مرة اخري لأبناء البطانة بالمليشيا: أرفعوا ايديكم    موسى محمد أحمد يؤكد موقفهم الداعم للقوات المسلحة واحتفالات في الفاشر    تأخير مباراة صقور الجديان وجنوب السودان    شاهد.. الفنانة عشة الجبل تطلق أغنية جديدة تدعم فيها الجيش وتسخر من قوات الدعم السريع: (قالوا لي الجيش دخلا الدعامة حطب القيامة جاهم بلاء)    الكابتن الهادي آدم في تصريحات مثيرة...هذه أبرز الصعوبات التي ستواجه الأحمر في تمهيدي الأبطال    شاهد بالفيديو.. وسط دموع الحاضرين.. رجل سوداني يحكي تفاصيل وفاة زوجته داخل "أسانسير" بالقاهرة (متزوجها 24 سنة وما رأيت منها إلا كل خير وكنت أغلط عليها وتعتذر لي)    شاهد بالصورة.. حسناء الفن السوداني "مونيكا" تشعل مواقع التواصل الاجتماعي بأزياء قصيرة ومثيرة من إحدى شوارع القاهرة والجمهور يطلق عليها لقب (كيم كارداشيان) السودان    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    أصحاب هواتف آيفون يواجهون مشاكل مع حساب آبل    من سلة غذاء إلى أرض محروقة.. خطر المجاعة يهدد السودانيين    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    تفشي حمى الضنك بالخرطوم بحري    بالصور.. معتز برشم يتوج بلقب تحدي الجاذبية للوثب العالي    المخدرات.. من الفراعنة حتى محمد صلاح!    لولوة الخاطر.. قطرية تكشف زيف شعارات الغرب حول حقوق المرأة    روضة الحاج: فأنا أحبكَ سيَّدي مذ لم أكُنْ حُبَّاً تخلَّلَ فيَّ كلَّ خليةٍ مذ كنتُ حتى ساعتي يتخلَّلُ!    مدير شرطة ولاية القضارف يجتمع بالضباط الوافدين من الولايات المتاثرة بالحرب    محمد سامي ومي عمر وأمير كرارة وميرفت أمين في عزاء والدة كريم عبد العزيز    توجيه عاجل من"البرهان" لسلطة الطيران المدني    مسؤول بالغرفة التجارية يطالب رجال الأعمال بالتوقف عن طلب الدولار    لماذا لم يتدخل الVAR لحسم الهدف الجدلي لبايرن ميونخ؟    مصر تكشف أعداد مصابي غزة الذين استقبلتهم منذ 7 أكتوبر    أسترازينيكا تبدأ سحب لقاح كوفيد-19 عالمياً    مقتل رجل أعمال إسرائيلي في مصر.. معلومات جديدة وتعليق كندي    النفط يتراجع مع ارتفاع المخزونات الأميركية وتوقعات العرض الحذرة    توخيل: غدروا بالبايرن.. والحكم الكارثي اعتذر    النموذج الصيني    غير صالح للاستهلاك الآدمي : زيوت طعام معاد استخدامها في مصر.. والداخلية توضح    مكي المغربي: أفهم يا إبن الجزيرة العاق!    الطالباب.. رباك سلام...القرية دفعت ثمن حادثة لم تكن طرفاً فيها..!    موريانيا خطوة مهمة في الطريق إلى المونديال،،    ثنائية البديل خوسيلو تحرق بايرن ميونيخ وتعبر بريال مدريد لنهائي الأبطال    القبض على الخادمة السودانية التي تعدت على الصغيرة أثناء صراخها بالتجمع    الصحة العالمية: نصف مستشفيات السودان خارج الخدمة    الجنيه يخسر 18% في أسبوع ويخنق حياة السودانيين المأزومة    إسرائيل: عملياتنا في رفح لا تخالف معاهدة السلام مع مصر    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    الولايات المتحدة تختبر الذكاء الاصطناعي في مقابلات اللاجئين    كل ما تريد معرفته عن أول اتفاقية سلام بين العرب وإسرائيل.. كامب ديفيد    زيادة كبيرة في أسعار الغاز بالخرطوم    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    وزير الداخلية المكلف يقف ميدانياً على إنجازات دائرة مكافحة التهريب بعطبرة بضبطها أسلحة وأدوية ومواد غذائية متنوعة ومخلفات تعدين    (لا تُلوّح للمسافر .. المسافر راح)    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    دراسة تكشف ما كان يأكله المغاربة قبل 15 ألف عام    نانسي فكرت في المكسب المادي وإختارت تحقق أرباحها ولا يهمها الشعب السوداني    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لماذا أقحم عبد الرحمن فرح المهدي في مؤامرته لاغتيال قرنق ؟
نشر في حريات يوم 01 - 04 - 2011

أوضح الامام الصادق المهدي بان عبدالرحمن فرح عضو بمنبر الطيب مصطفى المسمى بالسلام العادل.
ويفسر ذلك ادعاء عبد الرحمن فرح بان أخطر المهدي بخطته لاغتيال الشهيد الراحل الدكتور جون قرنق ابان الديمقراطية ورئاسته لجهاز الامن .
