كأنما لم يكفِ العرب إرهاب الأنظمة. بعد إنجاز يوازي الإعجاز في اقتلاع حكام مستبدين ورياح تعصف بسلطات عتيقة تنهض طبقة إرهابيين جدد بأدوات إرهاب حديثة يحذرونا من الغرق في الفوضى. معظم هؤلاء ينطلقون من عقليات خربة أرهقتها أنظمة الخوف حتى فقدت قدراتها على التحديق في المستقبل. الشعوب العربية حرثت في موسم الربيع واقعاً متكلساً، فقلبت تربة جديدة صالحة لغرس عصري مثمر. ألا يكفي هذه الشعوب حصاداً قدرتها على اختراق حجب الخوف والقمع، فأصبحت الأنظمة تتوجس منها رعباً. فبدلاً من الاستسلام لإرهاب السلطات الحاكمة المستبدة باتت الشعوب تملي إراداتها. مع رياح الربيع العربي انهارت قلاع الأمن والمخابرات. الشباب أخلوا أقبية التعذيب وأغلقوا غرف الحبس الجماعي والانفرادي. الجموع الثائرة أفنت الشعارات الزائفة المرفوعة عقوداً باسم العدالة، في بلاد لا توفر أنظمتها أي قدر من العدالة أو الكرامة. الآن فقط عرفت الشعوب معنى شعارات من طراز الحرية والاقتراع الحر والشفافية. شعوب مزَّقت مواثيق بالية لثورات باهتة. شعوب عرَّت عورات أنظمة تتوغل في الظلم تحت مظلات نبيلة، فتكرِّس التجزئة تحت الوحدة، وتبني طبقات طفيلية باسم الاشتراكية، وتستغرق في الانكفاء وتلعن العمل الجماعي، وهي تجاهر بالقومية. في موسم الربيع كسرت شعوب عربية عصبية القبيلة الموروثة، حيث اعتاشت عليها أنظمة، وبها أتخمت فخوذ وبطون، وبها نفسها أفقرت عشائر. رياح الربيع تفتح مسارب التعايش بين طوائف وإثنيات ظلت عرضة للاضطهاد والتحقير. الرياح نفسها أزالت حواجز وهمية بين مناطق وجهات في الوطن الواحد، أصابها التهميش والبوار دون ذنب وبلا مبرِّر، إلا من نزوات الحاكمين. أليس في حساب الربح والخسارة ما يجعلنا ننظر إلى المستقبل غير وجلين؟ فلماذا إذاً يشهر البعض أسلحة التخويف مجدداً؟ مكمن الخطر في زعم بعض هؤلاء يتجسَّد في الإسلاميين الصاعدين درج الأنظمة الربيعية الجديدة. واقع الأمر أن الإسلاميين الخارجين من صناديق الاقتراع هم إسلاميون جدد يدركون مخاطر البقاء في ثيابهم القديمة. الإسلاميون الجدد يتحدثون لغة الربيع العربي، يتنصلون من خطابهم القديم، ويبشِّرون بمقاربات عصرية حديثة. هم أنفسهم يعبرون عن رغباتهم في تجديد الخطاب الإسلاموي. الجميع يدرك أبعاد واقع يتيح لهؤلاء الترقي إلى أسنام السلطة في أكثر من بلد. على هؤلاء التيقن من أن لا شيء يعصمهم من الطوفان الربيعي في أي مكان وزمان. الربيع العربي أخرج اللعبة السياسية من التابوهات القديمة. الإرهابيون الجدد خوفونا من حرب أهلية في ليبيا ومعارك بلطجية تسبق الانتخابات المصرية. صحيح أن الربيع العربي أطلّ بلا مقدمات تنويرية أو إرهاصات تبشيرية، لكن هذه الحقيقة في ذاتها تبدِّد المخاوف من المستقبل. الثمرة الوحيدة في أيدي الشعوب من قطاف الربيع حتى الآن تتمثل في فتح الأفق العربي أمام التداول السلمي للسلطة. هذه ثمرة عصية على الفساد، إذ لن تسمح ميادين الثورة المرفودة من كل الشوارع والأزِّقة لأيٍّ كان بقطفها أو إفسادها. الربيع العربي صناعة جيل جديد من الشعوب العربية تخطى القيادات الشائخة والأدبيات السياسية الشائهة لأجل غدٍ أفضل. هذا جيل لا يعرف صناعة الخوف، ومن ثم فلن يأبه للإرهابيين الجدد.