Saeed Zumam [[email protected]] قلت في الجزء الأول من هذا المقال الذي نشر في جريدة الصحافة عدد الأحد الخامس من يونيو 2011 ان معالجة المشاكل والتحديات التي تواجه السودان تحتاج إلى منهج شامل يربط articulates) ( القضايا السياسية والأمنية والدفاعية والاقتصادية وغيرها ويخرج بوصفات علاجية تراعي الواقع وشح الموارد . وقلت أن الحكم المحلي الحديث المتمثل في الوحدات الإدارية في المدن والارياف والمحافظات والمعتمديات قد أثبت فشلا كاملا في تمكين الناس من إدارة شؤونهم بأنفسهم وتخفيض تكاليف إدارة الدولة وتحول إلى امبراطوريات للضباط الإداريين الذين اطلق عليهم المرحوم الدكتور جعفر محمد علي بخيت وصف (( أباطرة الريف أصحاب الأشرطة الصفراء )). واقترحت حل وحدات الحكم المحلي و المعتمديات القائمة اليوم والاستعاضة عنها بنظام يتيح للناس فرص حقيقية للمشاركة في إدارة الدولة والتعبير عن احتياجاتهم ورغباتهم وبدون إرهاقهم بالضرائب و حرمان الخدمات الاساسية وخاصة التعليم والصحة من التمويل . ولا يصدق أي شخص عاقل قيام ولاية الخرطوم بالصرف على سبع معتمديات وتوابعها من وحدات للحكم المحلي صرف من لا يخشى الفقر في الوقت الذي يعاني فيه قطاع التعليم من شبه انهيار كامل. . فقد جاء في التحقيق الذي اعده الصحفي عبدالوهاب جمعة ونشر في جريدة الصحافة عدد الأحد الخامس من يونيو 2011 ان لجنة خدمات والتعليم والصحة بمجلس تشريعي ولاية الخرطوم وبعد زيارتها للمرافق التعليمية للولاية في الثالث من اغسطس 2010قد أبانت الحقائق التالية : في مرحلة التعليم الأساسي ،هناك عجز في الفصول يبلغ (1613) فصلا وتوجد 455 مدرسة بدون سور و321 مدرسة بدون دورة مياه ( لاحظ مدارس بدون دورات مياه )وهناك نقص في المكاتب مقداره 2561 مكتب و توجد 91 مدرسة ملجنة تحتاج لإعادة بناء (لاحظ مدرسة يتوقع انهيارها في أية لحظة و القضاء على التلاميذ)و235 مدرسة تحتاج لصيانة عاجلة . أما في المرحلة الثانوية فإن النقص في اجلاس التلاميذ يصل إلى حوال 37% والعجز في اجلاس المعلمين 54% (لاحظ أكثر من نصف عدد المعلمين بدون كراسي و طاولات) وتوجد 59 مدرسة بدون حمامات الخ . ودعك من الحديث عن الاكتظاظ وتردي المظهر العام للمدارس . وللقارئ الكريم أن يتصور حال التلاميذ في المدارس التي لا توجد بها حمامات ومعاناتهم من إمساك البول وغيره طوال اليوم الدراسي أو قضاء حاجاتهم في العراء . وأن يتصور حال المعلم الذي لا يجد ما يجلس عليه لتحضير الدروس أو تصحيح الواجبات (homework) . وكنت اتوقع أن ينفعل مجلس تشريعي ولاية الخرطوم والوالي عبدالرحمن الخضر بذلك التقرير ويقوم فوراً بإعداد برنامج عاجل (crash program) لمواجهة ذلك الواقع المخزي والمحزن بالتخلص الكامل من جميع أوجه الصرف التي لا داعي لها على الإطلاق مثل الأعداد الكبيرة من الوزراء والمستشارين والمعتمدين واعضاء المجالس التشريعية في المعتمديات والوحدات الإدارية الأخرى وغيرهم من محاسيب ومناسيب حزب المؤتمر الوطني الذين يقبضون بدون مقابل من دافع الضرائب المغلوب على أمره . وان يوقف تماما الشروع في تنفيذ اية مشاريع جديدة مثل مخطط توسعة الخرطوم ويوجه تلك الاموال إلى اجلاس التلاميذ والمعلمين وتشييد الحمامات وإعادة بناء المدارس الملجنة وعلى الصيانة وتوفير المعامل التي اختفت تماما من المدارس ولكن لم أسمع أو أقرأ بأن ذلك قد حدث . ما الفرق بين أحمد وحاج أحمد ؟ جاء في الصحف السودانية اليومية وكما ذكرت في الجزء الاول من هذا المقال ان ديوان الحكم اللامركزي بقيادة البروفيسور الامين دفع الله الأمين يروج عودة نظام المحافظات وبدون أن يوضح البروفسور الأمين كيف سوف يختلف نظام المحافظات عن نظام المعتمديات المعمول به حاليا أو كيف يتوقع ان يؤدي نظام المحافظات إلى فاعلية الحكم المحلي وإلى تخفيض تكاليفه الإدارية وإتاحة الاموال للصرف على خدمات التعليم والصحة و خاصة ان نظام المحافظات قد جرب في السابق أكثر من مره . وأعتقد انه لا يوجد فرق بين النظامين من ناحية الفشل وإهدار الموارد البشرية والمالية والفرق الوحيد هو إطلاق لقب (الحاج )على السيد أحمد ليصير حاج أحمد ولكنه نفس الشخص الذي اكل لحم المواطن السوداني محمد أحمد الأغبش . لا مجال للترف أو التملص من المسؤولية ان واقع الفقر وتردي الخدمات العامة الذي يعيشه السودان اليوم لا يتيح مجالا للترف والإكثار من مستويات الحكم من حكومة مركزية وحكومات ولائية ومحافظات او معتمديات ومجالس مدن وقرى الخ .