وذكر المهدي ( …. من بين الذين ضموهم لصفهم السيد عبد الرحمن فرح الذي كان من أخطاء الديمقراطية ضمه للحكومة لأنه أظهر في كل مجالسه بغضه للجنوبيين ولا يذكرهم إلا بعبارة الدونية التي يستخدمها جهلاء الشماليين. وفي هذه الأيام مكنت له بعض أجهزة الإعلام أن يتحدث عن أشياء في العهد الديمقراطي هدفها أن يثبت للجنوبيين أن كل الشماليين يبغضونهم، وقال فيما قال إنهم في جهاز الأمن في العهد الديمقراطي كانوا يخططون لاغتيال د. جون قرنق بعلم رئيس الوزراء. إذا صح هذا فما الغرابة؟ فقد كان قرنق في ذلك الوقت معاديا للحكومة السودانية واستهدف أهدافا مدنية مثل إسقاط طائرة الخطوط الجوية السودانية فوق ملكال. فما الغرابة أن تقرر الحكومة بعد هذا كله اغتياله؟ ولكن الحقيقة أن هذه المعلومة كاذبة. وكان عبد الرحمن فرح يشكو لطوب الأرض أنه قد وضع خطة لاغتيال قرنق وبعض رفاقه، ولكن صادق رفض! وأنا أناشد كل من قال لهم هذا الكلام الآن أن يشهدوا علنا ما سمعوه منه. نعم أنا قلت في غرفة العمليات العسكرية أن قواتنا يجب ألا تقاتل بأسلوب دفاعي كما تفعل ولكن يجب أن تتخذ أسلوبا هجوميا بمهاجمة معسكرات الجيش الشعبي، وهذا حديث موثق. ولكنني كنت دائما ضد الاغتيالات الفردية وهذا أيضا موثق. ولكن لماذا يحرص جماعة السلام العادل وبعض عناصر في المؤتمر الوطني على نشر أكاذيب عبد الرحمن فرح الآن؟ السبب هو ضخ مزيد من أسباب الكراهية بين الشمال والجنوب. هؤلاء العنصريون يريدون أن يزيدوا من تسميم العلاقة بين الشماليين والجنوبيين دعما لخط الانتباهة العنصري…) .
وسبق وردت الاستاذة رباح المهدي – عضوة المكتب السياسي لحزب الامة ، والكاتبة الصحفية – على ادعاءات عبد الرحمن فرح ، في نفس الاتجاه وذاكرة ( … السيد فرح اعترف على نفسه بالتخطيط لتلك الجريمة البشعة والاعتراف سيد الأدلة، وهي مسألة جنائية يجب إيقاع عقوبتها عليه بالشروع في القتل. أما بالنسبة للسيد الصادق ومدى معرفته بالأمر فإن براءته من أحاديث فرح كامنة في أمرين:
الأول: هو أن جملته حول مشاركة الصادق- كأي كذوب- كانت مرتبكة، وعقدة الكذب هي قوله: (ولكنه رجل يريد الديمقراطية بطريقة مثالية). وهذا يعني واحد من ثلاثة: إما أن فرح قام فعلا بالتخطيط للاغتيال وأخفى الأمر عن الصادق لأنه رجل مثالي، ولدى المتآمرين مثالي تساوي: غافل، غير عملي ولا ناجع، وهي تهمة تكررت بألسنة بعض زملاء الصادق (البراجماتيين، اقرأ: ميكافيليين) داخل حزبه فسار بها العميد فرح، وقلة أخرى كلنا نعلمهم والله أولى بفضحهم! أما الاحتمال الثاني فهو أن الاجتماع قام ولكن حينما عرض الأمر على السيد الصادق رفضه بسبب مثاليته (وهذا الخيار مردود بنفي السيد الصادق أن الأمر عرض عليه) أو الاحتمال الثالث- وهو الذي نميل إليه- هو أن المسألة كلها اختلاق في اختلاق، إذ بينما أوحى فرح بأنه كان المسئول الحصري من العملية، حشد من بين المشاركين الفريق فوزي أحمد قائد القوات المسلحة نفسه، وفاروق الطريفي الضابط المسئول من الاستخبارات العسكرية ليشي بأنه مخطط للدولة الديمقراطية بكامل حذافيرها العسكرية والأمنية (تحت إمرته كمتآمر كبير)، مع ملاحظة أن المذكورين انتقلا لرحمة مولاهما، فلم يترك شاهدا حيا ليقول له كم أنت كاذب!
والأمر الثاني: مناقضة كلامه في الحلقة الثانية إذ قال إن الصادق كان يرفض الاغتيالات، وحينما سألته (السوداني) لماذا رفضها الصادق؟ قال: (كان يعتقد إذا بدأت لن تنتهي!)
السؤال التلقائي: لماذا يقر السيد فرح على نفسه بجريمة لم ترتكب اختلاقا؟ الجواب: فتشوا عن (الطفابيع) بتعبير الدكتور بشرى الفاضل! فأولئك الظلومون كلما ادلهمت بهم الخطوب وغاصوا في الوحل كلما فتشوا عن طين يرمون به الآخرين! وهم يعلمون أن(عبد الرحمن فرح) أحد عورات وثغور الحكم الديمقراطي التي استمرأ (نكتها) في كل الملمات، وهل من ملمة أكثر من بزوغ فجر الثورات الديمقراطية في الإقليم؟ .
وننشرأدناه مقال الاستاذة رباح وخطبة الامام المهدي بتاريخ 8 يوليو 1994م والتي تناولت موقفاً شبيهاً لعبد الرحمن فرح :
السوداني واغتيالات فرح.. وقذارات (الطفابيع)
من المؤسف أن تسير صحيفة (السوداني) فيما سارت عليه، فها هي تفصل الدكتور زهير السراج إرضاء للسلطان قبل أن تجف دموع الصحافة كمهنة مهمتها النقد من فصل صحيفة (الجريدة) للأستاذة أمل هباني بذات السبب.
