قلت ممازحاً الزميل الأستاذ عبد الباري عطوان صاحب ورئيس تحرير صحيفة القدس العربي اللندنية إنه إذا ترشح في السودان (للرئاسة) فإنه من الممكن أن يفوز أو ينافس على أقل تقدير الفائز بالمنصب لما له من مكانة في نفوس السودانيين. عبد الباري رجل (حار) يشابه في حرارته أهل السودان، عرفه الناس مناضلاً بالقلم والكلمة، منطقيا وواضحا في كتاباته الصحفية ومباشرا في سجالاته التلفزيونية والإذاعية مع المؤسسات العربية والأجنبية ومواقفه على المستوى الشخصي والإنساني. وهو إنسان بسيط ومتواضع إلى حد كبير، كان دائما يرد على مزاحي بالقول إنه يحب شعب السودان لما له من صفات كريمة وأخلاق حميدة وتجده يمنّي النفس باستمرار أن يستقر الحال السياسي بالسودان وأن يأتلف شمل الطيف السياسي السوداني بخلفياته المتنافرة لقناعته أن الخلاف الذي بيننا في السودان هو عنصر ضعف وليس قوة. قرأت مؤخراً خبراً في صحيفة سودانية تنسب تهماً لعبد الباري عطوان مضت عليها قرابة الثلاثة أشهر بالتورط مع عدد من الإعلاميين العرب باستلام مبالغ شهرية كمكرمات مالية ممنوحة من نظام العقيد معمر القذافي ومخابراته. وحسب هذه المزاعم فإن عبد الباري عطوان كان يستلم مبلغ أربعة آلاف دولار تدفع له لمدة ثلاث سنوات قابلة للتمديد نقلاً عن وثيقة صادرة في عام 2008 سربتها بعض أذرع حلف الناتو لوكالات الأنباء والمنتديات والفضائيات التي وجدت فيها مادة دسمة للشائعات والتدوال، مما اضطر الرجل للرد على هذه الوثيقة في مقالة عنوانها (ثوار الناتو.. ووثائقهم المزورة) ونفى في رده تلقيه أموالاً من القذافي وأوضح أنه لا ولم يتلق دعما ماليا من أحد في إشارة لما نشرته المعارضة العراقية في السابق عن كوبونات الرئيس العراقي الراحل صدام حسين وتلقيه أموالاً من نظام صدام. قال عبد الباري في مقاله (ثوار الناتو .. ووثائقهم المزورة): (هذه ليست المرة الأولى التي نواجه فيها مثل هذه الحملات القذرة، ولن تكون الأخيرة، طالما أننا مصرون على قول الحقيقة، والوقوف في خندق هذه الأمة وقضاياها والعدالة والكرامة لشعوبها. ولن نسكت مطلقا عن أي نظام أو مجموعة أو 'ثوار مزعومون' يتملقون العدو الإسرائيلي، ويتخذون من أنصاره وداعمي عدوانه على الأمة أصدقاء ومستشارين، وأبرزهم الفرنسي برنار ليفي الذي يعتبر حركة 'حماس' إرهابية، ويبرر العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة الذي استخدم فيه الفوسفور الأبيض لحرق 1400 مواطن عربي مسلم، وتدمير أكثر من ستين ألف منزل وتشريد أهله). نحن نقول إن هذه المزاعم مستنسخة ومكررة من التسريبات التي أعقبت اجتياح العراق، والحقيقة أن عبد الباري عطوان وعفة القول والفعل صنوان، فهو من أنزه رؤساء التحرير الذين أتاحت لي الظروف العمل معهم خلال مسيرتي المهنية في عاصمة الضباب. وصحيفته القدس العربي تقيَّم باعتبارها أفضل صحيفة عربية حسب المراكز الدولية لمراقبة الصحافة واستطلاعات القراء، وقد أتيحت لي مقابلة عدد ليس بالقليل من الساسة الغربيين والعرب والنشطاء في مجال العمل الإعلامي وقياديي مراكز الدراسات الأوروبية وكان جلهم ينظر بتقدير كبير جدا للصحيفة ورئيس تحريرها وآخرهم كانت السيدة كاثرين فان دي فيت المتحدثة باسم الخارجية الامريكية. عطوان يمتلك صحيفة تقرأ يوميا عبر الشبكة الإلكترونية لأكثر من مليون قارئ وتوزع في معظم الدول الأوروبية وأمريكا وعدد قليل من الدول العربية. صحيفة القدس العربي محاربة من قبل الأنظمة الشمولية في الوطن العربي لما للرجل من قدرة على انتقاد الفساد والقمع والجبروت وانتهاك الحقوق المدنية للمواطنيين. إن السبب الرئيس لتسريب مثل هذه الترهات في تقديري هو وقوف الرجل بسلاح الكلمة في وجه الجبروت الإمبريالي واليهودي الذي تنتهك على إثره حقوق الفلسطينيين العزل. من ينساقون وراء هذه الادعاءات عليهم أن يقرأوا كتابات عبد الباري عطوان في الفترة التي سبقت ثورات الربيع العربي، وعندها سيدركون أن الرجل يتحدث ويكتب بلسان لا يطلب المال وإنما عن قناعات أساسها طلب الحرية والكرامة للعرب والمسلمين. عبد الباري عطوان قادر أكثر مني للرد على منتقديه، ومن ذلك قوله (نحن لسنا طلاب مال وإلا لكنا نقف حالياً على ظهر دبابات الناتو أو الدبابات الأمريكية قبلها في العراق). وقوله (عجز الخليجيون عن شرائي بالملايين فكيف يشتريني القذافي بأربعة آلاف دولار). كتب عبد الباري بتاريخ 11 يوليو 2011 مقالاً بعنوان (التهافت الليبي على إسرائيل) قال فيه: (يصعب علينا أن نفهم أو نتفهم هذا التهافت الليبي، سواء من حكومة طرابلس، أم ثوار بنغازي، ومجلسهم الوطني، على مغازلة إسرائيل، واستجداء التطبيع معها، وتقديم العروض المغرية لليهود الليبيين لكسب ودهم، ونيل رضاهم، وحثهم على العودة إلى ليبيا معززين مكرمين، وفي مثل هذا الوقت بالذات لأسباب ليست لها علاقة بالإنسانية أو التسامح). *** ختاماً أقول للقارئ السوداني حق لك إعمال العقل حتى تبقى صورة الأستاذ عبد الباري في أذهان أصدقائه وقراء كتاباته وزملائه كما هي رجلا نظيف اليد واللسان ودعك من إسقاطات الإثارة والتشويق. الأحداث 10 سبتمبر 2011م الموافق 12 شوال 1432ه العدد 1397 KHALID ALI [email protected]