التدخل المصري في السياسة السودانية بهدف تأمين المصالح الإقتصادية لها أمر لم يعد خافيا على المواطن السوداني تاريخيا ولكن تبدلات السياسة وإرتباطها بالمصالح الشخصية في فترة الإنقاذ جعلت من الجيش السوداني وقدراته المتواصلة تاريخيا في المحافظة على وحدة السودان وحدوده مهذلة ليس على مستوى السودان وإنما داخل دول الجوار التي أدركت الضعف الذي أصبحت عليه القوات السودانية وجيشها المهاب فأصبحت تقتطع كل صباح جزءا عزيزا من أراضيه طيلة حكم الإنقاذ دون أن تجد ردعا عسكريا ولا مهابة دبلوماسية توقفها في حدها. وموضوع حلايب الذي نحن بصدده الآن بدأ بعد إستقلال السودان وعلى وجه الخصوص بعد أن صعد حزب الأمة إلى سدة الحكم في إنتخابات حرة بعد الإستقلال. فإثر سقوط الحزب الإتحادي بعد إعلان الإستقلال الذي لم تكن تتوقع مصر تأييد من كان ينادي بوحدة وادي النيل بزعامة الأزهري وحتى تخلق أزمة داخلية لحزب الأمة مع حليفه في الحكم ارسلت حكومة مصر خطابا الى حكومة السودان في فبرائر من عام 1958م تعلن فيه سيادتها على اراضي سودانية شمال شرق السودان، شمال خط العرض 22 شمالا وهي المنطقة المعروفة بمنطقة حلايب و منطقة شمال مدينة حلفا، مناطق: سره، ودبيرة، وفرس. وفي تبريرها لهذا الإحتلال أعلنت ان هذا تم حسب الاتفاقية بين مصر وبريطانيا سنة 1899م. كان رد الفعل من حكومة عبد الله خليل إعلان التعبئة العامة للدفاع عن حدود السودان ورفع الأمر إلى مجلس الأمن موضحة فيه أن المنطقتين تتبعان للسيادة السودانية وتديرهما حكومة السودان ولم تشتركا في اي انتخابات او استفتاءات مصرية واشتركتا في الانتخابات السودانية سنة 1953 والتي اجريت حسب اتفاقية سنة 1953 البريطانية المصرية التي منحت السودان الحكم الذاتي في الطريق نحو تقرير مصيره. لم تقف الحكومة السودانية في توضيح سيادتها على هذه المناطق بل حذرت في نفس الوقت في رسالتها إلى مجلس الأمن بأنهم في حكومة السودان: اولا: نحرص على الدفاع عن السيادة السودانية على المنطقتين. وثانيا، مستعدون للتمهل لحل المشكلة سلميا. وثالثا، نرى ان المشكلة يمكن ان تتطور الى مواجهة عسكرية. رسالة واضحة المعالم والنوايا من حكومة يقودها حزب الأمة لما سيترتب عليه عدم إنسحاب مصر. بطلب من عبد الله خليل وبصورة مستعجلة سافر في نفس اليوم محمد أحمد محجوب وزير الخارجية يومئذ إلى مصر وقبل أولا زكريا محي الدين الذي أثار قضية حلايب ولما تعذر التفاهم معه طلب المحجوب مقابلة جمال عبد الناصر بحضور زكريا الذي حاول إثارة جمال بسؤآل المحجوب بقوله " هل صحيح أنكم أرسلتم قوات إلى مناطق الحدود؟" فرد المحجوب وقلبه ملئ بإيمان العزة والكرامة وهو في عقر دار الفراعنة "نعم، وقواتنا تحمل تعليمات أكيدة بإطلاق النار على كل من يجتاز الحدود. إننا مصممون على عدم التخلي عن شبر واحد من تلك الصحراء القاحلة الرملية والصخرية السوداء إلا بعد إراقة الدم بمقدار عشر مرات من وزنها" أنظر محمد أحمد المحجوب الديموقراطية في الميزان ص 180. وبعد مشاورات صحبتها صور درامية مضحكة يرويها المحجوب في كتابه، لم يتنازل فيها الجانب السوداني رغم المحاولات المستميتة وصور الفهلوة واللف والدوران في دغدغة المشاعر بكلمات المجاملة من الجانب المصري، قال عبد الناصر " إن السودانيين غلبوه بإعتبارها قضية حرب" وتمت موافقته على سحب قواته من الحدود. كان ذلك موقف السودان دبلوماسيا وعسكريا أما موقفه في نظام الإنقاذ فقد أصبح مختلفا جدا. فهذا هو رئيسه في يوليو 2010 يقول "حلايب سودانية وستبقى سودانية وستظل سودانية" دون أن يقول كيف ثم يأتي الإعلام ليشير إلى زيارة له لمنطقة حلايب لتعزيز قوله بعد أن زال الكابوس حسني مبارك والذي تبعه إرهاصات عديدة وزيارات متعددة بين الطرفين: ما يسمى بالثوار المصريين الذين يدعون ثورتهم بهدف الحرية وحقوق الإنسان والديموقراطية والمسخ المشوه المسمى بحكومة السودان، لينفي بعدها وزير خارجية السودان على كرتي "ما تناقلته وسائل اعلام سودانية ومصرية عن زيارة مرتقبة للرئيس السوداني الى مثلث حلايب بشرق السودان، بقوله: إن "الرئيس سيزور مدينة اوسيف، وهي منطقة خارج مثلث حلايب".ومن خلفه تقف مجموعة الثوار تبتسم وتهلل وجوههم بنشوة الفوز. لم يكن خور وزير الخارجية وخوفه وهو في بلده أقل من خوف وزير دفاعه عبد الرحيم حسين الذي لم يتطرق أبدا إلى حلايب بل عرض عليهم مستنكرا عدم وجودهم في السودان مقدما لهم أراضي جديدة متاخمة لهم كرشوة كما فعل رئيسه من قبل عندما قدم 5000 رأسا من البقر" كل هذه التصريحات المليئة بالرعب والخوف من زوال السلطة المتوقع من قبل قادة الإنقاذ قابلتها صورة أخرى ممن يسمى بثوار مصر لا تختلف عن الصورة التي كان يتبعها نظام حسني مبارك في اللعب المكشوف لتحقيق مصالح مصر التارخية في أرض السودان وشعبه لتصبح هذه الصورة أكثر وضوحا مع مدعيي الحرية والديموقراطية حين يضعون يدهم وبكل إزدراء وسخرية من شعب السودان مع نظام الإنقاذ الدكتاتوري القاتل لشعب السودان والناهب لثوراته. قليفق شعب السودان وليفق جيشه وبقية قواته المسلحة ليعيد بناء قوته ليس فقط للدفاع عن وحدة السودان وأراضيه كما عودنا في السابق وإنما لبناء وزارة خارجيته التي لمت أصحاب المصالح الدنيوية الفارغين من كل صفات الدبلوماسية والعزة لكرامة بلادهم وقوتها ومصالح شعبها. وقبل كنس هذا الضعف والخور في وزارتي الدفاع والخارجية على هذا الشعب الكريم الأبي كنس هذا النظام الفاسد برمته وتخطي كل محاولات المعارضة المشبعة بالخوف على مصير البلاد بتصعيد زواله. كفانا فقد ملئنا هما وغما وإستفزازا بإسم الدين وبيع بلادنا تحت ضغوط قطر ومحاولاتها لتعزيز قوتها في العالم، إلى الإسلاميين ذوي النظرة الضيقة والمصالح الدنيوية المشبوهة. abdalla gasmelseed [[email protected]]