ثم ها هي تصير أداة للنظام في محاولة ضرب المعارضة الوطنية والتشكيك في قادتها ودق إسفين بينهم. المسرح الجديد للمسرحية (الإنقاذية) القديمة هي منزل العميد (م) عبد الرحمن فرح المسئول الأمني في الديمقراطية الثالثة، حيث جرى لقاء صحفي بينه وبين صحيفة (السوداني) نشر في حلقتين بتاريخ 28 و30 مارس الجاري.
قالت السوداني إنها ذهبت تطيب خاطر فرح لغضبته مما نشرته حول إفشائه لمكان اختباء السيد الصادق المهدي أوائل أيام (الإنقاذ) وقال فرح: (في البداية أنا رجل محترم) ثم قال: (أنا كنت بقوم ليهم ب"الأعمال القذرة" وأقوم بالاتصالات مع الروس والإيرانيين والأمريكان والمصريين)، وقال (أنا في بيتي تمت “مؤامرة" اجتمع في منزلي قائد الحرس الثوري الإيراني والسفير الإيراني وفوزي أحمد القائد العام للقوات المسلحة وفاروق الطريفي مسؤول الأمن وحصل اتفاق علي “تصفية قرنق" ولو كان ناس الإنقاذ أعطوني فرصة شهرين كنت قلبت الحكم كلو).
وقال: (أنا متآمر كبير)!! ولأن (السوداني) لم تقتنع برد فرح حول المسئول من العملية وتأكيده أنه كان وراءها شخصيا سألته عن مدى اشتراك السيد الصادق فأجاب: “كان لديه فكرة عن الأمر وكان يعلم بالتخطيط لكنه رجل يريد الديمقراطية بطريقة مثالية"!! ومع أن رواية فرح تشي بأن المؤامرة من صنع الحكومة كلها بحسب صفات المشاركين في الاجتماع، إلا أن السوداني لم تهتم بمعرفة أيها من حكومات الديمقراطية قامت بتلك المؤامرة وهل كان سلف الإنقاذييين مشاركين فيها أم لا؟ فالمقصود الأول والأخير كان هو السيد الصادق، إذ ماذا تضير القذارة القذِر؟ إنما تضر القذارة النظيف!
هنالك أربعة أسئلة موجهة للسيد عبد الرحمن فرح:
الأول: ألا يبدو لك أي تناقض بين كونك رجلا محترما، وبين قيامك لآخرين بأعمال قذرة، وتخطيطك لاغتيال خصم، وكونك متآمراً كبيراً، نويت الانقلاب على الديمقراطية؟
الثاني: هل يمكن لرجل تقول إنه يريد الديمقراطية بطريقة مثالية أن يعلم بمخطط اغتيال خصم ويصمت؟
الثالث: إذا كنت غضبت من اتهامك بإفشاء مكان السيد الصادق، ألا تدرك أن الأعمال التي اعترفت على نفسك بالقيام بها أسوأ وأضل سبيلا بما لا يقاس؟
الرابع: انتفاضة أبريل المباركة هي من أعظم إنجازات الشعب السوداني، فكيف يعن لك أن تعتبرها بعض أشهر مؤامراتك؟
السيد فرح كاذب، قالها الإمام بفمه وخرج بذلك بيان من نائبه السيد فضل الله برمة، قال إنه لم يعلم البتة بمثل ذلك التخطيط، وطالب بالتحقيق القانوني قائلا: (السيد الصادق المهدي شخصية قومية لها اعتبارها داخل الوطن وخارجه وكذلك الدكتور الراحل جون قرنق وعليه فإن التهمة الموجهة له لن تمر دون مساءلة ومحاسبة وسيتخذ الحزب كل الإجراءات اللازمة من تحقيق وتصعيد قانوني لوضع الأمور في نصابها)، كلنا سواء من جانب حزب الأمة أو من جانب الحركة الشعبية أو من جانب الشعب السوداني، يجب أن نطالب بالتحقيق والمقاضاة.
السيد فرح اعترف على نفسه بالتخطيط لتلك الجريمة البشعة والاعتراف سيد الأدلة، وهي مسألة جنائية يجب إيقاع عقوبتها عليه بالشروع في القتل. أما بالنسبة للسيد الصادق ومدى معرفته بالأمر فإن براءته من أحاديث فرح كامنة في أمرين:
الأول: هو أن جملته حول مشاركة الصادق- كأي كذوب- كانت مرتبكة، وعقدة الكذب هي قوله: (ولكنه رجل يريد الديمقراطية بطريقة مثالية). وهذا يعني واحد من ثلاثة: إما أن فرح قام فعلا بالتخطيط للاغتيال وأخفى الأمر عن الصادق لأنه رجل مثالي، ولدى المتآمرين مثالي تساوي: غافل، غير عملي ولا ناجع، وهي تهمة تكررت بألسنة بعض زملاء الصادق (البراجماتيين، اقرأ: ميكافيليين) داخل حزبه فسار بها العميد فرح، وقلة أخرى كلنا نعلمهم والله أولى بفضحهم! أما الاحتمال الثاني فهو أن الاجتماع قام ولكن حينما عرض الأمر على السيد الصادق رفضه بسبب مثاليته (وهذا الخيار مردود بنفي السيد الصادق أن الأمر عرض عليه) أو الاحتمال الثالث- وهو الذي نميل إليه- هو أن المسألة كلها اختلاق في اختلاق، إذ بينما أوحى فرح بأنه كان المسئول الحصري من العملية، حشد من بين المشاركين الفريق فوزي أحمد قائد القوات المسلحة نفسه، وفاروق الطريفي الضابط المسئول من الاستخبارات العسكرية ليشي بأنه مخطط للدولة الديمقراطية بكامل حذافيرها العسكرية والأمنية (تحت إمرته كمتآمر كبير)، مع ملاحظة أن المذكورين انتقلا لرحمة مولاهما، فلم يترك شاهدا حيا ليقول له كم أنت كاذب!
