ستثير نتائج التعداد السكانى التى أعلنت الأسبوع الماضى شكوكاً فنية ستخلق ضباباً سياسياً كثيفاً للمدى الطويل, حيث ستكون لهذه النتائج هزات سياسية عميقة. لقد تم تسييس أسلوب إدارة عملية التعداد السكانى نفسها.و لم يتسم إختيار توقيت التعداد السكانى من قبل المؤتمر الوطنى بحسن النية. عقد هذا التنظيم العزم أن تتدخل الأحوال المناخية المعروفة مثل الخريف للتأثير على نتائج الإحصاء السكانى وهذا ما حدث فى بعض مناطق الجنوب. رفضت حكومة الجنوب إجراء التعداد السكانى فى الخريف ولكن بإصرار عضوي مؤسسة الرئاسة وضغط الشركاء الدوليين لإتمام عملية السلام وافق رئيس حكومة الجنوب على مضض وسط غضب عارم فى الجنوب وجبال النوبة. وبدلاً من التعاون مع اللجنة الفنية للتعداد بالجنوب لتحليل البيانات المدونة تعمدت لجنة كيزان المؤتمر الوطنى عدم التعاون مع لجنة الجنوب لتنفرد بكل البيانات لمدة 13 شهراً تضيف وتحذف وتحلل الأرقام حسب هواها فى عالم الحاسب الآلى ضاربةً عرض الحائط بالشفافية المطلوبة فى مثل هذه المواقف. وعملوا فى الأرقام ما لم يفعله النجار فى الخشب.و يبدو ان التلاعب قد طال ايضاً مناطق أخرى خارج الجنوب. فى هذه الفترة ظلت لجنة يس تبحث عن الصيغة المثلى لإخراج النتائج. وفى مسرحية هزلية خرجت هذه اللجنة للعالم فى مطلع هذا العام لجس النبض, حيث سربت أخباراً للصحافة مفادها أن سكان الجنوب 3 مليون. حينها أمطر قادة الجنوب اللجنة بوعيد وتهديدات مبطنة. ونسى الأمر حينها. وبعد ذلك تم تسريب خبر آخر أن سكان الجنوب +8 مليون وأن عدد الجنوبيين فى الخرطوم حوالى ربع مليون. وتبع تلك حملة علاقات عامة بإستضافة وسائل الإعلام خبراء أجانب مجهولون لإظهار أن هذا التعداد يعد الأفضل ويمكن أن يطبق فى دول أخرى. إجتمعت لجنة يس وقررت تمرير نتائج التعداد السكانى لمؤسسة الرئاسة بحضور النائب الأول و رئيس حكومة الجنوب سلفا كيير ميارديت الذى رفض التوقيع ورصد الحجج الفنية والأخطاء التى شابت العملية. أصر البشير وعلى عثمان على توقيع كيير على أن ينظر فى نقاط الخلاف بعد ذلك. وأمام إصرار كيير على عدم التوقيع وقع البشير وعلى عثمان على نتائج التعداد السكانى مما جعل تلك النتائج غير قانونية حسب الدستور. وفى الصباح التالى اعلن ان مؤسسة الرئاسة وقعت على النتائج وأن كيير قد وقع على هذه النتائج أيضاً. عاد كيير إلى جوبا ولم يعقد المؤتمر الصحفى لتفنيد توقيعه على تلك النتائج. إنتهز قادة المؤتمر الوطنى هذا السكوت فى سباق محموم لتأكيد أن كيير قد وقع على نتائج التعداد السكانى. ولكنهم صعقوا عندما أعلن كيير من مدينة بنتيو إنه لا يوافق على تلك النتائج المعطوبة فنياً وقانونياً وانه لم يوقع عليها. لم يستوعب قادة وإعلام المؤتمر الوطنى موقف كيير ليشنوا حملة إعلامية شعواء على الحركة الشعبية ورموزها- أتهموها تارة بالفساد وتارة بالتهرب من الإنتخابات. لكنهم لا يعبئوا بطرح الحركة الشعبية بإخضاع البيانات للتمحيص من جهة محايدة للتأكد فقط. أثاروا غباراً لتمييع وهروب من الحقائق "Much ado about nothing". المفارقة الأكثر طرافة أن لجنة يس شعرت بالإحراج البالغ من تدنى عدد الجنوبيين فى الخرطوم فزاد العدد تلقائياً الى نصف مليون عكس التسريبات الأولى التي قدرت الجنوبيينبالخرطوم ب ربع مليون. الدانى والقاصى يدرك ان عدد الجنوبيين فى الحاج يوسف وحده أكثر من نصف مليون. الداعى الدينى المعروف عبدالجليل الكارورى يمسح الأرض بالجنوبيين فى خطبة الجمعة بتاريخ 22/5/2009 والتى