كأحد المشفقين من أبناء الأنصار غير النشطين فقد أفجعنا الصادق المهدى بتناقضاته وتضارباته فى التصريحات والمواقف منذ عودته وحزبه للسودان فى أعقاب ماسمى بإتفاق جبوتى. غير أن أوضاع حزب الأمة ومواقفه من العديد من القضايا الوطنية المصيرية كقضية إتفاق نفاشا؛ وقضية دارفور وقضايا مناطق التهميش تدعو للحزن والألم الشديد، فبالرغم من أن الكثيرون من السودانيين غير محزبين ولا ينتمون للنشاط السياسى بالسودان وهو شأنه فى ذلك شأن أى بلاد أخرى بالعالم، إلا أن نتائج كل إنتخابات السودان التى أجريت فى العهود الديمقراطية تعكس أن غالبية السودانيين يصوتون لصالح حزب الأمه وأنا وأسرتى واحد من هذه الأغلبية الصامتة. وهذا يحتم على كمراقب لشأن حزب الأمة أن أبدء العديد من الملاحظات فى سياق هذا المقال ومقالات أخرى تتبعه عن أوضاع هذا الحزب العريق. إن الأحزاب بالبلدان الديمقراطية ليست ملك لمحسوبيها وإنما أجهزة مهمة فى إطار المنظومة السياسية للدولة وبالتالى بالضرورة هى ملك للشعب والذى له الحق فى أن يعرف مصادر تمويلها، وبرامجها، وسياساتها وتاريخ قادتها ليس السياسى فحسب وإنما حتى الشخصى منها، يجب أن يكون متاحا للجماهير لمعرفة ما إذا كان ممكنا إئتمانها على البلاد، وحدتها وثرواتها (البشرية؛ والحيوانية، والبيئية، والمادية)، وموروثاتها (التاريخية، والثقافية، وغيرها)، فقد أعلن الصادق الحرب على الحزب فى مؤتمره السابع وذلك حينما قبل للأخرين أن يقتلوا مجرد محاولة إختبار مدى صلاحية النظام الديمقراطى بحزب الأمة وذلك بإختبار مدى جاهزية حزبه لقبول رئيس أخر بدلا عن الحالى الذى مكث لما يزيد عن الأربعين عاما ؛ و كذلك حينما فاجاء الجميع بأن من شروط قيادة الحزب أن يكون للعضو إمكانية لشراء دار ويكون له مال وفكر؛ وقد أسس الصادق لهذا قبل ذلك حينما كان يردد أن معه الشرعية التاريخية والنضالية والفكرية محتكرا بذلك أسس الترقى وقيادة الحزب على نفسه دون غيره؛ ومع أننا الأن وبنظرة فاحصة لأدائه كرئيس للوزراء وكرئيس للحزب ندرك تماما أنه أفشل رئيس وزراء يمر على السودان وتاريخه كله قائم على التأمر على غيره بادئا ذلك بالمحجوب؛ والأمام الهادى؛وعمه أحمد المهدى؛ وأخيرا مبارك الفاضل؛ والدكتور مادبو والكثيرون من القيادات الأخرى أمثال جبر الله خمسين؛ محمد على المرضىى؛ والبروفسور محمد إبراهيم خليل ؛وعبدالرسول النور بغض النظر عن ما إنتهى بهم الحال؛ ففى كل الحالات أسباب مغادرتهم كانت واحدة وهى الإستياء من الطريقة التى يعاملهم بها الصادق وإحتكاره للعمل؛ طبعا هذا خلافا للمؤامرات على القوى الوطنية من الإتحاديين والوطنيين الأخرين؛ الصادق الأن صارت كوارثه تتضح يوما بعد يوم والأن لا يستطيع تغطية أكاذبيه ومراوغاته العديدة ولهذا إنكشف المستور؛ ولا يستطيع أن يغطى عوراته وتناقضاته بأى حال؛ وما توفيقه لأوضاع أولاده بأجهزة نظام المؤتمر وألاعيبه فى محاولة إخفاء عملته ظانا أن للشعب قنابير وجماهير حزبه من السذج والبسطاء، ولهذا قام بإستئجار الحزب لنافع وزمرته؛ وصار نافع المستفيد الأول من حزب الأمة؛ ولهذا تجده يقول للقوى السياسية بأنهم لا يستطيعون عمل أى شى بدون الصادق وحزبه المستأجر؛ ولم يكن إستئجار حزب الأمة وليد اليوم، وبدات العملية منذ لقاء الترابى بالصادق الشهير فى سويسرا وإكتملت بصفقة جبوتى الخاسرة، ولربما منذ لقاء أحمد سليمان بالصادق الذى دعاه فيه للإنضمام للإنقلاب إن صحت رواية الصادق الذى أتردد كثيرا