والأمر الثاني: مناقضة كلامه في الحلقة الثانية إذ قال إن الصادق كان يرفض الاغتيالات، وحينما سألته (السوداني) لماذا رفضها الصادق؟ قال: (كان يعتقد إذا بدأت لن تنتهي!)
السؤال التلقائي: لماذا يقر السيد فرح على نفسه بجريمة لم ترتكب اختلاقا؟ الجواب: فتشوا عن (الطفابيع) بتعبير الدكتور بشرى الفاضل! فأولئك الظلومون كلما ادلهمت بهم الخطوب وغاصوا في الوحل كلما فتشوا عن طين يرمون به الآخرين! وهم يعلمون أن(عبد الرحمن فرح) أحد عورات وثغور الحكم الديمقراطي التي استمرأ (نكتها) في كل الملمات، وهل من ملمة أكثر من بزوغ فجر الثورات الديمقراطية في الإقليم؟
ذلك رجل لم يكن يقوم بمهامه، وقد اعترف أنه كان ينوي أن يقلب نظام الحكم بنفسه، فالديمقراطية إذاً حققت المثل (أمّن الحرامي!) وحينما واجهت “الإنقاذ" الناس بالترغيب والترهيب كان عبد الرحمن فرح أضعف الحلقات، فكانت لهم تمثيلية شبيهة معه في عام 1994م حينما كان الخناقين الداخلي والخارجي يضيقان عليهم، إذ أرسلوا له عميدا في أمنهم، استدرجه للقيام بأعمال مشبوهة، وحوّلها لخطط تخريبية باغتيالات وتفجيرات وورّط معه أحد قيادات الحزب ذوي السيرة النظيفة، وحينما بدت الورطة وواجههم الأمن بالتسجيلات التي كانت بحوزته كان السيد فرح هو صاحب فكرة الاعتراف الكامل وزيادة، وفكرة إدخال اسم السيد الصادق لأن هذا في نظره يصرف التركيز عنهم ويوسع الموضوع عالميا وداخليا بما يتيح لهم فرصة! واتخذ فرح أثناء التحقيق خطا سياسيا خاصا يستعطف به المحققين وذلك بالنيل من حزبه وبالهجوم العنيف جدا على مصر وبالتقرب للجبهة الاسلامية القومية، وما قاله فى جميع هذه المجالات كان مضرا جدا! (المصدر بيان من إعلام الأمة، وخطاب، وخطبة جمعة للسيد الصادق المهدي في 1994م) كل ذلك لمقايضة سلامته بإفادات يتضرر منها حزبه والنظام الديمقراطي! فتهم الاغتيالات التي ترمى على السيد الصادق شيء مجرّب إذاً في سيرة السيد فرح!
ما هو نوع (المقايضة) الجديدة؟ الله أعلم! لكننا نشم البخور بدون أن نراه، ونؤمن بالله بدون أن نلقاه، ونعرف أساليب الطفابيع بدون أن نلمس الدليل! وكما قال المولى عز وجل لرسوله الكريم (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ * وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ) وكاد المريب أن يقول خذوني!
لقد صمت حزب الأمة ورئيسه في المرة الماضية لأن إفادات السيد عبد الرحمن فرح حول حزبه وحول العهد الديمقراطي كانت بالغة السوء، ورضوا بالاعتراف أن السيد عبد الرحمن وصاحبه تورطا في أعمال خاطئة وحسب. وبرأينا أنه آن أوان الوقوف بوجه الابتزاز الفرحي هذا حتى النهاية. لذلك فإن نية حزب الأمة الوصول بهذا الأمر للمحاكم هي أصح خطوة لاستئصال هذا الورم الفرحي الخبيث الذي صبروا عليه كثيرا، وبلا داعي!
لو كان مرد ذلك الصبر تناصر حزبي فقد جب كل تناصر برضاه أن يكون أداة الطغاة ضد الحزب بل وضد الديمقراطية كلها في كل آن وحين، ولو كان الصبر مرده خوف من أن الإعلام بيدهم لا بيدنا فقد استحدثت اليوم ثغرات عبر الميديا الجديدة (الإنترنت) فلن يصمتونا فيها ولو أصمتونا في الصحف والإذاعة والمرئي، والأهم من ذلك أنه آن أوان الشفافية ونحن مقبلون على ثورتنا التي حتما ستطيح بالمؤتمر الوطني وتأتي بالحرية والديمقراطية، ومن حق هذا الشعب أن يعلم ماذا كان يدور في خفاء الديمقراطية الثالثة بيدي أمثال عبد الرحمن فرح، ويتأكد مدى ضلوع أية جهات أخرى في المؤامرات التي أقر قيامه بها، لإدانة المدان وتبرئة المصاب بالبهتان، اللهم إلا لو كانت مؤامرات على غرار تفجير الانتفاضة، فهي (مؤامرة) يتشرف كل وطني بالمشاركة فيها.. كل ذلك لتكون أية ديمقراطية قادمة -بإذن الله قريبا- خالية من أمثال عبد الرحمن فرح، وخالية من مؤامراته والأعمال القذرة التي قال إنه كان يقوم بها لو صح كلامه، ولو لم يصح، فلتبرئة النظام الديمقراطي كله ورموزه أمثال قائد القوات المسلحة وضابط الاستخبارات العسكرية الذين جعلهم مشاركين في اجتماع المؤامرة وكذلك رئيس الوزراء الذي رماه بأنه عالم بالأمر ولكنه مثالي!
