تشاد تتمادى في عدوانها على السودان    الجنرال كباشي فرس رهان أم فريسة للكيزان؟    الفاشر.. هل تعبد الطريق الى جدة؟!!    لم تتحمل قحط البقاء كثيرا بعيدا من حضن العساكر    وفاة بايدن وحرب نووية.. ما صحة تنبؤات منسوبة لمسلسل سيمبسون؟    الخارجيةترد على انكار وزير خارجية تشاد دعم بلاده للمليشيا الارهابية    الأحمر يعود للتدريبات    ريال مدريد يسحق قادش.. وينتظر تعثر برشلونة    شاهد بالفيديو.. محامي مصري يقدم نصيحة وطريقة سهلة للسودانيين في مصر للحصول على إقامة متعددة (خروج وعودة) بمبلغ بسيط ومسترد دون الحوجة لشهادة مدرسية وشراء عقار    الأمعاء ب2.5 مليون جنيه والرئة ب3″.. تفاصيل اعترافات المتهم بقتل طفل شبرا بمصر    شاهد.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تنشر صورة لها مع زوجها وهما يتسامران في لحظة صفاء وساخرون: (دي محادثات جدة ولا شنو)    شاهد بالصور والفيديو.. رحلة سيدة سودانية من خبيرة تجميل في الخرطوم إلى صاحبة مقهى بلدي بالقاهرة والجمهور المصري يتعاطف معها    غوارديولا يكشف عن "مرشحه" للفوز ببطولة أوروبا 2024    كباشي والحلو يتفقان على إيصال المساعدات لمستحقيها بشكل فوري وتوقيع وثيقة    المسؤولون الإسرائيليون يدرسون تقاسم السلطة مع دول عربية في غزة بعد الحرب    الحرس الثوري الإيراني "يخترق" خط الاستواء    ريال مدريد ثالثا في تصنيف يويفا.. وبرشلونة خارج ال10 الأوائل    تمندل المليشيا بطلبة العلم    الربيع الامريكى .. الشعب العربى وين؟    الإتحاد السوداني لكرة القدم يشاطر رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة الأحزان برحيل نجله محمد    ((كل تأخيرة فيها خير))    هيفاء وهبي تثير الجدل بسبب إطلالتها الجريئة في حفل البحرين    دراسة تكشف ما كان يأكله المغاربة قبل 15 ألف عام    مستشار سلفاكير يكشف تفاصيل بشأن زيارة" كباشي"    نانسي فكرت في المكسب المادي وإختارت تحقق أرباحها ولا يهمها الشعب السوداني    قائد السلام    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    شاهد.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تنشر صورة حديثة تعلن بها تفويضها للجيش في إدارة شؤون البلاد: (سوف أسخر كل طاقتي وإمكانياتي وكل ما أملك في خدمة القوات المسلحة)    الأمن يُداهم أوكار تجار المخدرات في العصافرة بالإسكندرية    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الخميس    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الخميس    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الخميس    العقاد والمسيح والحب    شاهد بالفيديو.. حسناء السوشيال ميديا السودانية "لوشي" تغني أغنية الفنان محمد حماقي و "اللوايشة" يتغزلون فيها ويشبهونها بالممثلة المصرية ياسمين عبد العزيز    «الذكاء الاصطناعي» بصياغة أمريكية إماراتية!    مؤسس باينانس.. الملياردير «سي زي» يدخل التاريخ من بوابة السجن الأمريكي    الموارد المعدنية وحكومة سنار تبحثان استخراج المعادن بالولاية    فينيسيوس يقود ريال مدريد لتعادل ثمين أمام البايرن    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عرمان إختار الملعب الصحيح وسط اللاعبين الخطأ ... بقلم: امين زكريا إسماعيل
نشر في سودانيل يوم 09 - 05 - 2009


امين زكريا إسماعيل
[email protected]
من خلال متابعات كبيرة ما يدور فى الوضع السياسي الراهن، خاصة داخل البرلمان المنوط به التشريح الدقيق لقضايا المجتمع والدولة وضمان حقوق المواطنيين حتى و لو كانوا أفرادا، و هو الملعب الصحيح بجانب المؤسسات البحثية فى الحديث والبحث ان أدق القضايا المجتمعية بشفافية وتجرد ونكران ذات و موضوعية بعيدا عن أى تعصب أو هوس دينى او عرقى او افلاس سياسي.
و لقد وقفت على كل الكتابات و ما يسمى بالفتاوى ومحاولات التهديد و الاغتيالات بإيجابياتها و سلبياتها حول مرافعات ومواقف عرمان داخل البرلمان، و فى مجملها ان هنالك وقفة كبيرة داخليا و خارجيا مع عرمان حتى من بعض المجاهدين والدبابيين الذين كتبوا بإيجاب عن انسانية عرمان حينما كانوا فى الأسر. و رغم ما كتبه العديدين نقدا لاسحق أحمد فضل الله والطيب مصطفى و لكن استوقفنى مقال الاستاذ الصحفى ضياء الدين البلال الذى أشار فيه الى أن عرمان قد إختار الملعب الخطأ فى تناوله لقضية الزنا فى القانون الجنائى، ورغم إشارات البلال المبطنة لذكاء عرمان السياسي، الا أنه كصحفى ومتابع عن قرب لمجريات الاحداث السياسية قد أشار اشارات مبهمة و غير مثبته فيما اذا كان حديث عرمان مشوها ام لا ، بل ذهابه الى عدم اختيار التوقيت الصحيح ينافى زمان مناقشة الحدث داخل البرلمان، و ما أشار اليه فى مقاله بصورة أو بأخرى حول حادثتى مقتل الاقرع و بلل رغم براءة عرمان المعروفة و الثبتة فى هذا الامر، لم يخلو من إمتداد مبطن لعقليتى الطيب مصطفى و إسحق أحمد فضل الله التى إنتقدهما الكثيرين بما فى ذلك بعض أجهزة الدولة.
