بسم الله الرحمن الرحيم قال تعالى:(هَذَا بَلاغٌ لِلْنَّاس وَلِيُنْذَرُوْا بِه وَلِيَعْلَمُوَا أَنَّمَا هُو إِلَهٌ وَاحِد وَلِيَذَّكَّر أُوْلُو الألْبَابْ) ..الآية هذا بلاغ للناس الاستهلالة: إبراهيم الحبشي كان أول سائق يقود( قدران – بوسينج) بين مدينة النهود حاضرة غرب كردفان وبين" ابقبّة فحل الديوم" أي مدينة الأبيض حاضرة مديرية كردفان الملقبة "عروس الرمال " ؛ وكان " القندران" كما الغول بالنسبة لنا ؛ إذ يختلف عن اللواري العادية التي كانت تعمل بوقود البنزين آنذاك ؛ وكان " القندران" عالياً وعاتياً ؛ وببراءة الأطفال كنت أقف أمام هذا الديناصور في دهشة وتعجب وانبهار ؛ أما عندما رأيته لأول مرة يتحرك ؛ وسمعت صوتٌه أصابني الرعب وأثار في نفسي الهلع والفزع فأطلقت ساقي للريح باتجاه منزلنا دون أن أُعلم أحد بسر فزعي حتى لا يُقال عني جباناً . في ذات يومٍ تجرأت وسألت سائقه العم إبراهيم الحبشي عن سبب إختلاف حجم " قندرانه " عن اللواري الأخرى وكذلك عن هذا الصوت المفزع دون سائر اللواري ا فأجابني بلكنته الحبشية قائلاً : "عشان بشيل كتير" وصوته عشان المكنة جازلين!! فهمت الجزء الأول من إجابته وبدت الاجابة الثانية كما الطلسم حينها ما كنت لأنني ما كنت أعلم ما هوالفرق بين البنزين والجازولين!!. ومنذ تلك اللحظة وكأنني من إمتلك معلومةعن سرالذرة ؛ فكنت أطرح ذات السؤال الذي طرحته على العم إبراهيم الحبشي على رصفائي وأصدقاء الطفولة وزملاء المدرسة الأولية ؛ وأنا على يقين بأنهم لا يملكون الأجابة ؛ فأمِنُّ عليهم بها. واصلنا مراحل التعليم وتخرجنا و تفرقت بنا السبل ؛ وكان من تلك الزمرة من الزملاء من تبوأ منصب وزير المالية في عهد أحد عهود الحكم السابقة وكان هوأحد من طرحت عليهم في طفولتنا سؤال "القندران" وعجز عن الاجابة يومها وتفضلت ومننتُ عليه كما الآخرين بالاجابة . إنتهت مهمة الرجل كوزير في ذام العهد ؛فاستدرج للعمل كخبير إقتصادي مرموق في مؤسسات امالية دولية فاصبح خبيراً يعالج مشكلات موازانات الدول وتقديم وصفات حلول فك تعثرها بسداد ما عليها من قروض متلتلة . كان لا بد من هذه المقدمة لأن الرجل لم ينسَ هذه " الطرفة": رغم مرور أكثر من أربعة عقود ونيف. ولن تتعجب أيها القاريء العزيز حين تعرف من متن الموضوع صلة العنوان " القندران" بشيل كثير" بما أكتب!! المتن : كمواطن ودافع ضرائب - مطارد وملزمٌ بها حتى وأنا في الغربة – وحتى دون أن انتفع بأي خدمات مقابلها؛ فرفعنا أكفنا متضرعين إلى المولى ليرفع عنا ؛ ومع أنها لم ترفع كما وُعدنا إلا أننا نحمد الله علىما قُدّر!! . الأدهى والأمر أنه حتى في الزيارات القصيرة القليلة ظلّ يلاحقنا " عتاولة " الجبايات مثلهم مثل قطاع الطرق يظهرون عليك فجأة وكأنهم "الهمباتة" في كمائن ذكية – وهي لاعلاقة لها بالتقنيات الذكية – وعليك أن تدفع وأنت صاغر فلا مهرب وهذا مصدر الذكاء!! . كمواطن ودافع ضرائب ؛ إعتقدت أن من حقي أن أعرف أبسط المعلومات عن موازنة الدولة التي انتمي إليها ومداخيلها نفقاتها ؛ وإن أعرف إن كان بها عجزاً أو فائض ؛ و يمكنني أن أعرف كم جملة القروض التي دخلت البلاد وكذلك المشروعات التتموية التي مُوّلت بها وفي أي مجالات الاستثمار الرأسمالي وُظفت ؛ سواء كان ذلك في مجالات الصناعة أو الصحة أو التعليم أو الزراعة ؛ بل وكنت أعتقد كذلك أن من حقي معرفة كم جملة وأعباء خدمة الديون وكذلك كنت أعتقد أن المعلومة متاحة بضغطة زر طالما أن موازنات الدول تصدر بقانون من السلطة التشريعية فأنه لا بد من أن