إن الدم لا يزيله الصديد كما يقول المثل السوداني (الدم ما بنغسل بالمدة) وجور حكامنا اليوم وزورهم وأكاذيبهم لن تمحوها إلا الأضواء الكاشفة والحقائق الكاملة، فإن لم ينكشف ما قام به عبد الرحمن فرح أو لم يقم به الآن فسينكشف كل شيء غدا أمام الحنان المنان ولكنه يأبى الظلم وهو منتقم جبار.
كان الإمام الصادق المهدي في خطبة الجمعة التي تلت اعتقال فرح وصاحبه بتاريخ 8 يوليو 1994 نفى علم كيانه أو اشتراكه في أي تدبير لتخريب أو اغتيال وقال “الاغتيالات لا تجدي شيئا، لذلك أكدت للسلطات المحققة أن أي اتهام باغتيالات وتفجيرات لن تنطبق على كياننا، وإن نحن عدلنا عن نهج الجهاد المدني فلن تكون الوسيلة البديلة هي الاغتيالات والتفجيرات لأن هذه هي حيلة القوى المتطرفة الصغيرة الحجم التي تريد أن تلفت الأنظار لوجودها ولنشاطها، وهي حيلة منافية للإسلام وللمزاج السوداني وعاجزة.. بل من شأنها أن تأتي دائما بنتائج عكسية. قلت لهم، إذا أجبرنا على خيار آخر فسوف يكون خيار مواجهة صريحة حاسمة أرجو أن يجنب الله بلادنا اللجوء اليها". وهذه الجملة تصدق أكبر بالطبع لكيان كان حاكما.
وقال السيد برمة في بيانه: نهج الاغتيالات عمل مرفوض لدى السودانيين وكل الذين فكروا فيه من قبل وجدوا من تصدى لهم من داخل أجهزتهم وحالوا دونهم ودون تنفيذه والسيد الصادق المهدي كان من المستهدفين بالاغتيال والتصفية الجسدية وقد حدث ذلك في عهد نميري وعهد “الإنقاذ" وعهد شركاء اتفاقية السلام الشامل، وبرمة يصدر في كلامه عن أحداث ومعلومات وصلت إليه كمسئول أمني داخل حزب الأمة! ولذلك تجدنا متعجبين من بعض التصريحات المنسوبة لبعض قادة الحركة الشعبية في صحيفة الوفاق بتاريخ 29 مارس حول مطالبتهم بالتحقيق في ضلوع السيد الصادق في اغتيال المرحوم الدكتور جون قرنق في 2005!! إما أن هؤلاء ابتلعوا (الطعم) أو أنهم إنما ينفسّون أضغانهم بلحن القول! وليبحثوا عمن قتل دكتور جون بعيدا عنا! وعلى العموم، نحن نشد من أزرهم في أي تحقيق أو مقاضاة كما قلنا، ونسعى للتحقيق والمقاضاة بظلفنا.. ولا يصح في النهاية إلا الصحيح.
سؤال أخير لحزب الأمة: أما آن لموائد ذلك الحوار أن ترفع؟
وليبق ما بيننا .
خطبة الامام الصادق 8 يوليو 1994 م :
بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة الجمعة التي ألقاها السيد الصادق المهدي
بمسجد الهجرة بودنوباوي في 8/7/1994م
الخطبة الأولى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد-
أحبابي في الله واخواني في الوطن الحبيب
(قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ)[0].
أحبابي..
لقد أقحم اسمي في القضية التي اتهم فيها السيدان حماد بقادي وعبدالرحمن فرح وعندما سئلت قلت للجنة التحقيق المعنية عدم علمي بموضوع الاتهام، واستعدادي لمواجهة الشخص أو الأشخاص الذين ذكروا اسمي لتأكيد هذا الموقف.
إن وضوح موقفي هذا من الاتهامات، واستعدادي لمواجهة من ذكر اسمي، بالإضافة للقرائن الآتية:
أولا: إذا كانت لي صلة باتهامات كهذه لا يعقل أن أبقى في البلاد شهرا كاملا منذ اعتقال السيدين المذكورين في 20 مايو حتى يوم اعتقالي في 20 يونيو دون أن أحاول حماية نفسي مما سوف يلحق بي.
ثانيا: اذا كانت جماعتنا قد اتجهت إلى هذا النوع من العمل فلا يعقل أن تسنده إلى شخصين معروفين وصحتهما معتلة مع وجود عناصر شابة مؤهلة.
ثالثا: لقد تكررت المواقف الاستفزازية ضدنا وضد كياننا لا سيما الاستيلاء الجائر على مجمع بيت الإمام المهدي، وغيرها من الاستفزازات.. ولكننا ظللنا نوجه بضبط الأعصاب ونحدد أسلوبا واضحا واحدا للتعامل مع النظام هو أسلوب الجهاد المدني.