ما نلاحظه فى الساحة الاعلامية أن كثيرا من الاقلام مكبلة و ينقصها الجرأة والضمير و بعضها مأجورا و بوقا للسلطان و هو ما أخر العمل الصحفى و الحريات مع احترامنا للعديد من الاعلاميين والصحفيين اصحاب الضمير والكلمة الصادقة.
فما ذكره عرمان من داخل البرلمان هو المدافعة عن حق إنسانى يجب ان يتمتع به كل فرد فى دولة متنوعة ثقافيا و دينيا كالسودان، وعرمان كرئيس للهيئة البرلمانية لنواب الحركة الشعبية ونائب امينها العام لقطاع الشمال عضو مكتبها السياسي و ناطقها الرسمى يجب أن يدافع عن حقوق غير المسلمين وان لم يقل الحق فهو شيطان اخرس ككثيرين من كمبارس العملية السياسية داخل البرلمان و خارجه، و ما قاله هو ما ورد نصا فى اتفاقية السلام الشامل و الدستور الانتقالى و مفوضية حقوق غير المسلميين و الذين و قع عليهم المؤتمر الوطنى جميعا والتى تطلب محو امية اتفاقية السلام من بعض النواب الذين لا يدرون و لا يدرون أنهم لا يدرون و هذه أسآة.
فإن الهجمة الاعلامية غير المبررة ما هى الإ اسقاطات سياسية لمحكمة الجنايات الدولية وتصفية حسابات سياسية وتشويه للحركة الشعبية قبل ياسر عرمان، بل حتى لمسيحي المؤتمر الوطنى ناهيك حتى النائب الاول لرئيس الجمهورية و أصحاب الديانات والمعتقدات الاخرى.
اذا الحقوق حتى و لو كانت فردية تظل محل نقاش السلطات التشريعية فى أى بلد متحضر، ويجب أن تقابل بالنقاش والرد المنطقى، وليس بالتكفير والتذبيد الزائف او المدفوع الاجر، و أذكر أن أحد القضايا الفردية فى دولة أروبية قد مرت عبر الاجهزة القضائية الى ان وصلت برلمان الدولة، و هو أن مؤسسة البريد قد أنشأت مبنى ضخم جديد وطلى و زين بشعار و لون البريد وكان ذاك المبنى مواجها لشقق سكنية عالية وتسكن إحدى النساء فى شقة مستأجرة لمبنى البريد، و قد تسبب اللون فى إثارة المرأة نفسيا لدرجة انها تخلت عن الجلوس فى بلكونتها و فكرت فى الانتحار عدة مرات اشمئزازا من ذاك اللون، فتقدمت بشكواها الى مجلس الحى ثم القضاء الى ان نوقشت فى البرلمان وتم إنصافها برلمانيا وقضائيا وبعد محاكمات مع البريد حكمت المحكمة العليا لصالحها فى أن تختار المكان المناسب لسكنها بعيدا عن تلك المنطقة وان يتكفل البريد بشراء تلك الشقة وهو ما حدث. فكيف ان دولا توصف بالكفر وغيره من اوصاف المتطرفين وتهتم فى قوانينها و تشريعاتها حتى بالجانب النفسى لمواطنينها، فما بالك أن يتحدث عرمان عن حقوق الملايين المسيحيين وغيرهم وفقا لاتفاق السلام الشامل والدستور الانتقالى ومفوضية حقوق غير المسلمين، و مع الاسف الشديد أن الذين وقفوا ضد عرمان هم من أنتهلوا علمهم فى الدول الاروبية و قد وجدوا افضل معاملة اثناء تواجدهم هناك و زياراتهم الدورية هم و اسرهم التى لم تنقطع عن تلك الدول الاروبية حتى الان وطبعا المخمومين ناس تأكل عيش لهم من العذر والمبررات ولكن أملنا ان يعودوا الى صوابهم.
اذا فالملعب صحيح على الرغم من أن الاستاذ ضياء الدين يقصد جريمة الزنا، ولكننا نقصد ملعب البرلمان، الا ان اللاعبين هم الخطأ، بمعنى أن البرلمان مكانا للذين يفهمون قضايا المجتمع و الدولة بصورة صحيحة ويناقشونها بأسلوب منطقى ومتجرد وليس و فقا لعقليات شمولية أو آراء أحادية. وكل هذه دروس و عبر للشعب السودانى المقبل على الانتخابات القادمة فىجب أن يختيار ممثلين جيدين و ان لا يدعوا مجالا للصدفة يأتى بخموم الى داخل البرلمان، لان البرلمان هو روح الشعب والرقيب والمحاسب للاجهزة التنفيذية و المشرع للدساتير و القوانيين التى تصون حقوق الانسان وتحفظ كرامته مما يساعد على وحدة وسلامة الوطن بأسس جديدة.
