لقد استقبلت رسالة في بريدي الإلكتروني من البروفيسور عصام عبد الوهاب بوب رداً منه على مقالي الذي نُشر بتاريخ 18/04/2011 بعنوان "وزراء ظلام يجب تجريدهم" . و هذا نص الرسالة : " أخي الفاضل الأستاذ أحمد تحية طيبة أرجو أن تفرق بين الأكاديميين وبين غيرهم من السياسيين الأكاديمي الحقيقي يكون بين طلابه ويفرق في كتبه وأوراقه قد يحلل بعض الأمور المتعلقة بما يعرفه ولكنه لا يهتم بما غيره لأنه غارقا في الإطلاع والكتابة ولا يهتم بغيرهما أما عن المتسلقين فليسوا منهم إنها رسالة مقدسة والأكاديمي الحقيقي ليس له وقتا لغيرها يا أخي أنصفنا لأنك خارج السودان وقد لا تعلم بحالتنا الواقعية ولا تعلم بآلامنا حين نري أبنائنا في حيرة ويأس كما وصفت وحين نكون في وسطهم لا نملك إجابات لما هو محير لأنه لا يتفق مع منطق العلم ولا الحياة." حقيقة لم اقصد بما كتبته كل من يحملون الدرجات العلمية الرفيعة من الأكاديميين (الدكتوراه – و الأستاذية) و لكن قصدت (فقط) المتسلقين الذين يبحثون عن الكسب السياسي و الذين يجعلون الدرجة العلمية فقط (ديكور اجتماعي). ليس من اليسير أن يصل الفرد إلي هذه الدرجات العلمية فمن الخطأ أن يضرب بها عرض الحائط و يتجاهلها بعد كل هذا الجهد المضني بعد أن عكف على البحث و العلم سنينا طويلة. ثم يأتي في لحظة و ينغمس في مجال السياسة و هو المجال الذي يتحمل كل الأخطاء في مجال الحياة. البحث العلمي لا شك هو المعين الأول في بناء الأمم و بناء الأمجاد. و لكن أن يبدد الباحث جهوده بعد كل هذه الرحلة الطويلة ويبتعد عن مجاله المباشر ثم يذهب لمجال يجرب فيه السياسة لأول مرة. و لكن مجرد الإلمام العام لكل فرد في المجتمع بالسياسة و غيرها لا يجعله خبيرا فيها. و ليس كل ما نعرفه عن طريق الثقافة العامة يجعلنا متخصصين فيه. فالمهنية مطلوبة في بناء عقول الشباب و الطلاب لأنها أمانة ثقيلة تنوء بحملها العقول. كل الدول تستعين بعلمائها للبناء و لكنهم يبذلون النصح للحكام و الإداريين فان حادوا عن الطريق فقد خانوا المهنة. و من ضحايا ثورة التعليم الحالية في السودان صديق لي (لا أريد ذكر اسمه) , قد نال درجة الماجستير في مجال حساس و تقني و تطبيقي. صحيح لديه الرغبة في التطور و لكن كما يقول أهلنا (بدون مُشهاد) لا يكون التطور ناجعا ً , فقد درس لفترة ما كانت سريعة و تمكن من لملمة بحثه عن طريق الانترنت , و كما تعرفون التعامل مع الانترنت فقد كون بحثه دون عناء و لا مهنية و لا صدقيه عالية فقط عن طريق (نسخ و لصق) تمكن من أن يخرج لنا برسالة أصبح التحقق منها شي مبهم , خاصة التحقق من المراجع و الكاتب و النشر و غيره من نهج البحث العلمي. و في لمحة بصر أصبح حاملا للماجستير و قد قالها لي بعد ذلك انه ينوي نيل درجة الدكتوراه بنفس الطريقة (السهلة) و قال بالحرف " الدكتوراه ساهلة ما عليك إلا تنسخ و تلصق و تلقط بعض الموضوعات وخلاص" . لست ضد التكنولوجيا و لا الانترنت لكن كثير من المواضيع و البحوث في الانترنت تحتاج الى تدقيق و تمحيص و لا تغني عن الكتاب بشكل كامل. و الأدهى و الأمر أن بحوثه غير مصحوبة بتطبيقات في المختبر مع العلم إن مجاله لا يستقيم إلا مع المختبرات و التجريب. و لكنه جعله كله (literature review) "A literature review discusses published information in a particular subject area, and sometimes information in a particular subject area within a certain time period." و ترجمة هذا التعريف : " استعراض أدب أو أدبيات يناقش أو يستعرض معلومات منشورة عن موضوع معين , و في بعض الأحيان معلومات عن موضوع معين وفق فترة زمنية محددة" و هل البحث العلمي ينأى عن النتائج و التوصيات و الاستنتاجات التي خرج بها الباحث؟ أم انه يجب توثيق ذلك بالتجريب؟ على أية حال ليس كل من قام بمثل هذا العمل عليه مآخذ و لكن هنالك عدد مقدر من الباحثين يصلون إلى مثل هذه الدرجات العلمية بطريقة يسيره , لا تتفق مع مفهوم البحث العلمي. و كان صديقي هذا دائما يبتعد عن الوظيفة التطبيقية في مجاله و فقط يركز على مهنة التدريس و كان دائما ما يحلم بمنصب في الحكومة أو أحدى الجامعات. و هنالك باحث آخر قابلته و تناقشنا في مجال اللغة الانجليزية و هو رئيس قسم في كلية التربية بالحصاحيصا فطلب مني إن أحضر له قاموس للغة الإنجليزية من السعودية لأنه لا يمتلك قاموس. هل هذا يمكن إن تثق فيه لكي يقدم ما يقنع للطالب؟ هل يستقيم أن يكون مدرسا للطلاب الجامعيين و لا يكون بحوزته قاموس يشرح من خلاله المفردات و هذا أس الشرح اللغوي؟ ربما يكون هذا استهتار بالعملية التعليمية و العقول التي تتلقى منه الدروس اللغوية. لقد قدمت مشروع بحث للماجستير عن "الرمزية في شعر وليم بليك" في الأدب الانجليزي في كلية التربية جامعة الجزيرة من قبل . و أرسلته مع صديقي لي من السعودية فسلمه للأستاذ الجامعي و قد تم قبوله من الدكتورة المشرفة و لكن يبدو أن الأستاذ المساعد قد استأثر به لنفسه لأنه بحث قيم. و عندما ذهبت للسودان في الإجازة أنكر هذا الأستاذ بحثي في أول الأمر و لكنه استدرك الأمر و تذكرني. فطلب مني بعد عناء دام عام كامل أن أغير الموضوع و دخلت معه في نقاش و مشادة كلامية و كان مصر على أن أغير الموضوع و لكن في نهاية الأمر اعترف لي انه كتب أوراق عمل في نفس الموضوع. و قال لي تأكد من كل كليات التربية في السودان إن لم يكن هنالك بحث بنفس العنوان و الموضوع. و أنا لدي المستندات إذ دفعت المبلغ المالي و بإيصال حكومي و لدي شهود على الموضوع و أنوي مقاضاة هذا الأستاذ عما قريب. ولكن أقول رحم الله الأمانة العلمية , فهؤلاء هم المتسلقون من خضم حال بائس للبحث العلمي. هل سيكون هنالك مستقبل زاهر إذا كان هنالك طامحين جدد يريدون العبور إلى المناصب الإدارية من خلال النفاق و الأمانة العلمية. فهذا المجال الوحيد الذي لا يحتمل الأخطاء. مرة أخرى ألتمس العذر للشرفاء و لا نامت أعين المخادعين و الجبناء. فمهنة التدريس هي مهنة الأنبياء. كيف لهذه المهنة أن يقحمها هؤلاء في مزبلة الضعف البشري و مزبلة المناصب البراقة و السياسة. و كل إناء بما فيه ينضح فمثل هؤلاء لا تتشرف هذه المهنة بأن تضمهم إلى قائمة شرفها الناصعة. أن يعبث السياسي بمقدرات الشعب هذا شي غير مستغرب في بلادي , و أن يعبث الإداري بوقت المواطن الثمين و حقه أيضا غير مستغرب. و لكن إن يصل الفساد أضابير البحث العلمي و الأمانة العلمية يجعلنا نبكي طول حياتنا و نموت و في أنفسنا شي من حتى. و أن يصل الإهمال و عدم الاكتراث إلى هذه المجالات فهذا مرفوض و هو أمر مرفوض جملة و تفصيلا. هؤلاء العابثون سينتجون عقول هشة ضعيفة يترتب عليها ضعف في الإيمان و الوطن و العلم. فدوركم أيها الشرفاء أن تعو الداء العياء و تجدون له الدواء , و ألا تسمحوا بمثل هذه المهازل أن تقع. و في هذا العهد المظلم بينما يتطور العالم بفضل العلوم نتزحزح من أماكننا قيد أنملة و لكنها حركة كسولة مشبوهة. و نتراجع إلى الوراء خطوات واسعة و ندخل في دائرة التخلف , كل ذلك بسبب إقحام السياسة في كل مدرج من الحياة, و إقحام كثير من العقول الفاشلة في غير مكانها. رحم الله التعليم في بلادي الذي ينظّر فيه من هو ليس بمالك لكي يفتي , لقد امتلأت المدينة عن آخرها بأصحاب الفتاوى التي في غير مكانها و مات مالك من نتن المدينة. التعليم هو أساس التطور و تشكيل العقول و تهذيب السلوك , و لكن هيهات فقد فاز بالجائزة العلمية من هو أجهل , و كسب الرهان من هو أقوى بلغة السطوة و السلطة.