محروسين (3) [email protected] شيء ما سرى لفضولي عندما أُعلن للحضور من فوق منبر "كنانة" أن دعوة لتناول الشاي ستكون في ضيافة الحركة الشعبية . فقد وشى لي حدسي بأن هذا اللقاء مع الأمين العام للحركة باقان أموم يُترك حتى ينفض سامر الجسات للأيام الثلاثة الأولى . وزاد حدسي في نميمته ماذا كان سيضير القائمين على أمر الملتقى لو أنه أتيحت لنا فرصة تفاكر مع الأحزاب السياسية الأخرى ضمن أجندة المؤتمر . إلا أنه سوّل لي مرة أخرى بأن الوحشة المضروبة على الحركة الشعبية إلى الآن ما زالت تشي بأن خطواتها محسوبة في مجالات العمل العام ، وشيء من الحياء يدثر دعواتها ولو أن خطابها في كل الأحوال كان فصيحاً مبيناً. في لقائنا بباقان أموم الأمين العام للحركة الشعبية أمسية الدعوة كاد الشعار الذي تأسس عليه مشروع السودان الجديد من قِبل مؤسس وزعيم الحركة الشعبية الراحل د.جون قرنق دي مبيور يولد من بين يديه فالحضور كان قومياً شاملاً بين منتم ٍ للحركة وصديق لها ومناضل سابق ووصولي ومهرج ومتفرج وهذه هي التصنيفات التي يمكن أن يستوعبها المشهد السياسي السوداني الحالي بجدارة وتشكّل قوميته المأمولة. تحدث باقان عن كل شيء تقريباً إلا أن وحشة أخرى كست نبراته : الشماليون لا يدرون عن الجنوب شيئاً والصحفيون يكتبون اسم وزير التعليم العالي "بيتر أدوك"بطريقة قد تثير مشاعره.لم يمر على حديث الأمين العام نصف ساعة ، إلا ومرت علينا وريقة تذكر السيدات بأن دعوة الوزيرة سامية محمد أحمد في "مزن بيتش" قد أزفت ، وقد رأيت أن الدعوة المسبقة تحتمل أن يقرر الناس بشأنها ما يقررون ،أما ملاحقتهم وهم يؤدون واجب دعوة أخرى، فهذا ما استغربته حقاً. يومان فقط وخرجت الرأي العام في مناظرة أجرتها بعدد الأحد 17مايو ، كانت المواجهة بين عضو البرلمان ياسين محمد نور نائب أمين التعبئة السياسية بحزب المؤتمر الوطني ، وياسر عرمان نائب الأمين العام للحركة الشعبية لقطاع الشمال عضو البرلمان في قضية مسدس البرلمان الشهيرة . ابتدر ياسين حديثه بمقارنة فجة وصف فيها ياسر عرمان بالشيوعي ، بينما وصف نفسه بأنه كان أميراً للمجاهدين في الدفاع الشعبي مراهناً بذلك على عاطفة الشعب التي ما عادت هي تلك العاطفة التي ترى في دبابي الأمس وساحات وغائهم أثراً لرائحة مسك ولا ملائكة بيض مفترى عليهم يدفنون شباب الشمال بينما يتركون قتلى الجنوب من الأطفال والنساء في العراء. لغة الدبابين التي تمنى بها لو أنه قابل عرمان أيامها "عشان نوريه حاجة " على حسب نصه ما عادت هي لغة الخطاب التي من المفترض أن تنتهجها دولة حكيمة تحاول قدر المستطاع الانفتاح نحو الآخر . أما ياسر عرمان فقد اكتفى في رده على تصريحات ياسين بأن الحديث هو شخصنة للقضايا وهو بالتالي محاولة للتحايل على قضية التحول الديمقراطي وقضية الاعتراف بالآخر داخل البرلمان.وفي هذه المناظرة أعجبني أن يخرج ياسر عرمان بهذه الواقعة من محيطها الضيق إلى الدعوة في التفكير بالسودان الجديد كونه حالة ذهنية قد وجدت أسباباً في كيان الآخر المختلف معه لقياسه عليها وفقاً للإحساس بالعالم الخارجي وتحولاته. بحالة الفوضى هذه وإمعاناً في الوحشة ولأن الإقصاء هو سيد الموقف أستهدف ياسر عرمان بقنبلة ناسفة عِوضاً عن المسدس . فكيف نتحدث عن عملية إدراك الممارسة الديمقراطية ونحن لم نكف عن تقديس من لا يملكون القداسة ،ولم نتحرر بعد من أولئك الذين لا زالوا يعيشون بذهنية عهد الدبابين ولم نصل إلى إدراك أن العقل والوعي صنوان، وأن الأوهام وليست القيم هي المبذولة على مذبح الوطن الكبير.