فالهجمة ضد عرمان و غيره من رموز الحركة وخاصة الشماليين هى هجمة منتظمة يقودها متطرفى الشمال الذين يرون ان عرمان وغيره قد كسروا الدائر المغلغة للفهم الاثنى والدينى الاحادى المتطرف وتبنوا أفكار انسانية عظيمة ومحترمة ومنطقية قادمة من الاطراف والهوامش وتحترم تنوع السودان الثقافى والدينى وتشرح التاريخ والاجتماع و الاقتصاد و الجغرافية السودانية و تدعوا الى هوية سوداناوية بعيدا عن كل التعصبات و هو ما عبر عنه فكر السودان الجديد، و هو ما يفهمه كثيرا من كمبارس العملية السياسية و المعاد انتاجهم و هو ما أخر تطور الحقوق المدنية لاهلهم.
عنوان هذا المقال فى جزئيته الثانية تم نشره فى يوم 1/6/2007م، الا انه إستجابة للعديد من القراء و المتابعين خاصة بعد الهجمة غير المبررة على الرفيق ياسر عرمان، رؤوا ضرورة التذكير بهذا المقال الذى يشبه ما يدور الان فى السودان على الرغم من انه سابق لهذه الاحداث بعامين وسابق للانتخابات المقبلة اذا قامت فى ميعادها بثلاثة اعوام.
فالازمة الموجودة حاليا هى نتاج أزمة تاريخية تتطلب وعى الشعب السودانى للخروج منها عبر الانتخابات القادمة، الا اننا سندور فى حلقة مفرغة تؤدى الى تقسيم السودان الى دويلات.
السودان بلد ملئ بالتعقيدات المتافيزيقية والنفسية والاجتماعية والبيئية ذات الابعاد السياسية المصطنعة، مما أثر فى التطور الطبيعى للخارطة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، لأن النخب السلطوية المركزية مستفيدة من هذه الوضعية لخلق تميز مزيف يضمن استمراريتها وسيطرتها على مقاليد الامور و إقصاء الآخرين او إعادة إنتاجهم بما يخدم مصالحهم الذاتية. ومن ثم فإن ديناميكية التحرر والتحول الفكرى والسلوكى القادمة من الاطراف يقابلها شراسة إستاتيكية وجمود فكرى مركزى يسيطر عليه ما يسمى بالنخب او الصفوة المركزية.
وتنيجة لتلك التناقضات تظل المعادلة السياسية غير موزونة ولا تنبأ بتغيرات جادة تصب فى مصلحة الشعب السودانى، وللأسف فإن هذه النخب قد استخدمت العلم لخدمة استمرارية دوافعها الأنانية، وبالتالى فإن دوائر الصراع الثقافى وصراع الهوية ودولة الدستور والقانون والمواطنة سوف تدور فى دوائر مفرغة ولن يحدث تغيير ملموس إلا بتغيير أجهزة الدولة ونظرية المؤآمرة والأدوات التى تستخدم لأستمراريتها، لأن ما يدور فى جهاز الدولة بشكلة الحالى سوف يعيق من وحدة استقرار السودان آنيا ومستقبلاً، وبالتالى فإن الحاجة الى فهم جديد ووعى مستنير يتطلب مناقشة هذه التعقيدات بتجرد بعيدا عن اى تعصب عرقى او دينى او سياسى وذلك للخروج من واقع الأزمة السودانية المعاشة.
فرغم الظروف التاريخية المأساوية التى مر بها الشعب السودانى الغنى بثرواته وتنوعه الإجتماعى و الإقتصادى و السياسى والبيئى والدينى واللغوى .....الخ، ورغم الإفقار المتعمد له من ساسته، إلا أن هذا الشعب ظل بإستمرار متمسكا بآماله المستمرة نحو تحسن حالة وهو لا يدرى ان ساسة السودان بضيق افقهم والجرى وراء مصالحهم الانانية قد ضحوا بهذا الشعب وتطلعاته ونالوا جائزة الاخفاقات والتبرير اللامنطقى، حيث نلاحظ أن الغالب المسيطر على العقلية السودانية السياسية هو المصلحة الانانية الضيقة بمعنى القصور الذاتى فى التفكير وحب الذات مما ساعد فى تعميق الازمة السودانية.
كما ان إصرار ساسة السودان على الإخفاقات وتكرارها ما هو إلا إستغلال لبساطة الشعب السودانى المؤمن بقدره بجانب تكوينه الإجتماعى وتفشى نسبة الجهل والامية وتركيبته النفسية وتعدد بئآته الجغرافية، وهو بالطبع إستغلال سئ من الصفوات المركزية التى ما فتأت تعيد تكرار نفس الأزمة.
العنوان المطروح امامنا هو عبارة عن محاولة اولية لتحليل تعقيدات الأزمة السودانية من خلال قراءة الواقع السودانى كمدخل لحوارات عميقة تتناول تداخل العوامل المختلفة لإستمرار العقلية السلطوية فى المركز وتبادلها للأدوار تحت أشكال ومسميات مختلفة لا تنجو حتى الديمقراطية بمفهومها الليبرالى من تعقيداتها هذه.
