يحاول كل منا معرفة مسؤول في السفارة المصرية.
بعد اسبوع من ذلك اللقاء، كنت في زيارة عادية لمنزل الامام الصادق المهدي في أم درمان وبمحض الصدفة كان الامام على موعد مع أحد المسؤولين في السفارة المصرية. استأذنت السيد الامام لأتحدث على انفراد مع ذلك المسؤول، حيث شرحت له المعلومات ومصدرها، وكتبت له رقم هاتف عبد الرحمن فرح ليواصل تحرياته معه.
وأبدى المسؤول المصري اهتماماً كبيراً بالموضوع، وطلب منا مساعدته لمعرفة موقع سكن هؤلاء المتطرفين. وأضاف أنه سيرسل أحد مساعديه في القنصلية لمقابلة عبد الرحمن فرح وسيف سعيد بعد يومين في رمان ومكان حددهما.
وأخطرت عبد الرحمن فرح بما اقترحه المسؤول المصري عند لقائي به وأكدت لعبد الرحمن فرح انني أخطرت الامام الصادق للعلم فقط، لأنني خلال عملي السياسي الذي دام 40 عاماً لا أتخذ قراراً في موضوع سري وحساس إلا بعد استشارة الامام.
عندما حان موعد اللقاء مع المندوب المصري ولأن العمل استخباري تخيلت أن يقوم عبد الرحمن فرح بهذه المهمة، ولكن لدهشتي وفي آخر لحظة اعتذر عبد الرحمن فرح من المشاركة لأسباب واهية ومضحكة أهمها أن شكله معروف لناس الأمن (الصلعة)، وثانياً ان علاقة آل فرح سيئة مع المصريين لأن جريدة السياسية التي يمتلكها خالد فرح كانت قد نشرت إبان الديمقراطية الثالثة مقالات تسيء الى مصر.
إزاء هذا الموقف المحرج قررت أن أرافق سيف سعيد لمقابلة المندوب المصري. حضر سيف سعيد وهو يقود عربة مرسيدس (غالباً من جهاز الأمن) وذهبنا ثلاثتنا الى موقع الشقة الفاخرة وكان واضحاً ان ساكني الشقة أجانب ومتطرفون.
عدنا لمكتب عبد الرحمن فرح لمناقشة الموضوع، وكان لدي هاجس قوي بأن سيف سعيد وحسب تصرفاته غالباً ما يكون معاوناً لجهاز الأمن، ولكن عبد الرحمن فرح وبذكائه الخارق ظل ينفي هذه التهمة. جدير بالذكر أن كل أفراد أسرتي حذروني عدة مرات من سيف سعيد وضرورة الابتعاد عنه.
وتم لقاء ثانٍ بعد أربعة أيام مع المندوب المصري في مكان وزمان مختلفين وحضر سيف سعيد هذه المرة بعربة كريسيدا (غالباً من جهاز الأمن)، وبعد خمسة دقائق من تحركنا توقف سيف سعيد وقال انه يحتاج مبلغ لشراء بنزين للعربة. عندها أخرج المندوب المصري 50 ألف جنيه سوداني (المزعومة) وسلمني لها لأسلمها لسيف سعيد لاحقاً لأنه يتجنب التعامل مع سيف سعيد مباشرة (جدير بالذكر ان هذه الحادثة كانت أول خطوة لاتهامنا باستلام مال من جهة أجنبية).
وتأخر اللقاء الثالث مدة عشرة أيام اختفى فيها سيف سعيد تماماً ربما للمزيد من الخطط والأكاذيب. عند ظهور سيف سعيد قال معتذراً انه كان في رحلة لمصر لإكمال ضفقة تجارية كبيرة اشترى منها السيارة الجديدة التي كان يركبها. ومن أغرب الظواهر ان سيف سعيد جاء الى هذا اللقاء وهو يلبس بدلة جديدة وفاخرة في صيف شهر مايو. ولو كان عبد الرحمن فرح له قدر من الذكاء الاستخباري لعرف ان البدلة التي كان يلبسها سيف سعيد تخفي مسجلاً لتوثيق ما يدور في المكتب والعربة. في هذه المرحلة كان واضحاً ان الموضوع قد وجد اهتماماً كبيراً من جهاز الأمن، لذلك صدرت التعليمات ورسمت الخطط لايقاعنا في المصيدة. كل هذا يحدث وعبد الرحمن فرح يصر على ان سيف سعيد مضمون 100٪.
