صحة الانسان هي اغلى ما يملك وهي بالفعل كما القول السائر (تاج على رأس الأصحاء لا يراه الا المرضى)، والمحافظة على الصحة تستوجب علينا التداوي فما انزل الله من داء الا وانزل معة الدواء، ومن معنى هذا الحديث يستوحي العلماء وفقهاء الحديث أنه لا توجد امراض (مزمنة) بمعنى انها غير قابلة للعلاج أو لا يمكن الشفاء والبرء منها، فجميع الأمراض وبنص الحديث لها علاج وطريقة التداوي علمها من علمها وجهلها من جهلها، فكوننا لانعرف طريقة التداوي والعلاج لا يعني ذلك انه لا يمكن الشفاء منها، فعجزنا لايبرر ذلك. وقديما تداوى الناس بالأعشاب والغذاء نفسه، ولكن ما كل الناس ينفعها نوع واحد من الدواء، لأن تكوين وطبيعة الأجسام تختلف من شخص لآخر، فأطباء الأمس كان ليس في ايديهم سوى تلك الأعشاب والنباتات، يستخلصون منها المواد التي تعالج وتكافح الأمراض وتقضي على الميكروبات وتؤثر على الملابسات التي تتسبب في الأمراض والعلل التي تصيب اجسامنا وتخرب النسيج (الرباني) لأعضاء الجسم وأجهزته الحساسة. وقد اجتهد اطباء الأمس (البعيد) واستخلصوا لنا الدواء من الأعشاب الطبيعية التي كانت هي (الأصل)، عليه فطبهم هو الأصيل وحري بنا الا نسميه الطب البديل بل الطب الذي نحتفي به الآن هو (الطب البديل) وطبهم هو الطب الأصيل، أنظروا الى الصينيين كيف طوروا طبهم (الأصيل) الوخز بالابر، بحيث يتم تخدير المريض بدون ان يعطى عقارا او (بنج مخدر)، ولعل ذلك ليس من قبيل السحر أو (الشعوذة)، بل هو عين العلم والمعرفة، فقد عرفوا مراكز الاحساس في الجسم وارتباطها بالدماغ فعطلوا تلك (الاعصاب) التي تنقل الاشارات الحسية مثلما يعطل الكهربائي أجهزة التوصيل ويتم (فصل) الكهرباء من الجهاز المعني ويعمل هو في سلام وفي مأمن من مخاطر صدمات التيار الكهربائي. لقد لفت نظري أحد (خبراء) الأعشاب الذين استضافتهم قناة النيل الأزرق واسمه عبد القادر التوم ابراهيم، الذي تحدث عن التداوي بالأعشاب وبين ان جميع اقاليم السودان غنية بالأعشاب الطبيعية التي تتمو بكثرة في اراضيه وكيف ان لتلك الأعشاب والنباتات قيمة (علاجية) عالية لمن لهم معرفة والمام وخبرات بكيفية عملها واستخدامها في العلاج والاستطباب من الأمراض، ووضح كيف ان (الموليتة) وهي نبات اشبه بالجرجير تنمو في الخلاء (بروس)، وهي معروفة لدينا في منطقة الجزيرة وكنا ونحن اطفال نلتقطها من الاراضي المجاورة لبيوتنا وتفنن الناس في أكلها، وتؤكل كالسلطة مع دكوة الفول أو بدونها مع الليمون والشطة، وقد افاد ان الموليته تستخدم في علاج حوالى خمسين من الحالات المرضية على رأسها مرض الضغط والسكري، وقال انه ثبتت فعاليتها في معالجة هذين المرضين بشكل ملحوظ.وفعال، ويظل ذلك الامر، في نظري معلقا، الا يفتينا خبراء الصيدلية والدواء بمصداقية هذه المقولة التي ينبغي ان تخضع للتجارب والدراسة المستفيضة والتحليل الوافي، في سبيل الوصول الى حقائق علمية مدعومة بالأدلة والبراهين وبالشواهد، ليس باجراء التجارب على حيوانات بل على البشر انفسهم، لكي تثبت الحقائق العلمية وتوثق اكاديميا وعمليا، وبعد ذلك نستيقن الى صحة المقولة. والطب الشعبي لم ينبع أو يأتي من فراغ، فشعوب العالم كلها لها تجارب في العلاج والتداوي بالأعشاب والنباتات الطبية، وتعمل على تطويره ودراسته واخضاعة لسلطان العلم، وفي السودان هناك من لهم دراية كبيرة بالتداوي بالأعشاب وطريقة تناول بعض النباتات وتأثيراتها على المصابين ببعض الأمراض، وهم على المام تام ودراية بمدى فعالية تلك الأعشاب والنباتات ولهم تجارب وخبرات في التداوي بها، كما ألم بعض (العطارين) بأسرار وتأثيرات وفعالية بعض تلك الأعشاب فصاروا يستخلصون منها المواد التي توصف لبعض الحالات ليس اؤلئك الذين يعانون من امراض في الجهاز الهضمي، بل في مجالات اخرى كالامراض الجلدية والتنفسية واليولية وامراض العيون والعظام وغيرها من الأمراض التي تصيب اجهزة وانسجة الجسم الأخرى، حتى ان العادات والتقاليد قد ارتبطت بمثل تلك الممارسات فمثلا النفساء كانوا يقدمون لها التمر (المديدة) والحلبة، ولقد ثبت علميا جدوى ذلك وفي قصة مريم مثال حي لأهمية الرطب للنفساء، وكان ما يعرف باسم (البصير) يقوم بمعالجة الكسور وتجبيرها واعادة المفصل المصاب الى موضعه