بعد أن بعثر العميد (الجندي سليمان) طاولة (الشطرنج) الخرطوم- بهرام عبد المنعم الثلاثاء الموافق الثاني من أغسطس الماضي، وشهر رمضان في أيامه الأولى دلفنا نحن مجموعة من الصحافيين إلى قاعة مركز (مالك) الثقافي لحضور خطاب رئيس الحركة الشعبية وحاكم النيل الأزرق – وقتها- الفريق مالك عقار مع الفعاليات السياسية ومُنظمات المُجتمع المدني.. خاصة وأن الرجل غاب عن الولاية لأكثر من (5) أسابيع قضاها متنقلاً ما بين ولاية جنوب كردفان وجوبا والعاصمة الأثيوبية أديس أبابا، مما جعل الولاية تقتات على الشائعات وتنام وتصحو وتتمنى أن يلوح الفجر دون أن يتكرر سيناريو أختها في الكوارث والملمات ولاية (جنوب كردفان).. أراد الرجل وقتها -حسب مراقبين- أن يُرسل رسائل عديدة لأكثر من جهة أولها للمركز في الخرطوم، والثانية لأبناء جبال النوبة والثالثة داخلية لأبناء الولاية في النيل الأزرق، بعد أن قضى ليلته تلك رغم إرهاق السفر وهو يطالع بعناية في التقارير التي أُعدت له بعناية - ولا تخلو من الغرض- عن الاستفزازات التي يتعرض لها بني جلدته من قبل السُلطات الأمنية، وعن إرسال المركز لمليشيات عسكرية بغرض إخضاع الولاية ومُحاصرتها تفادياً لتكرار سيناريو جنوب كردفان، بجانب تصريحات قيادات أبناء النوبة بالجيش الشعبي بأن مبادرة عقار لإنهاء الحرب في الجبال تخصه هو لوحده ولن يلتفت إليها أحد سواء من السياسيين أو العسكريين من أبناء النوبة.. لذلك كله أراد عقار طبقاً - لإفادات مُقربين- أن يُطفئ لهيب الشائعات بمُغازلة المركز أولاً، وطمأنة أبناء النوبة وبني جلدته في الولاية ثانياً. (1) دخل عقار - بجسده الضخم وطموحه اللا محدود- إلى القاعة وطفق يتفرس في أوجه الحضور الذين ضاقت بهم القاعة رغم رحابتها واتساعها وقال بصوت (مبحوح) إن البلاد تمر بمنعطف تاريخي وأن ولايته ستحافظ على السلام (بشرف وكرامة) دون ضغوط، وأطلق حينها نداءً عاجلاً لوقف الحرب في ولاية جنوب كردفان بمساهمة من شخصه كرئيس للحركة ووالي للنيل الأزرق، وأبدى أسفاً بالغاً لنقض اتفاق أديس أبابا الإطارئ، وقال إن الحرب في جنوب كردفان أدّت إلى حدوث احتقانات في النيل الأزرق ولن تتوقف إلا عبر اتفاق أديس أبابا الإطارئ الذي تضمن في بنوده أساساً متيناً لوقف العدائيات، ووقف إطلاق النار، ووضع ترتيبات أمنية جديدة، داعياً المؤتمر الوطني للانخراط في المفاوضات لإيجاد آلية لإنهاء النزاع بجنوب كردفان تفادياً لتكرار انفصال الجنوب، بدلاً من التخويف بالحرب من داخل القصور.. وأضاف:(كل زول بقى عندو جيشو وقصرو لو كوركت في قصرك، أنا برضو بكورك في قصري). (2) في ذات الجلسة بدأت نُذر الحرب – طبقاً لقراءة الصحافيين- تلوح في الأفق بعد أن أصدر أوامره لقادة الأمن والشرطة باستلام زُمام المبادرة في الحفاظ على الأمن وإرجاع القوات العسكرية الأخرى إلى ثكناتها.. لكن الرجل الذي خبر الحرب لسنوات طويلة، ويعلم في قرارة نفسه أن إصدار الأوامر سيؤدي غرضه دون اللجوء إلى العُنف، أو الدخول في المواجهات المُباشرة.. وقال الرجل حينها إن ولايته لا تنوي الدخول في حرب جديدة وأضاف:(ما في زول بدور الحرب، لأن نسوانا الفي البيوت ديل، لو شافونا أيام الحرب ما كان بعرسونا) وزاد:( الحرب بتخلي الراجل يدفن دقنو في التراب عشان كده ما بتندار).. أجمع معظم الحاضرين على أن الرجل في قرارة نفسه ليس في نيته خوض غمار حرب جديدة، ولكنها (الخدعة) التي جعلته يرسل إشارات تهديدية للأجهزة الأمنية وتحذيرها من مُمارسات الاستفزازت العسكرية، وأذكر أنه قال:(كُرسي الولاية ده لو بجعلني أقبل الإهانة لأهلي فسأتركه).. فالرجل كعادته حسب روايات العديدين أراد أن يعمل على تهدئة الأجواء إلى حين تهئية الظروف المناسبة لإنهاء الأزمات مع إرضاء كافة الأطراف، لكن يبدو أن الأقدار كانت أسرع من خُططه الذي أعدّها ذهنه المُتقد ذكاءً. (3) عقار الذي تميز بعلاقات واسعة وحميمية مع الرئيس البشير ونائبه علي عثمان محمد طه، مما ممكن له التقائهما (في أي زمان وأي مكان) وتنفيذ طلباته لدعم الولاية مادياً، جعله يحتفظ بتلك المسافة (شعرة معاوية) وعدم السماح لأيّاً كان بنقض خيوط تلك العلاقة.. لكن يبدو أن قائد الوحدات المشتركة للجيش الشعبي بالنيل الأزرق