نقلهاً الفضائية السودانية حياً, شن الداعى المعروف بعدائه للجنوبيين عبدالجليل الكارورى هجوماً مبتذلاً لايتلاءم مع المنبر الدينى الذى أعتلاه, حيث قال: إن معارضة الجنوبيين لنتائج التعداد السكانى غير مبررة لأنهم بإرادتهم إختاروا الحرب التى أثرت على عدد سكانهم. وأضاف أن إنتشار الأيدز والممارسات العشوائية واللا خلاقية للجنس قد أثرتا على عدد سكان الجنوب. وقال الكارورى للمصلين ومتابعى الفضائية السودانية داخل وخارج البلاد أن الجنوبيين يجب آلا يحتجوا على الزيادة الغير عادية للسكان جنوب دارفور لان السكان هناك يأكلون الدخن! لم يخرج حديث الكارورى من سياق حملة منظمة ليست ضد الحركة الشعبية فحسب بل ضد أهلنا فى الجنوب والهامش. إنه يصب فى حملة تقودها الإنتباهة وصقور الكيزان لنيل من الهامش وإثارة خوف غير مبرر لدى أهل المركز ان الخطر قادم. إنهم الخطر الحقيقي على الوطن. فلنعد إلى هذا الداعى الذى سبق أن صرح فى منبر مماثل أن المسلمين لا يصيبهم الحمى الشوكية لأنهم يتوضؤن. أترك هذا لأطباء المؤتمر الوطنى ليفتوا فيه. بخصوص تراجع السكان فى الجنوب بسب الحرب يجب أن يعى الكارورى أن تعدد الزوجات وتزويج للذين يتوفون قبل زواجهم نهج طبيعى للمحافظة على السكان. أما عشوائية الجنس فى الجنوب فقول مردود عليه. قبائل الجنوب يا أستاذى تعرف العفة والطهارة بالفطرة. هذا لاينفى وجود تفلتات, حيث هناك ضحايا إغتصبهن المجاهدون الذين جيشهم الكارورى وأمثاله أثناء الحرب. اما الأيدز فحدث ولا حرج موجود على بعد أمتار فقط من منبر حديثه. إنه شان صحى عام.. يدرى الأستاذ الداعى أن الايدز يسببه أيضاً الإنحراف الجنسى!! الم ير حوله التفسخ الأخلاقى الذى حل خلال عقدى ما يسمى بالبعث الحضارى الذى تحول إلى التفسخ الحضارى. لم أتحدث عن أطفال مايقوما. الم يسمع بهم الكارورى؟ ألم يسمع أيضاً عن زواج المتعة الرائج هذه الأيام؟ أما بخصوص أن الدخن زاد من سكان جنوب دارفور فإنه ضلال رغم الأهمية الغذائية للدخن. لماذا لا يزيد عدد الذين يأكلون السمك واللحم والبلح ويشربون اللبن بما فيه النوق؟ هل سكان جنوب دارفور يتمتعون بالوضع المعيشي أفضل من ولايات الجزيرة والنيل الأبيض والقضارف؟ كم يتمنى المرء آلا يستغل منبر دينى عام لتناول هذه الهموم بإنتقائية مخلة. نقر أن التفسخ الأخلاقي لا جنس ولا دين له. إنه ظرف يخلقه الوضع الإقتصادى- الإجتماعى ويمكن دراسة الأسباب ومعالجة الأمر. إنه لسخريات الأقدار أن يحكم هذا البلد العملاق والشعب العظيم أقزام لا يعرفون قدره ويطلقون العنان للكراهية دون إعتبار للمثل الدينية التى تدعو للفضيلة واحترام الآخرين لأنهم آخرين. إذا كان هؤلاء يحاولون مرارا أقناع محمد أحمد أن الوحدة لن تجدي مع الجنوب فإن الجنوب لن يكون كما يحلو للكومندان ياسر سعيد عرمان قوله: "أن الجنوب لن يكون جنوب أنجولا أو نيجيريا". فللجيرة أهمية قصوى فى جيبوليتيكا. أما إذا أرادوا سوداناً موحداً فليس هكذا تورد الإبل يا سعد (الكارورى). الرد...الرد فى القضارف فى خضم هذه الحملة القاسية ضدها أحتفلت الحركة الشعبية بعيدها 26 فى مدينة القضارف. لقد أستقبل وفدها إستقبالاً كبيراً. و خاطب الأمين العام للحركة كومندان فاقان أموم أوكيج ونائبه كومندان ياسر سعيد عرمان الحشد باستاد القضارف. يجب الآ يخلط بين العمل السياسى والتحريض الإجتماعى المؤدى للكراهية والمواجهة. الرد... الرد فى القضارف وكردفان و الشمالية ودارفور والجزيرة وكسلا والبحر الأحمر والجنوب يا حركة شعبية.