الذي يتابع هذا التدحرج في عربة القيادة لدى الرئيس التشادي تجاه السودان يدرك حجم اليأس والمخاطرة التي يقدم عليها هذا الرجل في نهايات أيام حكمه ، لأن تشاد لا تملك من القدرات والإمكانات ما تواجه به السودان في فتح جبهة عسكرية مباشرة تتجاوز أسليب حرب العصابات التي تقودها مجموعات التمرد بالبلدين ، وما ألحقته بعلاقات الجارين من تبعات . حتى سنوات قليلة كانت القيادة التشادية ترجح كفة الاستقرار والتعاطي الايجابي مع السودان للخلفيات التي يعلمها الجميع في مجيء القيادة التشادية إلى الحكم . ليس هذا فحسب ولكن الشاهد أن كل الحكومات التي تعاقبت على حكم تشاد منذ طمبل باى حتى دبي لم تأتى خارج أطر الإسناد والدعم اللوجستى الاقليمى لافتقار تشاد للقدرات الكافية لتدشين نشاط كهذا والسودان وليبيا وإفريقيا الوسطى من ضمن الدول التي تسهم في استقرار تشاد على نحو أو آخر ولابد لمن يقدم على خطوة للانفراد بحكم تشاد أن يأخذ بعين الاعتبار هذه الوضعية ومد خطوط الاتصال والتنسيق مع هذه الدول ، وكذلك للتركيبة القبلية المعروفة هناك والتداخل الاقليمى مع الجوار المحيط بها مما يجعلها عرضة للانهيار بسبب الضغوط وتباين المصالح الداخلية والارتباطات الخارجية التي تقود تشاد الآن إلى الهاوية دون استبصار من القائمين على حكمها !. صحيح أن جبهة حركات التمرد هي في الظاهر من تشكل هذه الوضعية الاستثنائية عمليا على أرض المسرح ، وتبادل الاتهامات بين الطرفين في أيهما بدأ باستهداف الآخر وغزي أجندة الحرب !. لكن الكل يدرك كيف كان تعامل دبي في بدايات النزاع في دارفور في العام 2003 إزاء ما يجرى والثقة التي أولاها السودان لتشاد للعب دور أخوى تمليه ضرورات الجوار والتواصل والمصير المشترك الذي تربطه عدة مصالح اقتصادية وجيوبوليتيكية ، وأهداف إستراتيجية تتعلق بأمن القطرين والسلم الاقليمى !. كيف تجاوزت تشاد هذه النظرة لتقفز في الهواء بالتزامات بيت الزغاوة ومصالحه الآنية في تحقيق حلم دولة الزغاوة العظمى بامتداداتها التي تتهاوى بسبب الطيش والضغوط الخارجية !. تشاد بالسلوك الذي تمارسه الآن وكالة عن فرنسا وبعض الدول الغربية وأمريكا وإسرائيل ومصالحهما في المنطقة تضع نفسها أمام خيارات لن تكون باريس وحاميتها العسكرية في أنجمينا وحول الحدود التشادية الشرقية من خلال طائراتها التي تقصف العمق السوداني بحجة متابعة فلول التمرد التشادية، لن تكون بمأمن من الخيارات القادمة لتمزيق دولة كانت تسمى ( تشاد) والواقع المتردي هناك يمضى بهذا الاتجاه !. هذا التحول في الرؤية التشادية لعلاقتها بالسودان ونقلها من مربع الجوار الآمن والصداقة التي توجبها المصالح طويلة الأمد وصعوبة الفصل بين شعبين تربطهما ذات الأسماء والمدن والقبائل له أكثر من بعد وتشاد الحاكمة هي بمثابة المخلب ،لا تملك كل أدوات الصراع فيه وما يستلزمه من نفس طويل وقدرات عسكرية كبيرة وموارد مالية ورجال تعدهم لقتال طويل الأمد! . خبرت تشاد حركات التمرد السوداني من دارفور بكل مسمياتها وتشكيلاتها ودعمها الذي يصلها من الدول التي تغزى هذا الصراع وتداوم على استمراره، واستفادت تشاد من معسكرات اللجوء لرفد ميزانيتها العامة كما استفادت من مغامرات خليل العدل والمساواة والنتيجة التي لا يمارى عليها احد لم تستطع أي من هذه الفصائل التي تتشظى صباح مساء أن تسيطر على أي مدن دارفور أو حواضرها إلا بمقدار ما يجعلها تهرب لداخل تشاد وترتكز وتشون وتدرب قواتها وتعيد تشكيلاتها والإمرة والسيطرة بيد الغرب كان فرنسا أو بريطانيا وأمريكا ليست بعيدة في ذلك !. ليس هنالك من مكسب ميداني أو عسكري أو هدف استراتيجي حققه هذا التدخل التشادي في الخوض في معركة ليست له ولا تستهدفه ولا يمكنه الاستفادة منها ، ولكنها العصبية لخليل وشريف حرير ، ومصالح فرنسا على نحو جلي واستمرار النزيف فى دارفور !. ليس هنالك من منفعة وراء هذا التدخل غير بعض المال الذي يدخل إلى جيوب أسرة دبي وابن شقيقته تيمان وبعض أقاربه من الجنرالات من سماسرة الحرب و تجارها الذين أترفتهم النزاعات في دارفور بما يقدمونه من تسهيلات وفتح للحدود وتهريب للسلاح والعتاد الحربي والذخائر والمؤن عبر الحدود نظير ما يقبضونه من ثمن !. والعائد بالمقابل هو إلهاب الحركات المسلحة التشادية وتبادل الأدوار والتوترات والغارات التي مضت بعيدا في تأزيم العلاقة وتقطيع أوصالها التي تبدو الآن في مفترق الطرق وهى تغادر مرمى التصريحات من قبل دبي ووزير دفاعه إلى أفعال عسكرية مباشرة واستدراج للحرب المفتوحة بالتوغل في حدود السودان وتهديد الاستقرار ليس في حدودنا كما ظل الحال في السابق ، ولكن الأمر بات يهدد سيادة البلاد ووحدتها واستقرارها على نحو مفضوح لا يقبل المزايدة ولا يحتمل الرهان !.