أنباء عن اغتيال ناظر في السودان    الصادق الرزيقي يكتب: الدعم السريع وشهية الحروب التي فُتحت في الإقليم    خسائر ضخمة ل"غانا"..تقرير خطير يكشف المثير    إسرائيل تستهدف القدرات العسكرية لإيران بدقة شديدة    "خطوة برقو" تفجّر الأوضاع في دارفور    الترجي يسقط أمام فلامنغو في مونديال الأندية    الحلقة رقم (3) من سلسلة إتصالاتي مع اللواء الركن متمرد مهدي الأمين كبة    افتتاح المرحلة النهائية للدوري التأهيلي للممتاز عصر اليوم باستاد الدامر.    فيكم من يحفظ (السر)؟    في السودان :كيف تتم حماية بلادنا من اختراق المخابرات الإسرائيلية للوسط الصحفي    من الجزيرة إلى كرب التوم..هل دخل الجنجويد مدينة أو قرية واستمرت فيها الحياة طبيعية؟    التقى بروفيسور مبارك محمد علي مجذوب.. كامل ادريس يثمن دور الخبراء الوطنيين في مختلف المجالات واسهاماتهم في القضايا الوطنية    هيمنة العليقي على ملفات الهلال    الحرب الايرانية – الاسرائيلية: بعيدا عن التكتيات العسكرية    نشاط مكثف لرئيس الوزراء قبل تشكيل الحكومة المرتقبة    نقل أسلحة إسرائيلية ومسيرات أوكرانية الى افريقيا بمساعدة دولة عربية    والي الخرطوم يصدر عدداً من الموجهات التنظيمية والادارية لمحاربة السكن العشوائي    أدوية يجب تجنب تناولها مع القهوة    شاهد بالصور والفيديو.. الفنان حسين الصادق ينزع "الطاقية" من رأس زميله "ود راوة" ويرتديها أثناء تقديم الأخير وصلة غنائية في حفل حاشد بالسعودية وساخرون: (إنصاف مدني النسخة الرجالية)    رئيس الوزراء يطلع على الوضع الصحي بالبلاد والموقف من وباء الكوليرا    إدارة مكافحة المخدرات بولاية البحر الأحمر تفكك شبكة إجرامية تهرب مخدر القات    شاهد بالصورة والفيديو.. وسط ضحكات المتابعين.. ناشط سوداني يوثق فشل نقل تجربة "الشربوت" السوداني للمواطن المصري    (يمكن نتلاقى ويمكن لا)    سمير العركي يكتب: رسالة خبيثة من إسرائيل إلى تركيا    عناوين الصحف الرياضية السودانية الصادرة اليوم الأثنين 16 يونيو 2025    شاهد بالفيديو.. الجامعة الأوروبية بجورجيا تختار الفنانة هدي عربي لتمثل السودان في حفل جماهيري ضخم للجاليات العربية    شاهد بالفيديو.. كشف عن معاناته وطلب المساعدة.. شاب سوداني بالقاهرة يعيش في الشارع بعد أن قامت زوجته بطرده من المنزل وحظر رقم هاتفه بسبب عدم مقدرته على دفع إيجار الشقة    رباعية نظيفة .. باريس يهين أتلتيكو مدريد في مونديال الأندية    بالصورة.."أتمنى لها حياة سعيدة".. الفنان مأمون سوار الدهب يفاجئ الجميع ويعلن إنفصاله رسمياً عن زوجته الحسناء ويكشف الحقائق كاملة: (زي ما كل الناس عارفه الطلاق ما بقع على"الحامل")    على طريقة البليهي.. "مشادة قوية" بين ياسر إبراهيم وميسي    المدير العام للشركة السودانية للموارد المعدنية يؤكد أهمية مضاعفة الإنتاج    المباحث الجنائية المركزية بولايةنهر النيل تنجح في فك طلاسم بلاغ قتيل حي الطراوة    من حق إيران وأي دولة أخري أن تحصل علي قنبلة نووية    أول دولة عربية تقرر إجلاء رعاياها من إيران    السودان..خطوة جديدة بشأن السفر    3 آلاف و820 شخصا"..حريق في مبنى بدبي والسلطات توضّح    ضربة إيرانية مباشرة في ريشون ليتسيون تثير صدمة في إسرائيل    بالصور.. زوجة الميرغني تقضي إجازتها الصيفية مع ابنتها وسط الحيوانات    معلومات جديدة عن الناجي الوحيد من طائرة الهند المنكوبة.. مكان مقعده ينقذه من الموت    بعد حالات تسمّم مخيفة..