وكان اللقاء الثالث طويلاً تخللته زيارات لمواقع مختلفة في العاصمة وكان النقاش يتم في مواضيع لا تمت الى مهمتنا بصلة. وقال سيف سعيد في العربة انه يعرف بن لادن ومكان سكنه في الخرطوم، وقال انه يعرف أبو نضال وانه تعاون معه في الكثير من المؤامرات.
هذه التصريحات والمواضيع المتناقضة التي يطرقها سيف سعيد زادت من شكوكي وشعرت بالخطر لذلك قمت بإخطار المندوب المصري ان مهمتي انتهت، وعليه أن يواصل بنفسه بعد أن عرف مكان الشقة والشخص الذي أوصل المعلومة.
وفي اليوم التالي التقيت بسيف سعيد في مكتب عبد الرحمن فرح وتحدثت معه بلغة حادة جداً وحذرته أن يتوقف من هذا التحرك وأن لا يتصل بي أو بعبد الرحمن فرح بعد اليوم.
ورغم تحذيري لسيف سعيد تجاهل كلامي وحضر الى منزلي في شميات في اليوم التالي عصراً وكانت معه في العربة آنسة أدعى انها قريبته وتدرس بجامعة القاهرة. واعتذر عن حضوره لمنزلي دون موعد سابق وعرض عليّ قطعة سلاح جديدة (كلاشنكوف) هدية منه لأحمي بها نفسي، واستطرد قائلاً ان عبد الرحمن فرح استلم نفس نوعية السلاح. رفضت السلاح وعرفته ان لدي بندقية ومسدس بتراخيص رسمية ولا حاجة لي بهديته.
وانصرف سيف سعيد وكان حزيناً لأنه فشل في ايقاعي في المصيدة (علمت لاحقاً انني لو استلمت ذلك السلاح كانت ستكمل المصيدة باستلام مال (50 ألف جنيه) وحيازة سلاح غير قانوني).
الاعتقال وتداعياته
في يوم السبت 20/5/1994 وهو يصادف وقفة عيد الأضحى المبارك، حضر الى منزلي في الساعة السادسة صباحاً اثنين من رجال الأمن وطلبوا مني مرافقتهم الى جهاز الأمن بالخرطوم وأخطرت ان السبب هو الترتيبات الجارية لصلاة عيد الأضحى للانصار وان هنالك معلومات تدل على قيام مظاهرات ضد النظام بعد الصلاة.
بدأت في ترتيب حاجياتي من دواء وملابس ومتطلبات الأسرة، ولكن أخطرت بأنني سأعود بعد ساعة وطلبوا مني الحضور بعربتي. تلك الرحلة التي حدد لها ساعة استمرت 60 يوماً كاملاً تخللتها أكاذيب واشاعات ومؤامرات قبل أن يتم اطلاق سراحي.
وتم اعتقال عبد الرحمن فرح في نفس اليوم بتهمة انهم صادروا دولارات مزيفة في السوق وتوصلوا ان تلك الدولارات تخص عبد الرحمن فرح.
وحرص جهاز الأمن على استجواب كل منا على حدة وأن لا نتصل ببعض أثناء التحقيق.
كان بداية التحقيق معي مع لواء أمن وكان يحمل مجموعة من الشرائط المسجلة (قام بتسجيلها سيف سعيد، ولكن كلها كانت غير واضحة).
كان الاستجواب طويلاً ومكرراً ومرهقاً تخللته استفزازات والوقوف في شمس شهر مايو لمدة ساعة كاملة وكان المقصود ارهاقي عمداً لأنهم يعلمون انني مصاب بالسكري. وحدث أن أصبت بنوبة نقص السكر.
