عالم اليوم محكوم بالإعلام الذي أزال السّدود وألغى الحواجز والحدود واختزل المسافات،وقرّب الماضي وأدخله في الحاضر وكاد أن يلغي الجغرافيا والتاريخ،بل إنّ الإعلام بدأ يحدد الخصائص النفسية والقناعات الفكرية للشعوب بما له من تأثير قوي ،وبيان مقنع وأساليب متعددة ووجوه مختلفة وجذابة ،وإمكانات هائلة بتقنيات عالية تسهل له القدرة على إعادة صياغة الإنسان وفكره وقناعاته بصورة جديدة،كماتسهل له المناخ المناسب للتغيير والتحول لمجتمع يتناسب مع هذا الاختراق للحدود الأمنية والقناعات العقيدية والثقافية والنفسية. هذا الإعلام بهذه الإمكانات الخرافية ،يفرض علينا أن نتعامل بمستوى متميز وفكر متفتح وعقلية جيدة تسخر هذه الإمكانات في تأصيل الخطاب الإعلامي وتجديده بمنهجية واضحة واحترام كامل لعقول المخاطبين الذين لايستمعون لخطاب يعتمد على التهريج ويبعثر الشعارات أو يستعمل العاطفة وييخاطب العواطف لاالعقول كما يفرض علينا هذا أن ننتقل بخطابنا من الحلية الى العالمية ومن العاطفة الى العقل ومن الشعارات الى الأعمال وهذا يقتضي أن نفرق بين اللّغة التي نخاطب بها العامة والتي نخاطب بهاأصحاب المعرفة والعلم ومن اللّغة التي تتعامل مع العوامل الإقليمية والمحلية الضيقة الى اللّغة التي تتعامل مع المستجدات والمتغيرات في العالم ،الأمر الذي يحتم دراسة واعية للواقع على المستويين الإقليمي والدولي، الثابت والمتغير،.الموجود والحتمل حتى يمكن لخطابنا أن يسمع ولكلمتنا أن تشيع ولمنطقنا أن يقبل ويقنع. هذا على المستوى الخارجي أما على المستوى المحلي فإنّ قراءة بعض مايدور في الصحف بين الحين والآخر وما يبث في بعض وسائل الإعلام وأماكن التوجيه؛ لايحترم عقول القراء أو المستمعين أو المشاهدين ويتجاهل أمورا كثيرة بينما يتخذ البعض من النقد والتوجيه وسيلة للتجريح والتشهيروالتقليل من قدر الآخرين ممن لايستحقون ذلك بأفعالهم وأقوالهم ومواقفهم وما يجرمهم عقيدة ووطنا وثوابت وقيم. كثير من الكتاب وأصحاب القلم ومن يتاح لهم بحكم مواقعهم أن يتكلموا ويكتبوا يدعون غيرهم أن يلتزموا بأدب الحوار ورحابة الصدر ورحم اللّه رجلا أهدى اليّ عيوبي ونبهني لأخطائي ،ولاخير فيهم إن لم يقولوها،ولاخير فينا إن لم نسمعها وغير ذلك من الكلام الجميل الذي لاأثر له في الواقع ولاإيمان به في الحقيقة ولاوجود له في الممارسة والسلوك ،فيكون قتالنا ومعاركنا في نفي الخطأ عن أعمالنا والخطل في مواقفنا وتنزيه أنفسنا وأقلامنا وآرائنا وقراراتنامن الضلال والخطأ ،وبراءة أفكارنا من العلل وأقالنا من الفرعونية التي ورثناها عن سادتنا وكبرائنا. إننا على قناعة بأنّ تقبل الآخر، وتقبل النقد والتوجيه والاعتراف بالخطأ والرجوع الى الحق والشورى الحقيقية ؛ ليس في موروثاتنا وثقافتنا وتربيتنا مع أن ّكل ذلك أساس في ديننا ومبادئ في شرعنا وموجهات لسلوكنا في الحياة . إننا لو راجعنا انفسنا بمنهجية تحتكم الى العقل لأحجمنا عن الكثير مما يشوه خطابنا الإعلامي الذي نحتاج فيه أن نرتفع الى مستوى الرسالة التي نحملها ونبشر بها'كما نحتاج أن نلتزم—حقيقة—بأدب الحوار وإحسان القول وحسن الظن مما أرسى قواعده سلفنا الصالح ومفكرونا وعلماؤنا حتى لاتوظفنا الأحداث ولاتسيرنا الانفعالات ولاتتحكم فينا الظروف العارضة بدلا من أن نوظفها لمبادئنا ومستقبلنا ومشروعنا الحضاري الحقيقي إنّ الزمن الذي نعيش فيه هو زمن المستجدات المتلاحقة والمتغيرات المثيرة والمعلوماتية المتدفقة التي جعلت العالم بين يديك ليس تاريخا ماضيا بل حاضرا بقياس الساعات والدقائق وليس بالأيام والأسابيع الأمر الذي يفرض علي خطابنا أني يستجيب لشروط الحياة المتسارعة وحالة أهلها بحيث يكون معبرا حقيقيا عن المجتمع الذي نعيشه ونعمل لتحسين إمكاناته وتطوير قدراته وتحقيق طموحاته عن طريق المعرفة العلمية والكلمة الصادقة والمعلومة الصحيحة والشفافية الخلقية. والإعلام الرسمي الحكومي هو الأكثر فقرا فيما هو مطلوب مما ذكرنا والأعظم حاجة لتغيير مضمونه وشكله وصدق معلوماته ونزاهة تفسيراته والتصالح مع العقل والمنطق بحيث يتخلى عن نرجسيته وتبعيته للسلطة وتجاهله بل جهله لوعي الأمة وقراءتها للواقع –بمتوى ادراكه وعلمه المحدود- عندما يكون الإعلام همه تحسين ما هو قبيح وتزين ماهو مشوه وترديد ما هو مكرور وممجوج فإنه يتجاهل المستشرف ويتعامى عن السنن –إن كان يعلمها-ويتحدث عن واقع لانعيشه ومستقبل لانستشرفه . المطلوب في المستوى الأدنى –أن يكون خطابنا الإعلامي مبنيا على المعرفة متدثرا بالحكمة معترفا بالتنوع مبتعدا عن الفكر الدعائي والأسلوب الانفعالي والطريق ذي الاتجاه الواحد. عبّاس محجوب Dr Abbas Mahjoob [[email protected]]