إغلاق مطعم مصري شهير وتوقيف مالكه    رئيس مجلس الوزراء يؤكد أهمية الكهرباء في نهضة وإعادة اعمار البلاد    إنهاء معاناة حي شهير في أمدرمان    وزارة الصحة وبالتعاون مع صحة الخرطوم تعلن تنفيذ حملة الاستجابة لوباء الكوليرا    فجرًا.. السلطات في السودان تلقيّ القبض على34 متّهمًا بينهم نظاميين    رئيس مجلس الوزراء يقدم تهاني عيد الاضحي المبارك لشرطة ولاية البحر الاحمر    وفاة حاجة من ولاية البحر الأحمر بمكة    اكتشاف مثير في صحراء بالسودان    رؤيا الحكيم غير ملزمة للجيش والشعب السوداني    محمد دفع الله.. (صُورة) تَتَحَدّث كُلّ اللُّغات    في سابقة تعد الأولى من نوعها.. دولة عربية تلغي شعيرة ذبح الأضاحي هذا العام لهذا السبب (….) وتحذيرات للسودانيين المقيمين فيها    شاهد بالفيديو.. داعية سوداني شهير يثير ضجة إسفيرية غير مسبوقة: (رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام وأوصاني بدعوة الجيش والدعم السريع للتفاوض)    تراجع وفيات الكوليرا في الخرطوم    أثار محمد هاشم الحكيم عاصفة لم يكن بحاجة إلي آثارها الإرتدادية علي مصداقيته الكلامية والوجدانية    وزير المالية السوداني: المسيرات التي تضرب الكهرباء ومستودعات الوقود "إماراتية"    "الحرابة ولا حلو" لهاني عابدين.. نداء السلام والأمل في وجه التحديات    "عشبة الخلود".. ما سرّ النبتة القادمة من جبال وغابات آسيا؟    ما هي محظورات الحج للنساء؟    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أوراق من دفتر الذكريات .. بقلم: الرشيد حميدة
نشر في سودانيل يوم 20 - 09 - 2011

ذكريات لا تنسى: قرش ونصف تكفي لإفطار طالب الابتدائي
وتذكرة مدني الخرطوم خمسين قرشا
يمر شريط الذكريات (والحقائق التي تحتويها تعتبر من قبيل {أحاديث خرافة}، ويصعب لجيل اليوم تصديقها، لأن عنصر المبالغة وارد فيها بقدر ونسبة عظيمة جدا يجعلها الى الخرافة اقرب وأنسب)، بمناطق طبعت أحداثها بل نحتت في الذاكرة لا يستطيع المرء أن ينساها مهما كانت حلوة أو مرة، وتكاد تكون مفصلة لقطة بلقطة، ورغم ما تكدس فوقها من ذكريات (وهل هناك علاقة بين التكدس والكديسة أي القطة كما يسميها أهل السودان؟؟؟؟ أرجو أن تسمحوا لي قليلا بتحويلة أو تخريمة نتكلم فيها عن {الكديسة}. أهل السودان في عاميتهم كلمات غريبة وبعيدة عن العربية ويقول أهل اللغة وفقهاؤها ان بعضها منقولة من اللغات مثل التركية أو الفارسية وغيرها، ومن بعض اللغات أو اللهجات مثل النوبية أو الرطانات الأخري السائدة في شمال السودان كما سادت بعض كلمات الزراعة وبخاصة الساقية من لغة النوبيين (المحس والدناقلة والكنوز وغيرهم)، وهناك مقطع ال (آب) الذي نجده في الدروشاب، العزوزاب، الزيداب، العالياب، المسيكتاب، الجبلاب، السروراب، الفاضلاب ، السامراب والطالباب والخوجلاب...... وما الى ذلك، أما الكديسة فيقولون أنها من لغة ربما تكون لقدماء المصريين الذين كانوا يقدسون القطة ويسمونها (القديسة) ومن ذلك جاء اسم الكديسة وبذلك لا يكون لها اية صلة أوعلاقة بالتكدس و (كديسة) الكدارة التي يلبسها لا عبو كرة القدم، وللكديسة في اللغة العربية اسماء عدة غير اسم جنسها (القط) مثل السنور والهر وغيرها من الأسماء التي ربما تكون وصفية للنوع والشكل الخارجي كما في (الأسد) الذي يسمى الهزبر، الضرغام، الغضنفر وغيرها مما عرف من أسمائه الوصفية، كما في (السيف) الذي يسمى الحسام، المهند، اليماني وغيرها.