فى تصديق ما يقوله. وكما ذهب العديد من المعلقون بالمنتديات الإسفيرية، إن كان ما قاله الصادق صحيحا، فيكون بذلك قد أسهم فى تسليم السلطة لحزب الجبهة القومية كما سلمها حزب الأمة من قبل للعسكر، ولم يفعل الصادق أى شى لوقف الإنقلاب، بل أن هناك روايات بالمدينة تقول أن ثمت أفراد من حزبه أرادوا أن يقاوموا كوادر الجبهة القومية ورفض لهم الصادق، وكل ما فعله أن كتب لهم مذكرة ووضعها فى جيبه حينما أعتقلوه، ولاندى بفحوى هذه المذكرة، ولكن يستطيع الفرد أن يتكهن بأنها ربما إحتوت على تذكير بعقد الإيجار. وخرج الصادق فى عملية ما يسمى بتهتدون ليكمل مهمته فى عقد الإيجار وعمل على تعويق مهمة التجمع الوطنى الديمقراطى الذى بذل فيه غريمه اللدود مبارك الفاضل جهدا كبيرا فى حواراته مع الحركة بقيادة زعيمها الراحل الدكتور جون قرنق، وتمكن التجمع الوطنى من التغلب على العديد من الملفات المعنية بوحدة البلاد، ليأتى الصادق ويفتعل الكثير من الخلاف بين أطرافه وإنتهت بخروج حزب الأمة المؤسس للتجمع عن التجمع الوطنى وجاهر بعدائه لجون قرنق مما خلق فجوة عميقة بين الحزب والجنوبيون تزداد يوما بعد يوم حتى بعد إنفصال الجنوب وما تصريحات الصادق الأخيرة حول علاقة دولة الجنوب المستقلة بإسرائيل إلا مواصلة فى الكيد على الجنوبيين. وكذلك وللتدليل على إستئجار حزب الأمة يمكننا أن ننظر لمواقف الحزب من القضايا الوطنية العديدة، وإكتفى الحزب بممارسة الكلام الأجوف الذى لايغير طرف ثوبه، ومضت نفاشا فى غياب أكبر الأحزاب وصانع الإستقلال، وجائت أزمة دارفور والأن النيل الأزرق وجنوب كردفان والحزب يمضى فى عقد إجاره مع حزب الجبهة القومية رغم تبدل وتغير شروط العقد والمقعون الأصليون على العقد، فالمعلوم عن أن النشاط الحزبى لا تقتصر وسائله فى الكلام والخطب الحماسية، ولوأكتفى الأنصار بالكلام لكان السودان مازال تحت الحكم التركى، أو ربما الثنائى المصرى الإنجليزى، ولو أكتفى الأنصار برفع شعار الكلام لما زلنا تحت حكم عبود، ولو أكتفى الأنصار بالكلام لما كانت الجزيرة ابا، وودنوباوى ولما غير نظام نميرى من توجهاته اليسارية، ولو أكتفى الطلاب بالجامعات والمعاهد العليا بما فيهم محمد أحمد سلامة رئيس إتحاد أمدرمان الإسلامية احد قيادات طلاب الأنصار لصار رئيس السودان الأن أبوالقاسم محمد إبراهيم ونأئبه على عثمان محمد طه، ولهذا إسلوب الكلام الذى إنتهجه الصادق الأن حيال قضايا السودان المصيرية كالإنفصال ودارفور وقضايا النعرات العنصرية لنظام الإنقاذ تفسر ما ذهبنا إليه، وإلا فكان من الممكن لحزب الأمة أن يوقف نفاشا ويدخل إليها كطرف رئيس معنى بقضية البلاد، وكان من الممكن أن يوقف الدمار الذى حل بدارفور، وكان ممكنا لحزب الأمة أن يخرج البلاد من ورطتها الحالية وعزلتها الدولية، وكان ممكنا لحزب الأمة أن يوقف إنتهاكات حقوق الإنسان والإعتقالات التعسفية التى يمارسها النظام، بل كان لحزب الأمة أن يغير هذا النظام بيوم وليلة، وكل هذا ممكنا إذا فسخ هذا الحزب عقد إجاره مع حزب المؤتمر وعول على التغيير وليس التلاعب بالألفاظ فتارة تغيير وتارة تعدييل ومرة ناعمة وأخرى مدنية، وثالثة بالتهديد أن الصادق سوف يفعلها يوم السادس والعشرون من يناير والذى سوف يمر علينا عام من الوعد الكاذب ومازلنا فى محطتنا الأولى التى وقفنا فيها يوم أستئجر الحزب فى يوم لقاء أحمد سليمان إن صحت رواية صاحب العقد والعهد، ولنا عودة. Hassan Eltyeb [[email protected]]