كشفت وزارة الصحة بولاية الجزيرة خلال الأيام الماضية عن تقرير حول ازدياد الإصابة بمرض البلهارسيا في بعض المناطق بنسبة بلغت 25% من جملة سكان الولاية البالغ (4) ملايين، أي أن عدد المصابين يبلغ مليون شخص، وظهرت كثافة المرض بشكل ملحوظ في بعض المناطق بالمناقل. يبدو أن التقرير لم يكن على قدر من الدقة فنسبة البلهارسيا التي تطحن رجال ونساء الجزيرة كبارا وصغارا اكبر بكثير من النسبة المعلنة ، فقد ظل مرض البلهارسيا المميت ، يفتك بسكان الجزيرة منذ سنوات طويلة ، دون معالجات جذرية .. وقد نجح من قبل مشروع النيل الأزرق الصحي الذي كان يمثل علامة مضيئة خلال الفترة من 79 وحتى 1989م عندما نجح وبشهادة الخبراء في القضاء على "القواقع" مما أدى الى انخفاض نسبة البلهارسيا، التي غزت الجزيرة بتمدد قنوات الري في المشروع الأخضر .. وقد كان مشروع النيل الأزرق الرائد والذي يمول دوليا ، ويعمل به فريق كبير من الموظفين والعمال ، وأصبح اسمه معروفا لجميع السكان لسمعته الطيبة في ملاحقة أسباب البلهارسيا والملا ريا والقضاء عليها قد "انتهى" دون معرفة أسباب !. وحًل مكان مشروع النيل الأزرق الرائد.. "معهد النيل الأزرق للتدريب والبحوث" وهو يتبع لمشروع الجزيرة إداريا ، وفنيا لجامعة الجزيرة ، غير أن السكان لايعرفون حتى اسمه لأنه ولد " ميتا" ولم يقم بأي عمل يذكر.. نحن هنا لن نطيل البكاء على أطلال مشروع النيل الأزرق ، كون البكاء على الأطلال لن يوقف زحف البلهارسيا المميتة ، إلا أننا ننادي بصوت عال لوقفة حقيقية من قبل الحكومة الاتحادية ، فالقضاء على البلهارسيا اكبر واهم من إصلاح المشروع نفسه أو تسويات مع المزارعين حول الراضي الزراعية ، فيجب ان تسارع الحكومة عبر أجهزتها المختصة للقيام بعمل حاسم ، فأهل الجزيرة " يموتون" في صمت ، في ظل ازدياد نسب الإصابة ، حيث لايزال اغلب السكان يشربون "ويغتسلون" بماء القنوات المليئة بالبلهارسيا الفتاكة ، وليس أمامهم من خيارات الا الموت "عطشا" ،وايعقل أن يشرب سكان الجزيرة ماءا ملوثا وهم الذين جًملوا السودان بانجازاتهم الضخمة حينما كانت مصانع الانجليز لاتشبع الا " بالقطن طويلة وقصير التيلة " .. الغريب ان مدينة بحجم المناقل يتقاتل حولها الساسة المحلين لتولي المناصب، وهي تشرب ماءا عكرا ، وحينما يذهبون الى المركز لايتحدثون عن سوء الخدمات ، وعطش الناس ، وإنما يتحدثون عن اكتمال المؤتمرات القاعدية ، وازدياد مساحة التعبئة الشعبية ، أما الذين يعانون ويتألمون فهم ابعد مايكونوا عن أبواب الحكام . وتبقى ماسأة مياه الشرب وازدياد نسبة البلهارسيا بالجزيرة قضية تستوجب التوقف عندها سريعا قبل أن تتحول الى" أزمة يستحيل علاجها" ، كما ينبغي فتح قنوات الاتصال مع المنظمات الدولية كمنظمة الصحة العالمية لدعم جهود مكافحة البلهارسيا ، كما يتوجب على الحكومة أن تولي عنايتها لتوفير مياه الشرب لأهالي الجزيرة الذين يشربون " كدرا وطينا " وهو أمر لايليق بتاريخهم وشقاءهم من اجل السودان. مصطفى محكر " صحيفة الصحافة السودانية" Mustafa Muhakar [[email protected]]