الانباء القائلة مؤخرا بأن حزب الامه والحركة الشعبيه علي وشك البدء بمحادثات ثنائيه تجد مصداقيتها في تمهيدات تولي امرها وفدُ مقدمه من حزب الامه زار جوبا ولقاءات في القاهرة بين الصادق المهدي وبعض مسئولي الحركه. هناك اكثر من سبب مستمد من تاريخ العلاقة بين هذين الحزبين يرجح الا تفضي هذه المحادثات الي تقدم ملموس (المعركة العنيفه بينهما عند مغادرة الامه للتجمع وتحفظات الامه علي نايفاشا وفشل خطط المحادثات بينهما حتي الان ) ولكن اخرين قد يرون في تبدل الظروف والمتغيرات الطارئه، مثل تقارب الرؤيه فيما يتعلق بكيفية التعامل مع المحكمة الجنائيه، ما يضعف صحة هذا الاستنتاج. علي ان هذا المقال يحاجج بأن تحالفا انتخابيا بين هذين الطرفين بالذات هو المعني العملي الوحيد لما تردده كافة اطراف المعارضه من خطورة استمرار انفراد المؤتمر الوطني بالسلطه سواء بمعيار التوازنات المطلوبه في اي نظام ديموقراطي ضمانا للرقابه علي السلطه وتداولها او بمعيار الاثار السلبية الخطيرة لسياساته. اذا بحثنا في طول وعرض الخريطة الحزبية السودانيه بعين الحياد الواقعة تحت ضغط الاحساس الحقيقي بعظم الاخطار التي تحدق بالبلاد، سنجد ان هذين الحزبين هما الوحيدين المؤهلين لمنافسة المؤتمر الوطني إنتخابيا وتاليا تعديل الميلان الحاد في الميزان السياسي لمصلحته ومن ثم إحياء الامل في تفادي ذلك الخطر وتأسيس نظام ديموقراطي سليم. ولاشك ان اعلان التحالف بينهما، بالمساحة المحفوظة فيه لبقية الاحزاب كما سيجئ لاحقا، والتزامهما بما يترتب علي ذلك سيضاعف من هذه القدرة التنافسيه لانه لن يكون مجرد حاصل جمع قوتيهما وانما حصيلة تفاعلهما وتنشيط الساحة المعارضة بمجملها. فيما يتعلق بالحركة الشعبيه جنوبيا الامر فيما يتعلق بوزنها الانتخابي الملموس واضح فهي ستحوز علي الاغلبية الساحقة للمقاعد في الجنوب ومعظم المقاعد في جنوب النيل الازرق وجبال النوبه اضافة الي بعض الخروقات في مراكز الكثافة الجنوبيه بمدن الشمال إذ ليس هناك حتي الان مايدل علي ان قطاع الشمال في الحركه قادر علي احداث اختراق اكبر. أما حلفاء الحركة الطبيعيين في الشمال واهمهم الحزب الشيوعي فأنهم لازالوا يحاولون استعادة أوزانهم التاريخيه بما يضعف اوزانهم الانتخابية الراهنة كثيرا بينما حركات الهامش اجندتها وطموحاتها اقليميه ومحدوده والحزب الاتحادي الديموقراطي غدا أحزابا. كذلك يغدو امر أهلية حزب الامه للمنافسه الانتخابية شماليا اكثر من غيره واضحا اذا قبلنا الاطروحة التاليه : قوة اي حزب سياسي تقاس بمدي جاذبيته للطبقة الوسطي بأعتبارها الكيان القيادي الاهم للمجتمع. وبينما كانت المنافسة في هذا الخصوص محصورة سابقا بين حزبي الامه والاتحادي الديموقراطي فأن المؤتمر ( الوطني ) الاسلامي قد حل محل الاخير كما تشهد الهجرة الجماعية لقطاع الاتحاديين الرأسمالي، عمود الحزب الفقري، اليه مصحوبة بقيادات اساسية من الصف الثاني ومعززة بتحالف شبه- اندماجي مع القسم غير الختمي في الحزب ( الدقير ) وظهور مجموعة إحياء للحزب الوطني الاتحادي. اكتساب فئات الطبقة الوسطي درجة اعلي من التبلور والتوسع الانتاجي تم بقيادة النظام السياسي والايديولوجي المؤتمري- الاسلامي في قطاعات الخدمات الماليه والتجاريه، الاتصالات، البترول، الصناعات العسكرية- المدنيه والبني التحتيه ( خزانات، طرق، مطارات، موانئ ) مما يجعل المؤتمر اكثر جاذبية لها من حزب الامه ولكن الاخير يبقي اكثر جاذبية لها بالمقارنة لاي حزب شمالي اخر. وهو حكم يظل صحيحا فيما يتعلق بالحظوظ الانتخابيه حتي إذا اخذنا في الاعتبار عملية القضم التي يتعرض لها نفوذ حزب الامه في دارفور بصورة خاصه من قبل حركات الهامش وماتبقي من اثار انشقاق مبارك الفاضل، لان كافة الاحزاب الاخري معرضة لتأثير عوامل تعريه مشابهه. الاقرار بحقيقة الوزن النسبي الاكبر لحزب الامه بالمقارنة لبقية الاحزاب الشماليه وكون الانتخابات القادمه مصيرية يعني ان علي هذه الاحزاب ان تقدم التنازلات اللازمة لتوظيف هذا الوزن بما يحقق هدف تأمين فوزه في أي دائره لايكون فوز الحزب الاخر مضمونا فيها مائه في المائه. وبما أن السياسه ليست عملا خيريا يتم بلا مقابل فأن المكسب الذي ستحصل عليه هذ الاحزاب هو