[email protected] ) كان) التعليم الحديث من مدخلات الطبقة الوسطى في السودان، فالدولة كانت متكفلة بكل تكلفة التعليم من المعلم الى صابونة الغسيل لا بل كانت المدرسة والداخلية نقلة بالنسبة للتلميذ القادم من بيئة تقليدية ان لم نقل متخلفة، لقد استطاع أبناء الفقراء الترقي في مدارج العلم بقدر قدراتهم الذهنية واستعدادهم الفطري، فأصبحوا أفندية ولما كان الافندي يتقلب في رغد من العيش فقد اصبحوا طبقة وسطى وتجولوا لا بل وسكنوا المدن، فكونوا مع التجار والملاك فئة البرجوازية الصغيرة لم يتنكروا لاهلهم بل كانوا مادين يد العون لهم ولكنهم انتقلوا الى وضع ما كانوا بالغيه لولا التعليم وما يوفره من وظيفة مريحة واهتمامات حديثة وبهذه المناسبة تحضرني طرفة حدثت في احدى القرى حيث قرراحد أبناء أكبر اثرائها احضار الفنان بادي محمد الطيب ليغني في زواجه فسأله والده عن التكلفة فأجاب بأنها عشرون جنيهاً فرد الوالد (ليه اصلو انت موظف) والشاهد هنا ان الموظف هو القادر على الانفاق لانه (ما ضارب في القروش حجر دغش). التزاوج كان من ابواب الدخول للطبقة الوسطى، فالافندية كان المجال مفتوحاً لهم للزواج من بنات الاثرياء لأن الاثرياء كانوا يبحثون عن مداخل للدولة والافندية يبحثون عن (الراحة)، فالاطباء والمهندسون والضباط وكل الخريجين المجال مفتوح لهم لدخول البيوت الكبيرة بغض النظر عن خلفيتهم الاجتماعية، بعض المتعلمين يبحثون عن الجمال فوجدت بنات الفقراء فرصة للانضمام للطبقة الوسطى بعض ابناء الاثرياء يبحثون عن الجمال فينزلون من طبقتهم كذلك لا بل بعض الاثرياء (يدبلون) من الاسر الفقيرة ذات الجمال باختصار (كدا يعني الجمال كان رأسمال كما غنى المغني). الشاهد في الفقرتين اعلاه ان الطبقة الوسطى كانت في حالة سيولة وتمدد وكانت تتسع كل يوم بالتعليم وبالزواج وبالكسب المادي العادي وكانت عملية التحول الاجتماعي تتم بسلاسة وبسرعة، فليس هناك متاريس كبيرة فأوضاع الشباب من الجنسين تتغير وتتبدل ما بين يوم وليلة والتحول من طبقة الى طبقة يتم بآليات كثيرة وهذا يعطي المجتمع حالة حيوية، فطالما ان الطريق مفتوح للترقي فان هذا يعطي الثقة في النفس ويبعد اليأس، والمعروف ان الطبقة الوسطى هي الطبقة المبدعة وهي التي تحفظ توازن المجتمع، فالخوف من السقوط في طبقة الفقراء والتطلع للانضمام للطبقة الاعلى هوالذي يوجد التوتر (اللذيذ) الذي يولد الابداع.