التعقيدات الميتافزيقية:
ونقصد بها التعقيدات والتى تأتى من وراء الطبيعة والخاصة بإيمان الناس بقدرهم خيره وشره كمحاولات تبريرية يسوقها السياسيون الفاشلون مستفيديين من الوازع الدينى المغروس فى الناس بفهم خاطئ عبر وسائل الإعلام والمنهج و الإقتصاد والبيوتات الطائفية والتنظيمات السياسية الدينية، وهو ما يؤكد أن ساسة السودان قد جمدوا وعطلوا الفكر الحر للشعب السودانى بدلا من الاستفادة منه علميا وتحويله الى واقع عملى يكون جوهره النجاح. ولإقناع الناس وتبرير إيهامهم فإن ساسة السودان يستخدمون آيآت وأحاديث وأشعار نزلت او كتبت فى مواقع وبمسببات تختلف تماما عن الوضع الراهن. وبالتالى فإن القناعات التى يصوغها الشعب السودانى فى أن قدره وإبتلاءاته هى التى جعلته يعيش حالتة المزرية، ما هى إلا صناعة وبضاعة سياسية رخيصة يسوق لها الساسة بصورة علمية مدروسة لإبقاء عامة الناس فى وضعهم القدرى الميتافيزيقى والتسلق على اكتافهم للأستمرار فى السيطرة عليهم تاريخيا، ودائما ما يتفنن الساسة فى خلق الخزعبلات بإسم الدين والأقدرار والكرامات فى إقناع بسطاء الشعب السودانى بإدعاء أنهم خلفاء الله فى الأرض بتبريرات متافيزيقية كنزع القرود للألغام ومحاربة السحب والملائكة معهم وأن الموسيقى الصاخبة التى يتغنى بها الصبية هى موشرا لتسيير العريس الى الجنة ....الخ، كل هذه الأشياء يهندسها مهندسو التطبيل والتدجيل بعناية فائقة لأبطال التفكير العقلانى وإستلاب العقول لبقاء إستمراريتهم، وكل من يخرج عن هذه القبضة فهو كافر وملحد ونصرانى ووثنى يجب إهدار دمه. بمعنى أن الأنظمة الدينية السياسية والطائفية تستخدم الترغيب التضليلى أو الترهيب المتافيزيقى والمادى لتضمن قيادة بسطاء الشعب وعزل وإستبعاد ومحو عقلائه، وهو ما يؤكد العقل الباطن لساسة السودان الذين يستخدمون الدين وغيره من العوامل المتافيزيقية والاثنية للسيطرة، وما يؤكد ذلك أن سلوك معظم هذه النخب السياسية عمليا لا يشبه حتى إعتقادهم فى وجود إله، فتجدهم منافقون، كذابون، نهابون، قاتلون....الخ ولكنهم يملكون قدرات الابداع فى إيهام الناس وتضليلهم وتبرير فشلهم بأشياء يربطونها بالقدر تارة وبالإبتلاءات الربانية تارة وبالعمالة وغيرها تارة أخرى. لذلك خلى خلى روح الشعب السودانى من المحاسبة والمساءلة وظل بإستمرار يندب حظة ويرمى اللوم على القدر، ولا يعلم أن حظه أخفق فيه ساستة وجهاز الدولة، حيث ظل الأعتقاد بسوء الحظ وسوء الطالع وعدم التطور والفقر والمرض والجوع والجهل مربوط بعوامل قدرية وهو فى واقع الأمر ليس صحيح لان الدول التى تقدمت يفوقها السودان السودان فى تاريخة وموارده وتنوعه ولكن لماذا تقدمت؟ بكل بساطة لأنها سعت الى لبناء إنسانها بمعنى التنمية البشرية بجانب مواردها وثرواتها اى التنمية الاقتصادية بمفهومها الكبير وتحديد هويتها وفقا لتنوعها وصياغة ذلك فى دستور وقوانيين إرتضاها شعبها وحققت عدالة على أساس المواطنة ووظفت مواردها التوظيف الأمثل بدل نهبها، ولم تعطى مجالا للمتافيزيقيا إلا فى الأمور المتعلقة بحرية العبادة الشخصية المتنوعة وفى داخل أماكنها فقط وليس فى مؤسسات الدولة والإنتاج والعلم والإقتصاد ...الخ، بمعنى فصل الدين عن السياسة والدولة. لذلك فإن هذه الحلقة المغلقة للتضليل لم ينجو منها حتى حملة الشهادات العليا سواء كان بعدم وعى أو بوعى مصلحى مما عقد التطور الطبيعى للإستفادة من العقل الإنسانى لبناء دولة بالمعايير العلمية الصحيحة.
التعقيدات السيكوسوسيولوجية:
كما ذكرنا فى مقالآت متعددة ان السودان بلد متعدد المجموعات الأثنية واللغوية والدينية، ولكن بدلا من الاستفادة من هذا التنوع لخلق شعب ذو هوية متميزة عن غيره، إلا أن إصرار النخب الأقلية التى حكمت السودان وتتطلع لحكمه آثرت على الإبقاء على نظرية التعالى الثقافى المتوهم وتذويب الآخرين داخل المنظومة الإسلاموعربية مستغلة جهل الناس وقدريتهم لابقاءهم فى أسفل درجات السلم الإجتماعى لضمان تبعيتهم الأبدية، وهى محاولات نجحت الى حد كبير من خلال ممارسات الخم السياسى ولم تواجه إلا فى العشرين سنة الأخيرة من قبل عامة الشعب السودانى المخموم والذى عبر عن سخطة بالثورة فى مواقع مختلفة من السودان، شرقه وغربه وجنوبه وشماله ووسطه.