استمر التحقيق حتى منتصف الليل وتم تحويلنا بعد ذلك لبيت الأشباح ووضعت أنا في زنزانة 13 وعبد الرحمن فرح في زنزانة 11. وللتمويه جاءوا بالمدعو سيف سعيد ووضعوه في زنزانة 17 وأطلقوا سراحة في اليوم التالي. توقف التحقيق لمدة ثلاثة أيام بمناسبة عيد الأضحى المبارك.
بدأ عبد الرحمن فرح خلال تلك الفترة يشكو من القلب ويدعي ان له موعداً مع الطبيب في لندن آملاً أن يتم الافراج عنه. أضف الى ذلك تحدث عبد الرحمن فرح الى اثنين من قيادات الحزب المعتقلين آنذاك وعرفهم بأنه بريء من هذه التهمة وان بقادي هو المسؤل عن كل شيء (هذه بداية كذبه).
بعد عطلة عيد الأضحى المبارك استؤنف التحقيق معنا، وكان واضحاً أنهم حاولوا استنطاقي بأي معلومة لتبرر الاعتقال والادانة وكانت الأسئلة من عدة أشخاص، وكانت ساذجة ومتلاحقة ومملة.
أما عبد الرحمن فرح فكانت اجاباته كلها تبرئة لنفسه وانه لا يعلم أي شيء عن هذه المشكلة وان بقادي والامام الصادق المهدي هما المسؤولان عن كل شيء ونفى انه اتصل بي في المنزل عند بداية المسرحية.
وحرص رجال الأمن من تصوير كل مراحل التحقيق وأخرجوها في فيلم مفبرك عرضوه عندما بدأوا مهاجمتنا في التلفزيون لاحقاً. أما المدعو سيف سعيد فلقد لفق معلومات كثيرة منها اننا نجتمع مع السيد الصادق المهدي ونخطط. وقال انه حضر معنا اجتماعاً فيه مندوب السفارة الأمريكية وأكاذيب أخرى كثيرة.
وفي اليوم العاشر من الاعتقال حددوا لي موعداً لمقابلة الطبيب لفحص السكري، وقد قام بالكشف عليّ الأخ المرحوم البروفسور الضو مختار وكتب تقريراً قوياً وضح فيه انني محتاج الى علاج سريع وغذاء خاص.
فوجئنا في اليوم الثالث عشر من الاعتقال بقرار مفاجئ بنقلنا سوياً الى المستشفى العسكري بأم درمان ويعزى ذلك لسببين:
1) الخوف من تطور مرض القلب لعبد الرحمن فرح والسكري بالنسبة لي.
2) وضعنا في غرفة واحدة ظناً منهم اننا ربما نتبادل الاتهامات والاعترافات لتساعد رجال الأمن للوصول الى الحقيقة، ووضعوا في حراستنا في الغرفة أحد رجال الأمن.
وتغير الحال بالنسبة لنا في المستشفى العسكري وبدأنا فحوصات طبية وسمح للأسر بزيارتنا يومياً، الشيء الذي خفف علينا مرارة الاعتقال.
وظل عبد الرحمن فرح قلقاً ليلاً ونهاراً وكان يتحرك ويرسل رسائل مع أخوانه وزوجته لمسؤولين كبار في الانقاذ ويبرئ نفسه من التهمة واستعمل لذلك عدة أساليب منها:
1) الايحاء لرجال الأمن المرافقين لنا بأنه بريء من هذا الاتهام وكل الأمر دبره وخطط له بقادي. بل قام عبد الرحمن فرح بتقديم مبالغ مادية لاثنين من رجال الأمن لمساعدته في ترويج خطته (المبالغ التي دفعت وباعتراف عبد الرحمن فرح هي 13 ألف و9 آلاف جنيه سوداني).
2) الاستعانة بأحد أقربائه (لواء طبيب) ليقنع المسؤولين انه في حالة صحية خطيرة ولا بد من السفر للخارج.