تنتهي بنا التحويلة الى المسار والتيار الرئيسي لهذة الوقفة التي سنحكي فيها ذكريات ضاربة في القدم أيام كنت ادرس بالمدرسة الابتدائية (مدرسة السكة حديد الغربية) فهي غربية الاتجاه لا المحتوى، وصفت ووسمت بالسكة الحديد لأنها كانت تجاور محطة القطار وتقع الى الغرب بخلاف رصيفتها والتي اطلق عليها (مدرسة السكة الحديد الشرقية)، ولقد أدركت عهد (نظارة) الناظر (المدبر بلغة اليوم) الأستاذ الفاضل عبد الله البخيت وعبيد مدني ، وكانت مدرستنا تتألف من أربعة قاعات للدراسة (فصل) اذ كان (السلم) التعليمي يتألف من 4/4/4 لكل مراحله (الابتدائية، الوسطى والثانوية)، وهي تجاور ايضا الادارة المركزية للكهرباء والمياه التي يتوسطها أعلى مرفق في المدينة وهو (الصهريج) الذي يغذي مدينة ودمدني بأسرها بالمياه العذبة (الحلوة اصلا)، وتمتد بجانبه (وابورات) الطاقة الكهربائية (الحرارية) التي كانت تزود المدينة بما تحتاجه من كهرباء، وهي لا تفتر عن العمل، اذ أن (فتورها) او توعكها كان يعني حرمان قطاع كبير من الأحياء السكنية من نعمة الكهرباء، وكانت (الوابورات) وهي تدور تلفظ كتلا سوداء من الدخان الكثيف الداكن الى الهواء الطلق، لكنه سرعانما يتبدد دون ان يترك أثرا له، وعلى مقربة من عوادم تلك الوابورات كانت قاطرات السكة الحديد العاملة في المحطة (الوردية)، وهي قاطرات (مناورة) صغيرة تجوب حرم محطة السكة الحديد جيئة وذهابا تقطر بعض عربات الركاب أو نقل البضاعة لتوصلها توطئة لربطها استعداد لقطرها بواسطة قاطرة تستعد للسفر شمالا ناحية الخرطوم أو جنوبا باتجاه سنار (التقاطع) التي كانت تتقاطع عندها الخطوط الحديدية المتجهة شرقا أو غربا. وكانت قاطرات (البخار) تشكل القوة الساحبة للسكة الحديد وهي ايضا تلقظ من الدخان الأسود ما قد يحجب اشعة الشمس الساطعة في وضح النهارأحيانا، وتقوم بالتهام كمية كبيرة من الوقود (الحطب) الذي كان يلقم لها يدويا بواسطة أحد العمال، ومن ثم ينتج البخار الذي يساعد على دفع عجلات القطار محركا له على القضبان الحديدية، حسبما أكتشفه جيمس واط لمحرك البخار.