ولكى يضمن اصحاب ذاك الخطاب السياسى الإسلاموعروبى إستمرار اجندتهم الخفية فإنهم يتصيدون المتميزيين من أبناء الريف والهامش السودانى عبر وسائل مختلفة منها المال والوظيفة والمصاهرة وغيرها للإستفادة من تميزهم وإعادة إنتاجهم بما يخدم منظموتهم. لذلك فإن معظم أبناء الأطراف أو الهوامش المتميزيين كانوا أدوات إستخدمت ضد التطور الطبيعى لاهلهم وأعيد إنتاجهم عبر أنظمة سياسية دينية أو طائفية، ولقد استفادوا كأشخاص بفهم أنانى ضيق، بل لعبوا أدوارا سلبية وبتبريرات غير منطقية لجر أهلهم لتلك التنظيمات بإقناعات غير واقعية لم يجنى منها الريف والهامش السودانى بلا إستثناء إلا سوءا فى احواله المعيشية والتعليمية والتنموية، وكلما أحس المركز بتراخى أو تراجع المعاد إنتاجهم من الريف فإنه يحركهم بأدواته لزيارات ميدانية ماكوكية لأهلهم وخاصة فى زمن الأزمات والحروب والإنتخابات، لذلك فإن دائرة التطور التلقائى والطبيعى مفقودة لأن مفاتيح المجتمعات يعاد إنتاجهم بطريقة ذكية ويستغل فيها ثقة أبناء المنطقة المعينة فى إبنهم المعاد إنتاجه لإقناع الجماهير بأن مصلحتهم مرتبطة بذاك الخطاب السياسى، بل يذهبون الى أكثر من ذلك فى التشكيك و القتل السياسى والاعلامى للمقتدرين على التغيير من أبناء الهامش، مما أثر فى كثير من مثقفى الهامش:
فتجد بعضهم هاربين أو خائفين أو منزويين او متطرفيين بفهم غير منطقى، وهو ما يساعد على إعادة إنتاجهم.
فالرسالة والخطاب السياسى الذى يستخدمه اصحاب السلطة لاحتواء تطور الاطراف يختلف بين كل مجموعة و إثنية ودين، فخطاب الشمال يختلف عن خطاب الجنوب ويختلف خطاب الشرق عن الغرب وعن الوسط فكل يفصل له مقاسا يتناسب مع الخم السياسى الذى يترآئ فى مظهره منطقيا ولكنه فى واقعه خبيثا، وحتى داخل المجموعة الواحدة او الاتجاه الجغرافى الواحد يستخدم المركز عدد من خطابات التباعد بينهم، وهو نوع من التذاكى السياسى.
كما ان النخب المركزية قد كسرت حاجز الإختلافات السياسية بينها حتى ولو كانت تنتمى الى تنظيمات سياسية مختلفة عبر المصاهرة والقرابة والمصلحة الإقتصادية وفاقدى الهوية والمعاد إنتاجهم، وهو ما يظهر جليا داخل الأحزاب الطائفية والدينية والعقائدية الشمالية حيث نلاحظ الكثير من التقاطعات تؤكد ان منهاج التفكير الاسلاموعروبى لا خلاف جوهرى بداخلة، وبالتالى فإن درائرة اللعبة السياسية مغلقة ومتداولة على المستوى البنائى التنظيمى وعلى مستوى أجهزة الدولة وصناعة القرار سواء كان ذلك عبر الانظمة الشمولية الدكتاتورية او الديمقراطيات الهشة، لذلك يفتقد او يتم تناسى عامل المحاسبة حتى فى حالات القتل والابادة لأنها جميعا تتم فى الأطراف وبأبناء الهامش نفسهم، بمعنى السناريو فى مسرح العمل السياسى هو مسألة تسليم وتسلم للسلطة ولعل المتابع لمسيرة السلطة منذ ما يسمى بإستقلال السودان الذى جوهره إستغلال السودان يدرك كيف تم تسلم السلطة فى 1956م وكيف سيطرة هذه القلة على على نسبة 98.4% من مجموع 800 وظيفة قيادية على مستوى المركز وكيف حدث إنقلاب 1958 وكيف ثارت الجماهير الثائرة فى ثورة 1964 وكيف سرقت من خلال نظام ديمقراطى هش فى 1965 وكيف سلمت لإنقلاب عسكرى فى مايو 1969 وثورة 1985 التى حركت الجماهير فيها بفهم خم سياسى أعطى شرعية لنظام ديمقراطى متهالك سلم السلطة لنظام دكتاتورى عسكرى خلخل ما تبقى من أمل للأطراف بفهم إنتقامى وصل حد الابادة العرقية فى جبال النوبة وجنوب السودان وشرقه وغربه و توجه للمهمشين فى الشمال، وتمكن من إعطاء نفسه الشرعية عبر إتفاقيات وقعها بفهم نظرى لا بأس به ويطبق فيها بفهم لا يشبه بعده النظرى، وسيسعى لتزوير الإنتخابات القادمة لفرض شرعية ديمقراطية أو تدمير الاتفاقيات إذا أحس بفشله ديمقراطيا.
ورغم الدهاء أو التذاكى السياسى للنخب المركزية فى تقاطعات علاقاتها داخليا، إلا أن إستمراريتها مربوطة عسكريا وإقتصاديا بالهامش عبر الذين يعاد إنتاجهم ليحركون اهلهم كحطب للنار فى الأزمات التى تخلق فى الأطراف لزعزة أمنه وإستقراره وإيقاف تنميته وبالتالى تطوره الطبيعى. لذلك فإن الثورات التى قادها ثوريين من الأطراف ضد المركز فى الاطراف جند لهم نفس أبناء جلدتهم ليقاتلونهم، وبالتالى فإن القتلى من الطرفين هو تدمير لطرف واحد عمليا وخلق نوع من التباعد النفسى والالتقاء مما يسهل من عملية الاستقطاب بمسميات دينية أو إثنية أو مصلحية، ويستفاد من الفئة المهمشة المنبوذه طرفيا فى تحقيق منعة عسكرية و أمنية وتدوير العملية الاقتصادية فى مزارع ومصانع ومؤسسات الصفوات الحاكمة.