وكان يحيك تلك المؤامرات دون علمي وأنا أشاركه الغرفة ولم يراع حق الزمالة والرجولة وأخلاق الأنصار. أذكر ان عبد الرحمن فرح أيقظني في منتصف الليل وكان يبكي كالطفل وقال «نحن وقعنا وأنت نايم ليه». نظرت اليه باشفاق وقلت له باختصار وحزم بأنني لا أبالي وان أقصى عقوبة يتوقعها من الانقاذ في هذه المسرحية المخجلة هي الاعدام وأنا مستعد لذلك إذا أثبتوا تهمة ضدنا. هذه الحادثة ذكرتني من جديد بذلك التناقض الذي لم ينقطع قط من شخصية عبد الرحمن فرح الحقيقية وبين ما قيل ويقال عنه.
تطورت الأحداث بسرعة وتم اعتقال الامام الصادق المهدي وكانت قد وصلته أخبار مضللة وأكاذيب ساهم عبد الرحمن فرح بتوصيلها بواسطة عدة أشخاص منهم اخوانه. وقد أشيع اننا كشفنا أسرار الحزب واننا خططنا لتفجيرات واغتيالات وأشياء أخرى مضحكة كان الغرض منها الفتنة.
وتم اطلاق سراح الامام الصادق المهدي بعد ان دخل في حوار مع رجال الأمن لحل المشكلة وحرص أن يزورنا في المستشفى مع رجال الأمن قبل أن يذهب لمنزله.. ويذكر عبد الرحمن فرح انني قلت في ذلك اللقاء وبطريقة قاطعة أمام رجال الأمن بأن الامام الصادق لم يشارك معنا قط في كل هذه التحركات، ولكنني أخطرته فقط عند بداية الاتصالات فكيف يذكر عبد الرحمن فرح وسيف سعيد بأن الامام الصادق المهدي يجتمع معنا باستمرار ومع مندوب السفارة الأمريكية.
خروج الامام الصادق المهدي من المعتقل وتداعيات ذلك الحدث وما تبعه من أحداث تحتاج الى وقفة طويلة.
اجتماع المكتب السري لحزب الأمة (أنا عضو فيه وما زلت معتقلاً) وخطبة الجمعة في مسجد ودنوباوي (والتي وضعتني في مرتبة واحدة مع عبد الرحمن فرح). تباين آراء الأهل من الجانبين إذ كان واضحاً ان الأغلبية تقف مع الحق والبقية قررت دون ذلك.
التحية لهيئة شؤون الأنصار وبعض زملائي من كبار قادة حزب الأمة وكل السياسيين من الأحزاب الأخرى والأكاديميين وكل الأصدقاء والأجانب لمواقفهم المشرفة.
تحية إجلال خاصة للأستاذ الكبير المرحوم سر الختم الخليفة (عديلي) ولمواقفه النبيلة مع أسرتي أثناء الاعتقال وبعده، وقد كان لنصائحه الغالية أثر كبير في التعامل مع تلك الفتنة.
كل هذه الأحداث لا أريد الخوض فيها بالتفصيل الآن وتحتاج الى مساحة أكبر سأوضحها بالتفصيل في كتابي الثاني (تحت الإعداد) الذي سيرى النور قريباً ان شاء الله.
الفترة الأخيرة التي جمعتني مع عبد الرحمن فرح بعد اطلاق سراح الامام الصادق المهدي هي من 20/6 2/7/1994 وكان خلال تلك الفترة فرحاً ومنتشياً بعد أن علم من كل مصادره السرية التي يرسلها للمسؤولين انه ليس المستهدف الأول، ولكن بقادي هو المستهدف لأنه يحمل معلومات سرية كثيرة.
ووصلت به الجرأة أن أخبرني في يوم 2/7/1994 أن أكون مستعداً لأن رجال الأمن لديهم النية لاعتقالي في بيت الأشباح مرة أخرى (كيف عرف؟ الله أعلم).