وكانت المدرسة الغربية غير مسورة، اذ تم بناء سورها الحالي فيما بعد من قبل احد المحسنين وهو أحد المقاولين الكبار (رجال الأعمال) وعلى ما أذكر يدعى محجوب الشامي....كما أن المدرسة نفسها اعيد تسميتها حيث أصبحت (مدرسة عمار بن ياسر) وحديثي سينصب على (ستات الفطور) في المدرسة وكانت في ذلك الزمان امرأتان واحدة تعرف بستنا وكانت في حوالى الاربعينات وتأتي ومعها (جردل) فول غارق في طبقة كثيفة من زيت السمسم (الأصلي) الذي كان ينتج في ما يعرف بالعصارات حيث تستخدم الابل في ادارة العصارة التي تقوم بعصر السمسم ويخرج أولا ما يعرف بزيت (الولد)، وكانت تقع في المنطقة الصناعية بودمدني ليس ببعيد عن موقع مستودعات البترول الحالي، وكان الواد سيد (الشيال) الملقب بسيد (قفة) يأتيها بالرغيف الطازج من طابونة (فرن) يقع في السوق الصغير المجاور لورشة (114) التي يجاور سورها الشرقي الترعة الرئيسية المجاورة لمدرستنا الغربية والتي تمتد حتى حدود حرم محطة السكة الحديد بودمدني، وكانت المسافة حوالى 2 كيلومتر، يأتي سيد الشيال وعلى رأسة قفة العيش (الخبز) الخاصة بستنا، وكانت البائعة الأخري هي (الشايقية) وكانت اكبر سنا من ستنا وتبيع هي أيضا سندوتشات الفول الذي لا ينافس بأي حال من الأحوال فول ستنا، فلقذ كان معظم التلاميذ يحرصون على الشراء من فول ستنا أولا لمراعاتها أصول النظافة والتدبير والنظام، أما الشايقية فكانت لا تستقطب الا القليل من التلاميذ لكونها كانت تتعاطى (الصعوط أو التمباك) الذي يتقزز من شكله وهي تخرج (السفة) من تحت شفتها السفلى مستخدمة سبابتها اليمنى في حركة لا ارادية أثناء عملية بيع السندوتشات مما قلل من زبائنها. وكنا في أيام البرد نتحلق حول جردل فول ستنا واسناننا تصطك من البرد ولعابنا يسيل عندما نراها وهي (تغرف) من جردل الفول ورائحة زيت السمسم الزكية تفوح وتملأ المكان، وكانت مصاريفي قرش ونصف، اي ثلاث تعاريف (التعريفة كانت خمس مليم) وكان ثمن السندوتش تعريفة واحدة، وأحيانا (نقرض) فلوس الفطور قبل جرس بداية اليوم الدراسي. أما العم محمد وهو اسم فراش المدرسة فكان منافسا خطيرا لستنا والشايقية حيث كان يقوم باعداد ساندوتشات الفول والعسل الانكليزي (أبو أسد)، وكان يستخدم الخبز (التوست) ولكنك قد تحصى بسهولة ويسر حبات الفول التي يضعها في كل ساندوتش بحيث لا يزيد عددها عن حوالى سبع حبات مع قليل من (موية) الفول، او معلقة عسل واحدة يقوم (بتلييسها) على جدار الخبز التوست، ورغم ذلك فقد كان حظه أوفر من (الشايقية) حيث يأتي في المرتبة الثانية من حيث جودة الطعام والنظافة.
وكان عدد لا يستهان به من التلاميذ يأتون الى المدرسة وقد اعدت لهن الامهات فطورا يجهز في (عمود) مكون من الكسرة أو لقمة وشئ من الإدام (الملاح)، وكانوا يتوزعون على فناء المدرسة في حلقات صغيرة قد تضم بعض الأصدقاء أو الأخوان، او فطور بيتي من (حشوة) طحنية أو عسل أو اي شئ متوفر بالبيت.
أما في المدرسة (الوسطى) مدنى الأهلية الوسطى (ب) وكانت تجاورها الوسطى (أ) ويضمهما سور واحد ومن الناحية الغربية كانت تجاورنا مدرسة ابتدائية. فقد كنا ممنوعين من الخروج ساعة الفطور نظرا لأن المدرسة كانت متعاقدة مع المتعهد عبد الباسط الذي يدير مطعم المدرسة (كافتيريا) ويعمل معه على الكاونتر حوالى ثلاثة اشخاص اذكر منهم عمي محمد أحمد، وهو شخصية ظريفة قصير القامة ومفتول الساعدين (القصيرين) ولونه أبيض، وكان نشيطا ويعمل بمهارة ملحوظة على الكاونتر، حيث كان يقدم طبق الفول وطبق الطعمية المؤلف من طعمية وسلطة باذنجان ذات طعم مميز تخلط مع الطعمية في (صحن) أكبر قليلا من الصحن الذي تقوم بائعات الفول المدمس (الحاجات) بتنظيف الفول فيه توطئة لتقديمه للمشتري، وكان يكفي الطالب كوجبة فطور. وبجوار المدرسة وفي المدرسة الابتدائية كان الطلبة يبتاعون سندوتشات الطعمية (الفاهمة) من الشايقية مقابل قرشين للسندوتش الواحد، وكان ذلك ممنوعا ويتم عبر السور الفاصل بين الأهلية ب والابتدائية وغير بعيد وعلى مرمي حجر كانت سندوتشات الحاجة (بهانا) وتستهوي الطلاب الذين يتسللون خارج السور وكانت سندوتشات طعمية ذات نكهة خاصة مخلوطة بسلطة روب يسيل لها اللعاب. وكانت بقالة (أبو يمن) التي تحتضن الركن (البماني) الجنوبي الشرقي لسور المدرسة {أ} لا تخلو من مجموعات متصلة من الطلاب الذين يرغبون في تناول سندوتشات الطحنية مع الليمون المبرد، وكان افضل من يعمل الليمون في مدني دكان حاج حمزة.