تنشر في الجريدة الرسمية عملاً بمبدأ الشفافية أو يمكنك الحصول عليها من ديوان المراجع العام . عموماً بحثت " فوقاني تحتاني " في أضابير الدولة اللمعلوماتية والمالية فلم أجد لذلك سبيلا ؛ حتى بدأت " أدعبس " في الصحف اليومية القديمة فلم أجد أثراً لهذه الأسرار الحربية ؛ إلا عبر مقالاتٍ لكاتبٍ واحد فقط ؛ وعندما قرأت ما كتب على قِدَمِه وجدته أن المادة تتسم بالموضوعية والمهنية وبتجرد دون هوى أو غرض أو تصفية حسابات ؛ وكان ذلك هو الاستاذ محجوب عروة . ومع هذا الاطناب لم تشفِ كتاباته الاقتصادية غليلي لأنها كانت مليئة بأسئلة متروكة دون إجابات بل ً كانت تحتاج لكثير من إيضاحات الأرقام ؛ مما ولّد لدي رغم إحساس بأنه ربما كان الكاتب به شغفٌ بالاقتصاد إلا أنه أيضاً لم يجد من المعلومات ما يتيح له إعطاء عطي أوضح وأكمل وأشمل . اكتشفت أنني وهو في الهم شرق ؛ وهو مثلي يبحث عن ناقته التائهة وسط الفيافي وهجيرالمفازات ؛ بل وصلت لقناعةٍ بأنني لن أجد ضالتي عند (جهيزة) وأن السائل – وهو أنا - بجهله يتساوى مع المسئول-ذاك الذي اعتقدت أنه جهيزة – وهو في هذه الحال هو الاستاذ محجوب عروة!! يبدو أن كل حكوماتنا " تستهيفنا " ووزراء مالياتنا " يتذاكون " علينا ؛ وما نحن في عرفهم إلا قطيعٍ من رجرجة غوغاء ؛ لن تفهم في الأرقام والحسابات والموازات والقروض والديون ؛ فرأوا أن من الأفضل أن "يكون حمدها في بطنها " !! ؛ فهم قرروا يحملوا عبْ وهم الحصول عليها ويتركوا عبء تسديدها علينا وعلى أولادنا وأحفادنا وأحفادالدين . وحمدت الله أن متوسط أعمار المسلمين ليس( كلُبيد ) ووزراء المال مثلي أيضاً أننيحينما نلبي نداء ربي ونحن في أسرة الموت سنتوجه نحو أحفادنا بإتسمةٍ ساخرةٍ وكأني أقول لهم " خموا وصروا ؛ الوارث يورث حجر" ؛ فمن كان ذكياً منهم وفهم المغزى لاشك سيدعوا لنا بالرحمة والمغفرة ويدعوا على وزراء المال مقابل ما اقترفوا وبئس المصير!! نظرتي للموضوع كانت من زاوية مختلفة جدا! ؛ نظرتي تتمحور حول جملة الدين العام داخلي وخارجي وتبعات خدمة هذا الدين مقابل موارد نا المتاحة ومقدرتنا على السداد . وكانت رغبتي الملحة تدفعني لمعرفة شيء واحد ما هو عدد الاجيال من احفادنا الذي عليه تحمل وزر هذا الدين ؛ وإلى متى سيستمر سداد أصله وأعبائه ؟!.. كان هذا مصدر قلقي فقط لا غير.!!.. كان هذا السؤال يؤرقني فأحمله في حلّي وترحالي وحتى كانت المفاجأة.!! الحاشية: بينما كنت في أحد المطارات أنتظر رحلتي إذا بي أفاجأ بزميلي وإبن مدينتي الذي كان ذات يومٍ وزيراً للمالية ؛ وبعد غيابٍ دام أكثر من ثلاثة عقودٍ منذ أن إلتقينا آخر مرة كنت فيها بباريس في حضرة الراحل المقيم الشاعر صلاح أحمد إبراهيم ؛ وبدأنا حديث الذكريات وعدنا لأيام الطفولة و ذكريات الدارسة في الأولية والوسطي والثانوي ثم إلى أن تفرقت بنا السبل إلا من لقاءآت قليلة عابرة حيث غادرنا البلدة واتجه يومها لدراسة للإقتصاد واتجهت أنا نحو دراسة ميكانيكا " القندرانات" !! وعندما إلتقيت الرجل قلت في نفسي " الحمدلله ؛ وجدت ضالتي الذبيجة السمينة " التي ستشبعني إجابات عن تساؤلاتي المزمنة. فتوكلت على الله وبدأت أطرح عليه تساؤلاتي عن ديون الوطن وموازناته والعجز والفائض فيها ومشروعات التنمية والاستثمارات في البنى التحتية وتأثير النفط في خفضها ممنياً نفسي بأنسكينتها لديه وكذك لينعتق أحفادي بعد أن تهدأ مخاوفي يهم على يديه لأنهم هم الذين سيكبلون بدينٍ لا ناقة لهم فيه ولا جمل وبذا يكون صديقي قد بشرني خيراً ويطمئنني على