والتحليل المنطقي والموضوعي للأمور يقود إلى الاستنتاج إنه لا توجد حاجة إلى أكثر من مستويين للحكم في السودان ، حكومة مركزية وحكومات ولايات تكملها وتعمل معها بالتوازي ومباشرة مجالس للتنمية والخدمات على مستوى القرى والأحياء والفرقان . وذلك للأسباب التالية : اولا: أدى قيام الحكم اللامركزي وخاصة إنشاء الحكومات الولائية إلى تقليص الظل الإداري كثيرا ،و ثانيا: ادى تطور تكنولوجي الانتقال والاتصال إلى إلغاء المسافات الجغرافية بالتقريب ولم يعد حجم السودان الكبير حجة قوية للمطالبة بتعدد مستويات الحكم في ظل سهولة وسرعة الانتقال و الاتصال في عالم اليوم ،و ثالثا: لا توجد حاجة إلى تقسيم اختصاصات الحكومة الولائية وخاصة تلك التي تتعلق بمصالح وهموم الناس الأساسية وهي توفير أمن الأرواح والاعراض والاموال وتوفير خدمات التعليم والعلاج . فأن الاوفق في تقديري هو ان تكون تلك الاختصاصات للحكومة الولائية حصريا ولا يجوز لها أن تتملص منها بتركها لمستويات حكم ادنى منها كما تتملص بعض الحكومات الولائية اليوم من مسؤولية تردي التعليم الاساسي بحجة أنه من اختصاص الحكم المحلي .فان التعليم من مرحلة الروضة إلى مرحلة الثانوية وكذلك الخدمات الصحية يجب أن تكون من المسؤوليات الاساسية للحكومة الولائية تقوم بها بالتعاون المباشر مع مجالس التنمية والخدمات على مستوى القرى والأحياء والفرقان ، لتقوم تلك المجالس بابتدار مشاريع التنمية والخدمات وتقوم بدراستها وتصميمها وتنفيذها والاشراف على إدارتها بالتعاون مع الوزارات الولائية وبدون الحاجة إلى معتمد أو محافظ . ولهذا أعتقد بضرورة الخروج من دائرة التفكير البائس والقاصر التي ادخلنا فيها ديوان الحكم اللامركزي وإطلاق تفكيرنا وخيالنا لتجريب نظم لإدارة الدولة تحقق أقصى درجة ممكنة لمشاركة المواطنين في إدارة شؤونهم المحلية وبأقل تكاليف ممكنة وتوجيه الموارد المالية والبشرية لما فيه نفع الناس البسطاء الذين يكدحون ويدفعون الضرائب . ولهذا ادعو السيد عبدالرحمن الخضر والى ولاية الخرطم إلى التخلص من مستشاريه الكثر وتقليص وزارته والتخلص الكامل من المعتمديات والمحليات وتوجيه الاموال إلى معالجة الوضع المزرى لخدمات التعليم والصحة . وان يقوم الحكم المحلي في الاقاليم مثل ولاية جنوب كردفان على الشعب الثلاث التالية التي ذكرتها في الجزء الاول من هذا المقال ولكن أريد تذكير القارئ بها وهي : أولا: الإبقاء على المحاكم الاهلية وتطويرها لتقوم بفض النزاعات على ضوء الاعراف المحلية . ثانيا: إصدار قانون جديد للإدارة الاهلية لتقوم على أساس جغرافي أي على أساس القرى والفرقان والأحياء بدل الأساس القبلي العنصري الحالي و أن يكون هناك شيخ واحد وأكرر شيخ واحد لكل قرية كبيرة أو عدد من القرة الصغيرة المتجاورة أو الحي أو الفريق ووضع نهاية لفوضى تعدد الشيوخ والعمد، وأن يكون الشيخ مسؤولا عن حفظ الأمن وتنظيم استخدامات الأرض والمحافظة على البيئة وجمع الضرائب . ثالثا: حل وحدات الحكم المحلي القائمة اليوم وحل اللجان الشعبية والاستعاضة عنها بمجالس للخدمات والتنمية بأن يكون لكل قرية كبيره أو عدد من القرة الصغيرة المتجاورة أو الحي أو الفريق مجلس للتنمية والخدمات يختص بابتدار مشاريع التنمية والخدمات والمشاركة مع السلطات الولائية في دراستها وتصميمها وتنفيذها والإشراف على إدارتها . وتكون لكل مجلس جمعية عمومية تتكون من كل سكان القرية أو الفريق أو الحي . وأن تجتمع الجمعية العمومية مرتين في السنة على الأقل لكى تتاح للناس فرصة التعبير عن همومهم وطموحاتهم وافكارهم ومقترحاتهم . كما يكون لمجلس التنمية والخدمات مجلس أمناء أو إدارة تنتخبه الجمعية العمومية ويتكون من عدد من الأعضاء لا يقل عن تسعة ولا يزيد عن خمسة عشر عضوا .ويكون مجلس الأمناء هو جهاز التشريع والإشراف وتكون للمجلس لجنة تنفيذية يقوم بتعيينها مجلس الأمناء من عدد قليل من الأعضاء . ويعمل كل هؤلاء على أساس التطوع الكامل وأكرر التطوع الكامل ولا تدفع لهم مكافآت ولا بدل ضيافة ولا بدل سفر لانهم لا يحتاجون إلى السفر والضيافة . وتكون هذه المجالس موازية ومكملة للوزارات الولائية وتعمل بالتعاون الكامل والمباشر مع رئاسة الوزارات المختصة أو المكاتب المحلية التي تمثلها .