مالك يا زمان شبعتنا هولا.. ظلت مختلف وسائل الإعلام في الفترة الأخيرة تسلط الضوء بشكل مكثف على دار المايقوما لرعاية الأطفال فاقدي السند وهي محمده تنم عن ارتفاع مستوى وعي المجتمع بقضايا كنا ندس رؤوسنا في التراب خوفاً من الخوض فيها. و فاقدي السند هو اسم ملطف (euphemism) للأبناء غير الشرعيين, و ما أكثرهم. فالدار تستقبل حوالي 700 طفل سنوياً, فكم من الأطفال دُسَ في التراب أو التهمته الهوام. هذه نتيجة منطقيه لشارع يجافيه الانضباط. فالناظر لشارعنا بعين مجردة يرى أننا قد تزيينا بلباسٍ لا يشبهنا و نحن من غنينا من قبل: وجن توب الحيا لباسن نزل نور القمر باسن فقد تفشي ما يسمى "بالتيشيرت البودي" الذي يظهر أكثر مما يُخفي بل هو أكثر إثارة من العُري الصريح. و حتى تكتمل الصورة, يرافقه كل ما هو ملتصق بالجسد حتى تكاد ترى الواحدةَ تسير "من غير هدوم". إن كان عذر الآباء أنهم يخرجون طلباً للرزق من دغشاً بدري و لا يدرون ما تلبس بناتهم عند خروجهن للعمل أو الدراسة, بينما تغض الأم البصر أملاً في طارقٍ يطرق بخير و يطلب اليد, و ما درين أن هذا الطارق ربما حمل خبراً يوقف القلب و يشل الأطراف, فما عذر هؤلاء الآباء و هم يرافقون بناتهن بلباسٍ يدعو ليس بالمقال بل بطبيعة الحال ليتجرأ عليهن كل صاحب قلبٍ عليل في مناسبات أفراحنا التي أصبحت تحتاج إلى تشفير حتى لا تخدش الحياء العام بفتياتٍ صائلاتٍ جائلاتٍ لا يعرفن الحد الفاصل بين التجمل و السفور الذي يشي بكل تفاصيل ما خفي من جمالهن و حلاوتهن المفتوحة على كل احتمال. يا محجب صاين جمالك يا مهفهف بعضك امالك يا وحيد القدر المنيف تركنا كل هذه المعاني السامية سمو, "شوف عيني الحبيب بي حشمه لابس التوب", خلف ثقافةٍ مكتسبةٍ و شائهه. و المصيبة أن هذا الزي لم يصبح عرفاً مقبولاً فقط بل أصبحت نظرات الاستهجان تتطال منتقديه كأنهم قد ارتكبوا كبيره. و يمتد نزف الأسئلة ليطال النصف الآخر, حامي العروض, الذي أصبح جانياً في لحظة ضعفٍ ما درى أنها ستغير مجرى حياة أسرة كاملة ستحمل قبلهم وزر ما فعلوا. تب الشباب إن بقا كواس هل مازال ود الجيران هو الملجأ لحراسة "أخواته بالجيره" في حال غياب رب البيت لطاريء غيبه لعدة ليالي؟ هل مازلنا مأمونين علي بنوت الفريق أم شاهت العلائق بيننا حتى نبتت الخطيئة و اثمرت فامتلأت دار المايقوما بنتاجها الذي يؤكد أن الخطيئة لحقت بكل إثنيات السودان المختلفة بلا استثناء. هذا ما تراه العين في سحنات أطفال الدار الذين يصنعون العَبْرَةَ فينا بنظراتهم التي لا تدري ما تخبئه لهم الأيام من مستقبل كم سيكون قاسياً عليهم و هم بلا سندٍ يُجِير من تداعيات ما اقترفت ايدي والدين لا يستحقان هذه الكلمة. وسط كل هذا الركام أقف محيياً و رافعاً كل القبعات لدكتور الجميعابي الذي ملأ الدنيا ضجيجاً حتى يداوي نزفاً يخرج من شرايين عفتنا المراقه. و قبله كل التحايا للأمهات الحقيقيات و ليس البديلات كما يطلق عليهن, فهن من عانين و رعين و ربين و احتملن بينما تنام أعين المخطئات و لا يرف لهن جفن حين يصرخ أطفالهن من ألمٍ و جوع. لَكُنَّ الجنة بإذن الكريم الجواد. هي شوائب نرجو زوالها حتى تعود صورة مجتمعنا العفيف أنصع و أنقى. و نعود مأمن البنوت و مقنع البايتات و تغني للطاهره و عفيفه: هياب رعاب جمال فاتن ولا شي في الأدب فاتن