وبالتالى فإن سياسة ضرب العبد بالعبد والمهمش بالمهمش وغيرها من مسميات العقل الباطن للنخب المركزية السياسية الفاشلة ما هو إلا محاولات متكررة لتغييب الأطراف عن حقوقها وتفكيكها وتخلفها وإبعادها عن بعضها البعض لتكون أداة طائعة تخدم بالوكالة الأجندة الضيقة للنخب السياسية الزائفة فى المركز.
فالتعقيدات المتافيزيقية والسيكوسيوسولوجية فى طابعها الجماعى وممارساتها اليومية الشفهية والباطنية خلقت نماذج نفسية شائهة للنخب السياسية المركزية وأدواتها المعاد إنتاجها طرفيا.
فبالنسبة للنخب المركزية السياسية الشمالية فإن قواعد اللعبة الثقافية وتمسكها بالعروبة والإسلام كخطاب سياسى هو ذو بعد نفسى أكثر منه واقعى، فكثير من البحوث التاريخية والانثروبولوجية أكدت فيما لا يدع مجالا للشك الإنتماء الافريقى الأصيل لمعظم مدعى العروبة فى الشمال، و رغم التفوق الفكرى للانسان السودانى مقارنة بالتخلف الكبير فى كثير من الدول العربية، إلا اأن الجانب النفسى فى شكل التميز العرقى إرتبط بالعروبة كدرجة أسمى توهما مقارنة بالإفريقية أو السوداناوية، ورغم رفض كثير من الدول العربية لعروبة السودان وهو ما أحرج الاستاذ/ محمد أحمد المحجوب رغم فردوسه المفقود وما ذكره المستشار السعودى قبل أربعة فى التشكيك فى عروبة السودان والصومال وجيبوتى، ورغم ما يعانيه عروبى السودان من إحراج فى الدول العربية حيث يوصفون بالعبيد، ورغم تقطيعاتهم الأفريقية من أنف وشعر ولون ...الخ، فإن إصرارهم على عروبيتهم ما هى إلا محاولات للإسقاط النفسى لانهم لا يتحدثون الا العامية السودانية ولا يعترف بها العرب لا حديثا ولا تذوقا فنيا أو غيره بل يطلق عليها لغة العبيد فى الجزيرة العربية كما ورد فى بعض الأبحاث، ورغم ذلك فإن تقرب هؤلاء للعروبة عبر الاسلام لهو تقربا أيديولوجيا أكثر منه دينيا.
و رغم ذلك فإن الانتماء الاثنى او الدينى او الايديولوجى حق مشروع للافراد او الجماعات ان اعترف به الاخرين او لم يعترفوا ولكن ينبغى على يتنقص من انتماءات الاخرين وحرياتهم وهو ما يصب فى جوهر الاستفادة من التنوع الثقافى لاسراء وطن بحجم قارة كالسودان.
وهذا الجانب النفسى المعقد لأجل التمييز جعل الكثيريين يخفون أمهاتهم و آبآءهم وأجدادهم وجداتهم فى كثير من أحياء أمدرمان والخرطوم إلى أن يتوفوا، وجعل الكثيرين من الذين تم إعادة إنتاجهم وإبتعدوا عن اهلهم يغيرون أسماءهم وينكرون أصولهم وأحيانا يغيرون ألوانهم ويتزوجون من المركز او الأجانب خوفا من وضعهم فى دونية سلم التراتبية الإجتماعية الموضوع بصورة نفسية زائفة.
هذه التعقيدات النفسية خلقت تراتبية إجتماعية مشوهة وتركيبة ثقافية فاقدة للهوية، وبالتالى أصبح طابع الإنتماء لتنظيمات النخب السلطوية المركزية ذو إرتباط نفسانى أكثر من هو واقعى، وبالتالى إنصب التفكير فى التطور الذاتى للنخب أكثر منه للشعب لتضمن سيطرة إقتصادية وإستمرارية فى السلطة حتى ولو كان بصورة تداولية وهو ما حدث فى السودان.