وفي مدني الثانوية كنا نخرج لتناول وجبة الفطور في سوق الدرجة المجاور للمدرسة في احد مطاعم الفول حيث كان ذلك مسموحا به، اما طلاب الداخلية فكانت تعد لهم الوجبات وتقدم في قاعات الطعام داخل المدرسة، اذ كان بالمدرسة عدد غير قليل من طلبة الأقاليم يسكنون في الداخليات المخصصة لطلاب الأقاليم من قرى وأرياف الجزيرة المتعددة. وكان متوسط مصاريف الفطور يعدل خمسة قروش للطالب كافية لافطاره مع تناول مشروب بارد وكنا نتشارك حيث نتناول الافطار في جماعات (شلة). ومن المعلوم أن طلاب الأقاليم يسكنون في الداخلية بدون مقابل (ميري) وقد يصدف ان يكون التلميذ بعيدا عن بلده نظرا لعدم وجود مدرسة في نطاق المنطقة الموجود بها لذلك يقبل بالداخلية ويكون سكنه بالمجان مع معيشته وتكون حياته الدراسية كلها بالمجان حيث يسكن ويعيش في الداخليات في جميع مراحل التعليم الثلاث بالاضافة الى الجامعة وهذا التلميذ كان يطلق عليه اسلم (طالب ميري) يعنى تعلم على حساب الحكومة.
أما عندما انتقلنا الى داخليات جامعة الخرطوم فحدث ولا حرج حيث كنا نتاول الثلاث وجبات: فطور وغداء وعشاء داخل سفرة الجامعة، اذ كانت كل مجموعة داخليات مزودة بسفرة طعام تقدم الطعام للطلاب مجانا وبدون مقابل فضلا عن السكن المجاني، وكان هناك جدولا ينظم العمل في جميع قاعات الطعام التابعة للجامعة للوجبات الثلاث، وكان الطلاب ينتظمون في صفوف متراصة فيما يعرف بالخدمة الذاتية ويمرون على كاونتر يقدم عبره عاملو قاعة الطعام (السفرجية) الأطباق لكل طالب حسب طلبه وينتهي الى صالة كبيرة مزودة بالكراسي والترابيز يجلس الطلاب لتناول طعامهم عليها، وكانت الوجبة شاملة تقدم فيها جميع اصناف الطعام حسب نوع الوجبة طيلة الساعات التي قد تمتد الى ساعتين لكل وجبة، وللمعلومية كانت للجامعة مزرعة تقع في منطقة شمبات تزود الجامعة بكل حاجياتها من الخضروات والألبان التي كانت متوافرة بشكل ملحوظ سيما في قاعات الطعام الخاصة بكلية الزراعة بشمبات.