موقفي المحدد المستنكر لتوجيه الاتهامات لي، واستعدادي لمواجهة من ذكر اسمي، وتلك القرائن الواضحة أقنعت الجهات المعنية أنها لا تملك بينات ولا قرائن صالحة لمساءلتي.
لقد أدلى السيدان المذكوران باعترافات وبأقوال وبتهم متبادلة سمعتها وشاهدتها. وبدا لي واضحا أنها لا ترقى لمساءلة لإدانة في محكمة قضائية محكومة بمقاييس العدالة المشروعة. ولكن يمكن أن تصلح لمساءلة أمام محكمة خاصة، كما تصلح مادة للتشهير الضار بالمتهمين وبأطراف أخرى. لذلك عرضت للجهات المعنية أن تطوي هذه الصفحة القبيحة بعد كل ما تسببت فيه من أذى وتراشق. فبحثوا الأمر ولعلهم اهتموا بما قد يفتح الاستمرار في هذه القضية من أبواب الفتن فوافقوا على اقتراحي بشرط أن أذكر علنا بعض ما جاء من اعترافات السادة المعنيين لنفي ما قيل أن الموضوع كله ملفق، وأن أطالب في هذا الإطار بالاكتفاء بما حدث وطي هذه الصفحة الحزينة، وقد كان.
كنت قد وصفت الاتهامات كلها بأنها ملفقة كما قلت إن ما قال المتهمان كان نتيجة تعذيب.. كان هذا هو رأيي بناء على السوابق فقد حدثت تلفيقات وحدث التعذيب، ولكن بعد اطلاعي على حقائق هذه القضية اتضح لي غير ذلك، ولا يعقل أن أستمر أكرر ما قلته ظنا بعد أن ظهرت حقائق منافية له والرائد لا يكذب أهله، والله سبحانه وتعالى: (وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا)[1]. وحتى إذا كانت المغالطة في هذا الموضوع تعطي ذخيرة لمعارضة النظام فإننا لا نعارض هذا النظام بالحق وبالباطل بل بالحق.. والإصرار على ما ثبت بطلانه لا يجدينا ولا يدعم مصداقيتنا.
إن أحداث هذه القضية عرضت كياننا لمحنة وكان عليّ أن أحتوى تلك المحنة ارتكابا لأخف الضررين، واختبارا لمصداقية السلطة في نطاق محدد ومحدود.
لقد بالغت بعض التحليلات والأقوال في بيان حجم الخطأ الذي وقع فيه السيدان المعنيان.. إن حجم الخطأ الذي وقعا فيه بالتحديد هو:
. أنهما عثرا عن طريق الصدفة على معلومة قررا إبلاغها لجهة خارجية.
. وبعد أن انتدبت تلك الجهة شخصا لمتابعة هذا الموضوع، واتضح أن ذلك الشخص يسأل عن معلومات إضافية وعن مواقع منشآت ومساكن وشخصيات.. معلومات لم يكن في حسبانهما التطرق إليها. ولكنهما لم يضعا حدا فوريا للموضوع، مما أعطى انطباعا أنهما مستعدان للتعاون في الحصول على المعلومات الإضافية.
. أنهما أقحما اسمي في موضوعات لم أكن على علم بها. وحتى إذا كنت على علم بها فماذا يفيد هذا اٌلإقحام؟
أحبابي في الله واخواني في الوطن الحبيب
لإسدال الستار على منظر قبيح اتفقت مع السلطات المعنية في اتفاق محدد ومحدود.. وقمت بجانبي من الاتفاق وأنتظر أن يقوموا بجانبهم منه ويطلق سراح السيدين المذكورين ويوضع حد لهذا الموضوع. قال تعالى: (مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا)[2].
لقد كان البيان الذي أذعته عبر أجهزة الإعلام الرسمية متفقا عليه وأنا هنا لم ولن أقول شيئا يتناقض معه.. إن فيما أقوله هنا بيانا لبعض النقاط غير الواضحة وإجابة لبعض التساؤلات.
إن أجهزة إعلام النظام عرضت الموضوع بأسلوب مضلل مما أوجب التوضيحات الآتية:
. حديثي عما علمت من عدم تعرض السيدين المتهمين لتعذيب وتقدير حالتهما الصحية وإحالتهما للمستشفى مرتبط بهذه القضية ولا يعني براءة عامة في كل الحالات.. ففي قضية المتفجرات الأخيرة خضع المتهمون لتعذيب أثبته الأطباء الفاحصون وأكدته المحكمة المعنية. ولكن في هذه القضية حسب علمي لم يجر تعذيب بالصورة المعهودة وإن كانا قد حبسا في بيوت الأشباح وهي ظروف حبس قاسية.
. لقد علق بعض الناس أن ثمة اتفاقا أو اتفاقات أخرى، ولكنني ومن يرى رأيي نقف بصلابة في موقفنا المبدئي وهو العمل لتحقيق حقوق الإنسان وحرياته الأساسية في بلاد ديمقراطية ترفرف فيها أجنحة السلام، ونحن نتخذ الجهاد المدني وسيلة لتحقيق هذه الأهداف. فإن كان من شأن هذا الاتفاق المحدد المحدود أن يدرأ فتنة محتملة في البلاد وأن يقرب من فرص التحول السلمي للديمقراطية فهذه قد تكون ثمارا غير مباشرة له.