تحسين فرصها في الدورة الانتخابية التاليه التي سيرفع فيها قيد التنازل، نتيجة اغتناء رصيدها لدي الناخب الواعي بالخدمه التاريخية للمصلحة العامه التي ادتها بالالتزام به. كما ان البرنامج الذي سيخوض به تحالف الامه- الحركه الانتخابات سيكون موضع مناقشة واتفاق بين كافة الاحزاب. من جهة اخري بدون مثل هذا السيناريو فأن هذه الاحزاب ستخسر حتي وجودها المجرد لانها ستبقي معرضة لاستمرار حالة التشرذم والركود الحالية التي ستؤدي لذوبانها الكامل لكون الفوز المطلق السراح للمؤتمر الوطني سيعني استمرار فعل العوامل التي تقف وراء انحدارها الحالي نحو العدم سواء من حيث التعمد التخريبي من قبل المؤتمر واجهزته او الاثر العام لسياساته الحكومية علي المجتمع. وهو نفس المصير الذي سينتهي اليه حزب الامه وان كان علي مدي زمني أبعد قليلا نظرا لاحتفاظه بقدر اكبر نسبيا من الحيويهز أما الحركة الشعبيه فسيكون الانفصال هو الخيار الوحيد امامها وليس المفضل بالمقارنة للوحده لاي أسباب تعتقد بصحتها، وفي جوار مؤتمر وطني ( اسلامي ) مهيمن شماليا ما سيضاعف الصعوبات الكبيره التي ستجابهها لبناء دولة مستقله. إطلاق تحرك واسع للمجتمع المدني السوداني الحزبي وغير الحزبي بناء علي هذا التصور، يمكن ان يدفع الطرفين المعنيين للتغلب علي خلافاتهما الراهنه، لان المطلوب أصلا ليس الغاءها كلية، وتجسير فجوة عدم الثقة المترسبة بينهما، بنفس القدر الذي يدفع فيه بقية الأحزاب لتقديم التنازلات المطلوبه منها. حتي اذا سارت الامور علي هذا النحو الايجابي الذي يتطلب حسابا عقلانيا مستقبليا للارباح والخسائر من قبل ( احزاب التنازل )، فأن المهمه الاساسيه المطروحه امام مجموع القوي السياسيه بمقياس الواقع وليس التمنيات في الانتخابات القادمه هو تشكيل كتله برلمانيه-سياسيه معارضه ذات ثقل معقول عمودها الفقري نواب حزبي الامه والحركة الشعبيه تحّجم فعالية الفرصة الانتخابية الاكتساحيه المتاحة للمؤتمر ( الاسلامي ). وتعزي هذه الي توفر المؤتمر علي قدرات لوجستيه وتعبويه هائله مسنودا بكافة عوامل النجاح المشروعه وغير المشروعه : هيمنة علي جهاز الدوله ومقدرات السوق والاعلام، قيود قانونيه وغير قانونيه علي حركة المعارضه إضافة لنفوذه الاكبر بما لايقاس بالنسبة للاخرين علي الطبقة الوسطي وقابلية سواد الناس المطحونين بالفقر والحاجه للتضليل والاغراء. وبرغم ان الارجح هو تقاصر قدرة مثل هذا التكتل عن تعطيل مرور تشريعات المؤتمر الوطني- الاسلامي الاساسيه، فأن أداء برلمانيا جيدا من قِبله يعّرض سياسات الحكومه لنقد نوعي يتميز بالدقة والمنهجيه داخل البرلمان وخارجه سيغير الوضع خلال الدورة البرلمانية اللاحقه بما قد يتجاوز تحقيق هذا الهدف الي فقدان المؤتمر لاغلبيته البرلمانيه لان نجاحه الساحق في الدورة البرلمانية الاولي القادمه لايعود فقط الي قدرته علي حشد الناس بالتعبئة اللوجستيه والمعنويه ولكن ايضا الي سلبية النخب غير الاسلاميه سياسيا ممايعطل التحشيد المضاد. مرد هذه السلبيه هو تحميل الفشل المتكرر منذ عشرين عاما في ارخاء قبضة المؤتمر لقيادات المعارضه، وهو تصور واسع الانتشار مع كونه تبسيطيا لان حالة القيادات هي الي حد او اخر من حالة المجتمع، ولكن التصرف المسئول لهذه القيادات وفق هذا السيناريو ( المثالي ) معززا بأداء برلماني جيد لكتلة المعارضة في البرلمان سيحيي عقلية ونفسية الاوساط النخبويه المعنية تدريجيا فتنزل بثقل كامل الي حلبة الدورة الانتخابية التاليه. يبقي بعد ذلك سؤال لايبرح خواطر الجميع إزاء احتمال نجاح تنفيذ مثل هذا التخطيط : هل يعقل ان يقبل المؤتمر الوطني بحكم صندوق الاقتراع ويتخلي عن السلطه إذا جاء لمصلحة المعارضه وهو الذي استثمر مايملكه ومالايملكه لتحقيق هذا الهدف؟ وهو سؤال خارج عن موضوع هذا المقال ولكن يمكن القول بأن وحدة المعارضه بعمود فقري ودرجة قصوي من الاجماع الحزبي والنخبوي ستقوي احتمال الاجابه بنعم علي السؤال لاسيما وان المؤتمر سيفكر بأن وجوده المتمكن في كافة اجهزة الدوله سيمكنه من عرقلة اداء اي حكومه بديله ويسقطها في نظر الناخبين. وحتي إذا كانت الاجابة ب لا فأن المعارضة ستكون في وضع افضل كثير من وضعها الحالي للتعامل مع مثل هذا الاحتمال.