أما في الرحلات الاكاديمية الميدانية داخل السودان فكانت ادارة الجامعة تقدم جميع وجبات الطعام للطلاب والطالبات الذين يشاركون في تلك الرحلات، على سبيل المثال رحلة شعبة الجغرافيا، حيث كان يرافق الرحلة طاقم من (سفرة) الجامعة مجهزين بجميع المستلزمات الخاصة بالمواد الغذائية وغيرها لتقديم الطعام اثناء الرحلة التي قد تستغرق أيام او أكثر من اسبوع في احد اقاليم السودان المعروفة، وغالبا ما كانت تلك الرحلات تؤم ريفي شمال الخرطوم ومناطق جنوب النيل الأزرق وحظيرة الدندر وجبل مرة ومناطق شرق السودان مثل كسلا ومنطقتي طوكر والقاش، ومصنع السكر في حلفا الجديدة مرورا بمناطق البطانة. هذا فضلا عن توفير الوجبات الخاصة بالطلاب المرضى الذين تستوجب حالتهم الصحية أكل وجبات غذائية صحية خاصة بناء على توصية الطبيب المعالج، (آخر دلع)، وقد بلغنا من قبل (السفرجية) أن الوضع الذي مررنا به نحن وعاصرناه في الجامعة يعتبر (ولا شئ) بالنسبة لما تمتع به طلاب وطالبات جامعة الخرطوم في الدفعات التي سبقتنا نظرا لقلة عدد الطلاب وبالتالي ارتفاع جودة ما يقدم من خدمات وطعام جعل من داخليات جامعة الخرطوم طبقا لمستوى الخدمات منافسة بكل المعايير للخدمات الفندقية الراقية السائدة آنذاك التي تقدم من خلال اكبر الفنادق التي كان على رأسها شيخا الفنادق، فندق السودان والفندق الكبير (القراند أوتيل) مما عرف بخدمة الخمس نجوم، وقد أشاد جميع ممن درسوا في جامعة الخرطوم من طلبة الدفعات المتقدمة بمستوي المعيشة والخدمات الراقية والرفيعة التي كانت تقدم من قبل ادارة خدمات الاسكان والمعيشة التابعة للجامعة، والتي كانت تنتظم جميع داخليات الجامعة سيما داخليات الطلاب النهائيين الذين كان حظهم أوفر من غيرهم من الخدمات الفندقية الخاصة.
وكانت قيمة النقود عالية، وكان قبولي في جامعة الخرطوم/كلية الآداب مقابل مصاريف دراسية لكل السنة قدرت بمبلغ ست جنيهات، دفعت منها ثلاث وقدمت طلبا باعفائي من المصاريف الدراسية وقبولي بالمجان اسوة بغيري من الطلاب الذين فقدوا آباءهم، وقد تم قبول طلبي وقبلت بالمجان.وكان نصيب الطالب الذي يتلقى اعانة مالية من ادراة شئون الطلاب بالجامعة يصل الى مائة وخمسين قرشا (يعني جنيه ونصف)، تكفي مستلزمات الطالب الأخرى (غير السكن والمعيشة)، وزيدت فأصبحت اثنين جنيه، وفي عطلات الجامعة الرسمية يمنح الطالب قيمة تذكرة السفر الى موطنه حسب الوسيلة بالحافلة أو القطار، هذا بالاضافة الى مبلغ عشرة جنيهات ونصف تمنح في بداية العام الدراسي لزوم شراء مستلزمات الطالب من ملابس وأحذية. فضلا عن مجانية العلاج الذي يقدم لطلاب الجامعة في العيادة الطبية التابعة للجامعة والتي توفر الرعاية الطبية لجميع الطلاب. أما في الناحية الأكاديمية فقد كانت مكتبة الجامعة العامة (الأم) توفر المراجع الدراسية الهامة لجميع طلاب كليات الجامعة العلمية والأدبية، بما فيها أحدث طبعات من الدوريات والمجلات العلمية، اما مكتبات الشعب المنتشرة في جميع شعب الجامعة فقد كانت توفر ايضا كتب المقررات الدراسية التي تدرس في تلك الشعب بأقسامها المختلفة وكانت الفرصة متاحة لطلاب الشعب والأقسام وفق نظم الاستعارة المعمول بها في الحامعة.
أما أجرة التنقل والمواصلات فكانت لا تكلف كثيرا فعلى سبيل المثال، أجرة التاكسي (الطرحة) من داخليات الجامعة (البركس) الى المحطة الوسطى الخرطوم قرشان ونصف، ومن الوسطى الخرطوم للهجرة امدرمان بخمس قروش وبالحافلة قرشان ونصف!!!!!!! وكان المشوار داخل المدينة عشرة قروش. أما التنقل الى الأقاليم فقد كانت تذكرة (البص) من الخرطوم الى مدني خمسين قرشا فقط وأقصى سعر يدفع للطالب مقابل تذكرة بص دنقلا (مقعد أمامي بجوار السائق) مبلغ اربع جنيهات.
alrasheed ali [[email protected]]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.