الجندي سليمان طبقاً لما قالته قيادات في الحركة الشعبية أراد من حيث يحتسب أو لا يحتسب أن ينسف تلك العلاقة بين عقار ورؤسائه في المركز التي وصلت حد تبادل (النكات والقفشات) للدرجة تجعل مستمع النكتة يستلقي على قفاه وهو جالس في كرسيه من شدة الضحك.. وهذا ما أكده نائب الرئيس علي عثمان في جلسة مجلس الوزراء أمس الأول (الاثنين) أن عقار هاتفه (الجمعة) الماضية وأكد له أن شخصه لم يبدأ الحرب وأن منسوبيه هم الذين بدأوا في إطلاق النيران.. لكن مالك عقار قال تعميم صحافي موسوم (بيوميات الحرب) أنه في منتصف ليلة 2 سبتمبر 2011م، في تمام الساعة 12:00، توجه العميد/ الجندي سليمان قائد الوحدات المشتركة للجيش الشعبي بالنيل الأزرق يرافقه العميد/ عبد الله علي فضل مستشار الوالي والعميد/ جعفر جمعة ، توجهوا إلى محافظة الكرمك لعقد اجتماع مع الوالي في يوم 3 سبتمبر. عندما اقتربت مركباتهم الثلاثة من البوابة الرئيسية للكرمك تعرضت لاطلاق نار كثيف من القوات المسلحة السودانية عند البوابة. وقد تم نشر هذه القوات في هذا الموقع قبل أربعة أيام بتعزيزات الدمازين شملت لواء مدعوم بثلاثين مركبة قتالية مزودة بأسلحة مختلفة، واثنا عشر دبابة من طرازات مختلفة نشرت جميعها في هذا الموقع. رد الحراس النار واستمر التبادل عشرين دقيقة كان يمكن أن يشكل ذلك حادثا معزولا نتيجة خطأ بشري محدد، وينتهي الأمر هنا، ولكن بعد خمس عشرة دقيقة أخرى تعرضت ثمانية مواقع للوحدات المشتركة المدمجة للحركة لهجوم بما في ذلك منزل الوالي، وهذا يدل على أن وجود خطة مسبقة في انتظار التنفيذ، وإلا كيف يمكن تنظيم وقيادة خطة هجوم واسع النطاق من هذا القبيل في خمس عشرة دقيقة ، بينما الأمر يتطلب تخطيطاً لخمسة عشر يوما على الأقل. لافتاً إلى أن الوحدات المشتركة بالجيش الشعبي اضطرت للدفاع عن نفسها في محيط مواقعها، ونجحت اثنتين من الوحدات من تحقيق اختراق وهجوم مضاد على الحامية الرئيسية والدفاع الجوي، استمر الكر والفر حتى الصباح، مع طلوع الفجر تراجعت الوحدات المشتركة للحركة الشعبية تحت ضغط النار إلى الجنوب الغربي ثلاثة كيلومترات على طول طريق الدمازين الكرمك لتجميع قواتها وإستعادة النظام. ونوّه عقار إلى شن قوات الجيش الشعبي هجوماً انتقامياً على مواقع القوات المسلحة السودانية خارج الدمازين واجتاحتها في نفس اليوم، وهذه المعسكرات هي؛ معسكرات الوحدات المشتركة للقوات المسلحة السودانية بال(الكرمك، وأولو، دندرو، جاراويد، جيزان، أم درفه وبولنق ومراكز شركة باو، ديرنق والصودا) واستولت الحركة على مركبات إمداد ومركبات قتالية في معظم هذه المواقع. (4) مالك عقار الذي انضم إلى الحركة الشعبية في العام 1984م بكامل تنظيم جنوب الفونج، وتدرج في الرُتب العسكرية من رتبة الملازم أول حتى وصل إلى رتبة الفريق.. ويهوى العزف على (الجيتار) و(الباص جيتار).. ظل يقول إلى خاصته مراراً وتكراراً أن شخصه (شبع) من الحرب حد التخمة ، ويريد أن يُحافظ على ما تبقى من السودان عبر الحوار والجلوس إلى مائدة المفاوضات، وأن شخصه سيحافظ على وحدة السودان كما كان يطالب بالحفاظ عليها قبل انفصال الجنوب.. لكن الرافضين لمبدأ الحوار مع الحزب الحاكم – المؤتمر الوطني- وفقاً لإفادات بعض منسوبي الحركة نفسها - يريدون الاستمرار في الحرب والعزف على (السيمفونية) القديمة التي أدّت إلى انفصال جنوب السودان، ويسعون إلى تمزيق ما تبقى من السودان. (5) النيل الأزرق التي صفعتها (اللعنات)، وطالتها يد الحرب اللعينة التي دمرّت بنيتها التحتية وأصبحت منازلها (خرابات) تسكنها الهوام في انتظار وقفات شجاعة من كافة الأطراف للاعتراف بالخطأ والرجوع إلى منصة تأسيس الشراكة لإنقاذ الولاية من الانزلاق في شفير الهاوية في أعقاب إبداء المؤتمر الوطنى عدم ممانعته من عدم عودة مالك عقار والياً لولاية النيل الأزرق حال جنوحه للسلم والتخلى عن السلاح والجلوس على طاولة التفاوض.. محليات (الكرمك، باو، قيسان، الرصيرص، الدمازين والتضامن) تشكو مُر الشكوى من نقص الخدمات، وهي مناطق وكأنها تعيش في العصر الحجري، لا في القرن الحادي والعشرين، والمواطن فيها يحتاج إلى ماء نقية وخدمات صحية وتعليم ولا شئ غيره. behram mustafa [email protected]