مستقبلهم ولن يكون هناك منهم من يهجوني " هذا ما جناه عليّ أبي وما جنيتُ على أحد".!! قال لي أن جملة ديون السودان بلغت (35) ملياردولار ؛ أي أن في ذمة كل مواطن سوداني حتى نهاية عام 2010 مبلغ وقدره (1166) دولار بما في ذلك الأطفال والمواليد (على إعتبار أننا30 مليون نسمة بعد الانفصال) ؛ وقال : ولكن مع هذه الأوضاع والأزمات المناطقية التي يعيشها السودان فمن المؤكد أن على السودان أن لا يتوقع إعفائه منها . يا أخي تصور أن إجمالي صادرات السودان غير النفطية لا تصل في أحسن أحوالها لأكثر من (800) مليون وهذا الرقم متفائل لأنني زدته ما بين 10-15% . ولو كل أهل للسودان ربطوا الحزام وبطّلوا الأكل والشراب وصاموا الدهرالرجبية وقرروا دفع قيمة الصادر كل ال (800) مليون سنوياً فممكن بإذن الله تعالي أن يسدد ديونه بعد أربعة أجيال و(كسر) أي بعد (43) سنة .!! طيب يا دكتور ومداخيل النفط من سنة 2001 وحتى 2005 ونصيبب الشمال بعد الاتفاقية من 2005حتى اليوم مشى وين؟! .. قال لي : شوف يا أخي كل الجسور والكباري الشافتا عينك تم تمويلها من مؤسسات مالية إقليمية واتفاقات قروض ومنح ثنائية مع دول شرق آسيا ، والله رغم إنو بيقولوا عليّ خبير ودا مجالي لكين حكومتكم دي حيرتنا ؛ والله فيها خبراء في " دغمسة " الأرقام (ISO Certified (يتعذر حتى على )فيثاغروس( يفك طلاسما .!! ؛ فقلت له كيفن يا دكتور والشغلة دي حتستمر لي متين؟! فقال لي : أسأل جماعتك إنت أدرى بيهم.!!.. وكأنه أسقط في يدي ، فزاد همي ؛ فكضمت!! هامش: فجأة أُعلن عن قيام رحلته فودعته وانصرف بنحو ما لايزيد نحو عشرة أمتار ولكنه عاد إليّ مرة أخري وهو ينادي: يا ابوبكر .. يا أبوبكر تعال ، متذكر سؤالك لينا لما كنا صغار عن قندران عمك إبراهيم الحبشي وليه أكبر من اللواري ؟! قلت ليهو إنت لسه فاكر ؟ فقال : لأن جماعتك ديل زي القندران بشيلو كتير!! .. وعارف ليه صوتو عالي؟! عشان ماكينة جماعتك بتشتغل بالنفط الخام وكل مشتقاتو من جازولين وبنزين وحتى بنزين الطيارات والغاز.!! رغم ثقتي الكبيرة في الرجل وغزارة علمه وخبرته إلا أنني لم أستطع أن أنسى إنه حزب أمة أباً عن جد وقلت في نفسي ربما أصابته عدوى من سيدي الامام وأن كل ما قاله ربما يكون تصفية حسابات.!! وصلت لوجهتي عصراليوم التالي ومن تعب السفر نمت كالميت وإذا بأم العيال توقظني وكذلك اصغر ابنائي وقالا لي: " مالك بتهضرب؟! وليه بتردد جملة واحدة بس هي (القندران بشيل كثير ..القندران بشيل كتير) إبتسمت وقلت لي إبني : " كان جماعتي أكلو البيض يا ولدي عليك انت واحفادك بعدين تلدوا الفروج" !! ورأيت أن لا أحبطه وقررت أن لا أوضح له ما أقصد وتركته كما تركنا وزراء مالنا حين نسألهم عن موازناتنا وديوننا دون إجابة فيرد بعض الساخرون منا ( خليها حمدو في بطنوا). قلت لإبني عموماً بعدين لما تبلغ عمرنا حتعرف شنو حكاية "القندران بشيل كتير" .. بس أجيالكم تبشر بالخير .. زمنكم حيكون أجمل من زمننا!! لنا عودة إن فتح واحد خشمو وقال إن الكلام دا كلو ما " حقيقي" وما " علمي " وكلام "مغرض" وهو( أكلشيه) مدور وتعود أهل الذكر من بعض المسئولين في دفاعهم تشنيف آذاننا به؛ عموماً " خلوها مستورة "ولكن حنعود إن أنكروا إنو ما عندنا بلاوي متلتلة!! قال الله ربنا سبحانه وتعالى في محكم التنزيل: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً} [النساء: 10] .. بالله عليكم يا جماعة الخير أنحنا ما إيّانا ذاتنا اليتامى النزل القرآن في حق أموالم؟!! abubakr ibrahim [[email protected]]