إننا وبأقوى صورة ممكنة نشجب أساليب الاغتيالات والتفجيرات.. كل واحد من كياننا يعتقد أنه ساهم بالدم والعرق في بناء السودان الحديث .. في تحريره وفي تعميره، ولا يمكن أن ينال من منشآته بأذى ولسان حاله يقول:
إن الدار دار أبي وجدي والبئر بئري ذي حفرت وذي طويت
والاغتيالات لا تجدي شيئا، لذلك أكدت للسلطات المحققة أن أي اتهام باغتيالات وتفجيرات لن تنطبق على كياننا، وإن نحن عدلنا عن نهج الجهاد المدني فلن تكون الوسيلة البديلة هي الاغتيالات والتفجيرات لأن هذه هي حيلة القوى المتطرفة الصغيرة الحجم التي تريد أن تلفت الأنظار لوجودها ولنشاطها، وهي حيلة منافية للإسلام وللمزاج السوداني وعاجزة.. بل من شأنها أن تأتي دائما بنتائج عكسية. قلت لهم، إذا أجبرنا على خيار آخر فسوف يكون خيار مواجهة صريحة حاسمة أرجو أن يجنب الله بلادنا اللجوء اليها.
. إنني سعيد بأن ما كان سائدا بيننا وبين أشقائنا في مصر من سوء فهم قد زال زوالا أرجو أن يلعب دوره في دعم علاقات شعبي وادي النيل. وأكرر مرة أخرى، أن علاقتنا بمصر واضحة وصريحة وخالية من أي تآمر وهادفة لمصلحة شعبي وادي النيل.
أحبابي في الله وأخواني في الوطن الحبيب
إنني أضرع لله مخلصا أن تطوى صفحة هذه القضية وما صحبها من مساءلات وتجريح، وسوف أواصل عملي بأسلوب الجهاد المدني راجيا أن يحقق الله تطلعات شعبنا دون إراقة دماء.
إن جلدي والله ليقشعر كلما أسمع أن إنفجارا وقع في هذا البلد العربي أو الإسلامي أو الأفريقي، أو أن شخصا أو أشخاصا قد أعدموا نتيجة لقيامهم بأعمال تفجير أو اغتيال.. إنها حالات تراشق بالدم والمتفجرات أرجو صادقا أن تبرأ منها كل دول انتمائنا الإسلامية والعربية والأفريقية، وأرجو مخلصا ألا تطل برأسها القبيح في بلادنا:
وكيف يكون بأسك في أناس تصيبهم فيدركك المصاب؟
أحبابي في الله وإخواني في الوطن الحبيب
لقد كشفت لي المحنة الأخيرة مرة أخرى مدى التأييد والعطف والمساندة التي يحظى بها موقفنا في قلوب وعقول أهل السودان هنا في الداخل وهناك في الخارج.. ولدى الأسرة الدولية، ولدى أجهزة الإعلام العربية، والأفريقية والإسلامية والعالمية.. فلهم جميعا الشكر الجزيل والتقدير الكبير.
إن موقفهم هذا يوضح لكل من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد أن الزمان الذي كان فيه المستبدون يصنعون بشعوبهم ما صنع الحداد دون أن يواجهوا احتجاجا واستنكارا قد ذهب إلى غير رجعة.. بشرى لضحايا الظلم والاستبداد في كل مكان فقد صار لآلامهم همة محلية وعالمية تحتج وتنجد، وفم يستغيث وينطق!.
كذلك فإن شكري الجزيل لرواد هذا المسجد ومساجد أخرى، ولأهل بلادي داخل السودان وخارجه، وللأسرة الدولية وللإعلام العربي والعالمي على الروح الطيبة التي استقبلوني بها بعد الخروج من هذه المحنة التي عرضتني لها ملابسات هذه القضية. وأؤكد للجميع أن هدفي الأسمى هو تحقيق الديمقراطية، وتصحيح المسيرة الإسلامية، وتحقيق السلام في بلادنا.. وفي سبيل هذه الأهداف سوف أبذل ما شاء الله من تضحيات بطلاقة لسان، وبشاشة وجه، وسرور فؤاد صابرا على رضا الحبيب حتى يقول الناظر العجب العجيب.
وأعتبر المشقات اختبارات، والتضحيات بلاءات.. مستمطرا الخيرات، متأكدا أنه مهما طال الليل فإن فجر الحرية آت.
وإذا استرد صاحب الأمانة أمانته قبل ذلك، فلا شك عندي أن ما أبذل من مجهودات سوف يمنح المسيرة بعدي زخما وزادا في الحياة الدنيا بينما تكون لي التضحيات والمشقات تكفيرا، وصدقة، ودرجات في دار الكرامة.. قال النبي: (ص) (مَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ وَصَبٍ وَلَا نَصَبٍ وَلَا هَمٍّ وَلَا حَزَنٍ وَلَا أَذًى وَلَا غَمٍّ حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ مِنْ خَطَايَاهُ)[3]، وقال: (أشدكم بلاء الأنبياء ثم الأولياء ثم الأمثل فالأمثل)..
استغفروا الله فإن نبيكم قال الاستغفار سيد الدعاء.
الخطبة الثانية
اللهم إني أحمدك وأثني لك الحمد يا جليل الذات ويا عظيم الكرم، وأشكرك شكر عبد معترف بتقصيره في طاعتك يا ذا الإحسان والنعم، وأسألك اللهم بحمدك القديم أن تصلي وتسلم على نبيك الكريم وآله ذوي القلب السليم، وأن تعلي لنا في رضائك الهمم، وأن تغفر لنا جميع ما اقترفناه من الذنب واللمم.
