قال الكاتب الجريء شريف الشوباشي "أعاتب أجدادي لأنهم عاشوا أزمان الرجولة والإلتزام وتركوني أعاني في زمان صغار النفوس والأقزام". وبالفعل فإن حالة الإحباط بفغل ما يجري حولنا وتداعي كل الرؤى والأحلام الوطنية الجميلة التي رقصنا نشوة على إيقاعاتها جيلا بعد جيل،يجعلنا نطلق دائما على الماضي مصطلح الزمن الجميل حتى لو كان ذلك الزمن الجميل أمسية غارقة في الحزن والدماء مثل أمسية الجمعة 2 سبتمبر 1898م بعد انحسار الدخان عن مشهد المذبحة الكبرى في كرري.. لكن الآباء مثلنا كانوا يعيبون زمانهم جيلا بعد جيل، فرفض الحاضر وتقديس ما فات سمة قديمة من سمات الأقدمين. في الماضي كان الفقر وساما على صدور أصحاب الفضيلة، وكانت الأخلاق تقاس بمقاييس مختلفة، ولكن الأمور لم تعد كذلك فصار المال هو معيار الإحترام وأصبحت اللحية عنوانا جديدا للفضيلة الظاهرية، وزهد الإنتهازيون في التخفي بقناع الشرفاء، فلم يعد هناك ما يدعو أحدا للتخفي بعد أن سقطت فضيلة الحياء. هذا زمان يحشر فيه الشرفاء حشرا في زنازين التغريب المكاني والزماني والمعنوي، ولكن برغم الشكوى من الدنيا والمجاهرة بلعن الزمان، فحب الحياة مطبوع في خلايا البشر، و"لحظة سعادة تساوي أياما من العناء والتنكيد" ،ومواصلة الحلم بمستقبل أفضل في وسط الإنكسار والإنحسار، يسمو بالإنسان فوق ساعات الحزن والإنكسار ، فالحياة لا تتوقف لأحد، "ولو اهتزت الأرض لغضب البركان"، ولكن ستعاد لا محالة صياغة التاريخ بحروف أنيقة خالية من نكهة النفاق، ولو بعد حين. و حينما يقول الواحد منا "رب اعطني القدرة على أن أغير ما أستطيع تغييره واعطني الحكمة لأتقبل ما لا أستطيع نغييره"، فليس في ذلك استكانة أو تعب من السباحة ضد التيار في زمن أحتكر فيه الصواب وغاب فيه احترام الآخر وغيّبت فيه فضيلة الاجتهاد. قبل الختام: افعلوا بحاضري ما تشاءون حتى مماتي لكن.. أرجوكم.. اتركوا لي ذكرياتي (عبدالله علقم)