أما كمبارس العملية السياسية المركزية من الهامش فهم نخب فقدوا الثقة فى أنفسهم من أجل التغيير بأبناء الهامش الذين هم الأكثر عددا، وبالتالى إتخذوا أقرب الطرق النفسية لتؤكد قربها من المجموعة الأولى وتميزها عن أبناء الهامش أنفسهم، رغما أن إعادة الأنتاج لا تخرجهم عن دائرة النظرة الدونية حتى لو تم تزويجهم أو مصاهرتهم والدليل على ذلك ما نراه من وضعيتهم على مستوى التدرج فى المنظومة الإجتماعية والإقتصادية والسياسية حتى لو كانوا متفوقين فكريا وعلميا وعمليا، وهم يدرون ذلك، وما فرفرات أبناء دارفور وكردفان داخل المنظومات الطائفية والدينية والعقائدية السياسية الشمالية للوصول الى رئاسة تلك التنظيمات والحصول على مواقع مؤثرة وصانعة للقرار فعليا لا شكليا ما هو إلا محاولة فاشلة تنقصها الجرأة السياسية الثورية فى قيادة تنظيمات بنفسها أو الانضمام لتنظيمات الهامش التى أضعفت بسببهم، فهم فاقدى الثقة فى ذواتهم على الرغم من أنهم خلقوا قاعدة جماهيرية هشة لتلك التنظيمات، ومع أنها تمت عبر طرق خداعية انانية فإنها تكسرت نتيجة للوعى الشعبى التلقائى وأصبح هذا الكمبارس المسخر كادوات لخدمة النخب المركزية يواجه من قبل الشعب، ورغم تخلخل وضعيتهم النفسية إلا أنهم يساورهم الخوف الكبير للتخلى عن تلك النخب المركزية خوفا من ضياع وضعيتهم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية الشائهة. فإنه بجانب ما ذكر نجد أن النخب المركزية تستخدم معهم أساليب الترغيب والترهيب لأنهم يمتلكون جزء من اسرار النخب المركزية بما فيها المخططات ضد أهلهم بينما تمتلك تنظيماتهم الاسرار الكلية عنهم لاستخدامها فى أغتيال شخصياتهم وجعلهم كبش فداء بسناريوهات حتى أمام أهلهم، وبالتالى فإنهم يستسلمون للظلم والمرارة والجلوس فى فى أدنى درجات السلم الاجتماعى والسياسى وتأتى البيوتات الطائفية والأحزاب الدينية بأبنائها وبناتها لتدربهم لخلافتهم ويظل هؤلاء المعاد إنتاجهم يتظاهرون بمعارضة هذه الوضعية شكليا وينعتون هؤلاء فى جلساتهم الخاصة بأولاد البحر والجلابة وينتقدونهم من خلفهم ولكنهم تنقصهم الجرأة للإفصاح عن ذلك فى إجتماعاتهم العامة أو مبارحة تلك التنظيمات، مما خلق فى دواخلهم شخصيات متضاربة وصراعات فى دواخلهم تنتهى بامراض الضغط والسكر والأزمات القلبية، ودائما ما يقنعون أنفسهم بمبررات واهية يربطونها بتاريخ آباءهم واجدادهم داخل تلك التنظيمات وهى محاولات تطمينية ذاتية اكثر منها واقعية.
التعقيدات الجيوبولوتيكية:
أثبتت الدراسات العلمية الجغرافية ان الانسان يتأثر ويؤثر فى البيئة الطبيعية والجغرافية التى ينشأ فيها، وبالتالى فإن أحجام الناس وألوانهم و أشكالهم وسلوكهم وعلاقاتهم الاجتماعية وأنماط الإقتصاد وطرق التفكير تتحكم فيها عوامل متداخلة من بينها البيئة والجغرافية. وكما ذكرنا فى مقالآت سابقة فأن أصحاب الخلفية البيئية الصحراوية يمتازون بالدهاء بنوعيه الأبيض والأسود لأن عامل الطبيعة يحكم عليهم هذا التعامل لكى يقاموا ظروف الحياة القاسية، وهذا النوع من التفكير والسلوك ينتقل مع الشخص إلى أى بيئة أخرى مغايرة إذا لم يعى ذلك وينعكس فى ممارسة حياته اليومية، وكذلك فان سكان المناطق الإستوائية او المخضره والجبلية لهم ما يميزهم من سلوك اهم خصائصة البساطة والصدق والشجاعة والتعاون ولكنهم يوصفون احيانا بالخمول نسبة لما تجود به البيئة من معطيات الحياة، وهنالك مميزات لبيئات نيلية ومدارية ومختلطة وشبه صحراوية تلعب دورا كبير فى تشكيل سلوك الناس وطريقة تعاملهم وتفكيرهم وبناء شخصياتهم.
ورغم ما ذكر فإن هذا التنوع البييئى يمكن ان يستقل بصورة إيجابية لتفادى جوانبه السلبية. فإقتصاديا فإن التنوع البيئ خلق تنوعا فى المنتوجات وبالتالى فإن التبادل او التسويق الجيد جعل القطر او القارة أو العالم يستفيد إقتصاديا من المنتوجات المتنوعة بيئيا، وبالتالى قلت ندرة الموارد الاقتصادية عن طريق التسويق والاستيراد والتصدير وهو ما حقق إكتفاءات ذاتية على مستوى الأقطار فى كثير من المنتوجات وسوقا عالمية تتبادل فيها الدول منتوجاتها مما ساهم فى استمرار الحياة بصورة أفضل وخلق علاقات تجارية نزيهة بين الدول.
هذا التنوع يمكن ان يستخدم ايضا فى الجانب الفنى والرياضى والاجتماعى والثقافى والدينى واللغوى ...الخ إذا كان هنالك قادة سياسيون حريصون على ذلك، ويتم ذلك بسهولة عبر المنهج والاقتصاد والاعلام والدستور والقوانين التى تنظم ذلك. ولكن هذا لم يحدث فى السودان مما عقد التطور الطبيعى وجعل بلد كالسودان غنى فى تنوعه و فقير فى تغيير نقلات حقيقية فى مجتمعة إقتصاديا وإجتماعيا وسياسيا وفى هويته كذلك. حيث كان الفهم السطحى للذين إستغلوا جهاز الدولة فى تمرير أجندتهم الخفية والخاصة هو بمثابة إعاقة حقيقية للإستفادة من التنوع فى إثراء العمل السياسى والإقتصادى والإجتماعى فى السودان.