الأصلي، ويعالجون العظم المكسور أو الذي به (شق) بنصح المصاب بالاكثار من تناول (الترمس) وقد كان يظن ان الترمس يحتوي على مادة (الكالسيوم) التي تساعد على نمو العظام، ولكن العلم اكتشف أن الترمس يحتوي على مادة صمغية لاصقة تعمل على (رتق) العظام وسرعة التئامها. وهناك ممارسات عديدة في طبنا الشعبي تصلح الى تبنيها شريطة اخضاعها للتجارب العلمية وللفحص والاختبار وذلك لضمان سلامتها و (مأمونيتها) أي أنها مأمونة العواقب والاستعمال. وقد سمعنا كثيرا عن فوائد نباتات عديدة هي في متناول اليد والاستعمال اليومي مثل القرفة وفعاليتها في تخفيض سكري الدم وهي مجربة وقد اثبتت فاعليتها، ومثلها القرنفل والحرجل والترمس المر والشاي الأخضر والثوم وزيت الزيتون (وأوراقه)، كلها، حسب التجربة الشخصية، تعمل على خفض سكري الدم ولكنه لم يتم تحديد الكميات والجرعات الفعالة والمأمونة لاحداث ذلك التخفيض، ومفعولها يتفاوت من شخص لاخر وهناك من لا تتجاوب حالاتهم مع تلك الأعشاب او النباتات، مما يجعلها استخدامها محدود في هامش ضيق. ولعل المهم في القضية أنه بلا جدال أن الأعشاب تنطوي على آثار جانبية، ان وجدت، محدودة ومحصورة، الا ان الشئ المثير للمخاوف هو الآثار الجانبية لكثير من الأدوية (لدرجة ان المرء اذا قرأ التحذيرات والتنبيهات المدرجة في الديباجة المرفقة بعبوة الدواء قد يصيبه الخوف القلق من استعمال الدواء ويفكر في رميه في سلة المهملات بدلا من استعماله ليصاب بالدوار أو الخفقان او الغثيان، فتلك المعلومات قد تصيب الانسان بالغثيان). اذن الباعث على التفكير في خلق وايجاد (بديل) لتلك العقارات والأدوية (ذات المخاطر والمحاذير) هو السعي لايجاد دواء بديل (أصيل)، كان يستعمله جدي وجدك دون ان يسبب لهما (دوخة أو غثيان). وعلى عاتق المختصين لدينا في علم الصيدلة والاختصاصات ذات الصلة، تقع مسئولية جسيمة تتجاوز دوره التقليدي، والانتقال به من وظيفة (بقال)، {مع الأسف اضحت مهنة الصيدلة في بلادي بفضل فعل وممارسات نفر من الصيادلة لا تتعدى أن يكون الصيدلي بمثابة البقال الذي تتلخص مهمته فقط في ان يكون (مناول) أو (مقاول)، فهو اما مناول يعمل بالصيدلية أو مقاول يروج لسلعته بين البقالات، عفوا بين الصيدليات} يبيع سلعة من دون وصفة طبية الى وظيفة صيدلي (فعال)، يركب ويصنع الدواء ويكتشف ويلم باسراره وفوائده ومخاطره ويبيعه. نريد من بعض صيادلتنا التخصص في عمليات استنباط الدواء واستخلاصه من (مكمنه) الطبيعي ومورده الأصلى لكي يسهم بفعالية في صناعة الدواء، للاستفادة من الثروة العشبية والنباتية الضخمة التي تنعم بها اراضينا وحقولنا وغاباتنا. اذن هذه دعوة صريحة الى كل المهتمين بشئون العلاج والدواء أن ينخرطوا في ذلك العمل الانساني الذي سيعمل على خلق كيان صيدلاني دوائي أصيل من مواردنا الطبيعية المحلية التي حبانا بها الله، وليكن هذا عمل قومي تنسق فيه كليات الصيدلة بكافة جامعتنا المنتشرة في التراب السوداني من أجل ان يرى النور ذلك للمشروع القومي البحثي العملاق الذي يهدف الى دراسة جميع اصناف الأعشاب والنباتات الطبية لاستنباط واستخلاص المواد الطبية العلاجية والعمل على ايجاد صيغ لتصنيعها بالداخل وتصدير فائضها الى بقية دول العالم. وبذلك نكون أعدنا الى تلك المهنة الانسانية مجدها ووضعها الطبيعي، الذي يمكنها من الارتقاء بدور الطب الأصيل ودفع عجلته الى الأمام، وبالله التوفيق. همسة: أود ان اهمس في اذن الاخوة الصيادلة اننا لما كنا اطفال كنا نكثر من أكل (قرض النصارى) وهو تمر شجرة (المسكيت)، التي يشن عليها الزراعيون حربا شعواء بتهمة أنها تمتص الغذاء من النباتات الأخرى (وهي في السعودية مرحب بها ومحتفى بها من السلطات البلدية في جميع مدن المملكة سيما الرياض والدمام ، لأنها تقاوم الجفاف). كذلك كنا نأكل (الزونيا) وهي ثمار شجرة (النيم)، التي تعرف بأنها قلعة تحارب الآفات الحشرية والناموس الذي يقل بشكل ملحوظ في الخرطوم بحري نظرا لانتشار (جيوش) النيم في كثير من أحيائها. وكذا الحال مع (اللالوب) و (النبق) و(العرديب) و(القونقليس)، فهل لتلك الثمار مفعول في مكافحة الملاريا وغيرها من الأمراض المستوطنة الأخرى، أو الأمراض الأخرى. alrasheed ali [[email protected]]