وفعلاً تحولت من المستشفى الى الزنزانة 16 في بيت الاشباح وقضيت 17 يوماً قبل اطلاق سراحي وظل عبد الرحمن فرح يستمتع بالراحة في المستشفى العسكري. وطُلب مني ان أصدر بياناً، ولكن عبد الرحمن اعتبر شاهد ملك ولم يطلب منه ذلك.
كلمة أخيرة
1) ما هي دوافع عبد الرحمن فرح ليثير تفاصيل هذه الأكذوبة بعد 17 عاماً؟ هذا يعكس شخصيته المستهترة وهو في هذا العمر. قصد منها فتنة في هذا الوقت. هل خططها له أصحابه من رجال الأمن السابقين والذين بدأوا من دون خجل، يدافعون عنه في الصحف؟ أم هي مؤامرة أخرى قصد منها الفتنة؟
2) المقابلة التي أجريت معه في جريدة «السوداني» لا تستحق كل هذه الفرقعة الاعلامية ولا الدفاع الطويل من أجهزة الحزب في وسائل الاعلام، وكان الأفضل تجاهله تماماً لأنه كذاب. ولا بد هنا أن أضع اللائمة على حزب الأمة الذي قام بتعيين شخص مثل عبد الرحمن فرح في هذا الموقع الحساس واضعاً الشخص غير المناسب في المكان المناسب، وأرجو أن تكون هذه عظة للمستقبل.
3) أتحدى عبد الرحمن فرح أن يثبت أننا وخلال تحركاتنا من 4/5 20/5/1994 أن ناقشنا أو خططنا لتفجيرات أو اغتيالات لأي شخص. المسرحية كانت مفبركة، ساهم فيها سيف سعيد. أذكر اننا كنا في العربة سوياً وعندما جاء بالقرب من عمارة الفيحاء بالخرطوم قال ومن دون مناسبة: «كل المؤامرات والخطط للحكومة تتم في هذه العمارة»، واستطرد قائلاً: «ايه رأيكم هل نقوم بتفجيرها؟». أخذت هذه الجزئية من الكلام المسجل وغير الواضح وسموها بالمؤامرة التخريبية.
4) قال في المقابلة انه قابلني في اليوم الأول في التحقيق وأنا أحمل (العمامة) نعم لأنني وقفت في الشمس في شهر مايو لمدة ساعة كاملة وأصر رجل الأمن أن أخلع العمامة إمعاناً في تعذيبي، وأصبت وقتها بنوبة نقص السكر، وكان بادياً عليّ الإعياء وعندما تقابلنا صدفة داخل مكتب التحقيق لم أقل له ولا كلمة لأن رجال الأمن حرصوا على ألا نتحدث مع بعض هذه من اضافاته الكاذبة.
5) ذكر في حديثه الركيك لجريدة «السوداني» ان سيف سعيد عميل مزدوج فكيف يا مستشار الأمن أن لا تعرف شخصية الرجل وأنت الذي قدمته لي، ورغم شكوكي الكثيرة كنت دائماً تؤكد ان سيف مضمون 100٪.
6) أما تحذيراته من المصريين، أظنه نسي أو تناسى عندما اتصل بي لأول مرة في 4/5/1994 في بداية المشكلة. يومها سألته ما هو الهدف من هذه الاتصالات فقال انه بايصال هذه المعلومات يأمل في تحسين العلاقة بين آل فرح والمصريين بعد أن توترت إبان الديمقراطية الثالثة.
7) أرجو أن أذكر عبد الرحمن فرح بأن صديقه في الكذب والتآمر سيف سعيد لقى جزاءه بعد سنتين من هذه المؤامرة لأنه أدلى بشهادة زور أمام المحكمة وقتل بعدها مباشرة في ساحة المحكمة.
8) أرجو أن أذكّر عبد الرحمن فرح بأنني ود قبائل، ورغم ما حدث في هذه المؤامرة الحقيرة فلن أغير مبدأي، كما فعل هو، وسأظل أنصارياً وحزب أمة رافعاً شعار: (اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية).
وشأن صدقك عند الناس كذبهم هل يطابق معوج بمعتدل
* أكاديمي وسياسي مقيم في بريطانيا


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.