هذا التكبيل المقصود لمقدرات الوطن بما فيها القدرات الفكرية وإعادة إنتاج الناس والأزمة عبر جهاز الدولة قاد الكثيرين من أبناء الهامش تاريخيا فى التفكير فى تنظيمات من الاطراف لإحداث تغيرات وبرزت تنظيمات ذات تاثير نسبى خاصة فى الستينيات كمحاولة إيجابية لكسر ذاك الطوق رغم ما واجهته من صعاب لشلها خاصة من طرف القوى المسيطرة على جهاز الدولة عبر المنهج والاعلام والاقتصاد والنعوت العنصرية والجهوية كالطابور الخامس والمارقين والمتمردين والخونة كمحاولات تخويفية مستغلة أبناء الهامش المعاد إنتاجهم مركزيا للوقوف ضد هؤلاء تفاديا لصياغة دولة المواطنة التى يحكمها الدستور والقوانيين، لذلك فإن أى محاولة يقوم بها أبناء الهامش للتغيير توصف بالإنقلابات العنصرية وما يقوم به صفوات المركز أو مؤسسات الجلابة توصف بالثورات. وهو ما قاد الثوريين من أبناء الهامش للثورة وأحداث التغيير من الاطراف وخلق دولة بمفهومها الصحيح يتساوى فيها الجميع فى الحقوق والواجبات.
وبالتالى فإن ثورات الاطراف أو الهامش لم تكن ثورات تحررية خاصة بالهوامش ومطالبها فقط كما يروج لذلك المركزيين، ولكنها تحمل أطروحات فكرية عميقة لحل الأزمة السودانية عبر قراءة وتحليل عميق لجذور الأزمة السودانية تاريخيا و إجتماعيا وثقافيا وإقتصاديا وسياسيا وعبر فكر ونظرية لسودان جديد متنوع، لأن الشكل الشائه من خلال السرد والطرح المذكور سابقا سيعقد الأزمة ويذيد من درجات الغبن الأجتماعى والسياسى ويقود الى بلد يعيش الناس فيه جغرافيا ولكن يفتقد بينهم اوجه التلاقى.
الخاتمة:
رغم صلاحية الافكار والرؤية القادمة من الأطراف لبلد متنوع كالسودان إلا أن تداخل تعقيدات العوامل المتافيزيقية والنفسية والاجتماعية والبيئية والسياسية التى تطرقنا لها ، بجانب المحاولات المستمرة لعصبة جهاز الدولة فى الاستمرار ومع سيطرتها للأدوات الاقتصادية والأعلامية والأمنية و استاتيكية عقلية المعاد إنتاجهم مركزيا، فإنها ستظل تتمسك باطروحاتها الأنانية مستقلة فى ذلك الفهم السطحى غير المتطور او المتعمد إبقاءه على هذه الحالة بإستخدام الميتافيزقيا للتشوية والتشويش الدينى والسوسيولوجيا والثقافة للتعالى والتميز الثقافى والسيكولوجيا للإشباع النفسى المريض والدهاء البيئى للتشويه السياسى والفقر للتبعية الإقتصادية والجهل والأمية للتضليل الإعلامى، وهى محاولات خبيثة ولكنها مدروسة عبر أوراق علمية يضعها متخصصون بعناية فى كافة المجالات المذكورة.
فالتشويه الميتافيزيقى يلغى العقل اى ما يسمى بالغسل العقلى الأ فى أطار الاسلام إسما وبفهم سياسى لا دينى وبالتالى فهو إلغاء للبشر وتنوعهم والخلق الالهى نفسه الذى خلق وإعترف بالتنوع وعلاقات البشر والمعاملة وليس بالإلغاء والإقصاء، وبالتالى نجد استخداما لآيات وأحاديثا فى غير موضعها للخم السياسى باسم الدين. ومن ثم فان التنوع والتسامح الدينى هو مرفوض عندهم واقعيا لأنه يتعارض مع جل قضاياهم ومصالحهم السياسية الضيقة.
أما الجانب الإجتماعى والثقافى والنفسى من خلال تلك التراتبية المتوهمة لصفوات المركز هى محولات لتضرب على نفسها طوقا من التميز والتعالى عبر دوائر واوصاف تهميشية نسبية تبدأ ببنى جلدتهم وتطرف بشدة كلما إبتعدت عن دوائر المركز، حيث نجد أوصافا رغم واقعية بعضها إلا أن طبيعة مكان وزمان وموقف التعبير بها يؤكد دلالات غير معناها كالغرابى والكردافى وأدروب والعربى والحلبى والبقارى والجنوبى والنوباوى والطقش والخادم والعب ما هى إلا مسميات لتثبيت دونية الآخرين وإنطلقت تاريخيا من المسيطريين على أجهزة الدولة، وتم تثبيت هذه الادعاءات عبر المنهج والتناقل الشفهى والمكتوب وتستخدم بعناية فى مستويات توحى للفئات المذكورة ان هذا هو قدرها فى درجات السلم الإجتماعى وهو ما يسمى بالقهر الثقافى والإجتماعى المكتسب، وبالتالى فإن الصعود الى درجة أخرى مرتبط بالتقرب من جهاز الدولة وإظهار الطاعة له كأداة تستخدم تحت أغراض متنوعة وقد تم ذلك فى حالات كثيرة، ولكن الواقع يؤكد ان برمجة درجات السلم الإجتماعى والتدرج السياسى لها حدودها وسقوفها لأبناء الأطراف مهما كان ولاءهم وإنتماءهم بل وإقتتالهم لأهلهم وإنهم فى خاتمة المطاف سيكنون ضحايا الأنظمة المركزية وخاصة أمام المجتمع الدولى وهو ما نشاهده هذه الايام رغم الإصرار غير المنطقى.
امين زكريا إسماعيل
محاضر جامعى سابق/ باحث واخصائى إجتماعى وانثروبولوجى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.