الجوع يدق ابواب الوطن وما عاد الناس فى بلدى يرحبون بالضيف حتى لو كان عزيزا وما عاد الصغار يطلبون من الاباء ايه طلبات لانهم وبفطرتهم ادركوا ان الاب يحمل فوق ما يحتمل ... الجوع فى وطنى يمشى فى الشوارع ويجوب الازقه ولا احد ينهره او يحاول طرده ...دخل كل البيوت الا بيوت الذين يحكمون او يصفقون او يكبرون ... ومدينتى كسلا خير دليل على ذلك ... نجتمع نحن رهط من المحامين حول صحن من ( البوش ) او كما يحلو لنا ( سليقه الفول ) وقد تكون بلا قطره من زيت ... نلتهمها سريعا كاننا مريض بالملاريا يبتلع حبوب الكينين سريعا حتى لا يشعر بمرارتها ... الجوع فى داخل مدينه كسلا يمشى بيننا فى كبرياء لا يهاب احد ... وامراه تسارع الخطى هنا وهناك تحمل طفلها الصغير الذى جحظت عيناه ويتلوى من الالم .. هنا وهناك وهى تحمل روشته الدواء لهذا الطفل الذى يوشك على الرحيل ... ورجل كبير يطلب منك جنيه واحد ليشترى رغيف لاطفاله الصغار .. واخر يقف داخل مطعم الفول كل ما قام جماعه من الذين شبعوا يجلس ليأكل ما تبقى من فتات .. وتلميذ فى المدرسه يطلب فى السوق (حق المواصلات ) وفتيات صغار يمددن ايديهن من اجل لقمه عيش وهناك من يتربص بهن ليغتال الطفوله المبكره فيهن ... الجوع هيمن على كل الطرقات احتل البيوت والمدارس والمستشفيات ... الجوع استطاع الدخول الى المكاتب العامه والخاصه ...وهو يخاف فقط من الذين اتو ا من اجل الحكم والثروه ... قليل هم من يذهبون لشراء اللحوم بكل انواعها بيضاء كانت ام حمراء ... ففى احدى المرات قررت ان اشترى جوزين من الكوارع وحضرت حيث تباع .. وجدت احد اصدقائى من موظفى هذا الوطن اقبل يحمل كيسا به ( باميه ) وطلب من صاحب الكوارع فرده واحده ... ظلف واحد ... وهو موظف بالدرجه السابعه ... قال لى فى حسره ... انها من اجل وجبه الاطفال ليتم طبخها مع الخضار ... لم اتمالك نفسى احسست بان الارض تدور بى ... سالت نفسى لماذا تشترى جوزين من الكوارع وتحرم منها الذين ( يطعمون بها الحله للاولاد ) تراجعت من موقع الكوارع وقد امتلات المأقى بالدموع ... انه الجوع فى وطنى ...انه الجوع فى كسلا ... والاسعار قد ترتفع كل يوم ولكن فى الاونه الاخيره اصبحت ترتفع ثلاثه مرات فى اليوم ولا مسئول واحد يتناول الامر كانه لا يعنيهم ... حتى الخضر ارتفع ثمنها وسياسه الخضرجيه اما ان يبيع بالثمن المتفق عليه فيما بينهم او ان يتلف الخضار ويتم كبه فى ( الكوشه ) او لاطعام الماشيه والدواجن فما عادت لانسان كسلا قيمه ... انسان كسلا نكره منذ زمن بعيد وقد يظل نكره الى ان يرث الله الارض ومن عليها ... والجوع فى كسلا تراه امام المساجد وداخل المساجد كم كم من يستجدى ...العلاج ..السفر ..الطعام .. واشياء لا تذكر نستحى منها .... فى عام 1988 عام المجاعه فى عهد جعفر نميرى هجم اهل الريف على السوق فى مدينه كسلا من اجل الحصول على الذره وهذا الذى حدث عام 88 قد يحدث قريبا فى كسلا ... فالشرق كله وكسلا خاصه تموت من المرض والجوع ... كم عدد الامهات اللائى توفين لسوء التغذيه وكم من الاطفال الذين تركوا الدنيا جوعا لسوء التغذيه ... الاسعار ترتفع فى كسلا من الملح حتى اللحوم ... ارتفع ثمن كيلو العدس وارتفع ثمن الزيت بما يعادل 100% فاذ افلحنا فى مقاطعه اللحوم علينا ايضا ان نقاطع العدس والفول واللوبياء ... ان نقاطع الرغيف ... رغيف الخبز الذى ينقص وزنه كل صباح ... علينا ان ناكل التراب ... ونعود الى التراب ... فقد قال احد رجال ثوره الانقاذ فى بداياتها ليموت الثلثين من الشعب ونحكم الثلث ... ها هى النبؤه قد تتحقق لان الجوع احاط بنا من كل صوب وحدب ... حكومه الولايه والمعتمديه فى نوم عميق لا يعنيهم شان المواطن المسكين لا يهمهم من يحيا او يموت ... لا تتدخل الولايه لتحديد الاسعار لان من يجلبون الاغذيه هم من النافذين فى نظام الحكم ومن يجلبون الدواء هم من النافين ايضا فى النظام الحاكم .. الدوله تسيطر على السوق هى الصانع وهى المنتج وهى البائع وهى المستورد عبر شركاتها ومنظماتها ... فشركات الدوله وشركات الحزب الحاكم هى التى تسيطر على السوق ... وحتى التجار البعيدين عن الحزب الحاكم اذا لم ينصاعوا لتوجيهات المورد او المنتج سوف تطيح بهم الدوله او الحزب الحاكم الثورى والثرى والجوع هو اول الطريق الى ثوره الجياع ... الجوع هو الطريق الى الشارع وهو الطريق الى انتفاضه الشعب ... ليتهم يفهمون . اذا الشعب يوما اراد الحياه فلا بد ان يستجيب القدر .... ومن لا يستطيع صعود الجبال يعيش ابد الدهر بين الحفر ... عبد الله احمد خير السيد المحامى / كسلا