ولدت وانقاري موتا ماري جو ماثاي في منطقة نييري في كينيا في ابريل 1940م وبدأت رحلتها الصعبة مع التعليم في كينيا ووفر لها تفوقها منحة دراسية للولايات المتحدةالأمريكية عام 1960م ضمن برنامج وفر نفس الفرصة لعدد كبير من الكينيين قبل الاستقلال كان من بينهم حسين أوباما والد الرئيس الأمريكي الحالي واكملت دراساتها في ألمانيا وأصبحت أول امرأة أفريقية تحمل درجة الدكتوراة. وكان يمكن لها أن تواصل مسيرتها الأكاديمية العادية أستاذة في الجامعات ولكنها آثرت الانخراط في العمل العام دفاعا عن البيئة وعن حقوق المرأة الكينية فترأست إتحاد نساء كينيا وأنشأت حركة الحزام الأخضر لحماية البيئة ومكافحة التصحر في كينيا،وجعلت منهما كيانين فاعلين يمتد تأثيرهما إلى خارج كينيا، وأكسبها ذلك شهرة عالمية واحتراما واسعا داخل كينيا وخارجها ولكنه في نفس الوقت جر عليها عداء النظام الحاكم ورئيسه دانيال أراب موي فكانت ضيفة دائمة على مراكز الشرطة والمعتقلات، وكان الرئيس الأسبق موي يكن لها عداء شديدا ويصفها بالمرأة المجنونة التي تهدد النظام والأمن في كينيا، ولكن كانت صلاتها ومكانتها العالمية تشكل ضغطا على النظام الحاكم في كل مرة. أسهمت إسهاما كبيرا في توحيد المعارضة ضد نظام كانو الحزب الأوحد في كينيا واستطاع تحالف المعارضة أن يهزم الحزب الحاكم منذ مطلع الاستقلال وفازت وانقاري ماثاي بعدد غير مسبوق من الأصواتفي الانتخابات الديموقراطية حيث حصدت 98% من أصوات الناخبين في دائرتها الانتخابية ، وأصبحت نائبة لوزير البيئة . كرمها العالم في كل قاراته وحازت على أكثر من 24 جائزة دولية وتوج كل ذلك التكريم بحصولها على جائزة نوبل عام 2004م تقديرا لاسهامها في التنمية والديمقراطية والسلام، ووصفتها لجنة جائزة نوبل النرويجية بأنها (وقفت بشجاعة ضد النظام القمعي في كينيا وأسهمت بأفعالها في تسليط الضوء محليا وعالميا على القمع السياسي وكانت ملهمة للكثيرين في النضال من أجل الحقوق والديمقراطية، وشجعت النساء على وجه الخصوص لتحسين أوضاعهن). لقد كانت وانقاري ماثاي جريئة في طرح آرائها على جميع المستويات ولم تتردد ذات مرة في الإشارة إلى أن مرض الإيدز لم يهبط من القمر على أرض أفريقيا وانما هو صناعة غربية وقالت أنه يجب إطلاع الناس على الحقيقة رغم أن هناك بعض الحقائق التي لا يتم كشفها. في عام 1981م تشرفت بلقائها في مكتبها في مقر اتحاد نساء كينيا وأجريت معها لقاءا صحفيا مطولا وكانت في ذلك الوقت في أوج معاركها ضد النظام الحاكم .تحدثت عن آفاق الديمقراطية في بلادها وفي أفريقيا وعن حقوق ودور المرأة الأفريقية وتناولت في حديثها عدة قضايا، وأذكر أني سألتها عن سر تسميتها بالمرأة الحديدية فضحكت وقالت إن هذا الاسم محجوز للسيدة (مارغريت) ثاتشر (رئيسة الوزراء بريطانيا آنذاك) فقلت لها إن التسمية ليست من عندي ولكني أطالعها باستمرار في الصحافة الكينية، فاكتفت بالضحك ردا على السؤال. كانت ودودة في لقائها معي وأتاحت لي وقتا طويلا لكي أطرح كل أسئلتي، ثم سألتني في ختام اللقاء إن كنت متأكدا أن هذا الحوار سينشر في صحافة بلادي فادعيت لها أن في بلادنا قدر كبير من حرية الصحافة، أكبر مما هو متاح في كينيا، وابتسمت ولم تعلق ، ولم أكن صادقا في ذلك ، إذ أن الإصدارة التي كنت اراسلها من نيروبي لم تنشر ذلك اللقاء الصحفي ، ولا أذكر إن رئيس تحريرها اعتذر لي عن منع النشر ، ولم أتشرف بلقاء السيدة الحديدية مرة أخرى خلال إقامتي في نيروبي أو بعدها، ولكني كنت أتابع أخبارها باستمرار وسعدت غاية السعادة بحصولها على جائزة نوبل ، فقد أتاح لي ذلك أن أدعي أني أعرف أحد حاملي جائزة نوبل معرفة شخصية، ولكن السيدة ماثاي التي أمضت كل حياتها منتقلة من معركة إلى أخرى مستعصية طوال السنوات على الهزيمة والانكسار، خسرت آخر معاركها وهزمها المرض الخبيث وغادرت دنيانا يوم 25 سبتمبر 2011م في مستشفى نيروبي، وخرج آلاف الكينيين يتقدمهم رئيسهم مواي كيباكي لوداعها يوم السبت العاشر من أكتوبر 2011م ليتم تشييعها في ميدان أهورو بارك الأخضر الكبير الذي يمثل رئة نيروبي وأكبر معالمها الجمالية ، وهو نفس الميدان الذي وقفت بشجاعة وقوة قبل سنوات مضت من أجل المحافظة على خضرته واستماتت في الحيلولة دون تحويله لبنايات شاهقة يملكها أعضاء الحزب الحاكم، ونجحت في مساعيها بعد أن استعانت بالضغوط الدولية من قبل حماة البيئة. وقف أوهورو بارك والكينيون جميعهم ذلك اليوم يبكون أسطورتهم الوطنية التي أحبتهم وأحبوها. وداعا وانقاري ماثاي.. السيدة الحديدية..زينة كل النساء وأيقونة المناضلين في جميع الأزمنة والأمكنة. (عبدالله علقم) [email protected]