[email protected] أوقفت السيارة على جانب الشارع أمام مبنى الصحيفة وهو من الشوارع التي تعج بالمارة لأنه يؤدي الى موقف استاد الخرطوم، ولما كان زجاج السيارة لا يرفع آليا (اوتومتيك) نتيجة خلل فقد تعودت الاستعانة (بصديق) يضغط الزر واقوم برفع الزجاج بيدي فصادف ذات يوم ان كان من المارة أحد الاخوة من أبناء جنوب السودان فناديته قائلاً: (ياخونا لو سمحت تعال خت اصبعك هنا) وبالفعل استجاب الرجل وقمت بالعملية المعتادة في جزء من الدقيقة وشكرته وأغلقت السيارة، ولكن دهشتي ان الرجل تسمر في مكانه وبدلاً من ان يرد الشكر قال لي وبلسان عربي مبين (انا البشكرك يا أستاذ) فقلت على ماذا تشكرني وانت الذي قدمت لي الخدمة، فقال انه ظل في الخرطوم لمدة تجازوت العشرين عاماً ولم يطلب منه أي شمالي خدمة، وحكي لي انه ذات مرة وجد احدهم تعطلت سيارته وكان محتاجاً (لدفرة) ومر صاحبنا من أمامه ولم يطلب منه أية مساعدة وعندما جاء شمالي قال له (لو سمحت يا ابن العم ايدك معانا) فقال لي ذلك الأخ ماكان مني الا ان قلت له (انا برضو ابن عمك) وقدم له يد العون. أصدقكم القول ان قصة هذا الأخ الجنوبي لم تمر علي بسهولة لا بل اخذت جزءاً كبيراً من تفكيري وشعرت بأننا نحن أهل الشمال لم نتعامل مع اخوتنا الجنوبيين الذين نزحوا للشمال بالصورة المطلوبة، فقد قمنا بتأطيرهم تأطيراً سياسياً ولم نقترب منهم الا ما ندر لا بل اسقطنا عليهم مفاهيمنا العنصرية البالية ونظرنا لهم نظرة غير متكافئة كما ان أوضاعهم الاقتصادية البائسة قد كرست وجودهم في أدنى السلم الاجتماعي (ولا نقول تهميش؟). هذا لا ينفي ان هناك مظاهر تداخل وتعايش طيبة قد حدثت بين الشماليين والجنوبيين في العاصمة، ففي شارع الجمهورية عدد كبير من الشباب الجنوبي الظريف مظهراً ومخبراً وهم يفترشون فرندات السوق الافرنجي ويبيعون الملابس من بناطلين واقمصة واحذية وعطور وكلها منتجات اوروبية فخمة وبأسعار معقولة جداً ويتعاملون مع الزبائن بصورة راقية جدا لا بل مختلفة عن الباعة المتجولين الشماليين الذين يكثر بينهم المخادعون (وبتوع التلاتة ورقات) وقدشاهدت بام عينى ان تجار السوق - أي - اصحاب المحلات يأوون اليهم باعة الفرندات في حالة الكشة بكل طيب خاطر اذ يدخلون بضائعهم (تووش) ويعودون الى أماكنهم بعد زوال المسبب. في الرياضة كذلك نجد التداخل بين الشماليين والجنوبيين يمضي بصورة طيبة لا بل بين كل جهات السودان، فالتشجيع يجمع بين الجمهور بمشاربه المختلفة والحمد لله ان الكلمات العنصرية قد اختفت من الملاعب ولاسباب موضوعية، كما ان الجنوب قد رفد الملاعب السودانية بباقة طيبة من اللاعبين مثل الحارس الفذ يور الذي كانت جماهير الهلال تهتف له(يا يور يا دكتور) وهناك باكمبا الذي لعب للهلا ل والمريخ ثم مناوا والآن ريتشارد جاستن وآخرون كثيرون ان الرياضة قدمت خدمة كبيرة في سبيل بناء النسيج الوطني.