أحبابي في الله وإخواني في الوطن الحبيب
لقد وجدت نفسي يوم 20 من الشهر الماضي في غرفة ضيقة حارة فراشها الأرض محكمة الإغلاق، وهي حالة من شأنها أن تجعل الإنسان يشعر بالمشقة البدنية والمذلة النفسية، ولكن ولله الحمد، منذ اللحظة الأولى أحسست أنها خلوة حافلة بالعمق الروحي بقدر ما هي خالية من النعيم المادي. لقد خطر ببالي ما دار بين صحابة المصطفى (ص) من خلاف عندما ألح بعضهم ألا يشيد مسجد النبي (ص) ليكون بسيط المظهر وألا تفرش أرضه لتكون الصلاة ملاصقة مباشرة بالأرض الصعيد الطيب.. كانت حجتهم أن في هذه البساطة مجالا لزيادة الوصال الروحي.. وتذكرت كيف أن الإمام المهدي كان يحرص أن تكون خلوته في غاية البساطة فرشا وطعاما، وأن تكون في مكان بارد في الشتاء، وفي مكان حار في الصيف معاكسة لشهوة النفس.
لقد جعلت ذكرى هذا التراث الروحي مشقة الزنزانة بردا وسلاما، وعندما انصرفت تماما للرياضات الروحية وجدت أنسا بالله ونجوى معه أحسنت في وصفها شاعرة الصوفية إذ قالت:
فليت الذي بيني وبينك عامر وبيني وبين العالمين خراب
ومن أعجب ما شهدت أنني كنت أحيانا أستفتح في كتاب الله فكانت تظهر لي دائما آيات من سورتي يونس ويوسف.. لقد صارت سيرتا يونس ويوسف كما جاءت في سورتيهما نعم السلوى ونعم الأنيس. وجدت فيهما سيرة شخص خيّر أدخلته دنياه في ضيق واستلهمت معنيين تكررا في السورتين هما:
المعنى الأول: عناية الله المستمرة بالخيرين كما جاء في سورة يونس: (ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ)[4]. وما جاء في سورة يوسف: (إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ)[5].
المعنى الثاني: أن النهج الإلهي في بذل الخيرات ونيل الدرجات يجعل المزايا في طي البلايا، وهو المعنى الذي صورته آية يوسف أبلغ تصوير إذ قال: (إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ)[6].
أحبابي في الله وأخواني في الوطن الحبيب
لقد أتاحت لي الخلوة فرصة صفاء روحي ونقاء ذهني تداولت أثناءهما قضايا خاصة بي وبمن حولي وبما حولي، فأجريت مراجعات وبدت لي حقائق أرجو أن تثري حياتي وترشد أدائي في دروب الحياة الوعرة.
دواؤك فيك وما تشعر وداؤك منك وما تفكر
وتزعم أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر
إن الحصيلة النهائية لهذه التجربة القاسية حصيلة إيجابية جدا في مجال الروح والفكر، أما ما أصاب البدن فأقول كما قال النبي (ص):
هل أنت إلا أصبع دميت وفي سبيل الله ما لقيت؟
إن هذا الذي تعرضت له شمل غيري كثيرين، وأملي كبير أن يكونوا جميعا قد جنوا ثمارا وقلبوا الآية فحصدوا من الشوك العنب! ومهما كانت التجارب، ومهما طالت البلاءات فإن علينا أن ندرك أننا نعمر ذواتنا ونخط مناهج لأجيالنا ونحاول الانتقال ببلادنا دون إراقة دماء لو أمكن من نهج حزبي قهري إلى نهج قومي ديمقراطي نعالج به قضايا السودان الأساسية الخمس:
. قضية التأصيل فيكون توجهنا الإسلامي قائما على أوسع قاعدة من أهل القبلة ومستصحبا حقوق المواطنة للآخرين.
. وقضية شرعية الحكم فلا تقوم على قهر ولا وراثة ولكن على نيابة صحيحة.
. وقضية التنمية ، فتقوم على تنمية موارد بلادنا الفخمة مع توزيع عادل لعائدها.
. وقضية السلام العادل فيعطى كل ذي حق حقه في ظل قبول رأي الأغلبية والتزام الأغلبية باحترام حقوق المواطنة وحقوق الإنسان كما أوردتها المواثيق الوطنية والدولية للجميع.
. وقضية العلاقات الخارجية فتقوم على السلام الدولي العادل والتعاون الدولي دون انتهاك للسيادة الوطنية.
لتتجه الأنظار كلها نحو هذه المقاصد، وكل من سار على الدرب وصل.
أما من زج باسمي في هذه القضية، ومن استبشر بهذا الزج فأسرع لإنزال العقوبة بي دون التحري اللازم فلا ولن أتعامل معهم من منطلق حقد أو انتقام، بل أرجو أن يتفكر الجميع في الموقف بكل أبعاده ليدركوا أنه مهما كانت الأغراض الشخصية فإن ثمة دينا ووطنا ومجتمعا يتطلبون من أبنائهم وبناتهم الخروج من احتمالات الفتنة الى رحاب الديمقراطية والسلام.
اللهم يا هادي المضلين، ويا راحم المذنبين، ويا مقيل عثرات العاثرين، ارحم عبدك ذا الخطر العظيم، والمسلمين كلهم أجمعين، واجعلنا مع الأحياء المرزوقين الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.
أحبابي في الله واخواني في الوطن الحبيب
قوموا لصلاتكم، واجعلوا صفوفكم من استقامتها سيفا وتكبيرتكم للاحرام من وحدتها رعدا، واعلموا أن (اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.